جلسة 24 من فبراير سنة 2005م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ منصور حسن على غربى
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ إدوارد غالب سيفين عبده ، وإبراهيم على إبراهيم عبد الله، محمد لطفى عبد الباقى جودة ، وعبد العزيز أحمد حسن محروس
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ خالد سيد
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ صبحى عبد الغنى جوده
أمين السر
الطعن رقم 8123 لسنة 47 قضائية. عليا:
عاملون مدنيون بالدولة ــ تأديب ــ للوزير سلطة توقيع الجزاء التأديبى على العاملين بفروع الوزارة داخل نطاق المحافظة.
سلطة الوزير فى توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين بوزارته مقررة بنص ولا تحجبها سلطة المحافظ بالنسبة للعاملين بفروع الوزارة داخل نطاق المحافظة ــ أساس ذلك:ــ للوزير سلطة التأديب على جميع العاملين بوزارته بحكم منصبه، حيث يحتل من وزارته وجميع المرافق التابعة لها موقع القمة، بما يترتب على ذلك من انعقاد مسئوليته عن حسن سيرها، فلا يستقيم والأمر كذلك غل يده عن سلطة الأمر بإجراء تحقيق فيما قد يثور بشأن إحدى الجهات التابعة لوزارته أو العاملين بها وإلا كانت مسئوليته بلا سلطة.
وإذا كان ذلك بالنسبة لسلطة الأمر بالتحقيق فإن هذه المسئولية تقتضى من باب أولى تقرير سلطة التأديب للوزير بوزارته ــ تطبيق.
عاملون مدنيون بالدولة ــ تأديب – القرار التأديبى يجب أن يقوم على سبب يبرره.
القرار التأديبى يجب أن يقوم على سبب يبرره بحيث يقوم على حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخل جهة الإدارة بتوقيع الجزاء وأن رقابة القضاء لصحة الحالة الواقعية أو القانونية تجد حدها الطبيعى فى التحقق مما إذا كانت النتيجة التى انتهت إليها جهة الإدارة مستخلصة استخلاصًا سائغاً من أصول تنتجها، مادياً وقانونياً، فإذا كانت منتزعة من غير أصول، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها غير صحيح كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون، أما إذا كانت النتيجة التى انتهت إليها الإدارة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها كان قرارها متفقاً وصحيح حكم القانون ــ تطبيق.
فى يوم الخميس الموافق 24/5/2001 أودع الأستاذ/ عبد الفتاح المليجى (المحامى) نائباً عن الأستاذ / فهمى عبد اللطيف أحمد (المحامى) – بصفته وكيلا عن الطاعن – قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا – تقريرًا بالطعن قيد بجدولها برقم 8123 لسنة 47 ق عليا فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية (الدائرة الأولى) بجلسة 25/3/2001 فى الطعن رقم 104 لسنة 42 ق والذى قضى بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعًا.
وطلب الطاعن ــ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ــ الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 954 لسنة 1999 الصادر فى 14/6/1996 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم أجر ستين يومًا من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية.
وأعلنت عريضة الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم ستين يومًا من أجره مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ونُظر الطعن أمام الدائرتين السابعة والثامنة (فحص) إلى أن أحيل إلى هذه الدائرة، وتدوول أمامها وذلك على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث أودع الحاضر عن الحكومة بجلسة 11/11/2004 حافظة مستندات طويت على التحقيقات التى أجريت مع الطاعن.
وبجلسة 13/ 1/2005 قررت المحكمة إصدار الحكم فى الطعن بجلسة 17/2/2005، وبجلسة الحكم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات،وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – فى أنه بتاريخ 8/11/1999 أقام الطاعن الطعن التأديبى رقم 104 لسنة 42 ق بإيداع عريضته قلم كتاب المحكمة التأديبية بالإسكندرية طالبًا الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء القرار رقم 954 لسنة 1999، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضدهم بالمصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال شرحًا لطعنه: إنه يشغل وظيفة مدرس أول لمادة العلوم بمدرسة الفتوح الإسلامية بإدارة العامرية التعليمية، وبتاريخ 4/8/1999 فوجئ بصدور القرار رقم 954 لسنة 1999 بمجازاته بخصم شهرين من راتبه فتظلم منه ولم يتلق ردًا على تظلمه.
ونعى على القرار المطعون فيه مخالفته للواقع والقانون، حيث لم يرتكب ثمة خطأ يستوجب عقابه بهذه العقوبة الشديدة، خاصة وأنه لم يوقع عليه جزاء طوال مدة خدمته التى بلغت ثمانية عشر عامًا، كما لم يقدم ضده أى بلاغ بالتعدى بالضرب أو التلفظ بألفاظ خارجة مع أى تلميذ، كما أن الشكوى المقدمة ضده من ولى التلميذة/ …………………….. هى شكوى كيدية ومدبرة من ناظرة المدرسة بالاتفاق مع مدير عام إدارة العامرية التعليمية لابتزازه والحصول منه على رشوة، وقد تم إبلاغ الرقابة الإدارية وتسجيل المحادثات واعترف المدير العام بأنه هو والناظرة اللذين قاما بتحرير الشكوى لولى أمر التلميذة المذكورة.
وأضاف الطاعن أن القرار المطعون فيه صدر مشوبًا بعيب إساءة استعمال السلطة حيث قصد به التنكيل بالطاعن.
وبجلسة 25/3/2001 حكمت المحكمة التأديبية بالإسكندرية (الدائرة الأولى) بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وأقامت قضاءها على أن ما نُسب إلى الطاعن من قيامه بالاعتداء بالضرب والألفاظ على تلاميذ فصلى 4/1 و4/3 بمدرسة الفتوح الإسلامية التابعة لإدارة العامرية التعليمية بالإسكندرية ثابت فى حقه وهو ما يمثل إخلالاً بواجبات وظيفته ومخالفة التعليمات التى تحظر استخدام أساليب العقاب البدنى ضد التلاميذ، ومن ثَمَّ يكون القرار الصادر بمجازاته قد صادف صحيح حكم القانون.
ومن حيث إن أسباب الطعن الماثل تتحصل فى أن الحكم المطعون فيه قد صدر مشوبًا بالخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال لما يلى:
ومن حيث إنه عن الاختصاص بإصدار القرار المطعون فيه، فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفاد نص المادة الثانية والمادة (82) من القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة أن للوزير سلطة التأديب على جميع العاملين بوزارته بحكم منصبه وكونه الرئيس الأعلى للعاملين بالوزارة؛ حيث يحتل من وزارته وجميع المرافق التابعة لها القمة بما يترتب على ذلك من انعقاد مسئوليته عن حسن سيرها، فلا يستقيم والأمر كذلك غل يده عن سلطة الأمر بإجراء تحقيق فيما قد يثور بشأن إحدى الجهات التابعة لوزارته أو العاملين بها وإلا كانت مسئوليته بلا سلطة .
وإذا كان ذلك بالنسبة لسلطة الأمر بالتحقيق فإن هذه المسئولية تقتضى من باب أولى تقرير سلطة التأديب للوزير بوزارته، وقد نصت المادة (157) من الدستور على أن الوزير هو الرئيس الإدارى الأعلى لوزارته.
ولا يغير من ذلك ما نصت عليه المادة (27) مكررًا (1) من قانون نظام الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1981 على أن ” يكون المحافظ رئيسًا لجميع العاملين المدنيين فى نطاق المحافظة فى الجهات التى نقلت اختصاصاتها إلى الوحدات المحلية ويمارس بالنسبة لهم جميع اختصاصات الوزير ..” ذلك أنه إذا كان قانون الإدارة المحلية قد خول المحافظ جميع السلطات التنفيذية المقررة للوزارة بمقتضى القوانين واللوائح بالنسبة للعاملين فى نطاق محافظته فى الجهات التى نقلت اختصاصاتها إلى الوحدات المحلية بما فى ذلك الاختصاص التأديبى إلا أنه لم ينص صراحة على إسقاط ولاية التأديب عن الوزير، حيث لم ينص على إلغاء اختصاص الوزير التأديبى المقرر بقانون العاملين المدنيين بالدولة ولم ينص على قصر سلطة التأديب بالنسبة للعاملين بفروع الوزارات بالمحافظات على المحافظ وحده.
كما أنه لا يسوغ القول بأن هناك إلغاءً ضمنيًا لهذا الاختصاص؛ حيث تأكد تقريره بالقانون رقم 115 لسنة 1983 الذى عدل المادة (82) من القانون رقم 47 لسنة 1978 وهو قانون لاحق لقانون الإدارة المحلية، ومن ثَمَّ فلا يجوز القول بإلغاء سلطة الوزير فى التأديب بحجة قيام ازدواج فى الاختصاص ذلك أنه متى كانت سلطة الوزير فى التأديب على جميع العاملين فى الوزارة وسلطة المحافظ فى التأديب على العاملين بفروع الوزارات فى نطاق المحافظة كلاهما مقررة بنص القانون، فإن هذا الازدواج يجد سنده ومصدره فى النصوص القانونية القائمة التى قررت هذا الاختصاص.
ولا يجوز القول أن سلطة أحدهما تحجب سلطة الآخر، إذ لا يمكن ترجيح أحد الاختصاصين على الآخر أو حجب أحدهما للآخر والقاعدة أن إعمال النص خير من إهماله.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم، ولما كانت سلطة الوزير فى توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين بوزارته مقررة بالنص لا تحجبها سلطة المحافظ بالنسبة للعاملين بفروع الوزارة داخل نطاق المحافظة على النحو المقدم وكان الثابت أن الطاعن من العاملين بمديرية التربية التعليم بمحافظة الإسكندرية، ومن ثَمَّ فإن القرار المطعون فيه الصادر من وزير التربية والتعليم بمجازاته يكون قد صدر من السلطة المختصة بإصداره ويكون هذا القرار سليما من هذه الناحية.
ويتعين التعرض لمدى مشروعية القرار الطعين من ناحية أركانه الأخرى التى يجب أن تتوافر فيه.
ومن حيث إنه عن موضوع القرار المطعون فيه فالثابت بالأوراق أنه قد انبنى على ما نُسب إلى الطاعن من أنه بوصفه مدرسًا أول بمدرسة الفتوح الإسلامية بإدارة العامرية التعليمية بالإسكندرية خرج على مقتضى الواجب الوظيفى وسلك مسلكًا لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة؛ حيث اعتاد الاعتداء بالضرب بقسوة على تلاميذ فصل 4/1و4/3 أثناء تعامله معهم والتلفظ بألفاظ خارجة على حدود الآداب العامة بصفة متكررة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القرار التأديبيى يجب أن يقوم على سبب يبرره بحيث يقوم على حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخل جهة الإدارة بتوقيع الجزاء وأن رقابة القضاء لصحة الحالة الواقعية أو القانونية تجد حدها الطبيعى فى التحقق مما إذ كانت النتيجة التى انتهت إليها جهة الإدارة مستخلصة استخلاصًا سائغًا من أصول تنتجها ماديًا وقانونيًا، فإذا كانت منتزعة من غير أصول أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها غير صحيح كان القرار فاقدًا لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفًا للقانون، أما إذا كانت النتيجة التى انتهت إليها جهة الإدارة مستخلصة استخلاصاً سائغًا من أصول تنتجها كان قرارها متفقًا وصحيح حكم القانون.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن سبب القرار التأديبى ــ بوجه عام ــ هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فإذا توافر لدى جهة الإدارة المختصة الاقتناع بأن الموظف سلك سلوكًا معيبًا ينطوى على الإخلال بكرامة وظيفته أو بالثقة الواجب توافرها فيمن يقوم بأعبائها وكان اقتناعها هذا لوجه المصلحة العامة مجردًا عن الميل أو الهوى وأقامت قراراها بإدانة سلوك الموظف على وقائع صحيحة وثابتة فى عيون الأوراق الى النتيجة التى خلصت إليها؛ كان قرارها فى هذا الشأن قائمًا على سببه مطابقًا للقانون.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة التحقيقات التى أجرتها الإدارة العامة للشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم فى القضية رقم 2606 لسنة 1999 أن ما نُسب إلى الطاعن وسيق سببًا لمجازاته بالقرار المطعون فيه من اعتياده الاعتداء بالضرب بقسوة على التلاميذ وتلفظه بألفاظ خارجة على حدود الآداب العامة بصفة متكررة ثابت فى حقه بشهادة التلميذات اللاتى قررن صحة ذلك بالتحقيقات، الأمر الذى يكون معه القرار المطعون فيه قد صدر قائمًا على سند صحيح من الواقع والقانون بمنأى عن الإلغاء.
ومن حيث إنه لا ينال مما تقدم ما ذهب إليه الطاعن فى عريضة طعنه من أن الجزاء المطعون فيه قد شَابَه الغلو والإسراف فى الشدة دون مراعاة التدرج فى العقاب، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الغلو المحظور على جهة الإدارة هو عدم التناسب البتة بين الخطأ البسيط الذى لا يستأهل سوى الإنذار أو الخصم من الراتب وبين الجزاء المفرط فى الشدة كالفصل من الخدمة الذى تركب فيه الجهة الإدارية متن الشطط بقصد الانتقام من العامل أو التخلص منه بما يخرجها عن الغاية من توقيع الجزاء وهو حسن سير المرافق العامة حيث يضطر العاملون إلى الإقلاع عن أداء واجبات وظائفهم على الوجه المرضى خوفًا وجزعًا من توقيع الجزاءات الظالمة التى تستهدف التخلص منهم أو التنكيل بهم وبهذه المثابة يخرج الجزاء عن نطاق التقدير الخاضع لسلطات الإدارة إلى اختراق دائرة الشرعية التى تحيط بفكرة الجزاء التأديبى والهدف من توقيعه، الأمر الذى يوجب على القاضى الإدارى أن يتدخل ليرد الجهة الإدارية إلى حظيرة القانون فى دائرة سلطتها التقديرية المرخص بها قانونًا، فإذا مارست الإدارة سلطتها التقديرية داخل تلك الدائرة فلا يسوغ للقضاء أن يتعقبها عند تقدير خطورة الذنب أو تحديد الجزاء المناسب من بين أنواع الجزاءات المختلفة أو درجاتها.
ولما كان ما أتاه الطاعن بوصفه معلمًا ومربيًا يمثل سلوكًا معيبًا ينطوى على الإخلال بكرامة وظيفته وبالثقة الواجب توافرها فيه فإن القرار المطعون فيه يكون ــ والحال كذلك ــ قائمًا على سببه مطابقًا للقانون، ويغدو النعى عليه بالغلو والإسراف فى الشدة فى غير محله ويكون الطعن فيه فاقدًا سنده من القانون خليقًا بالرفض.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب، فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون، ويغدو الطعن فيه غير قائم على سند صحيح من القانون خليقًا بالرفض.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا.