جلسة 26 من يونيه سنة 2012
الطعنان رقما 12010 و 12099 لسنة 54 القضائية (عليا)
(الدائرة الثالثة)
– الدفع بعدم تنفيذه- فسخ العقد- العقد الإداري يُولِّد في مواجهة الإدارة التزامات عقدية، أخصها أن تمكن المتعاقد معها من البدء في تنفيذ العمل، ومن المضي في تنفيذه حتى يتم إنجازه- إخلال الإدارة بهذا الالتزام يكون خطأ عقديا في جانبها، يخول المتعاقد معها الحق في طلب فسخ العقد، فضلا عن حقه في التعويض([1]).
– المواد أرقام (147) و(148) و(160) من القانون المدني.
– المادة رقم (10) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات (الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998)، الصادرة بقرار وزير المالية رقم 1367 لسنة 1998.
– خطاب الضمان- إذا لم يتم تنفيذ العقد لأسباب تعزى إلى جهة الإدارة، مما ترتب عليه فسخ العقد، فإنها تلتزم برد خطاب الضمان أو التأمين النهائي.
– المسئولية العقدية- أركانها- تقوم المسئولية العقدية على أركان ثلاثة، هي الخطأ العقدي، والضرر، وعلاقة السببية بين الضرر والخطأ- يثبت الخطأ العقدي في جانب جهة الإدارة بإخلالها إخلالا جسيما بالتزاماتها العقدية.
– تقدير مبلغ التعويض- تقدير التعويض المستحق لجبر الضرر المتحقق من سلطة محكمة الموضوع، تجريه على أساس ما يقدم من أسانيد تبين حقيقة الأضرار المادية والأدبية التي لحقت بالمضرور- لا تقبل المنازعة في سلامة هذا التقدير، مادام قد اكتملت للحكم بالتعويض عناصره القانونية، وكان جابرا لكل الأضرار.
– المواد أرقام (163) و(221/1) و(222/1) من القانون المدني.
في يوم الأربعاء الموافق 19/3/2008 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين بصفاتهم تقرير الطعن رقم 12010 لسنة 54ق. ع قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا في الحكم الصادر عن محكمة الفضاء الإداري (الدائرة العاشرة) في الدعوى رقم 3920 لسنة 58 ق بجلسة 20/1/2008، الذي قضى بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بفسخ العقد المبرم بين المدعي بصفته وجهة الإدارة المدعى عليها، وإلزام المدعى عليهم بصفاتهم أن يؤدوا له قيمة خطاب الضمان النهائي بمبلغ مقداره ستون ألفا ومئتان وخمسة جنيهات، وإلزام جهة الإدارة أن تؤدي للمدعي بصفته تعويضا مقداره ثلاثون ألف جنيه، والمصروفات.
وطلب الطاعنون بصفاتهم -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثم إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى محل الطعن، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
وبالتاريخ نفسه (19/3/2008) أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض والإدارية العليا قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن رقم 12099 طعنا في الحكم المشار إليه.
وطلب الطاعن بصفته -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم:
(أولا) بقبول الطعن شكلا.
(ثانيا) بتعديل الحكم المطعون فيه، وإلزام الجهات الإدارية المطعون ضدها أولا وثانيا وثالثا أن يؤدوا إلى الشركة الطاعنة جميع الرسوم والمبالغ التي قامت الشركة الطاعنة بسدادها كرسوم للتجديد السنوي لخطاب الضمان رقم 174 لسنة 2002/2003 الصادر عن البنك الأهلي المصري- فرع العروبة (المطعون ضده الخامس) وجميع الرسوم والمبالغ التي سيتم سدادها حتى القضاء لمصلحة الشركة الطاعنة في الطعن الماثل.
(ثالثا) تعديل الحكم المطعون فيه بزيادة قيمة التعويض المقضي به لمصلحة الشركة الطاعنة بالحكم محل الطعن، وإلزام الجهة الإدارية (المطعون ضدهم الأول والثاني والثالث بصفاتهم ومتضامنين) بأن يؤدوا إلى الشركة الطاعنة مبلغا مقداره مليون جنيه مصري تعويضا عن الأضرار الأدبية والمادية التي حاقت بها من جراء خطأ الجهات الإدارية المطعون ضدها أولا وثانيا وثالثا، وإخلالهم بالتزاماتهم التعاقدية.
(رابعا) إلزام الجهة الإدارية (المطعون ضدهم أولا وثانيا وثالثا) المصروفات القضائية وأتعاب المحاماة.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعنين ارتأت فيه الحكم: بالنسبة إلى الطعن رقم 12010 لسنة 54ق.ع بقبوله شكلا ورفضه موضوعا، مع ما يترتب على ذلك من آثار وذلك على النحو المبين بالأسباب، وإلزام جهة الإدارة الطاعنة المصروفات. وبالنسبة إلى الطعن رقم 12099 لسنة 54ق.ع بقبوله شكلا وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه، وذلك بزيادة مقدار مبلغ التعويض المقضي به ليكون بإلزام جهة الإدارة أن تؤدي إلى الشركة الطاعنة مبلغ التعويض الذي تراه عدالة المحكمة جابرا لجميع ما أصابها من الأضرار المباشرة المتوقعة منها وقت التعاقد وغير المتوقعة، مع ما يترتب على ذلك من آثار وذلك على النحو المبين بالأسباب، وإلزام جهة الإدارة المطعون ضدها المصروفات.
وتدوول الطعنان أمام دائرة فحص الطعون على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 2/6/2010 قررت الدائرة ضم الطعن رقم 12099 لسنة 54ق. ع إلى الطعن رقم 12010 لسنة 54ق. ع ليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 16/6/2010 قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة موضوع) لنظرهما بجلسة 16/11/2010.
وتدوول الطعنان بجلسات المرافعة على النحو المبين بالمحاضر، حيث أودع الحاضر عن جهة الإدارة مذكرة بجلسة 15/11/2011، وبها قررت المحكمة حجز الطعنين للحكم بجلسة 27/3/2012 ومذكرات خلال شهر، لم تودع خلاله أية مذكرات، وبجلسة 27/3/2012 قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 24/4/2012، وبها مد أجل النطق لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطاعنين في كل من الطعنين يطلبان الحكم لهما بصفتيهما بطلباتهما المتقدمة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه صدر في 20/1/2008 وأقيم الطعنان في 19/3/2008، وقد استوفى كل منهما أوضاعه الشكلية، فإنهما يكونان مقبولين شكلا.
– وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن شركة… أقامت الدعوى رقم 3520 لسنة 58ق بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 19/11/2003، طالبة في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبصفة مستعجلة التحفظ الفوري على خطاب الضمان البنكي رقم 174 لسنة 2002/2003 المؤرخ في 29/6/2003 من البنك الأهلي المصري- فرع العروبة- بمبلغ وقدره 60205,00 جنيهات، المسلم كتأمين نهائي لعملية توريد أجهزة أشعة ومستلزماتها، وذلك لحين الفصل النهائي في النزاع، وبفسخ العلاقة التعاقدية الناشئة عن أمر الإسناد المؤرخ في 20/4/2003 والمعدل في 3/6/2003، ودون أي التزامات على الشركة المتعاقدة وبتعويضها بمبلغ مليون جنيه كتعويض مادي وأدبي عن الأضرار التي لحقتها من جراء الإخلال ببنود العقد الناشئة بينها وجهة الإدارة، وإلزامها المصروفات.
– وذكرت الشركة المدعية شرحا لدعواها أنها تعاقدت مع جهة الإدارة المدعى عليها على توريد أجهزة أشعة ومستلزماتها طبقا لكراسة الشروط والمواصفات، وقدمت خطابا بنكيا برقم 174/2002-2003 من البنك الأهلي المصري فرع العروبة بمبلغ مقداره 60205,00 جنيهات كتأمين نهائي، وعلى الرغم من قيام الشركة بتجهيز مشمول أمر التوريد ومخاطبة جهة الإدارة بالعديد من الخطابات لتحديد الأماكن التي سيتم التوريد وتركيب الأجهزة بها، إلا أن الإدارة لم ترد، كما لم تُجْدِ في هذا الشأن الإنذارات على يد محضر لحث جهة الإدارة على تنفيذ التزاماتها العقدية وإلا عُدَّ العقد مفسوخا، وعندما تحركت جهة الإدارة حددت أماكن تبين أنها لا تصلح لتركيب الأجهزة، بل وتشكل خطرا داهما على المواطنين في حالة تشغيل الأجهزة، وبالرغم من تجهيز المكون المحلي لم تتمكن الشركة المدعية من الإفراج عن الصمامات المولدة لآشعة إكس لعدم تحديد مكان التركيب، مما أدى إلى استحالة الإفراج عن هذه الصمامات، مما أدى بالمتعاقد الأجنبي إلى فسخ التعاقد على هذا المكون، وهو ما سبب خسارة الشركة كبرى الشركات العالمية إلى الأبد، وذلك جميعه في حين رفضت الجهة الإدارية فسخ التعاقد أو تأجيل المناقصة بإعادة الطرح، بما استحال معه الاستمرار في تنفيذ العقد.
– وبجلسة 20/1/2008 صدر الحكم المطعون فيه، وشيد الحكم قضاءه على أن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية لم تقم بتحديد الأماكن المراد تركيب أجهزة الأشعة فيها حتى يتم معاينتها وتقديم تقرير عنها طبقا للتعاقد رغم إخطارها وتوجيه إنذارات على يد محضر من الشركة المدعية، وقد فوجئت الشركة بعدم صلاحية الأماكن التي حددتها الجهة الإدارية لتركيب هذه الأجهزة لما تمثله من خطورة على المواطنين، ولم تحدد جهة الإدارة أماكن بديلة وتجاوز وقف العملية مدة طويلة تجاوز المعقول، مما يعد إخلالا جسيما من جانب جهة الإدارة بالتزاماتها التعاقدية وحسن النية في تنفيذ العقد، والذي يوجب عليها أن تكون على بصيرة من أمرها قبل طرح المناقصة بإجراء الدراسات والمعاينات الفنية اللازمة طبقا لطبيعة التعاقد، ومن ثم يكون طلب الشركة المدعية فسخ التعاقد قائما على سببه متعينا القضاء به، وعن طلب التعويض فإن خطـأ جهة الإدارة ثابت على النحو المتقدم، ولحقت بالشركة المتعاقدة من جرائه أضرار مادية تمثلت فيما لحقها من خسارة نتيجة لإخلال الجهة الإدارية بالتزاماتها وعدم تمكينها من القيام بالعملية والحصول على الربح الذي كانت تنشده وحرمانها من الاستفادة بقيمة خطاب الضمان في عمليات أخرى، فضلا عن نفقات التقاضي، كذلك فقد لحق بالشركة ضرر أدبي تمثل ذلك في المساس بسمعة الشركة في الوسط الذي تعمل به لعدم تنفيذها لالتزاماتها، ومن ثم خلص الحكم إلى تقدير مبلغ التعويض الجابر لهذه الأضرار بمبلغ 30000 جنيه (ثلاثين ألف جنيه).
……………………………………….
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا لدى الجهة الإدارية الطاعنة في الطعن رقم 12010 لسنة 54ق.ع فقد أقامت طعنها المذكور، وذلك تأسيسا على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ومخالفته للثابت بالأوراق؛ ذلك أن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 15/4/2003 صدر أمر توريد عدد (7) أجهزة أشعة، وتسلمته الشركة المطعون ضدها في 20/4/2003، وبتاريخ 24/7/2003 ورد إلى جهة الإدارة كتاب الشركة بتحديد أماكن تركيب الأجهزة، والتي أخطرت بها الشركة في 26/8/2003، واعتبرت الجهة الإدارية الفترة من 24/7/2003 حتى 26/8/2003 مدة توقف تضاف إلى مدة تنفيذ العملية، وبتاريخ 1/9/2003 ورد كتاب الشركة إلى جهة الإدارة متضمنا تعديل طريقة الدفع، والذي رفضته الإدارة لعدم قانونيته، فما كان من الشركة إلا الاعتراض مجددا على الأماكن المحددة لتركيب الأشعة بحجة عدم ملاءمتها وشرعت فورا في طلب تجهيزها وتقاعست عن توريد مشمول أمر التوريد طوال هذه المدة، رغم إصرار جهة الإدارة على تركيب الأجهزة بالأماكن المحددة مسبقا من قبلها، ومن ثم وتطبيقا لمبدأ عدم جواز الدفع بعدم التنفيذ ولمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود كان لابد وأن تقوم الشركة المطعون ضدها بتنفيذ الالتزامات الموكول إليها تنفيذها بموجب أمر التوريد الصادر لها، وذلك بالتوريد في الأماكن المحددة من قبل الجهة الإدارية أو إلى مخازن التموين الطبي بالوزارة، ثم مطالبة الإدارة بالتعويض إذا كان لذلك مقتضٍ، وهو ما يكون معه طلب الفسخ غير قائم على سند صحيح جديرا بالرفض، ويكون من حق جهة الإدارة الاحتفاظ بخطاب التأمين النهائي حتى تستوثق من قيام الشركة بالتزاماتها ومن ثم يكون طلب رد قيمته قائماً بدوره على غير سند.
……………………………………….
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا كذلك لدى الشركة الطاعنة في الطعن رقم 12099 لسنة 54ق فقد أقامت طعنها المذكور تأسيسا على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وذلك للأسباب الآتية:
1- إغفال الحكم المطعون فيه لطلب الشركة الطاعنة بإلزام جهة الإدارة أن تؤدي إلى الشركة جميع المصروفات والرسوم الناتجة عن تجديد خطاب الضمان رقم 174/2002-2003 والتي تكبدتها الشركة دون وجه حق بعد قيام جهة الإدارة بمد خطاب الضمان لعدة سنوات من 2003 وحتى تاريخه.
2- عدم ملاءمة التعويض المقضي به للشركة مع ما أصابها من أضرار مادية وأدبية نتيجة إخلال جهة الإدارة بالتزاماتها التعاقدية، ومن هذه الأضرار قيام الشركة بتخزين الأصناف بمخازنها، مما أعاق الشركة عن استثمار قيمة هذه الأجهزة وما تكبدته الشركة نتيجة تصنيع المنتجات محل أمر التوريد وبمواصفات خاصة، فضلا عن الإساءة إلى سمعة الشركة أمام الشركات الأجنبية التي تعاقدت معها على توريد أجزاء مهمة تدخل في المنتج النهائي، وما يترتب على ذلك من حرمان الشركة من التعامل مع الشركات الأجنبية المذكورة سالفا.
……………………………………….
وحيث إن المادة (147) من القانون المدني تنص على أن: “العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون”.
وتنص المادة (148) من ذات القانون على أنه: “يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية”.
وتنص المادة العاشرة من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998 على أن: “على الجهة الإدارية قبل طرح العملية للتعاقد الحصول على الموافقات والتراخيص ذات الصلة بموضوع التعاقد من الجهات المعنية وفقا للضوابط والقرارات التي تقضي بذلك”.
وحيث إنه من المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن العقد الإداري يُوَلِّدُ في مواجهة الإدارة التزامات عقدية، أخصها أن تمكن المتعاقد معها من البدء في تنفيذ العمل ومن المضي في تنفيذه حتى يتم إنجازه فإذا لم تقم بهذا الالتزام فإن هذا يكون خطأ عقديا في جانبها يخول المتعاقد معها الحق في طلب فسخ العقد، فضلا عن استحقاقه للتعويض الجابر لما أصابه من أضرار بسبب ذلك.
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن 3466 لسنة 36ق.ع بجلسة 19/2/2002)
وحيث إن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 20/4/2003 أصدرت جهة الإدارة أمر توريد إلى شركة… لتوريد أجهزة أشعة ومستلزماتها خلال أربعة أشهر من تاريخ صدور أمر التوريد الذي تم تعديله في 3/6/2003 نظرا لوجود خطأ مادي، وحيث ورد بالبند (24) من كراسة الشروط والمواصفات العامة أنه يجب على المورد معاينة أماكن التركيب وأن يقدم تقريرا عنها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ رسو المناقصة، وحيث لم تقم جهة الإدارة بتحديد الأماكن المراد تركيب أجهزة الأشعة بها، فقد قامت الشركة بمخاطبة جهة الإدارة لاستعجالها لتحديد هذه الأماكن حتى يمكن معاينتها وإعداد تقرير عنها، وتم ذلك بموجب خطاب الشركة الصادر برقم 110 في 24/7/2003، وأيضا باستعجال آخر في 2/8/2003، كما تم توجيه إنذار لها على يد محضر في 17/8/2003 دون جدوى، وبتاريخ 26/8/2003 تم تحديد تلك الأماكن من جانب الجهة الإدارية، وقامت الشركة بتسلم تلك البيانات في 26/8/2003، وقامت بمعاينة تلك الأماكن في 16/9/2003، وتبين لها أنها غير صالحة لتركيب هذه الأجهزة بها لما تمثله من خطورة على المواطنين، وأعدت بذلك تقريرا قدمته إلى الجهة الإدارية متضمنا التوصيات التي يجب عملها، إلا أن جهة الإدارة لم تنهض إلى تحديد أماكن بديلة، وتجاوز وقف العملية مدة طويلة تجاوز المعقول، مما يعد إخلالا جسيما من جهة الإدارة بواجباتها التعاقدية، مما يجوز معه للشركة طلب فسخ التعاقد.
وحيث إنه وطبقا لحكم المادة (160) من القانون المدني فإن فسخ العقد يترتب عليه إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، ولما كان الثابت أن الشركة المذكورة قدمت خطاب الضمان البنكي رقم 174/2002-2003 بمبلغ مقداره 60205 جنيهات كتأمين نهائي لعملية التوريد والذي لم يتم لأسباب تعزى إلى جهة الإدارة -على النحو المذكور سالفا- مما ترتب عليه فسخ العقد، ومن ثم يتعين إلزام جهة الإدارة رد خطاب الضمان موضوع النزاع إلى الشركة المذكورة.
وحيث إن المسئولية العقدية الموجبة للتعويض تقوم على أركان ثلاثة هي الخطأ العقدي والضرر وعلاقة السببية بين الضرر والخطأ.
وحيث إن ركن الخطأ قد ثبت في جانب جهة الإدارة وذلك بإخلالها إخلالا جسيما بالتزاماتها العقدية، وذلك بتراخيها في تحديد الأماكن المراد توريد أجهزة الأشعة ومستلزماتها فيها على النحو المبين سالفا، وقد لحقت بالشركة المذكورة أضرار مادية وأدبية من جراء خطأ الإدارة، مما يستوجب قيام الأخيرة بالتعويض الجابر لهذه الأضرار المادية والأدبية.
وحيث إنه عن الطعن رقم 12010 لسنة 54ق. عليا المقام من جهة الإدارة، وحيث إن خطأ الجهة الإدارية ثابت لعدم قيامها بتحديد الأماكن المراد تركيب الأجهزة محل أمر التوريد بها لمدة طويلة تجاوز المعقول، مما يعد إخلالا منها بالتزاماتها التعاقدية وذلك على النحو المبين سالفا، مما يكون معه طلب فسخ العقد قائما على سنده المبرر له، ويحق للشركة المتعاقدة طلب رد خطاب ضمان التأمين النهائي والتعويض عما أصابها من أضرار من جراء خطأ الإدارة، مما يكون معه هذا الطعن قائما على غير سند جديرا بالرفض، دون أن ينال من ذلك القول بأن جهة الإدارة أخطرت الشركة في 26/8/2003؛ إذ إن ذلك مردود بأن إخطار الشركة في هذا التاريخ هو إخطار تأخر كثيرا، بل وورد بعد نهاية مدة التوريد المحدد لها أربعة أشهر من تاريخ صدور أمر التوريد الذي صدر في 20/4/2003، هذا فضلا عن أن الشركة قامت بمعاينة الأماكن التي حددتها الجهة الإدارية وارتأت عدم ملاءمتها وخطورتها وقدمت بذلك تقريرا إلى الجهة الإدارية-تنفيذا لاشتراطات كراسة الشروط العامة-، إلا أن جهة الإدارة امتنعت عن تحديد أماكن بديلة.
كذلك لا ينال مما تقدم ما تذرعت به جهة الإدارة من أن مسلك الشركة برفض الأماكن التي حددتها الإدارة جاء ردا على رفض جهة الإدارة طلب الشركة بتعديل طريقة الدفع؛ إذ جاء هذا القول مرسلا من غير دليل يسانده من الأوراق، كما أن رفض الشركة للأماكن التي حددتها الإدارة هو حق لها، بل والتزام عليها طبقا لكراسة الشروط العامة على النحو المشار إليه.
– وحيث إنه عن الطعن رقم 12099 لسنة 54ق.عليا المقام من شركة…، وحيث يقوم الطعن على إغفال الحكم المطعون فيه لطلب الشركة إلزام جهة الإدارة أن تؤدي إلى الشركة الطاعنة رسوم تجديد خطاب الضمان رقم 174/2002-2003، وكذا عدم ملاءمة قيمة التعويض المقضي به للشركة للأضرار المادية والأدبية التي لحقتها من خطأ الإدارة.
وحيث إن المادة (163) من القانون المدني تنص على أن: “كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”.
وتنص المادة (221/1) من ذات القانون على أن: “إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو بنص القانون فالقاضي هو الذي يقدره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو للتأخر في الوفاء به”.
وحيث إن تقدير التعويض المستحق لجبر الضرر المتحقق إنما هو من سلطة محكمة الموضوع تجريه على أساس ما يقدم إليها من أسانيد تبين حقيقة الأضرار المادية والأدبية التي تكون قد لحقت بالمضرور، وكل ذلك على نحو ما تتبينه من ظروف الدعوى على وفق حكم المادة (222/1) من القانون المدني، فلا تقبل المنازعة في سلامة هذا التقدير مادام قد اكتملت للحكم بالتعويض عناصره القانونية، وكان جابرا لكل الأضرار المادية والأدبية.
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن 573 و5625 لسنة 44ق.ع)
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد حدد الأضرار التي لحقت بالشركة الطاعنة من جراء خطأ جهة الإدارة بتراخيها في تحديد الأماكن المراد توريد أجهزة الأشعة ومستلزماتها فيها بأنها الأضرار المادية التي لحقتها، والتي تمثلت فيما لحقها من خسارة نتيجة لعدم تمكينها من القيام بالعملية والحصول على الربح الذي كانت تنشده وحرمانها من الاستفادة بقيمة خطاب الضمان في عمليات أخرى وتكبدها نفقات التقاضي، وكذلك الأضرار الأدبية وتتمثل في المساس بسمعة الشركة في الوسط الذي تعمل به لعدم تنفيذ التزاماتها، وقدر الحكم لذلك جميعه تعويضا قدره ثلاثون ألف جنيه، فإن هذا الحكم يكون قد صدر موافقا للقانون ويكون الطعن عليه قائما على غير سند جديرا بالرفض.
وحيث إن ما ذكرته الشركة الطاعنة بتقرير طعنها من أضرار مادية وأدبية لحقت بها نتيجة خطأ جهة الإدارة، مثل رسوم تجديد خطاب الضمان المقدم من الشركة رقم 174/2002-2003 بعد قيام جهة الإدارة بمد الخطاب، ومنعها من استثمار قيمة الأجهزة موضوع التوريد والتي قامت بتخزينها بمخازنها، وما تكبدته من خسارة نتيجة تصنيع المكون المحلي في المنتجات محل أمر التوريد، فهي لا تخرج عن كونها خسائر لحقت بها من جراء عدم تمكينها من تنفيذ العملية والحصول على ربحها، كما أشار إلى ذلك الحكم المطعون فيه وكانت تحت بصره -بجانب الأضرار الأدبية التي أشار إليها أيضا الحكم- قدر قيمة التعويض على أساسها، ومن ثم لا يكون هناك وجه للمنازعة في ذلك التقدير؛ حيث لم يتضمن طعن الشركة جديدا فيما يتعلق بعناصر التعويض.
وحيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة:
(أولا) بقبول الطعن رقم 12010 لسنة 54ق.عليا شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
(ثانيا) بقبول الطعن رقم 12099 لسنة 54ق. عليا شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الشركة الطاعنة المصروفات.
[1])) راجع: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3466 لسنة 36ق.ع بجلسة 19/2/2002، (منشور بمجموعة السنة 47 مكتب فني- مبدأ رقم 52 ص468).