جلسة 22 من نوفمبر سنة 2011
الطعن رقم 6507 لسنة 54 القضائية (عليا)
(الدائرة الثالثة)
– التقادم المسقط في مجال روابط القانون العام- وُضعت قواعد القانون المدني أصلا لتحكم روابط القانون الخاص- للقضاء الإداري أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع روابط القانون العام، إلا إذا وجد النص التشريعي الخاص بمسألة معينة فيجب التزامه- قوانين مجلس الدولة المتعاقبة خلت من تحديد مواعيد معينة لرفع الدعاوى في المنازعات الإدارية التي يختص بنظرها إلا ما تعلق منها بطلبات الإلغاء- فكرة التقادم المسقط لا تتعارض في طبيعتها ومفهومها مع روابط القانون العام.
– المواد (187) و(374) و(386) من القانون المدني.
– مدة التقادم المسقط إذا كان الحق المطالب به تنفيذا لعقد إداري- إذا كان أساس الحق المطالب به تنفيذ عقد إداري، ويخرج عن نطاق الحقوق التي حدد لها المشرع مددا خاصة للتقادم، فإن المطالبة بهذا الحق تتقادم بانقضاء خمس عشرة سنة طبقا لنص المادة (374) من القانون المدني.
– المواد (187) و(374) و(386) من القانون المدني.
– تفسير- النصوص التشريعية المنظمة للحقوق التي حدد لها المشرع مددا خاصة للتقادم يجب تفسيرها تفسيرا ضيقا، بحيث لا تطبق إلا على الحالات التي تضمنتها حصرا.
في يوم الثلاثاء الموافق 22/1/2008 أودع الأستاذ/… المستشار المساعد بهيئة قضايا الدولة -بصفته وكيلا عن الطاعنين- قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن الماثل، وذلك طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقليوبية (الدائرة الأولى) في الدعوى رقم 1112 لسنة 4ق بجلسة 28/11/2008، القاضي في منطوقه بسقوط دعوى المدعيين بصفتيهما في استرداد ما سدد للمدعى عليهما بغير وجه حق بالتقادم، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنان بصفتيهما -للأسباب الواردة في تقرير الطعن- الحكم بوقف تنفيذ الحكم، وإحالة الطعن إلى دائرة الموضوع للقضاء بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإلزام المطعون ضدهما بدفع مبلـــــغ (20,2491) فقط ألفان وأربع مئة وواحد وتسعون جنيها وعشرون قرشاً و4% كفوائد قانونية من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد، مع إلزامهما المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد أعلنت صحيفة الطعن على الوجه المبين بالأوراق، وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعا وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على الوجه المبين بمحاضر الجلسات. وبجلسة 5/5/2010 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع وحددت لنظره جلسة 5/10/2010، وتدوول نظره بجلسات المحكمة، وبجلسة 28/12/2010 قدم الحاضر عن الجهة الطاعنة مذكرة دفاع صمم فيها على طلباته مشيرا إلى أن المبلغ محل الطعن ليس استرداد ما دفع بغير وجه حق، وإنما هي مبالغ صرفت للمطعون ضدهما كمستحقات ثبتت بعد ذلك وطبقا لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عند مراجعة عملية إنشاء مبنى النادي الاجتماعي للعاملين، وأنه قد ورد للإدارة بناء على التقرير المشار إليه مبلغ 300 جنيه من قبل حي شرق شبرا الخيمة مستحق للمطعون ضدهما، وبعد استنزال هذا المبلغ يكون المستحق للإدارة مبلغ 200,2491. وبجلسة 18/10/2011 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم ومذكرات في أسبوع وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد إتمام المداولة قانونا.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية والإجرائية.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن الجهة الطاعنة قد أقامت الدعوى رقم 1212/4ق في 18/12/1996 طالبة الحكم بإلزام المدعى عليهما بدفع مبلغ 200,2491 والفوائد القانونية، وذلك على سند حاصله أنه قد تم إسناد عملية إنشاء مبنى النادي الاجتماعي للعاملين بشبرا الخيمة إلى المدعى عليهما، وبعد انتهاء الأعمال تم صرف جميع مستحقات المذكورين، وعند المراجعة من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات انتهى تقريره إلى أحقية الجهة الإدارية في مبلغ 200,2791 من المدعى عليهما، ثم خصم مبلغ 300 جنيه من قبل حي شرق شبرا الخيمة، وهى عبارة عن مستحقات للمذكورين لديه.
وقد نظرت الدعوى بجلسات محكمة القضاء الإداري بالقليوبية على الوجه المبين بمحاضرها وبجلسة 28/11/2007 قضت بسقوط دعوى المدعيين بصفتيهما في استردادها من المدعى عليهما ما دفع بغير وجه حق بالتقادم وألزمت الجهة الإدارية المصروفات، وشيدت قضاءها على أن أحكام المادتين 187، 386 تقضى بسقوط دعوى الاسترداد لما دفع بغير حق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد، وعند سقوط الحق تسقط معه الفوائد وغيرها من المستحقات ولو لم تكتمل مدة التقادم الخاصة بهذه الملحقات.
……………………………………..
وإذْ لم يلق الحكم قبولا لدى الطاعنين بصفتيهما أقاما الطعن الماثل نعيا على الحكم المطعون فيه صدروه مخالفا لصحيح حكم القانون؛ بحسبان أن الحكم المشار إليه قد فسر مفهوم المطالبة محل الدعوى على أساس أنها مطالبة واسترداد ما دفع بغير وجه حق، وذلك خلافا لصحيح حكم القانون والواقع، وحاصله أنها عن مديونية ناشئة عن العقد ومطالبة بسداد مبالغ مالية مستندة إليه.
……………………………………..
وحيث إنه عن موضوع الطعن فإن المادة 187 من القانون المدني تنص على أن: “تسقط دعوى استرداد ما دفع بغير حق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد، وتسقط الدعوى كذلك في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشا فيه هذا الحق”. وتنص المادة 374 من هذا القانون على أن: “يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون، وفيما عدا الاستثناءات التالية”. كما تنص المادة 386 منه على: “1-… 2- وإذا سقط الحق بالتقادم سقطت معه الفوائد وغيرها من الملحقات ولو لم تكتمل مدة التقادم الخاصة بهذه الملحقات”.
وحيث إن المستفاد مما تقدم أن القانون المدني قد تكفل في المواد 374 – 388 ببيان الأنواع المختلفة للتقادم، ورصد في المادة 374 المذكورة سالفا قاعدة عامة مؤداها تقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص، وفيما عدا الاستثناءات التي حددتها المواد التالية التي تتصل بالتقادم الخمسي والثلاثي ولسنة واحدة.
وحيث إنه ولئن كانت دعوى استرداد غير المستحق تسقط بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه مَن دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد، كما تسقط في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي تنشأ فيه الحق، إلا أنه يتعين النظر إلى الحق محل الدعوى ومدد تقادمه وعلى هدي من أنه إذا كانت هناك حقوق تتقادم بمدد خاصة بموجب نصوص تشريعية وجب تفسير هذه النصوص تفسيرا ضيقا بحيث لا تطبق إلا على الحالات التي تضمنتها حصرا.
وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أنه ولئن كانت قواعد القانون المدني قد وُضِعَتْ أصلا لتحكم روابط القانون الخاص، إلا أن القضاء الإداري له أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع هذه الروابط ويتفق مع طبيعتها، وقد جاءت قوانين مجلس الدولة المتعاقبة خلوا من مواعيد معينة لرفع الدعوى إلا ما تعلق بدعوى الإلغاء، وفكرة التقادم المسقط كطريق لانقضاء الدعوى التي لم تنقضٍ بأي طريق آخر لا يتعارض في مفهومه وطبيعته مع روابط القانون العام. كما قضت بأن المشرع بعد أن قرر الأصل العام للتقادم المسقط في المادة 374 جاء باستثناءات لحقوق تتقادم بمدد معينة بمقتضى نصوص تشريعية خاصة، ومن ثم وجب تفسير هذه النصوص تفسيرا ضيقا، بحيث لا تطبق إلا على الحالات التي تضمنتها بالذات، وما خرج عن هذه الحالات فإنه يرجع إلى أصل القاعدة وتكون مدة التقادم خمس عشرة سنة. (حكم دائرة توحيد المبادئ في الطعنين رقمي 567 لسنة 29ق و 55 لسنة 12 ق جلسة 15/12/1985). كما قضت بأنه طبقا للمادتين 374و 375 من القانون المدني فإن الالتزامات المدنية تسقط بحسب الأصل بالتقادم الطويل، أي بانقضاء خمس عشرة سنة نسبة إلى الواقعة المنشئة ما لم ينص القانون صراحة وعلى سبيل الاستثناء على مدة أقصر لتقادم الالتزام. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 8625 لسنة 46ق جلسة 27/2/2005).
وحيث إن الثابت من أوراق الطعن ومن صور تقرير الخبير المنتدب من محكمة القضاء الإداري وتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن مبالغ قد صرفت للمطعون ضدهما على سبيل الخطأ في سعر المتر والعلاوة بالنسبة لتوريد وترطيب سلك نحاس معزول،كما صرفت مبلغا على سبيل الخطأ نتيجة عدم مراعاة الشروط الواردة بالمعاينة بشأن أعمال الكريتال، كما أن الجهة لم تتيقن من قيام المطعون ضدهما بتوريد طفايات الحريق رغم سداد ثمنها بالمخالفة للثابت من محاضر المخازن.
وحيث إن الحق المطالب به أساسه تنفيذ العقد الإداري وما تستلزمه طبيعته الخاصة من القيام بأعمال مراجعة للأعمال المنفذة سواء على الطبيعة، أو طبقا للمواصفات الخاصة بكل عملية على حدة، وأن هذا الحق يخرج عن نطاق الحقوق التي حدَّدَ لها المشرع مُدَدا خاصة خلاف التقادم الطويل، سواء على سبيل الاستثناء أو بنص خاص، فتكون مدة التقادم الواجب حسابها خمس عشرة سنة، وتضحى مطالبة الجهة الطاعنة بالمبالغ التي صرفت للمطعون ضدهما دون وجه حق بناء على ما ورد بتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات -وهو ما تطمئن له المحكمة- قائمة على سند من الواقع والقانون، ويضحى الدفع المبدى من المطعون ضدهما بسقوط الحق في غير الحالات التي حددها القانون للتقادم الثلاثي غير قائم على سند
وحيث إن المبلغ المطالب به لم يسقط بالتقادم كما سلف البيان فإن الفوائد القانونية عن المبلغ المستحق (وهو مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب) تكون واجبة بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية عملا بالمادة 226 من القانون المدني، وكما ورد بطلب الجهة الإدارية بتقرير الطعن.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أخذ بغير هذا القضاء فإن المحكمة تقضي بإلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفته أحكام القانون والواقع.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بإلزام المطعون ضدهما سداد مبلغ 200,2491 والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة حتى السداد، وإلزام المطعون ضدهما المصروفات.