جلسـة 25 من فبراير سنة 2012
الطعـنان رقما 34186 و 34187 لسنة 55 القضائية (عليا)
(الدائرة الرابعة)
– تأديب- ضماناته- وجوب توفر الحيدة في الهيئة التي تتولى محاكمة الموظف- من يبدي رأيه في الاتهام أو يسهم في تحضير الدعوى، أو يشارك في أي إجراء من إجراءات التحقيق، يمتنع عليه الاشتراك في نظر الدعوى والحكم فيها؛ وذلك ضمانا لحيدة القاضي أو عضو مجلس التأديب، حتى تصفو نفسه من كل ما يمكن أن يستشف منه رأيه في المتهم- لا يجوز لمن سبقت مساهمته في الإجراءات السابقة على إحالة الموظف إلى مجلس التأديب، أن يشترك في عضوية مجلس التأديب الذي يتولى محاكمة الموظف، وإلا كان القرار الصادر عن مجلس التأديب مشوبا بالبطلان.
– عاملون بالمحاكم والنيابات- تأديبهم- القرارات التي تصدر عن مجالس تأديبهم هي قرارات نافذة بذاتها دون اعتماد أو تصديق من جهة إدارية أعلى، ومن ثم فإنها أقرب في طبيعتها إلى الأحكام، ويجري في شأنها ما يجري على الأحكام الصادرة عن المحاكم التأديبية، فيطعن فيها مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا، ويجب أن تحاط بما تحاط به الأحكام من ضمانات، وأن يتوفر في شأنها ما يتوفر في الأحكام من ضوابط- إذا اشترك في عضوية مجلس التأديب كبير كتاب المحكمة رغم سبق مساهمته في الإجراءات السابقة على إحالة الموظف إلى مجلس التأديب، وذلك بتشكيل لجنة فحص أعماله، فإن القرار الصادر عن هذا المجلس يكون مشوبا بالبطلان.
– الحكم في الدعوى- تسبيب الأحكام- تسبيب الأحكام يعد أصلا من الأصول الثوابت للمحاكمات التي تحرص عليها التشريعات المنظمة لإجراءات المحاكمات، فيجب أن تصدر الأحكام بركيزة من أسباب واضحة جلية تنم عن تحصيل المحكمة لواقعات الدعوى، وبيان الأدلة الواقعية والقانونية على ثبوتها، وكيفية هذا الثبوت على نحو كاف لتكوين عقيدتها وتشكيل وجدانها- وجوب اشتمال الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها ليس استتماما لها من حيث الشكل، بل لحمل المحكمة على العناية بأحكامها، وتوخي العدالة في قضائها، فتأتي ناطقة بعدالتها وموافقتها للقانون، فتحمل من ثم الخصوم على الاقتناع بعدالة الأحكام والانصياع لقضائها، وتنزل في نفوسهم منزلة الإجلال والإكبار، ومن زاوية أخرى تمكن محكمة الطعن من بسط رقابتها عليها، وهي رقابة لا تقوم ولا تستوي إلا إذا جاءت الأحكام مسببة تسبيبا جليا بألا يكتنفها غموض، وواضحة بألا يخالطها لبس، وكافية بألا يشوبها نقص أو يعتريها قصور.
– المادة (176) من قانون المرافعات.
– المادة (43) من قانون مجلس الدولة (الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972).
– تأديب- الدعوى التأديبية- الحكم الصادر فيها- تسبيبه- إذا اكتفى الحكم في إدانة المحال بالقول إن الثابت بالأوراق ثبوت المخالفة في حقه على النحو الذي سبق وأن أورده في الأسباب، دون أن يعتني ببيان ذلك، وسند هذا الثبوت وأدلته، وكيفية استخلاص مسئولية المحال عما أسند إليه استخلاصا سليما وسائغا من الأوراق؛ فإن أسباب هذا الحكم تكون مخلة وخالية تماما من أدلة ثبوت المخالفات الواردة بقرار الإحالة على نحو واضح جلي محدد، بحيث تقطع بثبوت الاتهام في حق المحال، ومن ثم يكون الحكم مشوبا بقصور شديد في التسبيب، يستوجب إلغاءه.
في يوم الثلاثاء الموافق 18/8/2009 أودع الأستاذ/… المحامي، بصفته وكيلا عن الطاعنتين قلم كتاب المحكمة تقرير طعن عن كل طاعنة في قرار مجلس تأديب العاملين بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية في الدعوى رقم 19 لسنة 2009 تأديب شمال القاهرة بجلسة 29/6/2009، القاضي بمجازاة كل منهما بخصم شهرين من راتبهما.
وطلبت كل طاعنة –للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعنين، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعنين شكلا، وفي الموضوع بإلغاء قرار مجلس التأديب الصادر في الدعوى رقم 19 لسنة 2009 بجلسة 29/6/2009، والقضاء مجددا بإعادة الدعوى التأديبية إلى مجلس التأديب لمحاكمة الطاعنتين عما نسب إليهما أمام هيئة أخرى.
ونظر الطعنان أمام دائرة فحص الطعون، حيث قدم الحاضر عن الطاعنتين مذكرة، وقدم الحاضر عن هيئة قضايا الدولة مذكرة، وبجلسة 25/5/2011 تقرر إحالة الطعنين إلى دائرة الموضوع، حيث جرى تداولهما أمامها على النحو الوارد بمحاضر الجلسات، وقدم الحاضر عن الطاعنتين مذكرة، وبجلسة 15/10/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 21/1/2012، وبها تم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
حيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعنتين قد أحيلتا إلى مجلس تأديب العاملين بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية، لمحاكمتهما تأديبيا مع آخر لما نسب إليهما من أنهما خلال عام 2008 أهملا العمل المنوط بهما، ولم يؤديا وظيفتهما بدقة وأمانة وأضرا بمصالح الدولة المالية، لقيامهما بتصحيح إيصالات قلم التحصيل بإضافة مبالغ مالية على خلاف الحقيقة، ولم يوقعا عليها بالمداد الأحمر مع مراجع التصحيح، ووجود عجز مادي لديهما في تحصيل الأمانات.
– وقيدت الدعوى التأديبية ضدهما برقم 19 لسنة 2009 تأديب شمال القاهرة، وبجلسة 29/6/2009 قرر مجلس التأديب المتقدم مجازاة كل من الطاعنتين بخصم شهرين من راتبهما لثبوت المخالفات المنسوبة إليهما في حقهما.
– وحيث إن الطعنين الماثلين يقومان على مخالفة القرار المطعون فيه للقانون، والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، وعدم الملاءمة بين العقوبة وما هو منسوب إليهما، وذلك على النحو المبين بتقرير الطعنين.
– وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الطعن أمامها يفتح الباب لتزن الحكم الطعين بميزان القانون، وزنا مناطه استظهار وجه الحق على وفق صحيح القانون، دون التفات إلى جميع طلبات الطاعن أو الأسباب التي بنى عليها طعنه.
وحيث إن القرارات التي تصدر عن مجالس تأديب العاملين بالمحاكم هي قرارات نافذة بذاتها دون اعتماد أو تصديق من جهة إدارية أعلى، ومن ثم فإنها أقرب في طبيعتها إلى الأحكام، ويجري في شأنها ما يجري على الأحكام الصادرة عن المحاكم التأديبية، فيطعن فيها مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا، ولذلك وجب أن تحاط بما تحاط به الأحكام من ضمانات، وأن يتوفر في شأنها ما يتوفر في الأحكام من ضوابط.
وحيث إنه من الأصول العامة للمحاكمات وجوب توفر الضمانات الجوهرية للمتهم، وأخصها حيدة الهيئة التي تتولى محاكمته، ومن مقتضى هذا الأصل ولازمه أن من يبدي رأيه في الاتهام أو يسهم في تحضير الدعوى، أو يشارك في أي إجراء من إجراءات التحقيق، يمتنع عليه الاشتراك في نظر الدعوى والحكم فيها؛ وذلك ضمانا لحيدة القاضي أو عضو مجلس التأديب، حتى تصفو نفسه من كل ما يمكن أن يستشف منه رأيه في المتهم، بما يكشف لهذا الأخير مصيره فيزعزع ثقته فيه أو يقضي على اطمئنانه، فلا يلقى الحكم أو القرار في نفسه القبول به والرضاء عنه، ومن ثم يكون الحكم أو القرار الذي يصدر على خلاف هذا الأصل معيبا بعيب جوهري ينحدر به إلى البطلان.
وحيث يبين من مطالعة قرار مجلس تأديب العاملين بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية المطعون فيه أنه من بين تشكيله السيد/… كبير كتاب محكمة شمال القاهرة الابتدائية، رغم سبق مساهمته في الإجراءات السابقة على إحالة الطاعنتين إلى مجلس التأديب، وذلك بتشكيل لجنة فحص أعمال الطاعنتين، ومن ثم يكون غير صالح للجلوس في مجلس التأديب الذي تولى محاكمة الطاعنتين، بما يغدو معه القرار الصادر من مجلس التأديب المشار إليه مشوبا بالبطلان.
ومن ناحية أخرى فإن المادة (176) من قانون المرافعات قد نصت على أنه: “يجب أن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة”، كما نصت المادة (43) من قانون مجلس الدولة (الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972) على أن: “… تصدر الأحكام مسببة ويوقعها الرئيس والأعضاء”.
ومفاد ذلك أن تسبيب الأحكام يعد أصلا من الأصول الثوابت للمحاكمات التي تحرص عليها التشريعات المنظمة لإجراءات المحاكمات، فيجب أن تصدر الأحكام بركيزة من أسباب واضحة جلية تنم عن تحصيل المحكمة لواقعات الدعوى، وبيان الأدلة الواقعية والقانونية على ثبوتها، وكيفية هذا الثبوت على نحو كاف لتكوين عقيدتها وتشكيل وجدانها كي تكون الحقيقة التي استخلصتها واقتنعت بها قد قام دليلها بسند من الواقع والقانون، بما من شأنه أن يثمر النتيجة التي انتهى إليها قضاؤها، ووجوب اشتمال الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها ليس استتماما لها من حيث الشكل، بل لحمل المحكمة على العناية بأحكامها، وتوخي العدالة في قضائها، فتأتي ناطقة بعدالتها وموافقتها للقانون، فتحمل من ثم الخصوم على الاقتناع بعدالة الأحكام والانصياع لقضائها، وتنزل في نفوسهم منزلة الإجلال والإكبار، ومن زاوية أخرى تمكن محكمة الطعن من بسط رقابتها عليها، وهي رقابة لا تقوم ولا تستوي إلا إذا جاءت الأحكام مسببة تسبيبا جليا بألا يكتنفها غموض، وواضحة بألا يخالطها لبس، وكافية بألا يشوبها نقص أو يعتريها قصور.
وحيث إن الثابت من القرار الطعين أنه قد أدان الطاعنتين استنادا إلى عبارات عامة بأن “الثابت بالأوراق ثبوت المخالفة في حق المخالفتين على النحو الذي سبق وأن أوردته في الأسباب عاليه”، دون أن يعتني البتة ببيان ذلك، وسند هذا الثبوت وأدلته، وكيفية استخلاص مسئولية الطاعنتين عما أسند إليهما استخلاصا سليما وسائغا من الأوراق، وبذلك تكون أسباب القرار قد جاءت مخلة وخالية تماما من أدلة ثبوت المخالفات الواردة بقرار الإحالة على نحو واضح جلي محدد بحيث تقطع بثبوت الاتهام في حق الطاعنتين، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه مشوبا بقصور شديد في التسبيب، إلى جانب ما شابه من بطلان سبق بيانه، وهو ما يتعين معه الحكم بإلغائه، وإعادة الدعوى إلى مجلس التأديب لإعادة محاكمة الطاعنتين بهيئة أخرى على وجه يتفق وحكم القانون على ضوء تحقيق سليم.
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، وفي الموضوع بإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه بمجازاة الطاعنتين بخصم شهرين من راتب كل منهما، وبإعادة الدعوى رقم 19 لسنة 2009 تأديب شمال القاهرة إلى مجلس تأديب العاملين بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية للفصل فيها بالنسبة للطاعنتين بهيئة مغايرة.