جلسـة 3 من يناير سنة 2012
الطعـن رقـم 25420 لسنـة 55 القضائية (عليـا)
(الدائرة الثالثة)
– دعوى مخاصمة القضاة– التنظيم القانوني لدعوى المخاصمة- الفصل في دعوى المخاصمة يتم على مرحلتين: (الأولى) الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها، و(الثانية) الفصل في موضوعها إذا قضي بجواز المخاصمة، إما برفضها أو بصحتها والتعويض وبطلان التصرف- حدد المشرع حالات وأسباب المخاصمة على سبيل الحصر، ومنها وقوع الغش والتدليس والخطأ المهني الجسيم- المقصود بالغش في هذا المقام: ارتكاب القاضي الظلم عن قصد بدافع المصلحة الشخصية أو الكراهية لأحد الخصوم أو محاباة الطرف الآخر- الخطأ المهني الجسيم هو الخطأ الذي ينطوي على أقصى ما يمكن تصوره من الإهمال في أداء الواجب، ويكون ارتكابه نتيجة غلط فاضح، ما كان القاضي لينساق إليه لو اهتم بواجبه الاهتمام العادي، أو بسبب إهماله إهمالا مفرطا يعبر عن خطأ فاحش، مثل الجهل الفاضح بالمبادئ الأساسية للقانون- لا يعد خطأ مهنيا جسيما فهم رجل القضاء للقانون على نحو معين ولو خالف فيه إجماع الشراح، ولا تقديره لواقعة معينة أو إساءة الاستنتاج، كما لا يدخل في نطاق الخطأ المهني الجسيم الخطأ في استخلاص الوقائع أو تفسير القانون أو قصور الأسباب- عدم جواز إثبات ترك الخصومة في دعوى المخاصمة إذا رفض القاضي المخاصم تركها([1]).
– المواد (494) و(496) و(497) و(499) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
– المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة.
– دعوى مخاصمة القضاة– تتابع طلب الرد ودعوى المخاصمة خلال فترة وجيزة يؤكد قصد إزاحة القاضي عن نظر الدعوى، ويشير إلى إساءة استخدام حق التقاضي.
– عوارض سير الخصومة– ترك الخصومة– إثبات ترك الخصومة رهين بقبول الخصم الآخر هذا الترك، فإذا أصر الطرف الآخر على السير في إجراءات الخصومة حتى نهايتها فلا مناص من الاستجابة لطلبه.
– حق التقاضي والدفاع– استقلال القضاء وحصانته– لا يجوز لأي إنسان أن يسيء استخدام حق التقاضي أو حق الدفاع بما لا يتفق مع استقلال الهيئات القضائية والقضاة، أو المساس بحصانتهم أو هيبتهم – إساءة استخدام حق التقاضي يقيم ركن الخطأ من أركان المسئولية الموجب للتعويض.
– المادة (163) من القانون المدني.
في يوم الثلاثاء الموافق 16/6/2009 أودع وكيل الشركة المدعية قلم كتاب هذه المحكمة تقريرا بدعوى مخاصمة قيدت بجدولها بالرقم عاليه ضد السيد الأستاذ المستشار/(أ) نائب رئيس مجلس الدولة بصفته مستشارا بالدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، وترأس الدائرة المشكلة لنظر دعوى البطلان رقم 27757 لسنة 54 ق عليا المقامة من السيد/(ب) ضد الشركة المخاصمة بجلسة 9/5/2009.
وطلبت الشركة المدعية -للأسباب الواردة بدعوى المخاصمة- الحكم بقبول الدعوى شكلا وفي موضوعها بإلزام السيد الأستاذ المستشار/ (أ) دفع مبلغ عشرة آلاف جنيه مصري على سبيل التعويض المؤقت.
وتم إعلان تقرير المخاصمة إلى القاضي المخاصم على النحو المبين بالأوراق، كما قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرها بالرأي القانوني في دعوى المخاصمة ارتأت فيه الحكم برفض دعوى المخاصمة وتغريم الشركة المدعية بمبلغ ألفي جنيه ومصادرة الكفالة.
ونظرت هذه الدائرة دعوى المخاصمة بالجلسات المحددة لذلك وبجلسة 14/7/2009 طلب الحاضر عن الشركة إحالة الدعوى إلى دائرة أخرى لنظر هذه الدائرة طلبات الرد المتعلقة بدعوى البطلان، ومن ثم عرض الأمر على السيد الأستاذ المستشار رئيس مجلس الدولة الذي حدد الدائرة الخامسة لنظر دعوى المخاصمة حيث نظرتها على النحو المبين بالجلسات، وبجلسة 26/9/2009 قرر الحاضر عن الشركة إثبات تركه وتنازله عن دعوى المخاصمة، إلا أن وكيل المستشار المخاصم حضر بجلسة 3/10/2009 وقرر بعدم موافقته على الترك وطلب الإذن بإقامة دعوى تعويض فرعية، ثم بجلسة 14/11/2009 تقدم وكيل المستشار المخاصم بصحيفة معلنة للشركة المذكورة خلص في ختامها إلى طلب الحكم: (أولا) برفض دعوى المخاصمة رقم 25420 لسنة 55 ق.عليا المقامة من الشركة ضده، و(ثانيا) بإلزام الشركة المذكورة أن تؤدي للطالب تعويضا مقداره مليون جنيه عن الأضرار المعنوية (الأدبية والنفسية) التي أصابته من جراء طلب رده عن نظر دعوى البطلان الأصلية المقامة في حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعون أرقام 10005 و10380 و10418 و10605 لسنة 52 ق عليا الصادر بجلسة 22/3/2008، ومن جراء مخاصمته بالدعوى رقم 25420 لسنة 55 ق عليا بغير مقتضٍ ولا سبب مشروع يبرر ذلك.
ثم توالى نظر الدعوى أمام الدائرة المذكورة، وخلالها قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا تكميليا في دعوى التعويض الفرعية خلصت فيه إلى طلب رفضها موضوعا، وبجلسة 4/6/2010 قررت الدائرة الخامسة موضوع إحالة الدعوى إلى هذه الدائرة لعدم اكتمال تشكيلها، وقد نظرت هذه الدائرة الدعوى المذكورة بالجلسات المحددة لذلك وخلالها لم يحضر أحد عن الشركة المخاصمة رغم إعلانها على يد محضر لجلسة 18/10/2011 وتسلم الموظفة المختصة صورة الإعلان، وبجلسة اليوم صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونا.
وحيث إن وقائع الدعوى تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن السيد/(ب) كان قد أقام الدعوى رقم 5377 لسنة 50 ق أمام محكمة القضاء الإداري في 416/1996 ضد كل من رئيس الجمهورية ورئيس ميناء القاهرة الجوي وشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير، طالبا في ختام صحيفتها الحكم بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 193 لسنة 1995 بتخصيص مساحة مقدارها خمس مئة فدان بطريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي بدعوى حيازته لهذه المساحة وقيامه باستصلاحها وزراعتها بعد موافقة جهات إدارية مختلفة بنية تملكها، وقد قضت المحكمة المذكورة بجلسة 18/12/2005 بإلغاء القرار المطعون فيه، إلا أن المدعى عليهم في الدعوى المذكورة، ومنهم الشركة المختصة، طعنوا على ذلك الحكم أمام هذه المحكمة بالطعون أرقام 10005 و10418 و10380 و10605 لسنة 52 ق.عليا، حيث قامت المحكمة بضم هذه الطعون معا وقضت فيها بجلسة 22/3/2008 بقبول الطعون شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي (ب) المصروفات.
ولم يرتض السيد/(ب) هذا الحكم وأقام دعوى البطلان الأصلية المقيدة بجدول هذه المحكمة برقم 27757 لسنة 54 ق.عليا في 29/5/2008، طالبا وقف تنفيذ الحكم المشار إليه وفي الموضوع ببطلانه، حيث نظرت الدائرة الثانية عليا دعوى البطلان المذكورة، ثم قررت إحالتها إلى الدائرة الأولى عليا التي حددت لنظرها جلسة 18/4/2009، وفيها قرر المستشار (ج) رئيس الدائرة التنحي عن نظر الدعوى، ثم عقدت الجلسة برئاسة المستشار (د) رئيس الفحص بالدائرة الرابعة عليا، واشترك معه المستشار (أ) كعضو يمين وبقية أعضاء الدائرة، حيث تقرر تأجيل نظر الدعوى إلى جلسة 9/5/2009 بناء على طلب الخصوم، إلا أنه بتاريخ 7/5/2009 تقدمت الشركة المختصمة بطلب لرد بعض أعضاء الدائرة المذكورة، ومنهم المستشار (أ)، الذي ترأس جلسة 9/5/2009 وقرر وقف نظر الدعوى لحين الفصل في طلب الرد، الذي أحيل إلى الدائرة الثالثة عليا بالمحكمة للفصل فيه.
وقد تراءى للشركة المخاصمة أن قيام السيد الأستاذ المستشار/(أ) برئاسة جلسة 9/5/2009 وحلوله محل السيد الأستاذ المستشار/(د) الذي كان موجودا بالمجلس كان على غير سند من الواقع والقانون، وأنه ارتكب خطأ مهنيا جسيما باغتصابه لرئاسة الجلسة في وجود رئيسها (المستشار/د)، فضلا عن استدعائه أحد السادة الأساتذة المستشارين من الدائرة السابعة عليا لاستكمال التشكيل، مما يعني قيامه بتشكيل دائرة خاصة على خلاف القواعد القانونية المقررة التي تجعل الاختصاص في تشكيل الدوائر للجمعية العمومية للمحكمة واختصاص رئيس المحكمة بتسيير أعمالها في حالة تفويضه بذلك من الجمعية.
وأضافت الشركة المخاصمة أن ذلك قد أضر بها ضررا بليغا، حيث اضطرت إلى رد أعضاء الدائرة المذكورة لتدارك هذا الخطأ الفادح، مما يعرضها لتوقيع غرامات عليها في حالة رفض طلب الرد، كما اضطرها إلى إقامة دعوى أمام محكمة القضاء الإداري للطعن على قرار رئيس مجلس الدولة السلبي بالامتناع عن إحالة الطعن إلى دائرة أخرى، وهو ما كبد الشركة المخاصمة نفقات طائلة كان يغني عنها استمرار الدائرة التي تنظر الدعوى بتشكيلها الأول.
……………………………
وحيث إنه يبين من الاطلاع على نصوص المواد 494 و496 و497 و499 من قانون المرافعات المدنية والتجارية (وهو القانون المطبق في شأن إجراءات وشروط مخاصمة قضاة محاكم مجلس الدولة طبقا لحكم الإحالة المنصوص عليه في المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة) أن المشرع قد أفرد دعوى مخاصمة القضاة بقواعد وإجراءات خاصة بقصد توفير الضمانات للقاضي في عمله، وأحاط ذلك بسياج من الحماية، بما يجعل القضاة في مأمن من كيد العابثين الذين يحاولون النيل منهم والمساس بكرامتهم وهيبتهم بمقاضاتهم لمجرد التشهير بهم، ومن ثم وجب الالتزام بأحكام تلك القواعد الخاصة، والتي من بينها أن الفصل في دعوى المخاصمة يتم على مرحلتين:
(الأولى) مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى وجواز قبولها، و(الثانية) مرحلة الفصل في موضوعها إذا قضي بجواز المخاصمة، إما برفضها أو بصحتها والتعويض وبطلان التصرف.
وقد حدد المشرع حالات وأسباب المخاصمة على سبيل الحصر، ومنها وقوع الغش والتدليس والخطأ المهني الجسيم، والمقصود بالغش في هذا المقام هو ارتكاب القاضي الظلم عن قصد بدافع المصلحة الشخصية أو الكراهية لأحد الخصوم أو محاباة الطرف الآخر، أما الخطأ المهني الجسيم فهو الخطأ الذي ينطوي على أقصى ما يمكن تصوره من الإهمال في أداء الواجب، ويكون ارتكابه نتيجة غلط فاضح ما كان لينساق إليه لو اهتم بواجبه الاهتمام العادي، أو بسبب إهماله إهمالا مفرطا يعبر عن خطأ فاحش مثل الجهل الفاضح بالمبادئ الأساسية للقانون، ومن ثم لا يعد خطأ مهنيا جسيما فهم رجل القضاء للقانون على نحو معين ولو خالف فيه إجماع الشراح، ولا تقديره لواقعة معينة أو إساءة الاستنتاج، كما لا يدخل في نطاق الخطأ المهني الجسيم الخطأ في استخلاص الوقائع أو تفسير القانون أو قصور الأسباب، ومن ثم يخرج عن نطاق هذا الخطأ كل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه القاضي بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول للمسألة القانونية المطروحة ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وآراء الفقهاء، وبذلك يكون المشرع قد وازن بين حق القاضي في توفير الضمانات له، فلا يحتسب في قضائه سوى وجه الحق ولا يهتز وجدانه من مظنة النيل منه، وبين حق المتقاضي في الاطمئنان إلى أن قاضيه مقيد بالعدل في حكمه، فإن جنح عنه لم تغلق الأبواب في وجهه، بل له أن يسلك طريق الخصومة التي يدين بها قضاءه ويبطل أثره، وكل هذا يجد حده في أن القضاء ولاية تقدير وأمانة تقرير، وأن مجرد الخلاف أو الخطأ لا يسقط بهما منطق العدل، وإنما يسقطه الجور والانحراف في القصد، ولهذا رتب المشرع على القضاء بعدم جواز المخاصمة أو رفضها الحكم على طالب المخاصمة بغرامة لا تقل عن مئة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه، ومصادرة الكفالة مع التعويضات إن كان لها وجه، كما رتب على القضاء بصحة المخاصمة الحكم على القاضي المخاصم بالتعويضات والمصاريف وبطلان تصرفه.
وحيث إنه استهداءً بالقواعد والأحكام المذكورة سالفا، ولما كان الثابت من الأوراق أن الشركة المخاصمة قد أقامت دعواها بمخاصمة المستشار/(أ) نائب رئيس مجلس الدولة محددة سبب المخاصمة في ارتكابه خطأً مهنيا جسيما بزعم اغتصاب السلطة المخولة للجمعية العمومية للمحكمة الإدارية العليا في تشكيل دوائر المحكمة، وكان الذي انتهت إليه الشركة المخاصمة غير صحيح؛ ذلك أن السيد الأستاذ المستشار (د) الذي سبق له رئاسة الدائرة الأولى عليا لتنحي رئيسها المستشار (ج)، ونظرا إلى كونه أقدم من السيد الأستاذ المستشار/ (أ) ليس من ضمن تشكيل الدائرة الأولى عليا طبقا لقرار الجمعية العمومية للمحكمة، وإنما هو رئيسٌ لفحص الدائرة الرابعة عليا، ومن ثم فإنه لا يلزم حضوره لرئاسة الدائرة الأولى عليا كل جلسة، بل إن حضوره بجلسة 18/4/2009 كان لنقص عدد أعضاء الدائرة وتولىَّ رئاستها بحكم أقدميته، ومن ثم فإنه بجلسة 9/5/2009 كان على الدائرة الأولى عليا أن تنعقد بتشكيلها الأصلي إن حدث نقص فإنه يمكن استكماله من أية دائرة أخرى إعمالا لقرار الجمعية العمومية للمحكمة الإدارية العليا الذي يقضي في البند الثاني منه بأن يكون احتياطيا لأعضاء كل دائرة أعضاء الدوائر الأخرى، وتكمل دوائر المحكمة بعضها بعضا.
فضلا عن أن القرار الصادر عن الدائرة بجلسة 9/5/2009 لم يصب الشركة المخاصمة بأي أضرار، بل جاء متسقا مع أحكام القانون بوقف نظر الطعن لحين الفصل في طلب الرد المقدم من الشركة المخاصمة لبعض أعضاء الدائرة ومنهم المستشار (أ)، مما ينتفي معه صحة سبب المخاصمة.
وحيث إنه متى كان ما تقدم فإن دعوى مخاصمة السيد الأستاذ المستشار (أ) تكون غير قائمة على أساس من القانون مما يستوجب القضاء بعدم جواز قبولها وبتغريم الشركة المخاصمة مبلغ ألف جنيه وبمصادرة الكفالة.
وجدير بالذكر أن المحكمة وهي تنتهي إلى هذا القضاء تشير إلى أنها التفتت عن طلب ترك الخصومة المقدم من الشركة المخاصمة بعد أن رفض السيد الأستاذ المستشار/ المخاصَم وقبول تركها للخصومة في دعوى المخاصمة؛ بحسبان أن ترك الخصومة رهين بقبول الخصم الآخر هذا الترك، فإذا أصر الطرف الآخر على السير في إجراءات الخصومة حتى نهايتها فلا مناص من الاستجابة لطلبه والاستمرار في إجراءات الخصومة حتى صدور حكم فيها.
– وحيث إنه عن دعوى التعويض الفرعية المقامة من السيد الأستاذ المستشار/ (أ) ضد شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير بطلب إلزام الشركة المذكورة أداء مبلغ مليون جنيه تعويضا عن الأضرار المعنوية (الأدبية والنفسية) من جراء طلب رده عن نظر دعوى البطلان ودعوى المخاصمة.
وحيث إن المادة 163 من القانون المدني تنص على أن: “كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”.
وحيث إنه عن ركن الخطأ فإن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن سيادة الدستور وعلو حكمه على هامات الأفراد وكل السلطات العامة وحتمية احترامه وتقديسه أساس وركن من أسس نظام الحكم في الدولة، وأن سيادة القانون لا تقوم إلا باحترام وتقديس استقلال القضاء وحصانته وكلاهما الضمان الجوهري لحماية الحقوق والحريات، وأنه إذا كان المشرع الدستوري قد كفل لكل إنسان حق التقاضي وحق الدفاع فإنه كفل للقضاء استقلاله وحصانته بقصد تحقيق المشروعية وسيادة القانون، ومن ثم لا يُسوِّغُ المشرع لأي إنسان حاكما أو محكوما أن يسيء استخدام حق التقاضي أو حق الدفاع، بما لا يتفق مع استقلال الهيئات القضائية أو استقلال القضاة أو المساس بحصانتهم أو هيبتهم، أو ما يؤدي إلى تعويق قيامهم بواجباتهم في أداء رسالتهم، وجوهرها تحقيق سيادة القانون وسرعة حسم المنازعات والفصل في الدعاوى التي تدخل في ولايتهم على وفق أحكام الدستور والقانون.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن هذه الدائرة -بتشكيل مغاير- قد قضت في طلب الرد المقام من الشركة المذكورة رقم 18613 لسنة 55 ق.عليا بجلسة 14/7/2009 برفض طلب رد السيد الأستاذ المستشار/(أ) موضوعا، وتغريم الشركة مبلغ ستة آلاف جنيه تأسيسا على أن ما أوردته الشركة في طلب ردها المستشار المذكور لا يندرج سبباً من أسباب الرد التي أوردها القانون على سبيل الحصر، كما أنه يبين من هذا الحكم أن المحكمة قد انتهت أيضا في دعوى المخاصمة إلى عدم جواز قبول دعوى المخاصمة لعدم صحة السبب الذي أوردته الشركة المخاصمة كسبب لدعواها وهو الخطأ المهني الجسيم.
ومما لا ريب فيه أن تتابع طلب الرد ودعوى المخاصمة خلال فترة لا تتجاوز عشرة أيام من جانب الشركة المذكورة، يؤكد قصدها إزاحة المستشار المذكور عن نظر دعوى البطلان، ويشير في ذات الوقت إلى إساءة استخدام حق التقاضي، مما يقيم ركن الخطأ في جانب الشركة المذكورة، دون أن يقتضي ذلك بالضرورة التعرض للمدعي في الدعوى الفرعية بأي وجه من وجوه التجريح أو التطاول أو المساس بكرامته أو نزاهته؛ ذلك أن وصم السيد الأستاذ المستشار/ المذكور بارتكابه الخطأ المهني الجسيم إبان عمله كقاض، ثم ثبوت عدم صحة ذلك يقيم ركن الخطأ في ضوء الظروف السابق الإشارة إليها، والتي يقتضي الأمر التشدد معها بعد أن أصبح استخدام طلبات الرد ودعاوى المخاصمة وسيلة لتحقيق أغراض وأهداف غير التي تغياها المشرع وملاذا للعابثين بهيبة القضاء.
وحيث إنه عن ركن الضرر فإنه لا مراء في تحقق هذا الركن بدوره لما ترتب عليه من إظهار المستشار المذكور في حالة عدم حيدة حيال الخصوم والنيل من سمعته بدعوى ارتكابه للخطأ المهني الجسيم الذي يحط من قدره بين زملائه وينال من الاحترام الواجب للقاضي ويزعزع سمعته بين زملائه وأمام المتقاضين؛ حيث إن سمعة القاضي ونزاهته هي أهم ما يحرص عليه القاضي في حياته المهنية، وإذ توفرت علاقة السببية بين الخطأ والضرر مما يستوجب معه تعويضه عن هذه الأضرار بمبلغ مقداره مئة ألف جنيه، مع الأخذ في الحسبان أن المحكمة تأخذ في تقديرها مسارعة الشركة إلى طلب إثبات تركها للخصومة في دعوى المخاصمة مما راعته المحكمة في تقدير قيمة التعويض مع إلزام الشركة المصروفات.
حكمت المحكمة:
(أولا) بعدم قبول دعوى المخاصمة وبمصادرة الكفالة وتغريم الشركة المخاصمة مبلغ ألف جنيه.
(ثانيا) بإلزام رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير بصفته أن يؤدي إلى السيد الأستاذ المستشار/(أ) مبلغا مقداره مئة ألف جنيه تعويضا عن الأضرار المعنوية التي أصابته، مع إلزامها المصروفات.
(1) قارن بحكم الدائرة الثالثة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 25/3/2014 في الطعن رقم 9243 لسنة 58 القضائية عليا (دعوى بطلان أصلية) (قيد النشر) حيث رأت المحكمة أن ترك الخصومة في دعوى المخاصمة يؤتي أثره دون توقف على علم أو قبول القاضي المخاصم؛ باعتباره تنازلا عن الدعوى وإسقاطا لها يترتب عليه زوالها بمجرد إبدائه، دون توقف على صدور حكم به، فلا يمنع من ترتيب هذه الآثار تراخي المحكمة في الحكم بإثبات ترك الخصومة.