جلسة 27 من مارس سنة 2004م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / د. عبدالرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان، ويحيى خضرى نوبى محمد، و د. محمد ماجد محمود أحمد، ومحمد أحمد محمود محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار / رضا محمد عثمان
مفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 7943 لسنة 46 قضائية. عليا:
ـ ما يدخل فى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى ـ الطعن على قرار رئيس الجمهورية بإلغاء تراخيص الصحف والمطبوعات الصادرة لبعض الجرائد والمجلات والتحفظ على أموالها ومقارها الصادر إعمالا لسلطته المقررة فى المادة (74) من الدستور.
المحكمة الدستورية العليا قد ذهبت إلى أن القرار الصادر من رئيس الجمهورية بمناسبة أحداث الزاوية الحمراء عام 1981 إعمالاً لسلطته المقررة فى المادة 74 من الدستور بحل عدد من الجمعيات المشهرة وفقاً لأحكام قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة لايعدو أن يكون قراراً إدارياً شأنه فى ذلك شأن القرار الذى يصدر من وزير الشئون الاجتماعية بحل الجمعيات الخاضعة لأحكام القانون المذكور إذا ثبت ارتكابها لمخالفة جسيمة للقانون أو خروجها على النظام العام والآداب، فالقراران كلاهما يتوخيان إنهاء الوجود القانونى للجمعية لخروجها على حكم القانون بمعناه العام، وكلاهما يتمخض عن إرادة ملزمة مصدرها القانون ويراد بالإفصاح عنها إحداث مركز قانونى معين يعتبر فى ذاته ممكنًا وجائزاً قانوناً والباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة مثلما هو الشأن فى القرارات الإدارية جميعها، ولا يحول الاستفتاء الشعبى دون الطعن على هذا القرار أو تطهيره من العيوب التى شابته إذ ليس من شأن هذا الاستفتاء أن يرد قراراً معدوماً إلى الحياة ولا إسباغ الصحة على قرار ولد باطلاً ولا أن يغير من طبيعته فيلحقه بأعمال السيادة، وإذْ قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 154 لسنة 1981 الذى عقد الاختصاص لمحكمة القيم بنظر التظلم من الإجراءات التى تتخذ وفقاً للمادة 74 من الدستور فإن هذا القضاء مؤداه عودة الاختصاص فى هذا المجال إلى القضاء الإدارى بوصفه صاحب الولاية العامة بنظر دعاوى الإلغاء والمنازعات الإدارية ـ تطبيق.
ـ سلطة رئيس الجمهورية فى اتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة الخطر ـ حدودها.
المادة 74 من الدستور خَوَّلت رئيس الجمهورية سلطة اتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة الخطر الذى قد يحدق بالبلاد لكنها لم تجعل سلطته فى هذا المجال مطلقة من كل قيد وإنما قيدتها بأن يكون ثمة خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستورى وأن تكون هذه الإجراءات لازمة وضرورية لمواجهة هذا الخطر فإذا لم يوجد الخطر أصلاً أو وجد ثم زال قبل أن يستخدم رئيس الجمهورية السلطة المخولة له فى هذا الشأن فإن ما يتخذه من قرارات استناداً إلى تلك المادة يضحى مخالفاً لأحكام الدستور والقانون مما يستدعى ولاية الإلغاء التى يمارسها القضاء الإدارى على القرارات الإدارية غير المشروعة ـ ترتيباً على ذلك ـ قرار رئيس الجمهورية المتضمن إلغاء ترخيص بعض الصحف والمجلات والتحفظ على أموالها ومقارها قد صدر استنادًا إلى المادة 74 من الدستور بمناسبة أحداث الزاوية الحمراء التى وقعت فى يونيه عام 1981 وذلك بعد أن كان قد تم احتواء هذه الأحداث والسيطرة عليها حسبما يتضح من بيان رئيس الجمهورية إلى الشعب المصرى وخطابه الذى وجهه فى الاجتماع غير العادى والمشترك لمجلسى الشعب والشورى فى سبتمبر 1981، وبعد أن كان قد مضى على هذه الأحداث حتى تاريخ صدور القرار ما يقرب من شهرين ونصف الشهر، الأمر الذى يفيد أن وصف الخطر الذى يبيح استخدام السلطات المنصوص عليها فى المادة 74 من الدستور لم يكون متحققاً وقت صدور القرار المطعون فيه وبالتالى ما كان يسوغ اتخاذ الإجراء الوارد بهذا القرار لاسيما أن الدستور قد كفل حرية الصحافة وحظر الرقابة عليها أو إنذارها أو وقفها أو إلغاءها بالطريق الإدارى كما حظر المصادرة العامة للأموال أو المصادرة الخاصة لها إلا بحكم قضائى ـ تطبيق.
فى يوم السبت الموافق 20/3/1982 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن ـ قيد برقم 649 لسنة 28 قضائية عليا ـ فى الحكمين الصادرين من محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 22/12/1981وبجلسة 11/2/1982 فى الدعوى رقم 8 لسنة 36ق والذى قضى أولهما: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة وباختصاصها وقضى ثانيهما ـ أولاً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وثانياً: بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام الحكومة المصروفات.
وطلب الطاعنان ـ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ـ الحكم بوقف تنفيذ الحكمين المطعون فيهما وبقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكمين المطعون فيهما والحكم أصلياً: بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى بنظر الدعوى واحتياطياً: أولاً: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعيتين الأولى والثانية، وثانيًا: برفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا مع إلزام الطاعنين بالمصروفات.
ونظرت دائرة فحص الطعون الطعن على النحو المبين بمحاضر جلساتها وبجلسة 20/5/1985 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 5/10/1985.
ونظرت المحكمة الطعن بجلسات المرافعة، حيث قررت بجلسة 13/12/1986 وقف الطعن لحين الفصل فى دعوى التنازع رقم14 لسنة 8ق المرفوعة أمام المحكمة الدستورية العليا من قبل جهة الإدارة فى نزاع مماثل وإذ قضت المحكمة الدستورية العليا فى تلك الدعوى باختصاص محكمة القيم بالفصل فى النزاع فقد أعيد تداول الطعن أمام هذه المحكمة، حيث قضت بجلسة 27/6/1993 بقبول الطعن شكلاً وبعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة القيم وأبقت الفصل فى المصروفات .
ونفاذاً للحكم المذكور أحيلت الدعوى إلى محكمة القيم وقيدت بجدولها العام برقم 19لسنة 14ق ونظرت محكمة القيم الدعوى على النحو الوارد بمحاضر جلساتها حيث دفع المدعون بعدم دستورية القانون رقم 154 لسنة 1981 الذى خص محكمة القيم بالفصل فى التظلم من الإجراءات التى تتخذ وفقاً للمادة 74 من الدستور وبناء على تصريح من المحكمة أقام المدعون الدعوى الدستورية رقم 15 لسنة 18ق والتى قضى فيها بجلسة 2/1/1999 بعدم دستورية القانون رقم 154 لسنة 1981 المشار إليه وتبع ذلك صدور حكم محكمة القيم بجلسة 15/4/2000 بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى المحكمة الإدارية العليا، حيث وردت الدعوى (الطعن) إلى هذه المحكمة وقيدت بجدولها العام برقم 7946 لسنة 46 قضائية عليا.
ونظرت المحكمة الطعن مجدداً بجلسات المرافعة على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 13/12/2003 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 13/3/2004 وصرحت بتقديم مذكرات فى شهر ومضى هذا الأجل دون أن يقدم أى من الطرفين أية مذكرات.
وبجلسة 13/3/2004 قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات و المداولة.
من حيث إنه سبق للمحكمة أن قضت بحكمها الصادر فى الطعن بجلسة 27/6/1993 بقبوله شكلاً مما لاوجه معه للتصدى لشكل الطعن.
ومن حيث إن وقائع النزاع تتحصل حسبما يبين من الأوراق ـ فى أنه بتاريخ 3/10/1981 أقام المطعون ضدهم الدعوى رقم 8 لسنة 36 ق المطعون على حكميها أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة طالبين الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 494 لسنة 1981 فيما تضمنه من إلغاء الترخيص الممنوح لدار الموقف العربى والتحفظ على أموالها ومقارها ومن بينها المكتبة التابعة لها مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات وذلك للأسباب المبينة تفصيلاً بصحيفة الدعوى وبجلسة 22/12/1981 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباختصاصها وذلك على أساس أن القرار المطعون فيه هو قرار بإلغاء الترخيص للصحيفة والتحفظ على أموالها ومقارها وهو قرار ذو طبيعة إدارية بحتة لأنه يصدر عن السلطة التنفيذية فى مجال تنفيذها للقوانين المنظمة لذلك.
كما قضت المحكمة بجلسة 11/2/1982 برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وشيدت المحكمة قضاءها برفض الدفع المشار إليه على وجود مصلحة شخصية ومباشرة للمدعيتين الأولى والثانية باعتبارهما شريكتين فى الدار الصادر بشأنها القرار المطعون فيه، كما شيّدت المحكمة قضاءها بالنسبة لطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه على أن هذا القرار صدر بالاستناد إلى نص المادة (74) من الدستور الذى وضع لمواجهة الظروف المفاجئة التى تهدد الشعب فى وحدته الوطنية أو تهدد سلامة الوطن أو تعوق مؤسسات الدولة فى أداء دورها الدستورى وهو مايعد صورة من حالات الضرورة التى تخضع فى جميع الأحوال لرقابة القضاء لتقرير مدى قيام الضرورة بأركانها حتى يتسنى الحكم على مدى مشروعية العمل الصادر فى شـأنها، وأنه يبين من خطاب رئيس الجمهورية فى
5 من سبتمبر 1981 أن سلطات الأمن قد احتوت الأحداث التى وقعت فى الزاوية الحمراء وسيطرت عليها وصانت الأمن العام وذلك فى شهر يونيه 1981 ومن ثَمَّ فلا توجد حالة الضرورة التى تستلزم اتخاذ القرار المطعون فيه وأنه بالنسبة للتحفظ على الدار فإن ذلك يعد من قبيل فرض الحراسة وهو مايخالف المادة 34 من الدستور لأن القضاء وحده هو صاحب الاختصاص بفرض الحراسة أما إلغاء ترخيص المجلة فإنه طبقاً للمادتين 48 و 208 من الدستور لا يجوز بحال إلغاء الترخيص حتى لو كان ذلك فى حالة الطوارئ أو زمن الحرب مما يتوفر معه فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ركن الجدية إذ لاتوجد ضرورة قائمة وقت صدوره بحسب الظاهر من الأوراق بالإضافة إلى توافر ركن الاستعجال المتمثل فى الضرر الجسيم الذى سيصيب أصحاب الشأن من جراء القرار المطعون فيه بتجميد نشاط الدار.
بيد أن الجهة الطاعنة لم ترتض الحكم المذكور فأقامت طعنها الماثل تنعى فيه على الحكم مخالفته للقانون والخطأ فى تطبيقه للأسباب الآتية:
1ـ أخطأ الحكم المطعون فيه الصادر بجلسة 22/12/1981حين قضى برفض الدفع بعدم الاختصاص إذ إن القرار المطعون فيه صدر من رئيس الجمهورية بصفته رئيسًا للدولة استناداً إلى نصى المادتين 73 و74 من الدستور ولا تعد قراراته فى هذه الحالة قرارات إدارية وبالتالى تخرج عن اختصاص محكمة القضاء الإدارى باعتبارها من أعمال السيادة .
2ـ خالف الحكم المطعون فيه القانون حين قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعيتين الأولى والثانية لانتفاء الصفة إذ الثابت أن دار الموقف العربى هى شركة توصية بسيطة وأن الشريك المتضامن فى هذه الشركة هو المدعى الثالث وأن المدعيتين المذكورتين هما شريكتان موصيتان ولا صفة لهما فى تمثيل الشركة أو إدارتها.
3ـ أن رئيس الجمهورية هو الذى يقدر توافر الشروط الملجئة إلى المادة 74 من الدستور كما أن كل السلطات تنتقل إليه ويجوز له اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمواجهة الموقف والعمل بهذه المادة متروك لتقديره ولايجوز تطبيق قواعد المشروعية العادية على الإجراءات المتخذة وإنما تطبق عليها قواعد المشروعية الاستثنائية التى تعطى للجهة الإدارية حرية ومرونة أكبر.
4ـ المجلة التى كانت تصدرها الدار المذكورة كانت تصدر بغير ترخيص كما أنه لايتوافر ركن الاستعجال فى الدعوى لأن الآثار المالية المترتبة على القرار المطعون فيه يجوز التعويض عنها.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من الطعن والمتعلق بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى لتعلقها بعمل من أعمال السيادة : فإن الثابت من الاطلاع على الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 14لسنة 8قضائية بجلسة 7 من مارس 1992تنازع ـ والتى انصب موضوعها على الطعن فى أحد القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية بمناسبة أحداث الزاوية الحمراء عام 1981 إعمالاً لسلطته المقررة فى المادة 74 من الدستور وهو القرار رقم 492 لسنة 1981 الصادر بحل عدد من الجمعيات المشهرة وفقاً لأحكام القانون رقم32 لسنة 1964بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة ـ أن المحكمة الدستورية العليا قد ذهبت إلى أن هذا القرار لايعدو أن يكون قراراً إدارياً شأنه فى ذلك شأن القرار الذى يصدر من وزير الشئون الاجتماعية بحل الجمعيات الخاضعة لأحكام القانون المذكور إذا ثبت ارتكابها لمخالفة جسيمة للقانون أوخروجها على النظام العام والآداب فالقراران كلاهما يتوخيان إنهاء الوجود القانونى للجمعية لخروجها على حكم القانون بمعناه العام وكلاهما يتمخض عن إرادة ملزمة مصدرها القانون ويراد بالإفصاح عنها إحداث مركز قانونى معين يعتبر فى ذاته ممكناً وجائزاً قانوناً والباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة مثلما هو الشأن فى القرارات الإدارية جميعها ولا يحول الاستفتاء الشعبى دون الطعن على هذا القرار أو تطهيره من العيوب التى شابته إذ ليس من شأن هذا الاستفتاء أن يرد قراراً معدوماً إلى الحياة ولا إسباغ الصحة على قرار وُلد باطلاً ولا أن يغير من طبيعته فيلحقه بأعمال السيادة، ذلك أن العبرة فى تحديد التكييف القانونى لأى عمل تجريه السلطة التنفيذية لمعرفة ما إذا كان عملاً إدارياً أم من أعمال السيادة هى بطبيعة العمل ذاته.
ولما كان البيّن من الأوراق أن القرار موضوع النزاع الماثل ـ وهو قرار رئيس الجمهورية رقم 494 لسنة1981 بإلغاء تراخيص الصحف والمطبوعات الصادرة لبعض الجرائد والمجلات والتحفظ على أموالها ومقارها ومنها دار الموقف العربى ـ قد صدر فى ذات التوقيت والظروف التى صدر فيها قرار رئيس الجمهورية رقم 492 لسنة 1981 المنوه به والذى ذهبت المحكمة الدستورية العليا فى قضائها سالف الذكر إلى أنه قرار ذو طبيعة إدارية ولايعد عملاً من أعمال السيادة الأمر الذى مفاده اختصاص المحاكم القضائية بنظر الطعن على القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية بمناسبة الأحداث التى وقعت فى الزاوية الحمراء عام 1981دون التحدى بفكرة أعمال السيادة وإلا لما كان ثمة وجه لأن تتصدى المحكمة الدستورية العليا للتنازع على الاختصاص بين محكمة القضاء الإدارى ومحكمة القيم بشأن نظر الطعن فى هذه القرارات وتقضى بحكمها المشار إليه باختصاص محكمة القيم.
ومن ثَمَّ وإذ قضت المحكمة الدستورية العليا لاحقاً فى القضية رقم 15 لسنة18 قضائية دستورية بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 154 لسنة 1981 الذى عقد الاختصاص لمحكمة القيم بنظر التظلم من الإجراءات التى تتخذ وفقاً للمادة 74 من الدستور وهذا القضاء مؤداه عودة الاختصاص فى هذا المجال إلى القضاء الإدارى بوصفه صاحب الولاية العامة بنظر دعاوى الإلغاء والمنازعات الإدارية، فإن الدفع المبدى من الجهة الإدارية الطاعنة بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى يضحى والحالة هذه على غير سند من القانون جديراً بالرفض وبذلك يغدو هذا الوجه من الطعن غير سديد ولايعول عليه قانوناً .
ومن حيث إنه عن الوجه الثانى من الطعن والقائم على عدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعيتين الأولى والثانية لانتفاء صفتيهما كشريكتين موصيتين فى تمثيل الشركة صاحبة الصحيفة أو إدارتها: فإن هذا الدفع مردود بأن المعول عليه فى هذا الصدد هو قيام المصلحة المبررة لرفع دعوى الإلغاء بأن يكون المدعى فى حالة قانونية خاصة بالنسبة إلى القرار المطعون فيه من شأنها أن تجعله مؤثراً تأثيراً مباشرًا فى مصلحة شخصية له وأن قيام المصلحة بهذا المعنى يفيد توافر الصفة أيضاً فى صاحب الشأن وذلك لاندماج الصفة والمصلحة معاً فى دعوى الإلغاء، ولاجدال أن لكل من المدعيتين المذكورتين مصلحة شخصية مباشرة فى الطعن على القرار الصادر (القرار المطعون فيه) بوصفهما شريكتين فى الشركة المالكة للصحيفة وعليه يضحى هذا الوجه من الطعن غير قائم بدوره على أساس من القانون متعين الرفض.
ومن حيث إنه عن الوجه الثالث من الطعن والمتعلق بسلطة رئيس الجمهورية فى تطبيق المادة (74) من الدستور: فإنه بالاطلاع على نص هذه المادة يبين أنها قد خَوَّلت رئيس الجمهورية سلطة اتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة الخطر الذى قد يحدث بالبلاد لكنها لم تجعل سلطته فى هذا المجال مطلقة من كل قيد وإنما قيدتها بأن يكون ثمة خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستورى، وأن تكون هذه الإجراءات لازمة وضرورية لمواجهة هذا الخطر، فإذا لم يوجد الخطر أصلاً أو وُجد ثم زال قبل أن يستخدم رئيس الجمهورية السلطة المخولة له فى هذا الشأن، فإن ما يتخذه من قرارات استنادًا إلى تلك المادة يضحى مخالفاً لأحكام الدستور والقانون مما يستدعى ولاية الإلغاء التى يمارسها القضاء الإدارى على القرارات الإدارية غير المشروعة .
وترتيباً على ذلك ولما كان البادى من ظاهر الأوراق أن القرار المطعون فيه وهو قرار رئيس الجمهورية رقم 494 لسنة 1981 المتضمن إلغاء ترخيص بعض الصحف والمجلات والتحفظ على أموالها ومقارها ومن بينها مجلة دار الموقف العربى محل النزاع قد صدر استنادًا إلى المادة (74) من الدستور بمناسبة أحداث الزاوية الحمراء التى وقعت فى يونيه عام 1981 وذلك بعد أن كان قد تم احتواء هذه الأحداث والسيطرة عليها حسبما يتضح من بيان رئيس الجمهورية إلى الشعب المصرى وخطابه الذى وجهه فى الاجتماع غير العادى والمشترك لمجلسى الشعب والشورى فى سبتمبر عام 1981، وبعد أن كان قد مضى على هذه الأحداث حتى تاريخ صدور القرار فى 3 من سبتمبر 1981 ما يقرب من شهرين ونصف الشهر، الأمر الذى يفيد أن وصف الخطر الذى يبيح استخدام السلطات المنصوص عليها فى المادة 74 من الدستور لم يكن متحققاً وقت صدور القرار المطعون فيه وبالتالى ما كان يسوغ اتخاذ الإجراء الوارد بهذا القرار لاسيما أن الدستور قد كفل فى المادة (48) منه حرية الصحافة وحظر الرقابة عليها أو إنذارها أو وقفها أو إلغاءها بالطريق الإدارى. كما حظر فى المادة 36 المصادرة العامة للأموال أو المصادرة الخاصة لها إلا بحكم قضائى ومن ثَمَّ فإن القرار المطعون فيه يكون والحالة هذه قد خرج بحسب الظاهر من الأوراق ودون المساس بأصل طلب الإلغاء على أحكام الدستور والقانون وجاء مشوباً بالتعسف فى استعمال السلطة وهو ما يتحقق معه ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذه، فضلاً عن توافر ركن الاستعجال لما يترتب على استمرار تنفيذه من حرمان المطعون ضدهم من ممارسة حقهم الدستورى فى متابعة إصدار المجلة موضوع النزاع وكذلك حرمانهم من الانتفاع بأملاكهم المتحفظ عليها دون سند أو مبرر قانونى وهى نتائج يتعذر تداركها بفوات الوقت، وبالتالى فإن طلب وقف التنفيذ وقد استقام على ركنى الجدية والاستعجال فإنه يتعين إجابة المدعين إليه.
وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإنه يكون قد أصاب وجه الحق وصدر متفقاً وصحيح حكم القانون مما يستوجب القضاء برفض الطعن الماثل عليه.
وغنى عن الذكر أنه لا وجه للقول بأن المجلة محل النزاع كانت تصدر بغير ترخيص من الجهة الإدارية حسبما جاء ذلك بأسباب الطعن، إذ لو صح أن هذه المجلة كانت تصدر بغير ترخيص لما كان ثمة وجه لإلغاء ترخيصها بموجب القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
برفض الطعن، وألزمت الطاعنين المصروفات.