جلسة 22 من مايو سنة 2013
الإشكال المقيد برقم 73 لسنة 59 القضائية (عليا)
(الدائرة السادسة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ ربيع عبد المعطي أحمد الشبراوي
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ علي محمد الششتاوي إبراهيم وصلاح أحمد السيد هلال وعبد الحميد عبد المجيد عبد الحميد الألفي وعاطف محمود أحمد خليل.
نواب رئيس مجلس الدولة
الإشكال في تنفيذ الحكم- الإشكال بالاستمرار في تنفيذ الحكم- المحكمة المختصة بنظره- المحكمة التي أصدرت الحكم هي المختصة بالفصل في الإشكال في التنفيذ، سواءَ بطلبِ وقف تنفيذ الحكم أو بالاستمرارِ في تنفيذه ([1]).
حجية الأحكام- أسبغ المشرع على الأحكام الصادرة عن محكمة القضاء الإداري القواعد الخاصة بحجية الأمر المقضي، وأوجب تنفيذها رغم الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا، ما لم تقضِ دائرة فحص الطعون بوقف التنفيذ- يتعيَّن على جهة الإدارة تنفيذُ الحكم والنـزولُ على مقتضاه باعتبارها المنوط بها ذلك؛ خضوعًا وامتثالا لِما للأحكام من حجية، هي من النظام العام، بل هي أعلى مدارجه.
– المادتان (50) و(52) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
الإشكال في تنفيذ الحكم- الإشكال بالاستمرار في التنفيذ- ما يُعَدُّ من حالاته- قيامُ الجهة الإدارية حال تنفيذ الحكم بإصدار شهادة مُتَضمِّنة عبارة أنه: “تم إصدار هذه الشهادة تنفيذًا للحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا في الشق العاجل من الطعن…” لا يُعَدُّ تنفيذًا كاملا للحكم؛ إذ علَّقت الإدارة تنفيذَه على صدور حكمٍ في موضوع الدعوى، التي قد تكون مازالت منظورةً أمام المحكمة، مما يُعَدُّ التفافًا وإعراضًا منها عن إعمال حجية هذا الحكم وتنفيذ مقتضاه- هذه العبارة محلها في سجلات الإدارة وبياناتها، لا أن تُدرَج في الشهادة الصادرة تنفيذًا للحكم، فضلا عن أن محل هذه العبارة يكون في سجلاتها وبياناتها الخاصة بدرجات الطاعن في الجامعة، لا أن تدرج بشهادة تخرج تقدم كمسوغ للتعيين بالجهات الإدارية، حيث إن أحكام القضاء كاشفة للحقوق وليست منشئة لها.
إنه في يوم الأربعاء الموافق 3/10/2012 أودع المستشكِل قلم كتاب هذه المحكمة، تقرير الإشكال الماثل في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 36050 لسنة 57ق.ع بجلسة 14/12/2011، الذي قضى منطوقه بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما، وإلزام جامعة المنوفية المصروفات.
وطلب المستشكِل -للأسباب المبينة بتقرير الإشكال- (أصليا) الحكم بصفة مستعجلة بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر في الطعن رقم 36050 لسنة 57ق.ع بجلسة 14/12/2011 تنفيذًا كاملا بمنح الطاعن شهادة بنجاحه مُدوَّنًا بها الدرجات الحاصل عليها، وخاليةً من عبارة “بناء على حكم المحكمة”؛ لمخالفة هذه العبارة مقتضى تنفيذ الحكم. و(احتياطيا) الحكم له بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار الجامعة السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر في الطعن رقم 36050 لسنة 57ق.ع، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها منح الطاعن شهادة بنجاحه غير مُدوَّن بها عبارة “بناء على حكم المحكمة”، وعلى أن تتضمن الدرجات الحاصل عليها، ومنحه بيانًا بتقديراته ودرجاته الحاصل عليها في سنوات الدراسة، مع إلزام الجامعة المصروفات.
وتم إعلان الإشكال للمستشكَل ضده على النحو المبين بالأوراق، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الإشكال، ارتأت فيه -لما ورد به من أسباب- الحكم بقبول الإشكال شكلا، وفي الموضوع بإلزام جامعة المنوفية حذف عبارة “بناء على حكم المحكمة الإدارية العليا” من الشهادة الدراسية الممنوحة للمستشكِل، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، على النحو المبين بالأسباب، وإلزام المستشكِل وجهة الإدارة المصروفات مناصفةً.
وقد تدوول الإشكال أمام الدائرة السادسة (فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا، حتى أحيل إلى الدائرة السادسة (موضوع)، وتدوول بجلساتها على النحو المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 27/2/2013 قررت المحكمة إصدار الحكم في الإشكال بجلسة 24/4/2013، ثم تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد إتمام المداولة قانونًا.
وحيث إن الإشكال الماثل قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية المقررة، فإنه يغدو مقبولا شكلا.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن المستشكِل كان قد أقام الطعن رقم 36050 لسنة 57ق.ع أمام المحكمة الإدارية العليا، في حكم محكمة القضاء الإداري بالمنوفية في الدعوى رقم 273 لسنة 12ق، الذي قضى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي المصروفات، طالبًا فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من الامتناع عن إصدار شهادة تخرج الطاعن بالبرنامج القانوني للتعليم المفتوح بكلية الحقوق- جامعة المنوفية، مُتضمِّنًا الدرجات التي حصل عليها بالمقررات الدراسية، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجامعة المطعون ضدها المصروفات.
……………………………………………………………..
وبجلسة 14/12/2011 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما، وألزمت جامعة المنوفية المصروفات.
وشيَّدت المحكمة قضاءها على أنه فيما يتعلق بإضافة درجات التحسين الحاصل عليها الطاعن إلى مجموعه التراكمي، كان يتعين على جامعة المنوفية عدم السماح للطاعن بدخول الامتحان في المواد التي سبق له أن درسها بالكلية المحوَّل منها عملا بالمادة (81) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات، إلا أن الجامعة سمحت له بدخول الامتحان في تلك المواد واجتازها بنجاح، وحصل على درجات أعلى من الدرجات التي سبق أن حصل عليها، وقد خلت الأوراق من أن جامعة المنوفية قد سمحت للطاعن بإعادة الامتحان في تلك المقررات نتيجة تواطؤ مع الطاعن، أو أن هذا الإجراء قد تم نتيجة تدليس أو غش من جانب الطاعن على الجامعة للسماح له بإعادة الامتحان في تلك المواد بالمخالفة للمادة (81) من اللائحة التنفيذية، إلا أنها -وأيا كانت المخالفة- فهي مخالفة عادية لا تصل إلى درجة المخالفة الجسيمة التي تصل إلى درجة الانعدام، وبالتالي لا يجوز لجامعة المنوفية الامتناع عن إعلان تلك الدرجات المحسنة التي حصل عليها الطاعن في تلك المواد وإضافتها إلى مجموعه.
وفيما يتعلق بقرار جامعة المنوفية السلبي بالامتناع عن إعلان نتيجته، فقد شيدت المحكمة قضاءها على أن هذا الذي تذرعت به جامعة المنوفية من امتناعها عن إعلان نتيجة الطاعن بالمستوى الرابع، وبالتالي امتناعها عن إصدار شهادة بتخرجه بعد نجاحه، لا يجعل إجراءات قبول وقيد الطالب بالبرنامج المذكور مشوبة بعيب جسيم للقانون، حيث خلت الأوراق التي قدمتها الجامعة من تواطؤ الجهات الإدارية المطعون ضدها مع الطاعن أو حدوث تدليس أو غش من جانب الطاعن على الجامعة عند تقدمه لها لقبوله في هذا البرنامج، كل ما هنالك أن قيد الطاعن بهذا البرنامج قد تم بالمخالفة للقانون، وهي مخالفة بسيطة لا تصل في جسامتها إلى درجة الانعدام، الأمر الذي لا يجوز معه لجهة الإدارة المطعون ضدها سحب أو إلغاء إجراءات قيده وقبوله بالبرنامج إلا في المواعيد التي حددتها المادة (24) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، خصوصًا أن الطالب قد أدى الامتحان بالمستويين الثالث والرابع ونجح فيهما واكتسب مركزًا قانونيا فرديا لا يجوز المساس به، مما كان يتعين معه إعلان نتيجة المستوى الرابع واعتمادها، ويكون قرار جامعة المنوفية السلبي بالامتناع عن إعلان نتيجته واعتمادها -بحسب الظاهر- غير مطابق للقانون.
……………………………………………………………..
وإزاء تنفيذ الجامعة المستشكَل ضدها حكم المحكمة الإدارية العليا المشار إليه تنفيذًا منقوصًا، بإصدارها شهادة تخرج للمستشكِل مُدوَّن عليها عبارة “بناء على حكم المحكمة الإدارية العليا”، فقد أقام المستشكِل إشكاله الماثل للأسباب الآتية:
1- أن الجامعة عند تنفيذها حكم المحكمة الإدارية العليا أصرت على تدوين عبارة “بناء على حكم المحكمة الإدارية العليا”، وهذا الإصرار هو نتيجة إنكار الجامعة على الطالب نجاحه، وأحقيته في منحه الشهادة بالدرجات التي حصل عليها بالمخالفة لحقيقة الواقع التي كشف عنها الحكم، الأمر الذي تعد معه الجامعة قد امتنعت عن تنفيذ الحكم تنفيذًا كاملا، ويغدو طلب الاستمرار في تنفيذ الحكم تنفيذًا كاملا قائمًا على سندٍ من القانون.
2- أن من الآثار المترتبة بحكم اللزوم على وقف تنفيذ القرارين المقضي بوقف تنفيذهما هو منح المستشكِل بيانًا بدرجاته وتقديراته عن سنوات الدراسة، وحيث إن الجامعة قد اقتصرت على منحه شهادة بنجاحه فقط، فإنها بذلك تكون قد امتنعت عن تنفيذ الحكم تنفيذًا كاملا، ويضحى الإشكال في التنفيذ الماثل قائمًا على سند صحيح من القانون.
……………………………………………………………..
وحيث إن المادة (50) من قانون مجلس الدولة المشار إليه تنص على أنه: “لا يترتب على الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا وقفُ تنفيذ الحكم المطعون فيه، إلا إذا أمرت دائرة فحص الطعون بغير ذلك…”.
وتنص المادة (52) من القانون ذاته على أن: “تسري في شأن جميع الأحكام، القواعدُ الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه، على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجةً على الكافة”.
ومقتضى ذلك أنه في شأن تنفيذ الأحكام الصادرة عن محكمة القضاء الإداري، لم يترك المشرع أمرها سدى، وإنما أسبغ عليها -بعبارات صريحة الدلالة واضحة المعني- القواعد الخاصة بحجية الأمر المقضي، وأوجب تنفيذها رغم الطعن عليها، وقرر في صراحة ووضوح أنه لا يترتب على الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا وقف تنفيذها، ما لم تقضِ دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بوقف التنفيذ.
ولما كانت الجهة الإدارية هي المنوط بها تنفيذ الحكم، والملزمة بالنزول على مقتضاه، خضوعًا وامتثالا لِما للأحكام من حجية هي من النظام العام، بل هي في أعلى مدارجه وعلى القمة من أولوياته، ومن ثم يتعيَّن عليها تنفيذُ تلك الأحكام.
وحيث إنه بالتطبيق لما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن المحكمة الإدارية العليا قد أصدرت حكمًا في الطعن رقم 36050 لسنة 57ق.ع، قضى بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما، الأول: بإلغاء درجات التحسين الحاصل عليها المستشكِل، والثاني: بالامتناع عن إعلان نتيجته واعتمادها ببرنامج التعليم المفتوح بكلية الحقوق- جامعة المنوفية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إصدار شهادة التخرج الخاصة به والتي تفيد حصوله على درجة الليسانس في الحقوق، وبناءً عليه تقدم المستشكِل إلى الجامعة بالحكم الحاصل عليه لتنفيذه، وبالفعل استجابت الجامعة لحكم المحكمة وقامت بتنفيذه وأصدرت شهادة بتخرجه، إلا أنها ذكرت فيها عبارة أنه: “تم إصدار هذه الشهادة تنفيذًا للحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) في الشق المستعجل من الطعن رقم 36050 لسنة 57ق.ع بجلسة 14/12/2011، مع حفظ كافة حقوق الجامعة في هذا الشأن حتى يتم الفصل في الشق الموضوعي من الدعوى رقم 273 لسنة 12ق. والمنظورة أمام محكمة القضاء الإداري بالمنوفية”، ومن ثم يتضح أن جامعة المنوفية لم تقم بتنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا تنفيذًا كاملا، بل علقت تنفيذه على صدور حكم في موضوع الدعوى التي مازالت منظورة أمام محكمة القضاء الإداري بالمنوفية، فضلا عن أن محل هذه العبارة يكون في سجلاتها وبياناتها الخاصة بدرجات الطاعن في الجامعة، لا أن تدرج بشهادة تخرج تقدم كمسوغ للتعيين بالجهات الإدارية، حيث إن أحكام القضاء كاشفة للحقوق وليست منشئة لها، فنجاح الطالب وإعطاؤه شهادة بذلك لم يكن نتيجة للحكم الحاصل عليه، وإنما لدخوله الامتحانات واجتيازها بنجاح، وما كان حكم المحكمة إلا مجرد عمل كاشف عن مركز قانوني سبق واستقر، ويكون مسلك الجامعة المستشكَل ضدها بإضافة العبارة المبينة سالفًا إلى شهادة المستشكِل امتناعًا عن تنفيذ الحكم المذكور سالفًا، وهو ما يمثل خروجًا صارخًا على أحكام الدستور والقانون؛ بحسبان أن الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا تصدر نافذةً، الأمر الذي يعد التفافًا وإعراضًا منها عن إعمال حجية هذا الحكم وتنفيذ مقتضاه، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بالاستمرار في تنفيذ الحكم المشار إليه.
وحيث إن من يخسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملا بالمادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الإشكال شكلا، وبالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 36050 لسنة 57ق.ع، على النحو المبين بالأسباب، وألزمت الجامعة المستشكَل ضدها المصروفات.
[1])) قارن على خلاف ذلك: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3886 لسنة 53ق.عليا بجلسة 24/2/2007 (منشور بمجموعة مبادئ الدائرة الأولى بالمحكمة في العام 2006/ 2007، جـ 1، المبدأ رقم 63 ص419)، حيث ذهبت إلى أن الامتناع عن التنفيذ لا يُعَدُّ عقبةً طارئة فى تنفيذ الحكم، ولا يدخل ضمن أسباب وصور الإشكال في التنفيذ؛ إذ إن امتناع الإدارة الإرادي العمدي عن تنفيذ الحكم قد يتضمن قرارًا صريحًا أو سلبيا بالامتناع عن التنفيذ، وهذا القرار يجوز طلبُ إلغائه ووقف تنفيذه، ذلك أن وصف الدعوى بأنها إشكال عكسي بالاستمرار فى تنفيذ الحكم لا يتفق مع المدلول القانوني= =لإشكالات التنفيذ، ومن ثم قضت المحكمة بعدم اختصاصها وإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري؛ باعتبارها من دعاوى الإلغاء.