جلسة 14 من يناير سنة 2012
الطعنان رقما 9646 و10170 لسنة 53 القضائية (عليا)
(الدائرة الأولى)
– مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه- يكون المتبوع مسئولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعا منه حال تأدية وظيفته أو بسببها، وكانت للمتبوع على التابع سلطة فعلية في توجيهه ورقابته فى عمل معين يقوم به التابع لحساب المتبوع، ولو انحسرت هذه الرقابة في التوجيهات الإدارية([1]).
– المادتان رقما (163) و(174) من القانون المدني.
– مسئولية الطبيب عن الخطأ المهني- مناط مسئوليته- ممارسة المهنة على خلاف القواعد والأصول الطبية العلمية المقررة- خطأ الطبيب لا يفترض، بل يتعين إقامة الدليل على تقصيره أو إهماله، وعلى أنه لولا هذا الخطأ ما تفاقمت حالة المريض- يستدل على ذلك من تقارير اللجان الفنية وشهادة الشهود.
– تأديب- استقلال الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية- تحقيقات النيابة العامة لا تحوز حجية أمام المحاكم التأديبية أو السلطات التأديبية- الحجية مقررة للحكم الجنائي وليست للتحقيقات الجنائية.
– في يوم الأربعاء الموافق 28/3/2007 أودع الأستاذ/… المحامى بصفته وكيلا عن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم 9646 لسنة 53ق. عليا (الطعن الأول) في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 4/2/2007 في الدعوى رقم 19110 لسنة 57 ق، القاضي في منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بإلزام المدعى عليه بصفته أن يؤدى للمدعيين مبلغا مقداره أربعون ألف جنيه يقسم بينهما مناصفة، وإلزامه بصفته المصروفات.
وطلب الطاعن بصفته –للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بقبوله شكلا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بإلغائه وإلزام المطعون ضدهما المصروفات عن الدرجتين.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما على النحو المبين بالأوراق.
– وفى يوم الأربعاء الموافق 4/4/2007 أودع الأستاذ/… المحامى بصفته وكيلا عن الطاعنين في الطعن الثاني قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم 10170 لسنة 53 ق. عليا طعنا في الحكم ذاته.
وطلب الطاعنان –للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بقبوله شكلا، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه، وإعادة تقدير مبلغ التعويض ليكون خمس مئة ألف جنيه حسبما ورد بعريضة الدعوى ليكون مناسبا مع الضرر الواقع عليهما من جراء إصابة نجلهما واستمرارية علاجه مدى الحياة.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده بصفته على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعنين ارتأت فيه الحكم بقبول الطعنين شكلا ورفضهما موضوعا، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة في الطعن الأول والطاعنين في الطعن الثاني المصروفات مناصفة.
ونظر الطعنان أمام الدائرة السابعة فحص الطعون حيث قررت بجلسة 16/5/2007 ضم الطعنين، وبجلسة 21/4/2010 قررت إحالتهما إلى الدائرة السابعة موضوع لنظرهما بجلسة 20/6/2010، ونظر الطعنان أمامها بتلك الجلسة وبالجلسات التالية لها على النحو الثابت بالمحاضر إلى أن قررت إحالة الطعنين إلى الدائرة الأولى موضوع للاختصاص، وتدوول نظر الطعنين أمام الدائرة الأولى موضوع على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 22/10/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعنين بجلسة اليوم والتصريح بمذكرات في أسبوعين لم تقدم خلاله أية مذكرات، وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل –بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن جميع الأوراق والمستندات– في أن المطعون ضدهما في الطعن الأول (الطاعنين في الطعن الثاني) أقاما بداية دعواهما المطعون على الحكم الصادر فيها بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طلبا في ختامها الحكم بقبولها شكلا، وفى الموضوع بإلزام المدعى عليه بصفته (الطاعن في الطعن الأول والمطعون ضده في الطعن الثاني) بأن يؤدي لهما مبلغا مقداره خمس مئة ألف جنيه تعويضا عما أصابهما من أضرار مادية وأدبية وإلزامه بصفته المصروفات، على سند من أنــه بتاريــخ 22/7/2000 توجهت المدعيــة الأولى… إلى مستشفى التأمين الصحي بـ … للولادة، حيث قام بإجراء الولادة الدكتور/… إخصائي النساء والولادة بالمستشفى والذي استعمل الشفاط في عملية الولادة رغم أنه معطل وغير صالح للاستعمال وذلك لأكثر من ساعة، مما أصاب وليدها/… (نجل المدعى الأول) بضمور في خلايا المخ نتيجة نقص الأكسجين، كما أنه لم يحسن التصرف واختيار الوسيلة المناسبة في عملية الولادة، حيث كان يجب عليه في حالة عدم استجابة الشفاط إجراء عملية قيصرية فورا، كما أنه لم يقم بتقرير أي علاج لحالة الطفل أو استدعاء إخصائى أطفال متخصص، وترك الطفل في حالة تشنجات دون إجراء اللازم له، وقد شكلت لجنة طبية بمعرفة الهيئة العامة للتأمين الصحي لفحص الموضوع، والتى قدمت تقريرها الذي أحيل إلى النيابة الإدارية التى تولت التحقيق بالقضية رقم 858 لسنة 2001، وانتهت إلى مسئولية الطبيب المذكور وطلبت مجازاته إداريا مع التشديد، وبناء عليه صدر القرار رقم 186 في 23/6/2002 بمجازاته بخصم شهر من راتبه، كما أن مستشفى معهد ناصر قد أكد بعد توقيع الكشف الطبي على نجلهما في 1/4/2001 أنه يعانى من ضمور في خلايا المخ ويحتاج إلى العلاج باستمرار.
وأضافا أن ما وقع من الطبيب المذكور يكون في حد ذاته خطأ كافياً لتحميل الجهة المدعى عليها المسئولية باعتبار الطبيب الذي ارتكب الخطأ تابعاً لها، وأنه قد ترتب على هذا الخطأ ضرر أصاب المدعيين يتمثل فيما تكبداه من مصروفات علاج نجلهما الباهظة التكاليف بحيث أصبح يشكل عبئاً عليهما من رعاية وخدمة خاصة تكلفهما الكثير من النفقات، فضلاً عن الأضرار الأدبية والمعنوية من جراء إصابة نجلهما شديدة الوطئة عليهما، وأن علاقة السببية قائمة بين الخطأ والضرر. وخلصا في ختام صحيفة الدعوى إلى الحكم لهما بالطلبات المبينة سالفا.
………………………………..
وتدوول نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 4/2/2007 أصدرت الحكم المطعون فيه الذي قضى بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بإلزام المدعى عليه بصفته أن يؤدى للمدعيين مبلغا مقداره أربعون ألف جنيه يقسم بينهما مناصفة وإلزامه بصفته المصروفات. وشيدت المحكمة قضاءها على أن الطبيب/… إخصائي النساء والتوليد بمستشفى التأمين الصحي بـ … قد أشرف بتاريخ 22/7/2000 على عملية توليد المدعية الأولى بالمستشفى المذكور، وأنه لم يراعِ القواعد والأصول الطبية العلمية لدى مباشرة عملية التوليد، وذلك بقيامه باستخدام شفاط غير صالح للاستعمال في عملية الولادة وحاول تثبيته برأس الجنين أكثر من مرة لمدة قاربت الساعة، مما ترتب عليه إصابة وليدها الطفل/… (نجل المدعى الثاني) بتجمع دموى بعظام الرأس أدى إلى نقص الأكسجين المؤثر في خلايا المخ، مما أدى إلى ضمور بعض خلايا المخ، كما لم يقم باتخاذ الإجراءات الواجبة نحو استدعاء طبيب أطفال متخصص لمناظرة حالة الطفل لما به من تجمع دموي بعظام الرأس تاركا الحالة دون تقرير اللازم بشأنها، مما يتوفر معه ركن الخطأ في جانب الهيئة التي يمثلها المدعى عليه باعتبار الطبيب المذكور تابعا لها، وإذ ترتب على هذا الخطأ أضرار مادية أصابت المدعيين (والدي الطفل) تتمثل فيما تكبداه من نفقات ومصروفات علاجه المستمرة عالية التكاليف فضلا عن نفقات ومصروفات التقاضي، بالإضافة إلى الأضرار الأدبية والنفسية التى حاقت بهما من جراء تفاقم حالة وليدهما الصحية في جزء من أهم أجزاء جسده وهو المخ وما يتطلبه ذلك من رعاية وخدمة خاصة أثقلت كاهلهما وأثرت في معنويات الأسرة، وأنه لولا الخطأ الذي وقع فيه الطبيب التابع للهيئة المدعى عليها ما كان الضرر الذي لحق بالمدعيين، وبذلك يكون قد توفر مناط مسئولية الهيئة المدعى عليها.
………………………………..
وحيث إن مبنى الطعن الأول (9646 لسنة 53ق.عليا) المقام من الهيئة العامة للتأمين الصحي أن الحكم المطعون فيه صدر مشوبا بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الحكم المطعون فيه استدل على ثبوت خطأ الطبيب بما أثبتته النيابة الإدارية في القضية رقم 858 لسنة 2001، دون أن يتطرق إلى غير ذلك من الاستدلالات التي تؤكد عدم وجود أي خطأ في حق هذا الطبيب، ومنها أن النيابة العامة انتهت في المحضر رقم 4171 لسنة 2002 إلى عدم وجود أي خطأ يمكن نسبته للطبيب المذكور حيال عملية قيامه باستخدام شفاط للولادة، وأنه قد تم إحالة الواقعة إلى الطبيب الشرعي الذي وضع تقريره مؤكدا على أن ما اتخذه الطبيب المشكو في حقه من خطوات توليد المذكورة وكذا ما اتخذه من قرار استخدام الشفاط في توليدها كان له ما يبرره نظرا إلى حدوث توقف مستعرض لرأس الجنين. وأن الحكم المطعون فيه قد فصل في مسألة فنية بحتة بدون أي مسوغ قانوني بالمخالفة للثابت بالأوراق. واختتم الطاعن بصفته تقرير الطعن بطلباته المبينة سالفا.
وحيث إن مبنى الطعن الثاني (10170 لسنة 53ق.عليا) أن التعويض الذي قدره الحكم المطعون فيه لا يتناسب مع حجم الضرر الذي لحق بالطاعنين وما تكبداه من مصروفات باهظة التكاليف لعلاج نجلهما ورعايته الخاصة منذ ولادته حتى الآن وإلى مدى الحياة نتيجة لما أصابه من ضمور في خلايا المخ، وأن المبلغ الذي قضت به المحكمة وهو أربعون ألف جنيه لا يكفى. واختتم الطاعنان تقرير الطعن بطلباتهما المبينة سالفا.
………………………………..
وحيث إن المادة (163) من القانون المدني تنص على أن: ” كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”.
وتنص المادة (174) من نفس القانون على أن: “(1) يكون المتبوع مسئولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعا منه حال تأدية وظيفته أو بسببها.
(2) وتقوم رابطة التبعية، ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه، متى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته وفى توجيهه”.
وحيث إن مفاد ما تقدم أن المادة (163) من القانون المدني قد حددت أركان التعويض عن المسئولية التقصيرية وهى الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما. ومن ناحية أخرى فإن المشرع قرر مسئولية المتبوع عما يحدثه تابعه بعمله غير المشروع وهو نوع من المسئولية المفترضة قانوناً متى ثبتت علاقة التبعية بين محدث الخطأ والمتبوع، ولا بد في هذه الحالة من وجود السلطة الفعلية في الرقابة والتوجيه التي تَثْبُتُ للمتبوع على التابع بما يصدره من أوامر وتوجيهات ولو انحسرت هذه الرقابة في التوجيهات الإدارية، كما يلزم لاستحقاق التعويض أن يرتكب التابع خطأ يسبب ضرراً للغير، كما يجب أن يكون التابع قد ارتكب الخطأ حال تأدية وظيفته أو بسببها، ويمثل ذلك ضابطا رابطا بين مسئولية المتبوع وعمل التابع فإذا ثبتت المسئولية على التابع وجب إلزام المتبوع بأداء قيمة التعويض إلى المضرور.
وحيث إنه لما كان ما تقدم وكان الثابت من الأوراق أن الطبيب/… إخصائي النساء والتوليد بمستشفى التأمين الصحي بـ… قد أشرف بتاريخ 22/7/2000 على عملية الولادة للسيدة/… (المطعون ضدها الأولى في الطعن الأول والطاعنة الثانية في الطعن الثاني) بالمستشفى المذكور وأنه لم يراعِ القواعد والأصول الطبية العلمية لدى مباشرة عملية التوليد وذلك بقيامه باستخدام شفاط غير صالح للاستعمال في عملية الولادة وحاول تثبيته برأس الجنين أكثر من مرة لمدة قاربت الساعة، مما ترتب عليه إصابة وليدها الطفل/… بتجمع دموي بعظام الرأس أدى إلى نقص الأكسوجين المؤثر في خلايا المخ ما أدى إلى ضمور بعض خلايا المخ، كما لم يقم باتخاذ الإجراءات الواجبة نحو استدعاء طبيب أطفال متخصص لمناظرة حالة الطفل لما به من تجمع دموي بعظام الرأس تاركا الحالة دون تقرير اللازم بشأنها، وهو ما ثبت بحقه من شهادة كل من الطبيب/… رئيس قسم الأطفال حديثي الولادة بمستشفى الأطفال التخصصي بـ… بتحقيقات النيابة الإدارية بـ… في القضية رقم 858 لسنة 2001 من ارتباط الحالة التي وصل إليها الطفل باستخدام الشفاط، وبما شهد به الطبيب/… استشاري الأطفال وعضو اللجنة الفنية المشكلة من قبل رئاسة الهيئة العامة للتأمين الصحي لبحث الشكوى المقدمة من السيدة المذكورة من أن الطبيب/… في استخدامه الشفاط على النحو المبين سالفا مخالف للأصول العلمية الطبية، وأن هناك علاقة سببية بين استخدام الشفاط وإصابة الطفل بالتجمع الدموي بعظام الرأس، وأيضا مما شهدت به الطبيبة/… استشاري الأطفال بمستشفى النيل للتأمين الصحي وعضو اللجنة المشار إليها من وجود ارتباط بين طريقة الولادة بالشفاط وما وصلت إليه حالة الطفل، ومما شهدت به أيضا الممرضة/… الممرضة بمستشفى التأمين الصحي بـ… والتي كانت ترافق الطبيب/… أثناء الولادة من أن الطبيب المذكور استخدم الشفاط وأثناء استخدامه له تعطل عن العمل أكثر من مرة وكان يحاول إصلاحه وتم تثبيته برأس الجنين أكثر من مرة، وفى المرة الثالثة ثبت بالرأس، وأن الجنين ولد برأس طويلة واحمرار مكان الشفاط، وهو ما يتوفر معه ركن الخطأ في جانب الطبيب المذكور، ومن ثم في جانب الهيئة العامة للتأمين الصحي باعتبار الطبيب تابعا لها.
وقد ترتبت على هذا الخطأ أضرار مادية أصابت والِدَي الطفل تتمثل فيما تكبداه من نفقات ومصروفات علاجه المستمرة والباهظة التكاليف، فضلا عن نفقات ومصروفات التقاضي لنيل حقهم عن طريق القضاء والتي تجاوزت الثماني السنوات، بالإضافة إلى الأضرار الأدبية والنفسية التى حاقت بهما من جراء تفاقم حالة وليدهما الصحية في جزء من أهم أجزاء جسده وهو المخ، وما يتطلبه ذلك من رعاية خاصة وخدمة شاقة أثقلت كاهلهما وأثرت على معنويات الأسرة. ولما كان الضرر الذي أصاب والِدَي الطفل نتيجة خطأ الطبيب أثناء قيامه بعملية الولادة والتابع للهيئة، مما تتوفر معه علاقة السببية بين الخطأ والضرر الذي لحق بهما، وبذلك تكون قد تكاملت أركان مسئولية الهيئة العامة للتأمين الصحي، وتحققت من ثم موجبات التعويض، ويكون طلب التعويض قائما على سببه الصحيح من الواقع والقانون متعينا القضاء به.
وحيث إنه لا ينال من ذلك ما ذكرته الهيئة من أن النيابة العامة قد حفظت التحقيق في الواقعة؛ لأن ذلك مردود عليه بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن ما تنتهي إليه النيابة العامة من ثبوت إدانة العامل أو عدم ثبوتها لا يحوز حجية أمام المحاكم التأديبية أو السلطات التأديبية، وإنما يخضع للفحص والتمحيص والتقييم؛ وذلك لما هو مستقر من استقلال الجريمة التأديبية عن الجريمة الجنائية وأن الحجية مقررة للحكم الجنائي وليست للتحقيقات الجنائية.
كما لا ينال مما تقدم ما انتهى إليه تقرير الطب الشرعي رقم 252 لسنة 2002 طب شرعي… المؤرخ في 11/8/2003 (المودع صورته بحافظة المستندات المقدمة من الهيئة العامة للتأمين الصحي المرفقة بالطلب المقدم منها أمام محكمة أول درجة لإعادة الدعوى للمرافعة) من أن ما اتخذه الطبيب من خطوات التوليد، وكذا قراره استخدام الشفاط كان له ما يبرره، ولا يوجد أي خطأ أو إهمال أو تقصير يمكن نسبته له؛ لأن ما انتهى إليه تقرير الطب الشرعي المشار إليه يتعارض مع ما ذكرته الممرضة/… (والتي كانت ترافق الطبيب أثناء عملية الولادة) بالتحقيقات من أن الطبيب/… استخدم الشفاط أكثر من مرة وأثناء استخدامه له تعطل عن العمل وكان يحاول إصلاحه وأن الجنين ولد برأس طويلة واحمرار مكان الشفاط.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تقرير الطب الشرعي لم يجزم فنيا عن سبب حدوث الشلل الدماغى للطفل كما جاء بالبند رقم (7) بنهاية التقرير، بالإضافة إلى ما تقدم فإن تقرير الطب الشرعي يتعارض أيضا مع ما قرره أعضاء اللجنة الفنية المشكلة من قبل الهيئة والتي أكدت وجود علاقة بين ما أصاب الطفل وبين استخدام الشفاط، مما لا تطمئن معه المحكمة إلى تقرير الطب الشرعي ولا تعول عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب هذا المذهب وانتهى إلى توفر ركن الخطأ في جانب الهيئة باعتبار الطبيب تابعا لها إلا أن مبلغ التعويض المقضي به وهو أربعون ألف جنيه لا يتناسب البتة مع ما أصاب والِدَي الطفل من أضرار، لاسيما أن الثابت من الأوراق أن الطفل يحتاج للمتابعة المستمرة والعلاج بالأدوية مدى الحياة وجلسات علاج طبيعي وهو يعانى من ضمور في خلايا المخ وتأخر في النمو الجسماني والعقلي، ومن ثم فإن مبلغ التعويض المقضي به بالحكم المطعون فيه لا يكفي لجبر تلك الأضرار مما يتعين معه تعديله بالنسبة لمبلغ التعويض ليكون مئة ألف جنيه بدلا من أربعين ألف جنيه يُقَسَّمُ بين والِدَي الطفل مناصفة (الطاعنين في الطعن الثانى).
وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون مبلغ التعويض مئة ألف جنيه بدلا من أربعين ألف جنيه، وإلزام الهيئة العامة للتأمين الصحي المصروفات.
([1]) في حكمها في الطعن رقم 1400 لسنة 83 القضائية بجلسة 21/1/2015 أكدت محكمة النقض أن مؤدى نص الفقرة الثانية من المادة (174) من القانون المدني أن علاقة التبعية تقوم كلما توفرت الولاية في الرقابة والتوجيه، بحيث تكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة أداء عمله، وفي الرقابة عليه في تنفيذ هذه الأوامر، ومحاسبته على الخروج عليها، فلا يكفي أن يكون هناك مطلق رقابة أو توجيه، بل لا بد أن تكون تلك الرقابة وهذا التوجيه في عمل معين يقوم به التابع لحساب المتبوع، ولا يعد من هذا القبيل مجرد الإشراف العام على عمل التابع حتى لو كان فنيا، بل لا بد من التدخل الإيجابي من المتبوع في تنفيذ هذا العمل وتسييره كما شاء، فيهذا تقوم سلطة التوجيه والرقابة في جانب المتبوع، مما يؤدي إلى مساءلته عن الفعل الخاطئ الذي يقع من التابع.