جلسة 24 من نوفمبر سنة 2007
(الدائرة الرابعة)
الطعن رقم 1304 لسنة 45 القضائية عليا
– تأديب- دعوى تأديبية- تحقيق النيابة الإدارية- أثر إحالة أوراق التحقيق من الجهة الإدارية إلى النيابة الإدارية.
إذا تولت النيابة الإدارية التحقيق سواء بناء على طلب الجهة الإدارية المختصة، أو بناء على ما كشف عنه إجراء الرقابة، أو بناء على شكاوى الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها، فإن لها بل عليها أن تستمر في التحقيق حتى تتخذ قراراً في شأنه، دون أن يتوقف ذلك على إرادة الجهة الإدارية، كما أن لها من تلقاء ذاتها أن تحيل الأوراق إلى المحكمة التأديبية، متى قررت أن المخالفة تستوجب ذلك- مؤدى ذلك: أنه لا يجوز للجهة الإدارية أن تتصرف في التحقيق إلا إذا أحالت النيابة الإدارية الأوراق إليها- إذا رأت النيابة الإدارية قبل أن تحدد المسئولية الإدارية أن تحيل الأوراق إلى النيابة العامة لانطواء الوقائع على جريمة جنائية، فإن ذلك لا يؤثر في اختصاصها بالتصرف في التحقيق في شأن هذه المسئولية على ضوء ما يسفر عنه تحقيق النيابة العامة- تطبيق.
– واجبات الوظيفة- أداء العمل بدقة وأمانة- مفهومه.
الدقة والأمانة المتطلبة من الموظف العام تقتضيان منه أن يبذل أقصى درجات الحرص على أن يكون أداؤه العمل صادراً عن يقظة، بحيث يتحرى في كل إجراء يقوم به ما يجب أن يكون عليه الرجل الحريص من حذر وتحرز، فإذا ما ثبت في حق الموظف أنه قد أدى عمله باستخفاف أو غفلة أو لا مبالاة، كان خارجاً بذلك عن واجب أداء العمل بدقة وأمانة، ومن ثم يكون مرتكباً مخالفة تأديبية تستوجب المساءلة، ولو كان الموظف حسن النية سليم الطوية؛ لأن الخطأ التأديبي المتمثل في مخالفة واجب أداء العمل بدقة وأمانة لا يتطلب عنصر العمد، بل يتحقق بمجرد إغفال أداء الواجب الوظيفي على الوجه المطلوب- تطبيق.
في يوم الاثنين الموافق 21/12/1998 أودعت هيئة النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1304لسنة 45 ق. عليا في الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية بطنطا في الدعوى رقم 645 لسنة 22 ق، الذي قضى منطوقه بعدم جواز نظر الدعوى لسبق مجازاة المحال.
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن للأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم جواز نظر الدعوى لسبق مجازاة المحال (المطعون ضده)، والقضاء مجدداً بمجازاته بالعقوبة المناسبة لما نسب إليه بتقرير الاتهام.
وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم جواز نظر الدعوى لسبق مجازاة المطعون ضده بخصم شهر من راتبه.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة وذلك على النحو الوارد بمحاضر الجلسات إلى أن قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الرابعة موضوع لنظره، وبها نظر وذلك على النحو الوارد بمحاضر الجلسات إلى أن قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن أقيم في الميعاد المقرر قانوناً، واستوفى سائر أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً، فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر الموضوع الماثل تتحصل حسبما تبين من الأوراق في أنه بتاريخ 1/9/1998 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 645لسنة26ق بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بطنطا مشتملة على ملف القضية رقم 768لسنة1997 شبرا الخيمة، وتقرير اتهام ضد/ … العامل بمدرسة بيجام الإعدادية بنين سابقاً وحالياً بمدرسة منطى الإعدادية بالدرجة الخامسة؛ لأنه خلال عام 1996 بدائرة محافظة القليوبية لم يؤد العمل المنوط به بدقة وخالف القواعد والأحكام المالية بأن أهمل المحافظة على ما بعهدته بالمدرسة مما نتج عنه عجز مقداره 450 تختة جلوس للطلبة قيمتها 40590جنيهاً على النحو الموضح بالأوراق.
وارتأت النيابة الإدارية أن المحال المذكور قد ارتكب المخالفة المالية المنصوص عليها في المواد 76/1 و 77/2 و 4 و 78 من القانون رقم 47لسنة1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 وطلبت محاكمته تأديبياً بمقتضى المواد المشار إليها والمواد الأخرى الواردة تفصيلاً بتقرير الاتهام.
وبجلسة 28/11/1998 صدر الحكم المطعون فيه، وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية سبق أن قامت بإصدار القرار رقم 129لسنة1998 بتاريخ 26/2/1998 متضمناً مجازاة المحال (المطعون ضده) بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه وتحميله مبلغ 40590جنيها لإهماله في حراسة العهدة المكلف بها بالمدرسة، وهي ذات المخالفة الواردة بتقرير الاتهام، وبذلك فإن السلطة التأديبية استنفدت ولايتها لتوقيعها الجزاء المشار إليه على المحال، ويتعين لذلك القضاء بعدم جواز المحاكمة التأديبية لسبق مجازاة المحال عن ذات المخالفة، لاسيما وقد خلت الأوراق مما يفيد أن ذلك الجزاء تم الاعتراض عليه من الجهاز المركزي للمحاسبات.
ومن حيث إن مبنى الطعن على الحكم المطعون فيه هو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضده من المخالفات المالية التي تختص النيابة الإدارية وحدها بالتحقيق فيها، ويحظر على الجهة الإدارية التحقيق في الواقعة أو التصرف فيها وذلك وفقاً لحكم المادة (79 مكررا) من القانون رقم 47لسنة1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983، وأن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية أبلغت النيابة الإدارية بالواقعة بالقضية رقم 216 لسنة 1997 ثم قامت النيابة الإدارية بإبلاغ النيابة العامة بالواقعة لانطوائها على جريمة جنائية وأرجأت البت في الموضوع، وقامت النيابة العامة بإجراء تحقيق في الواقعة برقم 8825لسنة1997 إداري قسم أول شبرا الخيمة والمقيدة برقم 1135 لسنة 1997 حصر تحقيق، وانتهت النيابة العامة إلى استبعاد شبهة جناية الاختلاس، واكتفت بمجازاة المطعون ضده إدارياً، وبناء على ذلك باشرت النيابة الإدارية التحقيق في الموضوع، وأقامت الدعوى التأديبية الماثلة ضد المطعون ضده في 1/9/1998، إلا أن الجهة الإدارية قد أصدرت القرار رقم 129 لسنة 1998 بتاريخ 1/2/1998 بمجازاة المطعون ضده بخصم خمسة عشر يوماً من أجره وتحميله بمبلغ 40590جنيه لما نسب إليه بتقرير الاتهام، ومن ثم يكون القرار المشار إليه باطلاً بطلاناً مطلقاً ومشوباً بعيب عدم الاختصاص، حيث إن إرجاء النيابة الإدارية البت في الواقعة حتى تمام التصرف الجنائي بشأنها لا ينال من اختصاصها في التصرف في التحقيق في ضوء ما يسفر عنه التحقيق الجنائي، ويكون لها وحدها التصرف في الأوراق وإحالة الواقعة إلى المحاكمة التأديبية، والقول بغير ذلك من شأنه غل يد النيابة الإدارية عن مباشرة اختصاص أصيل خوله القانون لها، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون مما يتعين معه الحكم بإلغائه ومجازاة المطعون ضده بالعقوبة المناسبة لما ثبت في حقه.
ومن حيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أنه إذا تولت النيابة الإدارية التحقيق سواء بناء على طلب الجهة الإدارية المختصة، أو بناء على ما كشف عنه إجراء الرقابة، أو بناء على شكاوى الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها، فإن لها بل عليها أن تستمر في التحقيق حتى تتخذ قراراً في شأنه، دون أن يتوقف ذلك على إرادة الجهة الإدارية، كما أن لها من تلقاء ذاتها أن تحيل الأوراق إلى المحكمة التأديبية، متى قررت أن المخالفة تستوجب ذلك، ولا يجوز للجهة الإدارية أن تتصرف في التحقيق إلا إذا أحالت النيابة الإدارية الأوراق إليها.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أنه إذا رأت النيابة الإدارية قبل أن تحدد المسئولية الإدارية أن تحيل الأوراق إلى النيابة العامة لانطواء الوقائع على جريمة جنائية، فإن ذلك لا يؤثر في اختصاصها بالتصرف في التحقيق في شأن هذه المسئولية على ضوء ما يسفر عنه تحقيق النيابة العامة.
(يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1230لسنة9ق.عليا بجلسة 8/4/1967، والطعن رقم 644لسنة14ق.عليا الصادر بجلسة 1/2/1969 والطعن رقم 500لسنة29ق.عليا بجلسة 10/1/1987، والطعن رقم 6144لسنة42ق.عليا بجلسة 5/7/1997)
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية أبلغت النيابة الإدارية بكتابها رقم 6747 في 29/12/1996 بشأن وجود عجز بعهدة الأثاث بمدرسة بيجام الإعدادية بنين رقم 1 عهدة العامل /…، (المطعون ضده) عبارة عن عدد 450 تختة جلوس للطلبة تقدر قيمتها بمبلغ 40590جنيها، فأجرت النيابة الإدارية تحقيقاً في الواقعة بالقضية رقم 216لسنة1997 انتهت فيه إلى إحالة الأوراق إلى النيابة العامة لإجراء شئونها حيال الشق الجنائي في الواقعة، وإرجاء البت في المسئولية التأديبية قبل المطعون ضده إلى حين فصل النيابة العامة فيما يتصل بالشق الجنائي.
وأرسلت الأوراق إلى النيابة العامة بشبرا الخيمة قسم أول، وقيدت الأوراق بالنيابة الإدارية برقم إرجاء بت 3 لسنة 1997، وقد أجرت النيابة العامة تحقيقاً في الموضوع برقم 8825لسنة1997 إداري قسم أول شبرا الخيمة، والمقيدة برقم 1135 لسنة 1997 حصر تحقيق، وبعد انتهاء النيابة العامة من تحقيقها في الواقعة المنسوبة إلى المطعون ضده، وما انتهت إليه من الاكتفاء بمجازاته إدارياً لانتفاء شبهة الاختلاس، وبإبلاغ النيابة الإدارية بذلك باشرت التحقيق فيما نسب إلى المطعون ضده من إهماله في المحافظة على عهدته بمدرسة بيجام الإعدادية بنين رقم 1 مما نجم عنه وجود عجز قدره 450 تختة بمبلغ 40590جنيها.
وانتهت النيابة الإدارية بمذكرتها المؤرخة 3/8/1998 في القضية رقم 768لسنة1998 بشبرا الخيمة إلى إحالة المطعون ضده إلى المحاكمة التأديبية.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية قد أصدرت القرار رقم 129لسنة1998 بتاريخ 26/2/1998 بمجازاة المطعون ضده بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه وتحميله بمبلغ 40590جنيها قيمة العجز بعهدته، وذلك قبل تصرف النيابة الإدارية في التحقيق في المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضده، فإن هذا القرار لا يعتد به، ولا يكون له أي أثر ويعتبر كأن لم يكن، وتكون العبرة بما انتهت إليه النيابة الإدارية من إحالة المطعون ضده إلى المحاكمة التأديبية وتكون محاكمته تأديبياً لا تنطوي على تكرار أو ازدواج في الجزاء عن ذات المخالفة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى بعدم جواز نظر الدعوى لسبق مجازاة المطعون ضده تأديبياً عن المخالفة محل الدعوى المعروضة فإنه يكون قد خالف القانون مما يتعين معه الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن الدعوى التأديبية مهيأة للفصل في موضوعها، فإن المحكمة تتصدى للفصل في موضوعها حسبما جرى قضاؤها على ذلك.
ومن حيث إنه عن المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضده التي تتمثل في أنه أهمل المحافظة على ما بعهدته بمدرسة بيجام الإعدادية للبنين رقم 1 إبان فترة عمله بها، مما نتج عنه وجود عجز عدد 450 تختة جلوس للطلبة قيمتها 40590جنيها، فإنها ثابتة في حقه من واقع الأوراق والتحقيقات التي أجرتها النيابة العامة وتحقيقات النيابة الإدارية، وبما قرره/… رئيس اللجنة المشكلة لجرد عهدة المطعون ضده والمدرس بالمدرسة المذكورة من أنه تم اكتشاف عجز بعهدة المطعون ضده مقداره 450تختة، وتأيد ذلك بإقرار المطعون ضده بالتحقيقات، وإن برر ذلك بأنه عندما قام بتسلم العهدة لم يتأكد من صحتها، وأنه كان حسن النية، وتعامل مع الأمر ببساطة ولم يدرك فداحة الأمر؛ فإن ذلك لا ينفي مسئوليته.
ومن حيث إن الدقة والأمانة المتطلبتين من الموظف العام تقتضيان منه أن يبذل أقصى درجات الحرص على أن يكون أداؤه العمل صادراً عن يقظة وتبصر بحيث يتحرى في كل إجراء يقوم به ما يجب أن يكون عليه الرجل الحريص من حذر وتحرز، فإذا ما ثبت في حق الموظف أنه قد أدى عمله باستخفاف أو غفلة أو لا مبالاة، كان خارجاً بذلك عن واجب أداء العمل بدقة وأمانة، ومن ثم يكون مرتكباً مخالفة تأديبية تستوجب المساءلة، ولو كان الموظف حسن النية سليم الطوية، لأن الخطأ التأديبي المتمثل في مخالفة واجب أداء العمل بدقة وأمانة لا يتطلب عنصر العمد، وإنما هو يتحقق بمجرد إغفال أداء الواجب الوظيفي على الوجه المطلوب.
(يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 835 لسنة 34ق.عليا بجلسة 23/12/1989)
وترتيباً على ما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده لم يؤد عمله بالدقة والأمانة المتطلبتين وأهمل في الحفاظ على عهدته مما نتج عنه وجود العجز المشار إليه بالأوراق، الأمر الذي يشكل في حقه ذنباً تأديبياً يستوجب مجازاته عنه، وهو ما تقدره المحكمة بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وقد أخذ بغير هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون، مما يتعين معه الحكم بإلغائه ومجازاة المطعون ضده بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى من عدم جواز نظر الدعوى لسبق مجازاة المطعون ضده، ومجازاته بخصم خمسة عشر يوما من راتبه.