جلسة 4 من فبراير سنة 2009
(الدائرة السادسة)
الطعنان رقما 8504 و 17947 لسنة 51 القضائية عليا.
الحق فى التعويض عن إخلاء المواقع الأثرية مصدره نص القانون وليس أحكام المسئولية التقصيرية- تقديره.
قرر المشرع أنه لا يترتب على أي استغلال قائم من قبل الأفراد أو الهيئات لموقع أثرى أو أرض أو بناء ذى قيمة تاريخية أي حق في تملكه بالتقادم مهما طالت مدة التقادم– يحق لجهة الإدارة إخلاء المواقع الأثرية مقابل تعويض عادل تدفعه للذين كانوا يقيمون بهذه المواقع- الحق فى التعويض في هذه الحالة لا يقوم على أساس الخطأ أو أحكام المسئولية التقصيرية، وإنما هو تعويض مصدره نص القانون– يجب أن يكون هذا التعويض عادلا يراعى فى تقديره جبر الأضرار التى لحقت بالأفراد بصورة مكافئة لحجم هذه الأضرار- اصطلاح “العدالة” يعني المساواة والتكافؤ ودقة الموازنة بين الأضرار والتعويض بحيث يكون عادلا- يخضع هذا لتقدير محكمة الموضوع، ولا تقبل المنازعة فيه مادامت قد اكتملت للحكم بالتعويض عناصره القانونية، وكان كافياً لجبر جميع الأضرار من وجهة نظر محكمة الموضوع– تطبيق.
في يوم الخميس الموافق 14/3/2005 أودعت وكيلة الطاعن في الطعن رقم 8504 لسنة 51 ق. عليا تقريراً بالطعن على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 752 لسنة 53 ق بجلسة 16/1/2005 الذي قضى منطوقه بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلزام الجهة الإدارية أن تؤدي للمدعيين – مناصفة بينهما – تعويضاً مقداره (40000) أربعون ألف جنيه وألزمت الإدارة المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما المصروفات.
وفي يوم الأحد الموافق 3/7/2005 أودع وكيل الطاعن في الطعن الثاني رقم 17947 لسنة 51 ق. عليا تقريراً بهذا الطعن قلم كتاب المحكمة على ذات الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري، وذلك بعد أن أودع طلباً بالإعفاء من الرسوم بتاريخ 14/3/2005، وصدر فيه القرار بتاريخ 7/5/2005 وطلب الطاعن في تقرير الطعن للأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وتعديله برفع مقدار التعويض المقضي به ليصبح (100000) مئة ألف جنيه كتعويض نهائي وجابر للضرر، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد أعلن تقريرا الطعن وفقاً للثابت بالأوراق، وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعنين ارتأت فيه الحكم بقبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً وإلزام الطاعنين المصروفات.
ونظرت الدائرة السادسة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا الطعنين بعدة جلسات ثم قررت إحالتهما للدائرة السادسة عليا موضوع لنظرهما.
ونفاذا لذلك ورد الطعنان لهذه المحكمة ونظرتهما بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وقررت إصدار الحكم فيهما بجلسة اليوم. وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية فهما مقبولان شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 26/10/1998 أودع المطعون ضدهما في الطعن الأول قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة صحيفة الدعوى رقم 752 لسنة 53 ق طلبا فيها الحكم بإلزام المطعون ضدهما بصفتيهما في الطعن الثاني متضامنين بأن يؤديا لهما تعويضاً قدره مئتا ألف جنيه (200000) مناصفة لهما عما أصابهما من أضرار مادية ومعنوية من جراء تنفيذ القرار رقم 1978 لسنة 1996 مع إلزامهما المصروفات.
وشرحا لدعواهما ذكر المدعيان أن والدهما كان يعمل رئيس ملاحظين بهيئة الآثار، ومن بعده نجله المدعي الأول الذي يعمل بوظيفة حارس آثار بالمجلس الأعلى للآثار، وكانوا جميعاً يقيمون بالعقار رقم (4) عطفة الجولشاني (تكية الجولشاني) – قسم الدرب الأحمر منذ حوالي خمسين عاما، وهذا العقار مملوك للآثار والأوقاف وليس لهم مسكن آخر، وبتاريخ 21/4/1997 فوجئا بقوة الشرطة تقوم بكسر الباب وإلقاء منقولاتهما بالطريق العام وإتلافها تنفيذاً للقرار رقم 1978 لسنة 1996 بالإزالة والطرد الفوري لجميع شاغلي التكية المؤجرة من الأوقاف، وقد نسب لهما هذا القرار التعدي على هذا الأثر.
وأضاف المدعيان أن قانون الآثار كفل حق التعويض العادل لمستغلي الآثار عند إخلائهم للضرورة بمعرفة هيئة الآثار، وأن هذا القرار أصابهم بالعديد من الأضرار المادية والمعنوية.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعيين المصروفات.
وبجلسة 16/5/2005 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بتعويض المدعيين بمبلغ أربعين ألف جنيه مناصفة استناداً لقانون الآثار.
وانتهى الحكم إلى قضائه المتقدم.
لم يلق هذا القضاء قبول الطاعنين (المدعيان والمدعى عليهما) حيث طلبت الجهة الإدارية الطاعنة في الطعن الأول إلغاء هذا الحكم ناعية عليه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال؛ حيث إن المدعيين يعتبران متعديين على الأثر وليس لديهما أي ترخيص أو سند بوضع أيديهما عليه، وبالتالي لا يستحقان أي تعويض كما ينتفي الخطأ في جانب المجلس الأعلى للآثار.
أما الطاعن في الطعن الثاني فقد نعي على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب فيما يتعلق بتقدير قيمة التعويض الذي لا يتناسب مع ما أصابه من أضرار جسيمة ولم يحقق عناصرها، فضلاً عن تعسف الجهة الإدارية. واختتم تقرير الطعن بطلب الحكم بزيادة مقدار التعويض المقضي به.
ومن حيث إن محور الطعنين يدور بالنسبة للجهة الإدارية في طلب إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى من تعويض، وبالنسبة للطاعن في الطعن الثاني في طلب رفع مقدار هذا التعويض المقضى به.
ومن حيث إن المادة (15) من قانون حماية الآثار الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1983 تنص على أنه: “لا يترتب على أي استغلال قائم من قبل الأفراد أو الهيئات لموقع أثري أو أرض أو بناء ذي قيمة تاريخية أي حق في تملكه بالتقادم، ويحق للهيئة كلما رأت ضرورة لذلك إخلاؤها مقابل تعويض عادل”.
ومن حيث إن مؤدى هذا النص -كما ذهب الحكم المطعون فيه وبحق- أن الحق في التعويض العادل المنصوص عليه لا يقوم على أساس الخطأ أو أحكام المسئولية التقصيرية؛ إذ لو كان كذلك لما كانت هناك حاجة للنص عليه، وإنما هو تعويض مصدره نص القانون. لاعتبارات قدرها المشرع عند تعارض الحقوق العامة مع المصالح الخاصة للأفراد، فإنه إلى جانب تغليب المصلحة العامة لم يهمل مصالح الأفراد وقرر لهم الحق في التعويض، ويجب أن يكون هذا التعويض عادلا، أي يراعى في تقديره جبر الأضرار التي لحقت بالأفراد بصورة متكافئة لحجم هذه الأضرار؛ لأن اصطلاح “العدالة” يعني المساواة والتكافؤ ودقة الموازنة بين الأضرار والتعويض بحيث يكون عادلا، والحق في التعويض في مثل هذه الأحوال مصدره القانون.
ومن حيث جرى قضاء هذه المحكمة على أنه لا وجه للادعاء بأن التعويض المقضى به مغالىً فيه أو أنه غير كاف لجبر الضرر؛ حيث إنه من المقرر أن تقدير التعويض المستحق لجبر الضرر إنما هو من إطلاقات محكمة الموضوع تجريه على أساس وزن ما يقدم لها من أسانيد لبيان حقيقة الأضرار المادية والأدبية التي تكون قد حاقت بالمضرور، ولا تقبل المنازعة بعد ذلك في هذا التقدير مادام قد اكتملت للحكم بالتعويض عناصره القانونية، وكان كافياً لجبر جميع الأضرار من وجهة نظر محكمة الموضوع.
ومن حيث إنه هدياً بما تقدم فإن الثابت بالأوراق أن المطعون ضدهما في الطعن الأول كانا يقيمان في تكية الجولشاني بقسم الدرب الأحمر منذ فترة طويلة حسبما تحققت من ذلك المحكمة المطعون في حكمها، وكانت المحافظة على هذا الأثر وحمايته تقتضي إخلاءهما فصدر القرار رقم 1978 لسنة 1996 بإخلائهما، ولما كان قانون حماية الآثار المشار إليه يقضى بأن يتم ذلك الإخلاء مقابل تعويض عادل، قدرته المحكمة المطعون في حكمها بمبلغ أربعين ألف جنيه، وكان هذا التقدير مناسباً لجبر جميع الأضرار التي أصابت المطعون ضدهما المذكورين دون إفراط أو تفريط، فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد صدر متفقا وصحيح الواقع والقانون، ويكون الطعن عليه بالطعنين الماثلين مفتقرا لسنده، فيكونان جديرين بالقضاء برفضهما وإلزام كل من الطاعنين مصاريف طعنه.
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، ورفضهما موضوعا، وألزمت كلا من الطاعنين مصاريف طعنه.