جلسـة 2 من يونيه سنة 2012
الطعـن رقـم 26583 لسنة 54 القضائية (عليـا)
(الدائرة الثانية)
– دعوى الإلغاء- ميعاد رفعها- فكرة استطالة الأمد- استطالة الأمد على صدور القرار المطعون فيه لا تكفي وحدها للقول بتوفر العلم اليقيني بالقرار، وإنما قد تصلح مع قرائن وأدلة أخرى، بحسب ظروف كل حالة على حدة، كدليل على توفر هذا العلم- تستخلص محكمة الموضوع ذلك من ظروف وملابسات النـزاع([1]).
– انتهاء الخدمة- العلم بقرار إنهاء الخدمة للاستقالة الضمنية- الحياة الوظيفية للموظف العام تنتج آثارها يوما بيومٍ- انقطاع الموظف عن العمل بدون إذن، وما تبعه من انقطاع راتبه الشهري وهو المورد الرئيس لنفقات معيشته بحسب الأصل، وعدم تقدمه بأي طلب للحصول على إجازة من أي نوع، وعدم تقديمه أي مبررات للانقطاع، وعدم اتصاله بجهة عمله، وعدم قيامه بالطعن على قرار إنهاء خدمته إلا بعد ما يزيد عن عشر سنوات، كل ذلك جميعه يمثل قرائن على العلم بالقرار.
– انتهاء الخدمة- الاستقالة الضمنية- شرط الإنذار- يجب أن يتضمن الإنذار الموجه للموظف تحذيره صراحة من أن استمراره في الانقطاع دون إذن سيُفضي إلى إنهاء خدمته- تطبيق: انقطاع الموظف عن العمل لأكثر من عشر سنوات، ووجود قرائن أخرى، يكفي لتأكيد نية هجر الوظيفة وعدم الرغبة فيها، ويجعل من العبث إلزام جهة الإدارة تحذيره وإنذاره من مغبة الانقطاع([2]).
– انتهاء الخدمة- الاستقالة الضمنية- تنتهي خدمة الموظف للانقطاع عن العمل بحكم القانون- القرار الصادر بإنهاء الخدمة للانقطاع هو قرار تنفيذي يكشف عن حكم القانون بوقوع الاستقالة الضمنية بقوة القانون- صدوره في هذه الحالة عن سكرتير عام المحافظة بدون تفويض في إصداره من المحافظ لا يبطله([3]).
– المادة رقم (98) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
في يوم السبت الموافق 24/5/2008 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بطنطا في الدعوى رقم 4890 لسنة 10 ق بجلسة 24/3/2008، وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري المشار إليه، والقضاء مجددا بطلباته، مع إلزام الجهة الإدارية المدعى عليها المصروفات.
وأعلن الطعن قانونا، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ثم نظر أمام دائرة فحص الطعون التي أمرت بإحالته إلى هذه المحكمة حيث تدوول أمامها بالجلسات على النحو الثابت في المحاضر، ثم قررت المحكمة حجز الطعن للحكم فيه بجلسة اليوم وفيها صدر بعد إيداع مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وتمام المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية ومن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة تتلخص -حسبما يبين من الأوراق- في أن الطاعن سبق أن أقام دعواه رقم 4890 لسنة 10ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بطنطا بتاريخ 30/6/2003، طالبا في ختامها الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 1197 المؤرخ في 7/8/1993 فيما تضمنه من إنهاء خدمته للانقطاع، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة التعويض المناسب، والمصروفات.
وذكر المدعي (الطاعن) شرحا لدعواه أنه يعمل بالجهة الإدارية المدعى عليها، ولظروف خارجة عن إرادته انقطع عن العمل بدءا من 1/6/1993، وعندما توجه لتسلم عمله فوجئ بصدور القرار المطعون فيه بالمخالفة لحكم المادة (98) من قانون العاملين المدنيين بالدولة والتمس الحكم بطلباته.
……………………………………………
وبجلسة 24/3/2008 حكمت المحكمة بحكمها المطعون عليه، وأقامت قضاءها -بعد استعراض المادة (98)- على أساس أن المدعي انقطع عن عمله بدءا من 1/6/1993 وأن جهة الإدارة أصدرت قرارها بإنهاء خدمته بالقرار المطعون فيه، وأنه وحتى تاريخ إقامة دعواه في 30/6/2003 لم يحاول الاتصال بجهة عمله، وهذا كاف وحده للقطع بأنه لا يرغب في وظيفته ولا جدوى من الإنذار، ومن ثم يكون القرار متفقا وصحيح حكم القانون، مما يتعين معه رفض طلب الإلغاء، وعن طلب التعويض: ولما كان القرار المتخذ سندا لطلب التعويض قد صدر صحيحا، فمن ثم ينتفي ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية ويكون طلب التعويض لا سند له خليقا بالرفض.
……………………………………………
وإذ لم يرتض الطاعن الحكم المطعون عليه فقد أقام طعنه الماثل استنادا إلى مخالفة الحكم المطعون فيه لأحكام القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك على سند من القول بأن جهة الإدارة لم ترفق بالأوراق الدليل على إرسال الإنذارات والمتمثل في إيصال البريد المسجل عليه بعلم الوصول والموقع عليه من الطاعن، وكذلك فإن الأوراق قد خلت من أي أدلة أو مجرد قرائن تشير إلى علم الطاعن بالقرار الطعين قبل تاريخ إقامة دعواه، وأن استطالة الأمد على صدور القرار الإداري لا تكفي وحدها لافتراض العلم اليقيني. يضاف إلى ذلك أن القرار المطعون فيه صادر عن سكرتير عام محافظة الغربية، والذي لم يصدر له تفويض صريح بالنسبة لإصدار قرارات إنهاء الخدمة، ومن ثم يكون القرار صادرا عن غير مختص ومخالفا للقانون. والتمس الطاعن الحكم بالطلبات.
……………………………………………
وحيث إن المادة رقم (98) من قانون نظام العاملين بالدولة (الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1978) تنص على أنه: “يعتبر العامل مقدما استقالته في الحالات الآتية:
1- إذا انقطع عن عمله بغير إذن أكثر من خمسة عشر يوما متتالية، ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوما التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول، وفي هذه الحالة يجوز للسلطة المختصة أن تقرر عدم حرمانه من أجره عن مدة الانقطاع إذا كان له رصيد من الإجازات يسمح بذلك، وإلا وجب حرمانه من أجره عن هذه المدة، فإذا لم يقدم العامل أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل.
2- إذا انقطع عن عمله بغير إذن تقبله جهة الإدارة أكثر من ثلاثين يوما غير متصلة في السنة، وتعتبر خدمته منتهية في هذه الحالة من اليوم التالي لاكتمال هذه المدة.
وفي الحالتين السابقتين يتعين إنذار العامل كتابة بعد انقطاعه لمدة خمسة أيام في الحالة الأولى وعشرة أيام في الحالة الثانية.
3- …
ولا يجوز اعتبار العامل مستقيلا في جميع الأحوال إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لانقطاعه عن العمل أو لالتحاقه بالخدمة في جهة أجنبية”.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى هديا بما استقر عليه حكم المحكمة الإدارية العليا (دائرة توحيد المبادئ) على أن استطالة الأمد على صدور القرار المطعون فيه لا تكفي وحدها للقول بتوفر العلم اليقيني بالقرار، وإنما قد تصلح مع قرائن وأدلة أخرى بحسب ظروف كل حالة على حدة كدليل على توفر هذا العلم، وتستخلص محكمة الموضوع ذلك من ظروف وملابسات النزاع المعروض عليها، بشرط ألا يتجاوز ذلك المدة المقررة لسقوط الحقوق بصفة عامة، وهي خمسة عشر عاما من تاريخ صدور القرار.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الحياة الوظيفية للموظف العام تنتج آثارها يوما بيوم، حيث يتوجب على الموظف الحضور إلى عمله كل يوم من أيام العمل الرسمية التي لم يرخص له فيها صراحة في الانقطاع وذلك في توقيت محدد، وألا ينصرف عن عمله إلا في توقيت محدد كذلك، ويتقاضى لقاء ذلك راتبه شهريا، وهذا الراتب هو بحسب الأصل المورد الرئيس لنفقات معيشته، كما يتوجب على الموظف الحصول على إذن أو ترخيص بالانقطاع عن العمل حتى ولو كان لبعض الوقت، وكذلك إبلاغ الجهة الرئاسية بأي انقطاع مفاجئ، حتى الإجازات الخاصة بدون مرتب، بما فيها الإجازات الوجوبية، يتعين على العامل أن يتقدم بطلب للحصول عليها.
وحيث إنه بإنزال ما تقدم على وقائع الدعوى محل الطعن وكان البيّن من الأوراق أن الطاعن انقطع عن العمل بتاريخ 1/6/1993 بدون إذن، وصدر القرار المطعون فيه رقم 1197 لسنة 1993 في 7/8/1993 بإنهاء خدمته، وتبعا لذلك انقطع راتبه الشهري الذي هو بحسب الأصل المورد الرئيس لنفقات معيشته، ولم يتقدم بأي طلب للحصول على إجازة من أي نوع، ولم يقدم أي مبررات للانقطاع، كما لم يقدم من جانب آخر أي دليل على اتصاله بالجهة الإدارية، ولم ينهض إلى الطعن على ذلك القرار إلا في 30/6/2003، أي بعد ما يزيد على عشر سنوات من صدور القرار المطعون فيه، ومن ثم فإن ما تقدم جميعه يمثل قرائن على علم المطعون ضده بإنهاء خدمته.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن انتهاء خدمة العامل الذي ينقطع عن العمل على وفق حكم المادة (98) وما جرى عليه قضاء هذه المحكمة يقوم على قرينة الاستقالة الضمنية أو ثبوت نية الاستقالة لدى المنقطع، باعتبار أن المرد في الانقطاع أو سببه هو عدم رغبة المنقطع في الاستمرار بالعمل وعزوفه عن الوظيفة، ولا يتأتى القول بانصراف نية العامل إلى ذلك إلا إذا تضمن الإنذار الذي يوجه إليه تحذيره صراحة بأن استمراره في الانقطاع دون إذن أو عذر سيُفضي إلى إصدار قرار بإنهاء خدمته، ولما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن الإنذارات الموجهة للطاعن قد تضمنت هذا التحذير بإنهاء الخدمة، فمن ثم يكون القرار المطعون عليه قد صدر متفقا وصحيح حكم القانون.
ولا ينال من ذلك ما يدعيه الطاعن من أن تلك الإنذارات لم تصل إليه، وأن جهة الإدارة لم تقدم ما يفيد تسلمه لتلك الإنذارات؛ ذلك أن المذكور قد انقطع أكثر من عشر سنوات، وهي كافية بذاتها لتأكيد نيته هجر الوظيفة وعدم الرغبة فيها، وفي تلك الحالة يكون من العبث إلزام جهة الإدارة تحذيره وإنذاره من مغبة الانقطاع.
كما أنه لا ينال مما تقدم ما يثيره الطاعن من أن القرار صدر من سكرتير عام المحافظة وبدون تفويض بإصدار قرارات إنهاء الخدمة عن المحافظ، ومن ثم يكون صادرا عن غير مختص؛ فذلك مردود عليه بأن المذكور تعد خدمته منتهية قانونا، وأن القرار المشار إليه قرار تنفيذي يكشف عن حكم القانون بوقوع الاستقالة الضمنية بقوة القانون.
وحيث إنه عن طلب التعويض فإن مناط مسئولية الإدارة عن التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة هو ثبوت الخطأ في جانب الجهة الإدارية، وأن يصيب ذلك الخطأ صاحب الشأن بضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
وحيث إنه لما كان ما تقدم وإذ ثبتت للمحكمة مشروعية القرار المطعون فيه بما لا يتوفر معه ركن الخطأ في جانب جهة الإدارة ويضحى طلب التعويض لا سند له، مما يوجب رفضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد خلص إلى ما تقدم فإنه يكون قد جاء سديدا ومتفقا وصحيح حكم القانون، وهو ما يكون معه الطعن الماثل قد أقيم بغير سند من القانون حريا برفضه.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم المصروفات عملا بحكم المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الطاعن المصروفات.
[1])) راجع: حكم دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 11225 لسنة 46ق.ع بجلسة 8/5/2003 (منشور بمجموعة المبادئ القانونية التي قررتها دائرة توحيد المبادئ في ثلاثين عاما، الجزء الأول، المبدأ رقم 54/ب ص649)، حيث أكدت أن استطالة الأمد لا تقوم مقام الإعلان على الإطلاق، وأن استطالة الأمد بين صدور القرار والطعن عليه هي قرينة تقبل إثبات العكس، فكما تدل على العلم الظني بالقرار، تدل أيضا على عدم العلم به، وأنه لا يصح استنتاج علم صاحب الشأن بالقرار علما يقينيا من قرينة تقبل إثبات العكس، أو تعتمد على يقظة المدعي أو ثقافته، فاستطالة الأمد على صدور القرار لا تكفي وحدها دليلا حاسما على العلم اليقيني بالقرار، وإنما قد تصلح مع قرائن وأدلة أخرى، بحسب ظروف كل حالة على حدة، على توفر هذا العلم، وهذا أمر متروك لمحكمة الموضوع تستخلصه من ظروف النزاع المعروض عليها، ومشروط بالتقيد بالمدة المقررة لسقوط الحقوق بصفة عامة، وهي خمس عشرة سنة من تاريخ صدور القرار.
[2])) راجع: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1811 لسنة 36ق.ع بجلسة 20/8/1996 (منشور بمجموعة السنة 41 مكتب فني، الجزء الثاني- المبدأ رقم 177 ص1621)، وقارن بحكمها في الطعن رقم 3439 لسنة 46ق.ع بجلسة 13/1/2007 (منشور بمجموعة السنة 52 مكتب فني- المبدأ رقم 35 ص237)، المنتهي إلى أن انقطاع العامل عن العمل زمنًا طويلا غير كافٍ وحده للقطع بتوفر نيته فى هجر الوظيفة.
[3])) في هذا الاتجاه: حكم دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 395 لسنة 27ق.ع بجلسة 2/3/1986 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها الدائرة في ثلاثين عاما، جـ1- مبدأ رقم 6/و، ص67).
وقارن بحكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1172 لسنة 25ق.ع بجلسة 5/1/1985، (منشور بمجموعة السنة 30 مكتب فني، المبدأ رقم 56 ص315)، حيث انتهت المحكمة إلى أن انتهاء الخدمة للاستقالة الضمنية لا يقع بقوة القانون، بل يحكمه المبدأ الوارد بالمادة (97) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978)، والذي يقضي بأن خدمة العامل لا تنتهي إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة.