جلسـة 20 من مارس سنة 2012
الطعـن رقـم 8507 لسنة 51 القضائية (عليا)
(الدائرة الثالثة)
– عقد توريد- تنفيذه- رفض الأصناف الموردة- يتعين على جهة الإدارة المبادرة إلى تسليم المورد الأصناف المرفوضة فنيا فور طلبه ذلك، إعمالا لمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود- إذا امتنعت الجهة الإدارية عن ذلك دون وجه حق تعين إلزامها التسليم عينا خلال المدة المعقولة- إذا استطالت مدة امتناعها عن التسليم إلى الحد الذي فقدت فيه الأصناف محل الإلزام بالتسليم الكثير من قيمتها، أو أصبحت غير صالحة للاستخدام بفعل التطور الهائل في الصناعة، تحول التزام الجهة الإدارية إلى التزام برد قيمة تلك الأصناف.
– المواد (88) و(89) و(90) من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات رقم 9 لسنة 1983 (الملغى لاحقا بموجب القانون رقم 89 لسنة 1998 بإصدار قانون تنظيم المناقصات والمزايدات)، الصادرة بقرار وزير المالية رقم 157 لسنة 1983.
– عقد توريد- تنفيذه- رفض الأصناف الموردة- إذا كان محل التزام الإدارة هو رد الأصناف المرفوضة، وتحول إلى التزام نقدي بسبب استحالة تنفيذه، فلا محل لاستئداء الفوائد القانونية المقررة بالمادة (226) من القانون المدني؛ لتخلف مناط إعمالها في هذه الحالة.
– المادة (226) من القانون المدني.
في يوم الإثنين الموافق 14/3/2005 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 16/1/2005 في الدعوى رقم 7950 لسنة 53ق، الذي قضى منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وبإلزام الهيئة المدعى عليها رد قطع الغيار المرفوضة من لجنة الاستلام وإدارة التفتيش والرقابة الداخلية للشركة المدعية، وذلك على الوجه المبين بالأسباب، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وإلزام المدعي بصفته، والهيئة المدعى عليها المصروفات مناصفة بينهما.
وطلب الطاعن بصفته الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا بالآتي:
1- إلزام الهيئة المطعون ضدها دفع مبلغ مقداره 96093,05 جنيها قيمة قطع الغيار التي رفضتها اللجنة الفنية؛ لاستحالة التنفيذ العيني بردها للشركة الطاعنة.
2- إلزام الهيئة المطعون ضدها دفع مبلغ مقداره 84675,20 جنيها، قيمة الشيك المصرفي ثمن قطع الغيار التي رفضتها لجنة الاستلام.
3- إلزام الهيئة المطعون ضدها دفع مبلغ مقداره 325382,85 جنيها على سبيل التعويض عن حرمانها من الانتفاع بقطع الغيار المشار إليها.
4- إلزام الهيئة المطعون ضدها تعويض مدير عام الشركة الطاعنة بصفته بمبلغ مئة ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به.
5- إلزام الهيئة المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون:
(أولا) بأحقية الطاعن بصفته في استرداد قطع الغيار غير المطابقة للمواصفات أو ما يعادل قيمتها في حالة استحالة التنفيذ العيني.
(ثانيا) أحقية الطاعن بصفته في استرداد قيمة الشيك المصرفي المقدم منه للهيئة المطعون ضدها بمبلغ 84675,20 جنيه.
(ثالثا) أحقية الطاعن بصفته في تعويضه عن الأضرار التي لحقت به من جراء امتناع جهة الإدارة عن تسليمه قطع الغيار المرفوضة على وفق ما تقدره المحكمة، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وإلزام الطرفين المصروفات مناصفة.
وقد نظرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 1/7/2009 قررت إحالته إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 17/11/2009، وفيها وما تلاها من جلسات تدوول الطعن أمام هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 27/12/2011 قررت إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات خلال شهر، وقد انقضى هذا الأجل دون تقديم أية مذكرات، وبجلسة 21/2/2012 تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لاستمرار المداولة، وفيها صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن عناصر النزاع تخلص –حسبما استبان من الأوراق– في أنه بتاريخ 20/6/1995 أخطر الطاعن بصفته بقبول عطائه عن توريد 82 صنفا من 18 بندا من بنود المناقصة التي طرحتها الهيئة المصرية العامة للطيران المدني بقيمة إجمالية مقدارها 315335,6 جنيها، وقد قامت الشركة الطاعنة بتوريد الأصناف، وأقرت بالتزامها بتغيير أية قطعة غيار تكون مخالفة للموديل أو المواصفات، وأثناء قيام لجنة الفحص والاستلام بالهيئة المذكورة بتسلم الأصناف الموردة رفضت تسلم بعض الأصناف لعدم مطابقتها للمواصفات، ويبلغ إجمالي قيمتها 96093,5 جنيها، وقد قامت الشركة بتوريد أصناف بديلة مطابقة للمواصفات، وصرفت مستحقاتها المالية وقيمة الضمان النهائي، إلا أن الهيئة المذكورة لم تقم برد الأصناف المرفوضة رغم تكرار طلب استردادها، وبتاريخ 3/3/1996 طلبت النيابة العامة الممثل القانوني للشركة للتحقيق معه في القضية رقم 1190 لسنة 1995 أموال عامة مما اضطره إلى رد مبلغ 84675,20 جنيها ثمن قطع الغيار إلى الهيئة بغرض إنهاء التحقيق مما حدا النيابة العامة على حفظ التحقيق.
وعلى إثر ذلك طلبت الشركة من الهيئة تسليمها قطع الغيار المرفوضة فنيا بعد توريد أصناف مطابقة للمواصفات، ورد قطع الغيار التي زعمت إدارة التفتيش والرقابة الداخلية أنها غير مطابقة للمواصفات، أو رد قيمة الشيك المصرفي البالغة 84675,20 جنيها، إلا أن الهيئة لم تستجب مما اضطره إلى إقامة دعواه رقم 7950 لسنة 53ق بطلباته المحددة بصحيفتها.
…………………………………
وبجلستها المنعقدة في 16/1/2005 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المشار إليه سلفا، وشيدته على أن الثابت أن الشركة قامت بتوريد قطع غيار مطابقة للمواصفات الفنية بدلا من قطع الغيار غير المطابقة، ومن ثم يكون من حقها المطالبة برد قطع الغيار غير المطابقة،كما يحق لها المطالبة برد قطع الغيار التي قامت بسداد قيمتها أثناء تحقيقات النيابة العامة البالغة 84675,20 جنيها، أما فيما يتعلق بطلب التعويض، وإذ يرجع الضرر إلى خطأ الشركة لعدم قيامها بتوريد الأصناف مطابقة للمواصفات، فينتفي ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية، ولا تقوم مسئوليتها عن التعويض.
…………………………………
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا من الشركة الطاعنة أقامت طعنها الماثل ناعية على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون؛ إذ إن قطع الغيار غير المطابقة للمواصفات تم توزيعها على الجهات التابعة للهيئة واستخدامها، ومن ثم يستحيل التنفيذ العيني، وينتقل حقها إلى التعويض، فضلا عن أن امتناع الهيئة المطعون ضدها عن تسليم قطع الغيار المرفوضة فنيا يمثل خطأ ترتب عليه ضرر مما يستوجب معه إلزام الهيئة التعويض، فضلا عن مسئولية الهيئة عن تعويض مدير عام الشركة عما لحق به من أضرار مادية وأدبية من جراء إساءة الهيئة وتابعيها استعمال السلطة، مما ترتب عليه التحقيق معه وحبسه على ذمة التحقيق، وفي معرض ردها على الطعن دفعت الجهة الإدارية بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر النزاع لقيامه بين شخصين من أشخاص القانون الخاص بعد تحول الهيئة المطعون ضدها إلى شركة قابضة، فضلا عن اختصام وزير الطيران المدني بصفته، وهو غير ذي صفة في الطعن؛ لأنه لم يكن طرفا في الدعوى التي صدر فيها الحكم، ومن باب الاحتياط الكلي طلبت الحكم برفض الطعن؛ إذ خلت الأوراق مما يفيد تعذر الرد العيني، وأن الشيك لا يجوز رد قيمته لأنه حرر بسبب المخالفات التي ارتكبتها الشركة الطاعنة، وأن طلب التعويض لا تتوفر أركانه المقررة قانونا.
…………………………………
وحيث إن الدفوع المبداة من المطعون ضدهم بصفاتهم، والمتعلقة بعدم الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة بنظر النزاع، وعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذي صفة بالنسبة لوزير الطيران المدني، وإذ لا تستند هذه الدفوع إلى أساس من القانون على وفق المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة؛ بحسبان أن المنازعة تعد من قبيل المنازعات الإدارية التي ينعقد الاختصاص بشأنها إلى القضاء الإداري وبحسبان أن وزير الطيران هو الوزير المختص بالجهات المطعون ضدها فيتعين الالتفات عنها، وتكتفي المحكمة بذكر ذلك في أسباب الحكم دون حاجة إلى الإشارة إليه في منطوقه.
وحيث إن المستفاد من أحكام المواد 88 و89 و90 من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات رقم 9 لسنة 1983، الصادرة بقرار وزير المالية رقم 157 لسنة 1983 أن المشرع حدد الإجراءات الواجب اتباعها عند قيام المتعهد بتوريد الأصناف المتعاقد عليها، وإذ تقوم لجنة الفحص والاستلام بفحص هذه الأصناف للتأكد من مطابقتها للمواصفات المتعاقد عليها، فإذا ثبت لها عدم مطابقتها كلها أو بعضها أخطرت المتعهد بخطاب موصى عليه بعلم الوصول بأسباب رفضها وبوجوب سحب الأصناف المرفوضة وتوريد بدلا منها، ويلتزم المتعهد بسحب هذه الأصناف خلال سبعة أيام على الأكثر من اليوم التالي لتاريخ إخطاره، فإن تأخر عن ذلك يكون للجهة الإدارية المتعاقدة الحق في تحصيل مصروفات تخزين بواقع 2% من قيمة الأصناف عن كل أسبوع أو جزء من الأسبوع، ولمدة أقصاها أربعة أسابيع، وبعد انتهاء هذه المدة يكون للجهة الإدارية الحق في اتخاذ إجراءات بيعها، وخصم ما قد يكون مستحقا لها لدى المورد من ثمنها.
وإذا كانت اللائحة قد وقفت عند حد تحديد ما يتبع عند امتناع المورد عن سحب الأصناف المرفوضة فنيا، ودون أن تحدد ما يتبع عند امتناع الجهة الإدارية عن تسليم تلك الأصناف إلى المورد بعد قيامه بتوريد الأصناف المطابقة، وطلبه استلامه الأصناف المرفوضة فنيا، إلا أنه وإعمالا لمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود يتعين على الجهة الإدارية المبادرة إلى تسليم المورد الأصناف المرفوضة فنيا فور طلبه ذلك، فإن امتنعت عن ذلك دون وجه حق تعين إلزامها بالتسليم عينا خلال المدة المعقولة، أما إذا استطالت مدة امتناعها عن التسليم إلى الحد الذي فقدت فيه الأصناف محل الإلزام بالتسليم الكثير من قيمتها، أو أصبحت غير صالحة للاستخدام بفعل التطور الهائل في الصناعة تحول التزام الجهة الإدارية إلى إلزام لها برد قيمة تلك الأصناف، مع التعويض الجابر للأضرار التي لحقت بالمورد نتيجة حرمانه من الاستفادة من تلك الأصناف طوال تلك المدة؛ وذلك لتوفر أركان المسئولية التقصيرية المتمثلة في الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما، ومما هو جدير بالتنويه أنه لا محل في هذه الحالة لتطبيق نص المادة (226) من القانون المدني لتخلف مناط إعمالها في الحالة المعروضة؛ بحسبان أن الإلزام لم يكن محله مبلغا من النقود، بل كان محله رد الأصناف المرفوضة، وتحول إلى إلزام نقدي بسبب استحالة تنفيذه على النحو السالف بيانه.
ومتى كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الشركة الطاعنة وتنفيذا للعقد المبرم بينها وبين الجهة الإدارية قامت بتوريد الأصناف محل العقد بتاريخ 29/6/1995، إلا أن لجنة الفحص والاستلام قد رفضت تسلم بعض تلك الأصناف لمخالفتها للمواصفات بلغت قيمتها 96093,5 جنيها (فقط ستة وتسعون ألفا وثلاثة وتسعون جنيها وخمسون قرشا)، وطلبت من الشركة الطاعنة توريد أصناف بديلة، حيث قامت بالتوريد إلا أن الجهة المطعون ضدها أمسكت عن رد الأصناف المخالفة للمواصفات للشركة الطاعنة رغم تكرار مطالبتها بردها، واستمر امتناعها عن الرد طوال الفترة من 1995 حتى الآن، أي لمدة جاوزت الستة عشر عاما، كما أن الثابت من الأوراق أن الشركة الطاعنة قد قامت بتقديم شيك بمبلغ 84675,20 جنيها (فقط أربعة وثمانون ألفا وست مئة وخمسة وسبعون جنيها وعشرون قرشا) قيمة بعض قطع الغيار التي رأت إدارة التفتيش والرقابة الداخلية بالهيئة عدم مطابقتها للمواصفات الفنية، وكانت محلا لتحقيق النيابة العامة في القضية رقم 1190 لسنة 1995 أموال عامة، دون أن تقوم الشركة المطعون ضدها بتقديم ما يثبت قيامها برد الأصناف المرفوضة للشركة الطاعنة، مما يتعين معه القضاء بإلزام الجهة المطعون ضدها رد المبالغ المذكورة البالغ إجماليها 180768,7 جنيها فقط (مئة وثمانون ألفا وسبع مئة وثمانية وستون جنيها وسبعون قرشا)، إضافة إلى التعويض الذي تقدره المحكمة بمبلغ مئة ألف جنيه.
وحيث إنه عن طلب الشركة الطاعنة تعويض مدير عام الشركة بمبلغ مئة ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء التحقيق معه وحبسه احتياطيا، وكان الثابت أن هناك خطأ وقع من الشركة الطاعنة تمثل في توريد أصناف غير مطابقة للمواصفات الفنية مما عرضها وعرض مديرها العام وبعض موظفي الجهة المطعون ضدها للتحقيق معهم في القضية رقم 1190 لسنة 1995 حصر أموال عامة عليا، والتي قطعت بعدم الأهمية لقيام مدير عام الشركة بسداد قيمة الأشياء غير المطابقة للمواصفات والموردة من الشركة للجهة الإدارية، فمن ثم يكون خطأ الشركة هو الذي أدى إلى النتائج المشار إليها، ومن ثم ينتفي الخطأ في جانب الجهة الإدارية اللازم توفره لقيام مسئوليتها التقصيرية، ويكون طلب التعويض والحال كذلك غير قائم على سند من القانون، حريا بالرفض.
ومتى كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى غير النتيجة المشار إليها سلفا فيتعين القضاء بإلغائه، والقضاء بإلزام الشركة المطعون ضدها الثانية أن تؤدي للشركة الطاعنة مبلغا مقداره 180768,7جنيها فقط (مئة وثمانون ألفا وسبع مئة وثمانية وستون جنيها وسبعون قرشا) قيمة الأصناف غير المطابقة للمواصفات والتي لم تقم الجهة المذكورة بردها للشركة، وإلزامها تعويض الشركة الطاعنة عما أصابها من أضرار بمبلغ مئة ألف جنيه، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم المصروفات إعمالا للمادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلزام الشركة المطعون ضدها الثانية بالآتي:
1- أن تؤدي للشركة الطاعنة مبلغا مقداره 180768,70 جنيها (فقط مئة وثمانون ألفا وسبع مئة وثمانية وستون جنيها وسبعون قرشا) قيمة الأصناف الغير مطابقة للمواصفات، والتي لم تقم بردها للشركة الطاعنة.
2- أن تؤدي للشركة الطاعنة مبلغا مقداره مئة ألف جنيه على سبيل التعويض عما أصابها من أضرار نتيجة التراخى في رد الأصناف غير المطابقة للمواصفات إليها.
3- رفض ما عدا ما تقدم من طلبات.
4- إلزام الشركة المطعون ضدها المصروفات.