جلسة 23 من فبراير سنة 2012
الطعن رقم 20326 لسنة 53 القضائية (عليا)
(الدائرة الثامنة)
– الدفع بالتقادم– التقادم الخمسي– إذا كان الأصل في التقادم في القانون المدني أنه لا يترتب على اكتمال مدته سقوط الالتزام من تلقاء نفسه، بل لا بد أن يتمسك به المدين؛ بحسبان أن التقادم ليس سببا حقيقيا من أسباب براءة الذمة، بل مجرد وسيلة لقطع حق المطالبة به، فيظل التزاما مدنيا إلى أن يدفع بتقادمه، وينقضي إذا تم التمسك به، ولكن يتخلف عنه التزام طبيعي في ذمة المدين، إلا أن هذا الأصل لا يتسق مع روابط القانون العام إلا بالقدر الذي يتفق مع طبيعتها، ومن ثم فإن سقوط الالتزام باكتمال مدة التقادم الخمسي هو أمر حتمي، ولا يتخلف عنه التزام طبيعي في ذمة الدولة- لا يتوقف التمسك بالتقادم الخمسي على دفع من جهة الإدارة، بل يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها- الاعتبارات التي يقوم عليها التقادم الخمسي في مجال القانون العام هي اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة، تستهدف استقرار الأوضاع الإدارية، وعدم تعريض ميزانية الدولة للمفاجآت والاضطرابات التي تعجزها عن الوفاء بمتطلبات إشباع الحاجات العامة، وتسيير المرافق العامة بانتظام واضطراد([1]).
– المادتان (376) و (387) من القانون المدني.
– المادة (50) من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات.
في يوم الخميس الموافق 26/7/2007 أودع وكيل الطاعنة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 28/5/2007 في الدعوى رقم 2859 لسنة 28 ق، الذي قضى في منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بأحقية المدعية في صرف الحافز الشهري المقرر بقراري وزير الصحة رقم 212 و488 لسنة 1996 بنسبة 200% من الأجر الأساسي اعتبارا من 22/12/2000، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.
وطلبت الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بتاريخ أحقيتها في الحافز المذكور ليصبح 30/6/1996 (تاريخ صدور القرارين الوزاريين رقمي 212 و 488 لسنة 1996)، وتأييد الحكم فيما عدا ذلك.
وتم إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بأحقية الطاعنة في صرف مقابل الجهود غير العادية على النحو المبين بالأسباب، وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، وإلزام طرفي الخصومة المصروفات مناصفة.
وقد تُدُوولَ نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي أمرت بإحالته إلى هذه المحكمة حيث تُدُوولَ نظره أمامها على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 15/12/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 9/2/2012 مع مذكرات في أسبوعين، ولم يقدم أي من الطرفين شيئا خلال هذا الأجل، وبتلك الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة فهو مقبول شكلا.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل –حسبما يبين من الأوراق– في أنه بتاريخ 22/12/2005 أقامت الطاعنة الدعوى رقم 2859 لسنة 28 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالمنصورة، طالبة الحكم بأحقيتها في تقاضي مقابل الجهود غير العادية طبقا للقرارين الوزاريين رقمي 212 و488 لسنة 1996 بنسبة 200%، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وذلك على سند من أنها تعمل بوظيفة مدير معامل مستشفى السنبلاوين العام، وإخصائي التحاليل الطبية والكيماوية والباثولوجي الإكلينيكي اعتبارا من 30/6/1996، وأنه قد صدر قرار وزير الصحة والسكان رقم 212 لسنة 1996 بصرف حوافز وبدل جهود غير عادية للفئات وبالنسب والمبالغ الواردة باللائحة الأساسية المرافقة لهذا القرار، ثم صدر قراره رقم 488 لسنة 1996 الذي بمقتضاه أضيف العاملون بالمعامل المحلية التابعة لمديريات الشئون الصحية بالمحافظات من مختلف الوظائف والتخصصات إلى طوائف العاملين المنصوص عليهم في اللائحة الأساسية لنظام الحوافز والتعويض عن الجهود غير العادية المرافقة للقرار الوزاري رقم 212 لسنة 1996، وأنه لما كانت جهة الإدارة قد رفضت منحها هذا الحافز دون سند من القانون، فقد أقامت دعواها الماثلة بغية الحكم لها بما سلف من طلبات.
…………………………………..
وبجلسة 28/2/2007 أصدرت المحكمة المذكورة حكمها المطعون فيه، وشيدت قضاءها –بعد استعراض بعض أحكام قرار وزير الصحة والسكان رقم 212 لسنة 1996– على أنه لما كان الثابت من الأوراق أن المدعية (الطاعنة) تعمل بوظيفة مدير المعمل الباثولوجي الإكلينيكي بمستشفى السنبلاوين العام، وهي متفرغة لهذا العمل وتعمل فترات مسائية، ومن ثم فإنها تكون مستحقة لصرف الحافز الشهري طبقا لقراري وزير الصحة رقمي 212 و488 لسنة 1996 بنسبة 200% من الأجر الأساسي اعتبارا من 22/12/2000، مع مراعاة خصم نسبة 100% من هذا الحافز المقضي به بموجب الحكم رقم 3706 لسنة 26ق، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية.
…………………………………..
وحيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، تأسيسا على أنه كان يجب على المحكمة أن تقضي بأحقية الطاعنة في الحافز المطالب به اعتبارا من تاريخ صدور القرار رقم 488 لسنة 1996 المشار إليه، إلا أن المحكمة أعملت أحكام التقادم الخمسي بالمخالفة لنص المادة 387 من القانون المدني والتي لا تجيز للمحكمة القضاء بالتقادم من تلقاء نفسها، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بأحقية الطاعنة في الحافز المقضي به اعتبارا من 30/6/1996 (تاريخ العمل بقرار وزير الصحة المشار إليه).
…………………………………..
وحيث إنه عن الدفع بعدم جواز إعمال أحكام التقادم الخمسي في حالة الطاعنة طبقا للدفع المشار إليها، فإن المادة (50) من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات تنص على أن: “الماهيات التي لم يطالب بها في مدة خمس سنوات تصبح حقا مكتسبا للحكومة”، ويظهر من ذلك -وحسبما استقرت عليه أحكام هذه المحكمة– أن أحكام هذه المادة وإن اقتبست من النصوص المدنية مدة التقادم الخمسي، إلا أنها قررت في الوقت نفسه أنه بمجرد انقضاء المدة تصبح تلك الماهيات حقا مكتسبا للحكومة، فنفت تخلف أي التزام طبيعي في ذمة الدولة، وافترقت بذلك عن الأحكام المدنية التي تقضي بأنه وإن كان يترتب على التقادم انقضاء الالتزام إلا أنه مع ذلك يتخلف عنه التزام طبيعي (م376 مدني) ، وأنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها، بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب المدين أو بناء على طلب دائنيه أو أي شخص له مصلحة فيه ولو لم يتمسك به المدين (م 387 مدني)، ومرد ذلك –بحسب النظرية المدنية– إلى أن التقادم ليس سببا حقيقيا من أسباب براءة الذمة، بل مجرد وسيلة لقطع حق المطالبة به، فيظل التزاما مدنيا إلى أن يدفع بتقادمه، وينقضى إذا تم التمسك به، لكن يتخلف عنه التزام طبيعي في ذمة المدين، ولذلك ينبغي أن يتمسك به ذوو الشأن، ولا يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، بينما الاعتبارات التي يقوم عليها نص المادة (50) من اللائحة المالية للميزانية والحسابات هي اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض الميزانية –وهي في الأصل سنوية– للمفاجآت والاضطراب، ومن ثم فإن القاعدة التي قررتها هي قاعدة تنظيمية عامة يتعين على وزارات الحكومة ومصالحها التزامها، وتقضي بها المحكمة كقاعدة قانونية واجبة التطبيق في علاقة الحكومة بموظفيها، وهي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ومن بينها تلك اللائحة.
(حكمها في الطعن رقم 157 لسنة 2 ق جلسة 2/6/1956)
وحيث إنه فيما عدا ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما قضى به وصدر متفقا وصحيح حكم القانون، وذلك للأسباب التي قام عليها وتتخذها هذه المحكمة سببا لحكمها في الطعن الماثل، ولذلك تحيل إليها منعا للتكرار، وذلك فيما عدا تاريخ استحقاق الطاعنة البدل المطالب به الذي يتعين تعديله ليكون اعتبارا من 30/8/1999 (خمس سنوات سابقة على تاريخ اللجوء إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات).
وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184) مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بأحقية الطاعنة في صرف الحافز الشهري المقرر بقرار وزير الصحة رقم 488 لسنة 1996 بنسبة 200% من الأجر الأساسي اعتبارا من 30/8/1999، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
([1]) أكدت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا أن قواعد القانون المدني وُضعت أصلا لتحكم روابط القانون الخاص، وأن للقضاء الإداري أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع روابط القانون= =العام، إلا إذا وجد النص التشريعي الخاص بمسألة معينة فيجب التزامه، وأن قوانين مجلس الدولة المتعاقبة خلت من تحديد مواعيد معينة لرفع الدعاوى في المنازعات الإدارية التي يختص بنظرها إلا ما تعلق منها بطلبات الإلغاء، وبالنسبة لغير تلك الطلبات يجوز لذي الشأن رفع الدعوى متى كان الحق المطالب به لم يسقط بالتقادم طبقا لقواعد القانون المدني، وبينت أن فكرة التقادم المسقط لا تتعارض في طبيعتها ومفهومها مع روابط القانون العا، وأنه إذا كان للتقادم المسقط للمطالبة بالحقوق في نطاق روابط القانون الخاص حكمته التشريعية المتعلقة باستقرار الحقوق، فإن حكمته في مجال روابط القانون العام تجد تبريرها في استقرار الأوضاع الإدارية والمراكز القانونية لعمال المرافق العامة استقرارا تمليه المصلحة العامة وحسن سير المرفق. (راجع حكميها في الطعن رقم 567 لسنة 29 القضائية عليا بجلسة 15/12/1985، وفي الطعن رقم 29199 لسنة 54 القضائية عليا بجلسة 1/3/2014، منشوران بمجموعة المبادئ التي قررتها في ثلاثين عاما، مكتب فني، رقم 2/ب و 103/د).