جلسة 10 من يونيو سنة 2003م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ كمال زكى عبدالرحمن اللمعى.
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمود إبراهيم محمود على عطا الله، ومنير صدقى يوسف خليل، وعبدالكريم محمود صالح الزيات، وحسن سلامة أحمد محمود.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ محمود شعبان حسين.
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ جمال طه المهدى.
سكرتير المحكمة.
الطعنان رقما 3808، 4225 لسنة 46 قضائية عليا:
ـ قواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام ـ تحديد دائرة الاختصاص المحلى ـ أساسه.
جميع قواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام سواء الاختصاص النوعى أو المحلى وكذلك توزيع الاختصاص بين دوائر المحكمة الواحدة يرتبط بالنظام العام ـ هذه القواعد تتعلق بولاية المحكمة أو الهيئة التى تسند إليها بمقتضى القواعد التى تضعها الجمعيات العمومية لمحاكم مجلس الدولة، ويعتبر الخروج على هذه القواعد خروجاً على قواعد الاختصاص يستتبع بطلان الحكم لانعدام ولاية إصداره من جانب الدائرة التى أصدرته، ويضحى حكمها باطلا لما شابه من مخالفة إجرائية جسيمة مما يفقد الحكم صفته كحكم قضائى ـ تحديد دائرة الاختصاص المحلى لمحاكم مجلس الدولة يقوم على اتصال الجهة الإدارية المحلية بالنزاع بحسبان أنها تستطيع الرد على الدعوى بإعداد البيانات وتقديم المستندات الخاصة بها وكذلك تسوية المنازعات صلحاً أو تنفيذاً للحكم ـ تطبيق.
فى يوم الخميس 9/3/2000 أودع الأستاذ/ زكريا يونس إمبابى المستشار المساعد بهيئة قضايا الدولة بصفته نائباً عن الطاعن فى الطعن الأول بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3803 لسنة 46ق. عليا فى حكم محكمة القضاء الإدارى الدائرة السابعة الصادر ـ بجلسة 23/1/2000 فى الدعوى رقم 2977 لسنة 46ق. والذى قضى بإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها بأن تؤدى إلى المدعى مبلغاً مقداره خمسون ألف جنيه والمصروفات.
وطلب الطاعن بصفته للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى الدائرة السابعة محلياً بنظر الدعوى والإحالة إلى محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية للاختصاص وإلزام المطعون ضده المصروفات واحتياطياً برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتى التقاضى.
وفى يوم الثلاثاء 14/3/2000، أودع الأستاذ/ محمد عاطف أنور نائباً عن الأستاذ/ ثروت عبدالشهيد وكيل الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 4225 لسنة 4 ق.عليا فى حكم محكمة القضاء الإدارى سالف الذكر.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بكامل طلبات الطاعن شاملاً رد قيمة خطابات الضمان التى قامت الجهة الإدارية بالاستيلاء عليها والتعويض الأدبى نظير الأضرار التى لحقت بالطاعن وإلزام المطعون ضده المصروفات، وأعلن تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرين بالرأى القانونى انتهت فيهما إلى الحكم بقبول الطعنين شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة محلياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية للاختصاص مع إبقاء الفصل فى المصروفات.
وعين لنظر الطعنين أمام الدائرة الثالثة فحص طعون جلسة 19/12/2001 وأجل إلى جلسة 3/4/2002 ثم إلى جلسة 15/5/2002 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة موضوع لنظرها بجلسة 1/9/2002 وفيها تقرر التأجيل لجلسة 1/4/2003؛ حيث قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى أن الطاعن مصطفى أحمد النمر أقام الدعوى بتاريخ 11/8/1990 برقم 702 لسنة 1990 تجارى كلى أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية الدائرة 37 تجارى ضد المطعون ضدهما طالبا فيها الحكم بإلزام المدعى عليهما (المطعون ضدهما) بأن يؤديا له مبلغ 1600000 (مليون وستمائة ألف جنيه) على سبيل التعويض عن فترة التوقف عن العمل الفترة من 10/10/1988 وحتى تاريخ إقامة الدعوى.
وقال شرحاً لدعواه إن الإدارة العامة لمشروعات تطوير الرى بغرب الدلتا بدمنهور والتابعة لوزارة الرى طرحت بتاريخ 15/8/1988 مناقصة عامة للقيام بالأعمال الترابية والصناعية لتطوير ترعه بلقطر الرئيسية وفروعها طبقاً للرسوم والاشتراطات العامة والخاصة بقيمة تقديرية مقدارها 1372780 جنيهاً ورست المناقصة على المدعى وصدر أمر الإسناد لشركته فى 27/9/1988 على أن تكون مدة العملية ثمانية عشر شهراً وعند بدء التنفيذ فوجئ بعدم وجود تعليمات تنفيذية للبدء فى التنفيذ مما يترتب عليه تحمله بمصاريف وتكاليف زائدة وإصابة الشركة بأضرار يتعين التعويض عنها، وبجلسة 26/11/1991 قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى لنظرها وأبقت الفصل فى المصروفات وأحيلت الدعوى وقيدت بجدول محكمة القضاء الإدارى دائرة العقود الإدارية والتعويضات تحت رقم 2977 لسنة 46ق. وتم تحضيرها وتدوولت أمامها إلى أن قضت بجلسة 23/1/1994 برفض الدعوى بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى وباختصاصها وبعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعى عليه الثانى لرفعها على غير ذى صفة وتمهيدياً وقبل الفصل فى الموضوع بندب مكتب خبراء وزارة العدل ليندب أحد خبرائه المختصين للقيام بالمأمورية المبينة بأسباب هذا الحكم وأسست قضاءها برفض الدفع بعدم الاختصاص المحلى على أنه ولئن كانت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية تختص بنظر المنازعات الخاصة بالمصالح الحكومية والهيئات العامة بمحافظات الإسكندرية ومرسى مطروح والبحيرة وكانت الإدارة العامة لمشروعات تطوير الرى بغرب الدلتا بدمنهور تقع فى النطاق المكانى لدائرة اختصاص محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية إلا أن الثابت من الإدارة المذكورة هى إحدى إدارات وزارة الرى ولا تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة وليس لها موازنة مستقلة عن الوزارة وكانت مقر الوزارة بالقاهرة، فإن الاختصاص ينحسر عن محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة. وقد أودع الخبير المنتدب فى الدعوى تقريره وقضت المحكمة بجلسة 23/1/2000 بإلزام الجهة الإدارية (المدعى عليها) بأن تؤدى إلى المدعى مبلغاً مقداره خمسون ألف جنيه والمصروفات.
وأسست المحكمة قضاءها على أن الثابت أن المدعى تعاقد مع الإدارة العامة لمشروعات تطوير الرى بغرب الدلتا بشأن تنفيذ الأعمال الترابية والصناعية لتطوير ترعة بلقطر الرئيسية وفروعها بقيمة إجمالية مقدارها 1372780 جنيهًا لمدة ثمانية عشر شهراً تبدأ من 10/10/1984 وتنتهى فى 10/4/1990 إلا أنه طرأت متغيرات أدت إلى مد تنفيذ العملية حتى 5/2/1991 والتأخير فى تنفيذ العملية مما أدى إلى تحمل نفقات كبيرة فضلاً عن زيادة أسعار الخامات وأن سبب التأخير يرجع إلى الجهة الإدارية المدعى عليها ونتج عن ذلك أن أصيب المدعى بأضرار مادية تمثلت فيما لحقه من خسارة وما فاته من كسب الأمر الذى يستحق عنه تعويضاً تقدره المحكمة يبلغ مقداره خمسون ألف جنيه.
وإذ لم ترتض الجهة الإدارية هذا الحكم فقد بادرت إلى إقامة الطعن رقم 3808 لسنة 46ق.عليا لأسباب حاصلها :ـ (1) أن العقد موضوع النزاع مبرم بين الإدارة العامة لمشروعات تطوير الرى بغرب الدلتا بدمنهور وبين المطعون ضده بخصوص عملية تطوير ترعة بلقطر الرئيسية وفروعها ومركز أبو حمص محافظة البحيرة، وبذلك يكون النزاع متصلاً بأحد فروع وزارة الأشغال العامة والموارد المائية بمحافظة دمنهور ومن ثَمَّ فإن الاختصاص بنظرها ينعقد لمحكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية وتكون محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة غير مختصة محلياً بنظر الدعوى رقم 2977 لسنة 46ق. مما يستتبع بطلان الحكم لانعدام ولاية المحكمة (2) انتفاء خطأ الجهة الإدارية وعدم ثبوت إصابة المطعون ضده بضرر ذلك أن الجهة الإدارية قامت بمد مدة تنفيذ العملية مرتين الأولى فى 5/2/1991 والثانية فى 14/2/1992 ولا وجه لما ذهب إليه تقرير الخبير الذى تجاوز نطاق مأموريته بتعرضه لمسائل يطلبها المطعون ضده وهى استرداد قيمة خطاب الضمان، (3) أن تقدير التعويض لم يكن قائماً على أسباب وأسس ثابتة وإنما جاء غير مناسب مع الضرر بما يمثل إثراء بلا سبب للمطعون ضده على حساب جهة الإدارة.
وإذ لم يرتض المحكوم لصالحه بالحكم فقد بادر بالطعن عليه لأسباب حاصلها: (1) أن الثابت من الأوراق وتقرير الخبير أن التأخير فى التنفيذ راجع إلى تصرفات الجهة الإدارية ولا دخل لإرادة الطاعن فيها بحيث ترتب عليها تحمل الطاعن المصروفات العامة أثناء فترة التوقف وقد أثبت الخبير أن المصروفات تمثلت فى تأجير السيارات لمهندسى الرى ومرتبات المهندسين والإداريين وتأجير عدد من الاستراحات لإقامتهم خلال فترة التأخير بسبب تقاعس الجهة الإدارية عن تنفيذ التزامها فضلاً عما تحمله الطاعن من زيادة أسعار الخامات التى تزايدت خلال فترة التوقف، وقد قدر الخبير تلك المصروفات بمبلغ 90439.110 جنيهاً وقد أغفل الحكم ذلك فضلاً عما طلبه الطاعن أمام المحكمة من طلب الحكم بإلزام الجهة الإدارية برد قيمة خطابات الضمان والبالغ قيمتها 186974 جنيهاً مع فوائدها القانونية من تاريخ استحقاقها وحتى تاريخ السداد، كما أغفل الحكم التعويض عن الضرر الأدبى وتمثل فيما لحق بسمعة الشركة وما أشيع عنها من تراخيها فى التنفيذ فى حين أن السبب فى التأخير يرجع إلى الجهة الإدارية، وأنه عن الدفع بعدم الاختصاص المحلى فإنه من الدفوع التى لا تتعلق بالنظام العام وأن توزيع الاختصاص بين دوائر محكمة القضاء الإدارى هو من المسائل التنظيمية ولا يصلح أن يكون سبباً للطعن.
ومن حيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن جميع قواعد الاختصاص تتعلق بالنظام العام سواء الاختصاص النوعى أو المحلى كما أن توزيع الاختصاص بين دوائر المحكمة الواحدة يرتبط كذلك بالنظام العام، لأن هذه القواعد تتعلق بولاية المحكمة أو الهيئة التى تسند إليها بمقتضى القواعد التى تضعها الجمعيات العمومية لمحاكم مجلس الدولة ويعتبر الخروج على هذه القواعد خروجاً على قواعد الاختصاص يستتبع بطلان الحكم، لأن صدور الحكم بالرغم من هذه المخالفة مؤداه: انعدام ولاية إصداره من جانب الدائرة التى أصدرته، ويضحى حكمها باطلاً لما شابه من مخالفة إجرائية جسيمة من شأنها أن تهدر ضمانة كفلها القانون مما يفقد الحكم صفته كحكم قضائى خصوصاً إذا كان صاحب المصلحة قد تعمد التحامل على قواعد الاختصاص كى تفصل له دائرة بعينها حسب اختياره، فليس هناك ما هو أكثر إخلالاً بقواعد التنظيم القضائى من أن يختار صاحب النزاع القاضى الذى يروقه، ولا يغير من ذلك أن تكون الإدارة المتعاقدة هى إحدى فروع أو إدارات الوزارة ولا تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة ذلك أن تحديد دائرة الاختصاص المحلى لمحاكم مجلس الدولة يقوم على اتصال الجهة الإدارية المحلية بالنزاع وهى بطبيعة الحال التى تستطيع الرد على الدعوى بإعداد البيانات وتقديم المستندات الخاصة بها وكذلك تسوية المنازعات صلحاً أو تنفيذاً للحكم.
ومن حيث إن المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الدولة رقم 38 لسنة 1973 تنص على أن تنشأ دائرة لمحكمة القضاء الإدارى يكون مقرها مدينة الإسكندرية وتختص بنظر المنازعات الخاصة بمصالح الحكومة والهيئات العامة بمحافظات الإسكندرية ومطروح والبحيرة كما تنص المادة الأولى من قرار رئيس مجلس الدولة رقم 99 لسنة 1999 بإعادة تنظيم دوائر محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة والمحافظات الأخرى وإنشاء دوائر جديدة على أن تحدد اختصاص دوائر محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة والمحافظات الأخرى على النحو التالى:……. ثالثاًـ دوائر محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية تختص محلياً بالمنازعات الإدارية المتصلة بفروع الوزارات ومصالح الحكومة وأشخاص القانون العام بمحافظات الإسكندرية ومرسى مطروح والبحيرة.
ولما كان الثابت من الأوراق أن العقد موضوع النزاع قد أبرم بين الإدارة العامة لمشروعات تطوير الرى بغرب الدلتا بدمنهور وبين الطاعن بشأن عملية تطوير ترعة بلقطر الرئيسية وفروعها ومركز أبو حمص محافظة البحيرة، ومن ثَمَّ يكون النزاع متصلاً بأحد فروع وزارة الأشغال العامة والموارد المائية بمحافظة البحيرة فينعقد الاختصاص بنظره لمحكمة القضاء الإدارى دائرة البحيرة المنشأة بقرار رئيس مجلس الدولة رقم 244 لسنة 2002 باعتبار الإدارة العامة لمشروعات تطوير الرى بغرب الدلتا هى الجهة التى لديها المستندات المتعلقة بالنزاع وإذ صدر الحكم المطعون فيه من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة فإنه يضحى باطلاً لصدوره من محكمة غير مختصة.
ومن حيث إنه إعمالاً لما تقدم وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف أحكام القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله متعيناً الحكم بإلغائه.
حكمت المحكمة
بقبول الطعنين شكلاً، وفى الموضوع ببطلان الحكم المطعون فيه، وأقرت بإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى دائرة البحيرة للاختصاص وأبقت الفصل فى المصروفات.