جلسـة 22 من ديسمبر سنة 2009
الطعـن رقـم 10081 لسنـة 53 القضائية عليـا
(الدائرة الثالثة)
عقد التوريد– تنفيذه– يلتزم المتعاقـد مع الجهـة الإدارية بتوريـد الأصناف المتعاقـد عليهـا خـلال المـدة المحـددة لـه وطبقًا للمواصفات المتفق عليهـا– المواد الغذائية الموردة لا يتبيـن سلامتهـا نهائيًا إلا عنـد استهلاكهـا، فإذا بدا خطرهـا على صحة الإنسان وجـب على جهـة الإدارة أن تردهـا إلى موردهـا أو تعدمهـا إذا انقضـت فترة صلاحيتهـا، وفي الحالتيـن لا يتقاضى المورد مقابـلا عنها بعد أن أخل بالتزامـه([1]) .
في يوم الثلاثاء الموافق الثالث من إبريـل سنـة 2007 أودع الأستاذ/ … المحامي المقبول للمرافعـة أمام المحكمـة الإدارية العليا، بصفتـه وكيـلا عـن الطاعـن، قلم كتاب هذه المحكمـة تقريرًا بالطعـن قيـد بجدولهـا العام تحـت رقم 10081 لسنـة 53 القضائيـة عليا، وذلك طعنًا على الحكم الصادر عن محكمـة القضاء الإداري في الدعـوى رقم 8968 لسنـة 54 القضائيـة بجلسـة 4/2/2007 القاضي في منطوقـه بقبول الدعـوى شكـلا ورفضهـا موضوعا وإلزام الشركـة المدعيـة المصروفات.
وطلب الطاعـن للأسباب المبينـة بتقريـر الطعـن الحكم بقبولـه شكـلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعـون فيه، والحكم مجـددًا بالطلبات الواردة بصحيفـة الدعـوى مع إلزام المطعـون ضدهمـا المصروفات عـن درجات التقاضي.
وأعلن تقرير الطعـن على النحـو المبيـن بالأوراق.
وأعـدت هيئـة مفوضي الدولـة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعـن ارتأت فيـه الحكم بقبول الطعـن شكلا وبرفضـه موضوعا وإلزام الطاعـن بصفتـه المصروفات.
ونظر الطعـن بدائرة فحص الطعـون على النحـو المبين بمحاضـر الجلسات، حتى تقرر إحالـة الطعـن إلى دائرة الموضوع، حيث نظـر على النحـو الثابت بمحاضـر الجلسات، وبجلسـة 20/10/2009 تقـرر إصـدار الحكم بجلسة 24/11/2009 وبهذه الجلسـة تقـرر إرجـاء النطق بالحكم في الطعـن لجلسـة اليوم لاستمرار المداولـة، وفيهـا صـدر الحكم وأودعـت المسودة المشتملـة على أسبابـه عند النطق بـه.
بعـد الاطلاع على الأوراق وسمـاع الإيضاحات، وبعـد المداولـة قانونا.
ومن حيث إن الطعـن استوفى أوضاعـه الشكليـة.
ومن حيث إن عناصـر هـذه المنازعـة تتحصل في أن الشركـة الطاعنـة أقامت الدعـوى رقـم 8968 لسنـة 54 القضائيـة أمام محكمـة القضاء الإداري طالبـة إلزام المطعـون ضدهـما أن يؤديا لهـا مبلغًا مقداره 201089,120 جنيها والفوائد القانونيـة عـن هـذا المبلـغ والمصروفات.
وقالت شرحًا لدعواهـا إن وزارة التربيـة والتعليـم طرحـت في مناقصـة عامـة عمليـة توريـد وجبـة بسكويت سادة 70 جرام وبسكويت ويفر 60 جرام لطلبـة المدارس، وقد رسـت المناقصـة عليهـا، وتـم إبرام التعاقد بتاريـخ 9/10/1996، واتفق على سريانـه من تاريـخ إبرامـه حتى 30/4/1997 مع امتداد سريانـه لمـدة شهـر واحـد فقط مع بداية العام الدراسي 97/98، كما نص في البنـد الثاني من العقد على أن تلتزم الشركـة بتوريـد وجبات البسكويـت طبقًا للشروط والمواصفات المحـددة تفصيـلا إلى مكـان المدارس والمديريات المتفق عليهـا وفي المواعيد المحـددة، وذلك بالتنسيق مع المديريات التعليميـة التي يتـم توريـد البسكـويت إلى المدارس التابعـة لهـا، وهـي مديريـات التربيـة والتعليـم بمحافظـات السويس والغربيـة والدقهليـة والشرقيـة.
وأضافت الشركـة أنهـا قد أوفت بالتزامهـا بالتوريـد في خـلال المواعيد المتفق عليهـا، إلا أن جهـة الإدارة امتنعـت عـن سداد قيمـة الدفعات الأخيرة التي قامت بتوريدهـا إلى مديريـات التعليـم بمحافظـات السويس والغربيـة والدقهليـة والشرقيـة، ويبلغ إجماليهـا 201089,120 جنيهـا؛ على سنـد من أنـه قد صـدر قرار عن وزيـر التربيـة والتعليـم بوقف تغذيـة المدارس بهـذه المديريـات رغـم أنـه تـم تسلم الأغذيـة الموردة وتحليل عينـة من كـل رسالـة، ولم يثبت عدم صلاحيتهـا، الأمـر الذي حدا الشركـة على إقامـة دعواهـا بطلباتهـا المبينة آنفا.
……………………………………………………………………..
وبجلسـة 4/2/2007 قضـت محكمـة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكـلا ورفضهـا موضوعا، وأقامت قضاءهـا على أساس أنـه قد ظهرت خـلال العام الدراسي 1996/1997 حالات تسمم لبعض الطلاب شملت 187 طالبًا كانت جميعهـا إثر تناول الوجبـة الغذائية من بسكويت ويفر، وقد انتهـت نتائـج التحليل التي أجرتهـا الجهـة المختصـة بوزارة الصحة إلى وجود بكتريا التسمم الغذائي من نوع (باسيلس سيريس) في معظـم هـذه الحالات، بالإضافـة إلى وجـود تزنـخ (تأكسـد المواد الدهنيـة الموجودة بالكريمـة)، وبناء على ذلك قررت الجهـة الإدارية بحكم مسئوليتهـا في المحافظـة على الصحـة العامـة وقف تغذيـة أطفال المدارس ببسكويت ويفر، وتـم إخطار الشركـة بسحب الكميـات المتبقيـة من هذا البسكويت في مخازن المديريات، إلا أنهـا امتنعـت، فتـم إعدامهـا لعـدم صلاحيتهـا للاستهـلاك الآدمي، وتتأبى القواعد القانونيـة الصحيحـة في التعاقـد أن تتقاضى الشركـة مستحقات عـن توريـد هـذه الكميـات من بسكـويت ويفر، الأمـر الذي يجعـل مطالبتهـا في هذا الخصوص فاقدة لسندهـا القانوني.
……………………………………………………………………..
ومن حيث إن الشركـة الطاعنـة لم ترتضِ حكم محكمـة القضاء الإداري فأقامت الطعـن الماثل الذي بني على أسباب حاصلهـا:
(أولا) بطلان الإجراءات؛ إذ لم يشـر الحكم المطعـون فيـه إلى تقرير هيئـة مفوضي الدولـة أمام محكمـة القضاء الإداري حتى نطمئن إلى أن هذا التقريـر كان تحـت بصـر المحكمـة عنـد إصـدار الحكم.
(ثانيًا) الخطأ في تطبيق القانـون والفساد في الاستدلال؛ إذ اعتمـد الحكم في قضائـه على مخاطبات الجهـة الإدارية التي تفيـد عـدم صلاحيـة الأغذيـة المـوردة، والتي لم تقـدم دليـلا عليهـا من تحليل للعينـات ونتيجتهـا، والتي تثبت عـدم صلاحيـة الأغذيـة للاستهـلاك الآدمي.
(ثالثًا) القصـور في التسبيـب؛ إذ لم يشـر الحكم المطعـون فيه إلى قرار وزيـر التربيـة والتعليـم بعـدم صـرف الأغذيـة الموردة من الشركـة للتلاميذ، وهـو ما كـان دافعا لعـدم صـرف الكميـات المسلمـة للمديريـات حتى انتهـت صلاحيتهـا، وأغفل الحكم في أسبابـه بيـان ما إذا كانت حالات التسمم التي أشار إليهـا شملت جميـع المديريـات التي تم التوريـد إليهـا أم بعضهـا، كما أغفل بيان ما إذا كانت الأغذيـة قد وردت إلى المديريـات معيبـة أم أن العيـوب التي لحقت بهـا أصابتهـا بعـد توريدهـا، ثـم جـاء الحكم بعـد ذلك قاصرًا عـن بيان تصرف النيابـة في وقائـع التسمم التي أبلغـت إليهـا.
……………………………………………………………………..
-ومن حيث إن الثابت من الحكم المطعـون فيه أنـه قد أثبت بـه تقديـم هيئـة مفوضي الدولـة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني في الدعـوى، ومن ثـم يكـون النعي على الحكم بعـدم إثبات وجـود هـذا التقريـر مخالفًا لحقيقـة الواقع بما يستوجـب الالتفات عـن هـذا الوجه من وجوه الطعـن.
-ومن حيث إن المقرر في قضـاء هـذه المحكمـة أن العقود الإدارية شأنهـا شأن العقود المدنيـة تخضـع للأصل العام المقرر بنص المـادة 147 من القانـون المدني، وهـو أن العقد شريعـة المتعاقديـن ويجـب تنفيذهـا بما اشتملـت عليـه وطبقًا للشروط والمواصفات التي أبرمـت على أساسهـا وبما يتفق ومبدأ حسن النيـة، وبالتالي فإن المتعاقـد مع الجهـة الإدارية في عقـد التوريـد يلتزم بتنفيـذه بتوريـد الأصناف المتعاقـد عليهـا خـلال المـدة المحـددة لـه وطبقًا للمواصفات المتفق عليهـا بشروط التعاقـد وأمـر التوريـد والعقد المبرم بيـن الطرفيـن، وبحيث لا ينتـج عـن البضاعـة الموردة ضرر يصيب الإنسان أو يعرض سلامتـه للخطـر، فإن أوفى المورد بالتزاماتـه على هـذا النحـو كـان على جهـة الإدارة المتعاقـدة معـه أن تؤدي لـه حقوقـه، وأولها الثمـن المتفق عليـه مقابـل توريـد هـذه الأصناف.
ولمـا كـان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن وزارة التربية والتعليم تعاقدت مع شركة … في 9/10/1996 على توريـد وجبـة بسكـويت سادة وزن 80 جرام وويفر 60 جرام إلى مقار المدارس والمديريـات المتفق عليهـا، وقد قامـت الشركـة المذكـورة بتنفيذ التزامهـا، وصُرفت لهـا مستحقاتهـا عـن الكميـات التي قامـت بتوريدهـا، إلى أن ظهرت حالات تسـمم لبعض طلاب المدارس شملـت (187) طالبًا على إثـر تناول الو جبـة الغذائيـة المدرسيـة من بسكـويت الويفـر (بسكـويت من النوع الهش مضاف إليه كريمة)، وقد أظهـرت نتائـج التحليـل التي أجرتهـا وزارة الصحـة وجـود بكتريـا التسمم الغذائي من نوع (باسيلس سيريس) في معظـم الحالات، بالإضافـة إلى وجـود تزنـخ (تأكـسد المواد الدهنيـة المـوجودة بالكريمة)، مما حدا وزارة الصحـة على التوصيـة بوقف تغذيـة أطفال المدارس بالبسكويـت من نوع الويفر المحتـوي على الكريمـة، وعلى ذلك فلا تثريب على جهـة الإدارة أن طلبت من الشركـة الموردة سحـب كميـات البسكويـت من هذا النوع الموردة إلى محافظـات السويـس والغربيـة والدقهلية والشرقيـة الموجودة بمخازنهـا.
وإذا كانت الشركـة لم تستجب لهـذه المطالبـة حتى انتهـت مـدة صلاحيـة البسكويـت المورد، مما اضطر جهـة الإدارة إلى إعدامـه لعـدم صلاحيتـه للاستهـلاك الآدمي فلا يحق لهـا المطالبة بمقابـل هـذه الكميـات الموردة بعـد أن بان ضررهـا وخطرهـا على صحـة أبنائنـا وسلامتهـم.
ومن حيث إنـه لا حجـة بعد ذلك فيمـا تقول بـه الشركـة الطاعنـة من أن الجهـة الإدارية قد تسلمـت الكميـات الموردة من بسكويـت الويفر محـل النزاع بعـد فحصهـا وإجراء تحليل العينـة فيهـا؛ ذلك أن الأغذية الموردة لا يتبيـن سلامتهـا نهائيًا إلا عنـد استهلاكهـا، فعندئذ يبدو خطرهـا على صحة الإنسان، ولذا وجـب على جهـة الإدارة أن تردهـا إلى موردهـا أو تعدمهـا إذا انقضـت فترة صلاحيتهـا، وفي الحالتيـن لا يتقاضى المورد مقابـلا عنها بعد أن أخل بالتزامـه بتوريـد أغذيـة صالحة للاستهـلاك لا يتسرب الشك إلى صلاحيتها أو سلامتهـا.
ومن حيث إنـه بناء على ما تقـدم فإن مطالبـة الشركـة الطاعنـة لجهـة الإدارة بأداء مقابل الكميـات الموردة من بسكويت الويفر إلى محافظـات السويس والغربيـة والدقهليـة والشرقيـة الذي أوقفت جهـة الإدارة تغذية أطفال المدارس بـه بناء على توصية وزارة الصحة بعـدما ظهـرت حالات تسـمم منه، لا تكـون مستندة إلى صحيـح حكم القانـون، بما يستوجـب رفضهـا، وإذا كـان الحكم المطعـون فيـه قد أخذ بهذا النظـر فإنه يكـون جديرًا بالتأييـد ويضحى الطعـن الماثل خليقا بالرفض مع إلزام الشركـة الطاعنـة المصروفات عمـلا بحكم المـادة 184 مرافعـات.
حكمت المحكمـة بقبول الطعـن شكـلا ورفضـه موضوعا وألزمت الشركـة الطاعنـة المصروفـــات.