جلسة ٩ من إبريل سنة ٢٠٠٥م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان، وأحمد عبد الحميد حسن عبود، ود. محمد كمال الدين منير أحمد، ومحمد أحمد محمود محمد .
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو
نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم ١١٢ لسنة ٣٧ قضائية عليا:
لا يجوز لمصلحة الشهر العقارى أن تصدر قرارات بعدم الاعتداد بمحرر تم شهره.
القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقارى .
المشرع لم يخول مصلحة الشهر العقارى أية سلطة فى إلغاء التسجيلات بعد تمامها، وإنما رتب هذا الأثر على الأحكام التى تصدر من القضاء وحده، ومن ثَمَّ فلا يجوز القول بأن الشهر العقارى يملك إصدار قرارات بعدم الاعتداد بالمحررات المشهرة بعد تسجيلها قياسًا على سلطته فى المفاضلة بين المحررات المخولة له قبل تمام التسجيل، ذلك أن اختصاصه يقف عند تمام التسجيل فيستنفد بذلك ولايته التى خولها له القانون ، ولا يكون له سلطة على المحررات بعد الانتهاء من شهرها أو المساس بالتسجيلات بعد تمامها إلا بناءً على الأحكام القضائية الصادرة فى شأن المحررات المشهرة كأن يستصدر صاحب الشأن حكمًا ببطلان التصرف الذى اشتمل عليه المحرر، وبطلان التسجيل، ويقوم بشهره على النحو الموضح بالقانون ــ تطبيق.
فى يوم السبت الموافق 3/11/1990 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين، قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن، قيد بجدولها بالرقم عاليه، فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة فى الدعوى رقم ١١٩٩ لسنة ٨ق بجلسة 5/9/1990، والقاضى فى منطوقه “بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات”.
وطلبت الجهة الطاعنة ــ للأسباب الواردة فى تقرير الطعن ــ تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون، لتأمر: أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. ثانيًا: بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بقبول الطعن شكلاً ، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى، مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
وجرى إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق .
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا مسببًا برأيها القانونى ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا مع إلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات .
ونظرت دائرة فحص الطعون الطعن الماثل بجلسة 3/3/2003 وتداولت نظره بالجلسات، وبجلسة 4/7/2004 قررت إحالته إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 6/11/2004؛ حيث نظرته على النحو المبين بمحاضر جلساتها، إلى أن تقرر النطق بالحكم بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات فى شهر.
وبجلسة اليوم صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به .
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ــ حسبما يبين من الأوراق ــ فى أن المطعون ضدهما كانا قد أقاما الدعوى رقم ١١٩٩ لسنة ٨ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة بتاريخ 3/4/1986 بطلب الحكم أولاً : وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وعدم تأثيره فى حصول المدعيين على شهادة عقارية، من مكتب الشهر العقارى بالزقازيق خالية من أية تحفظات أو تأشيرات هامشية إدارية، يكون من شأنها المساس بحجية المحررين رقمى ١٩٣١ و ٢١١٦ لسنة ١٩٧٧ شرقية . ثانيًا: فى الموضوع: أصليًا: بتقرير انعدام القرار المطعون فيه، واحتياطيًا: بإلغائه لبطلانه، واعتباره كأن لم يكن، وإلزام المدعى عليهما بصفتيهما المصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة .
وذكرا ــ شرحًا لدعواهما ــ أنه بموجب عقدى بيع مسجلين برقمى ١٩٣١و ٢١٦٦
لسنة ١٩٧٧ شرقية يمتلكان ــ بصفة كل منهما وليًا طبيعيًا على أولاده القصر ــ أراضى جملة مساحتها ثلاثة وثمانون فدانًا واثنا عشر قيراطًا، بحوض الجبل المستمد زمام مركز بلبيس بمحافظة الشرقية، واتفقا على غراسها حتى أضحت حديقة مغلة ذات قيمة كبيرة، وقد ورد النص فى العقدين على أن ما آل إلى القصر بطريق التبرع من الوالدين ، فجاز لهما التعاقد على تلك الأراضى طليقًا من أحكام الولاية على المال، ولذلك قدم المدعيان العقدين فى ائتمانهما لدى البنوك المتعاملة مع شركتهما الصناعية (شركة العوادلى للتجارة والهندسة)، وبتاريخ 27/7/1985 طلبا من مأمورية الشهر العقارى بالزقازيق شهادة عقارية، فامتنعت المأمورية عن إصدار هذه الشهادة إلا مقترنة بتحفظات من شأنها إهدار حجية العقدين، وإسقاط كل قيمة لهما فى الائتمان، وأثبت فى الشهادة أمام كل عقد وجود تأشير هامشى إدارى بناءً على كتاب المصلحة رقم ١٠٣٥ فى 10/2/1985 مفاده “لا يؤخذ بهذا العقد كسند ملكية حتى يصدر حكم نهائى يفسخ هذا العقد”، وباستقصاء واقعة هذا التأشير الهامشى ــ أشار المدعيان ــ إلى أن شكوى كانت قد قدمت إلى مصلحة الشهر العقارى طعنًا فى عقد البيع المسجل برقم ٢٢٥٩ فى 7/5/1977 المتضمن بيع المدعيين بصفتيهما للسيدة/ حسنية أحمد حسن وآخرين ثلاثة أفدنة من الأراضى المبيعة لهما بالمسجلين رقمى ١٩٣١ و ٢١١٦ لسنة ١٩٧٧، وورد بالشكوى بأن المالك الأصلى لهذه الأراضى مات عقيمًا، بغير وارث، ومن ثَمَّ تئول ملكيته إلى بيت المال، وزعم الشاكى أن مصلحة الشهر العقارى تسترت على ذلك وأشهرت المحررات بالمخالفة للقانون، وكان بنك ناصر الذى يمثل بيت المال قد تقدم باعتراض على شهر العقار رقم ١٩٣١ لسنة ١٩٧٧، وأخذًا بهذا الزعم، أوردت مصلحة الشهر العقارى ذلك التأشير الهامشى فى الشهادة العقارية دون سند من القانون، ورغم التظلم من قرار المصلحة بالإبقاء على التحفظات إلا أن المصلحة رفضت تظلمها، وقد نعى المدعيان على القرار المطعون فيه انعدامه لما شَابَه من خطأ جسيم لكونه حبس الملكية الخاصة للمدعيين عن التعامل، وألحق بهما أضرارًا جسيمة.
وبجلسة 5/9/1990 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه تأسيسًا على أن الثابت من الأوراق أنه تم شهر المحررين رقمى ١٩٣١ و ٢١٦٦ لسنة ١٩٧٧ وتسجيلهما بمأمورية الشهر العقارى ببلبيس …….. وقد تقدم المدعيان بصفتيهما مشتريين للمساحة موضوع العقد بطلب إعطائهما شهادة عقارية بشأن هذه الملكية، فقررت مصلحة الشهر العقارى إضافة تحفظات فى هذه الشهادة، وكان من شأن هذه التحفظات أن تؤثر فى مدى الحجية التى كفلها القانون لمثلها، وكان سند المصلحة فى ذلك ما قررته من أن مورثة البائعين للمدعيين ترث ربع المساحة فقط، أما باقيها فتئول للدولة باعتبارها وارثة لمن لا وارث له دون أن تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة لإثبات هذا الحق ثم شهره وتسجيله، ومن ثَمَّ فلا يجوز لمصلحة الشهر العقارى أن توقف التعامل بهذين المحررين أو تبدى أية تحفظات من شأنها التأثير فيها أو التقليل منها ما لم تستصدر حكمًا بذلك من القضاء المختص. وخلصت المحكمة فى حكمها المطعون فيه إلى أن قرار المصلحة بإضافة تحفظات على هذين المحررين يكون مخالفًا للقانون حريًا بقبول طلب إلغائه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل، أن الحكم المطعون فيه خالف أحكام القانون، وأخطأ فى تطبيقه وتأويله ذلك أن مورث البائعة للمطعون ضدهما قد مات عقيمًا بغير وارث سوى زوجته، التى لا ترث سوى الربع فرضًا، ولا يرد عليها شىء من بقية تركة المتوفى، بل تئول باقى التركة إلى بيت المال، وذلك تمشيًا مع أحكام الشريعة الإسلامية، هذا فضلاً عن أن حق الإرث ــ محل التصرف ــ لم يتم شهره بالمخالفة لحكم المادة (١٣) من قانون الشهر العقارى رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦، ومن ثَمَّ فإن إشهار العقود محل التصرف قد تم بالمخالفة للقانون، وعلى ذلك فإن ما قامت به المصلحة بإضافة تحفظات على شهادة البيانات التى طلبها المطعون ضدهما ليس إلا تصحيحًا لوضع تم بالمخالفة للقانون، ومن ثَمَّ يكون القرار المطعون فيه، قد صدر سليمًا ومتفقًا وصحيح حكم القانون، يضاف إلى ما تقدم أن المطعون ضدهما لم يختصما فى صحيفة الدعوى بنك ناصر الاجتماعى بصفته الجهة الممثلة لبيت المال، رغم إقرارهما فى صحيفة الدعوى ومذكرة دفاعهما المقدمة بجلسة ١٦/١٠/١٩٨٩ أمام محكمة أول درجة بأن هناك اعتراضًا من بنك ناصر الاجتماعى على المحررين رقمى ١٩٣١ و ٢١١٦ لسنة ١٩٧٧ شرقية، كما أن المحكمة قد أخطأت حينما أغفلت تكليف المطعون ضدهما بإدخال بنك ناصر الاجتماعى باعتباره الممثل القانونى لبيت المال مما يكون معه الحكم المطعون فيه مخالفًا للقانون ، متعينًا القضاء بإلغائه .
ومن حيث إنه من المسلّم به طبقًا لأحكام القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ بتنظيم الشهر العقارى ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ــ أن إجراءات الشهر العقارى فى جملتها تمر بمرحلتين: تمهد الأولى منهما للثانية، وتبدأ الأولى بتقديم طلب إلى المأمورية المختصة، وتنتهى بتأشيرة هذه المأمورية على مشروع المحرر بصلاحيته للشهر، وتبدأ المرحلة الثانية بتقديم المشروع إلى مكتب الشهر المختص بعد توثيقه وبعد التصديق على توقيعات ذوى الشأن فيه، ولتنتهى هذه المرحلة بشهره، فإذا ما بدا لمصلحة الشهر العقارى ــ بأجهزتها الفنية فى أية مرحلة من مراحل الشهر، وإلى ما قبل إتمامه فعلاً ــ أنه قد شَابَ هذه العملية أية مخالفات قانونية، حقَّ لها أن توقف الشهر إلى أن يتم تصحيح هذه المخالفة ضمانًا لسلامة عملية الشهر، وما يترتب عليها من حقوق والتزامات. أما إذا تم الشهر فعلاً فإن المشرع ــ وعلى ما يبين من استقراء نصوص القانون المشار إليه، ووفقًا لما استقر عليه إفتاءً وقضاءً مجلس الدولة فى هذا الشأن ــ لم يخول مصلحة الشهر العقارى أية سلطة فى إلغاء التسجيلات بعد تمامها، وإنما رتب هذا الأثر على الأحكام التى تصدر من القضاء وحده، ومن ثَمَّ فلا يجوز القول بأن الشهر العقارى يملك إصدار قرارات بعدم الاعتداد بالمحررات المشهرة بعد تسجيلها قياسًا على سلطته فى المفاضلة بين المحررات المخولة له قبل تمام التسجيل، ذلك أن اختصاصه يقف عند تمام التسجيل، فيستنفد بذلك ولايته التى خولها له القانون، ولا يكون له سلطة على المحررات بعد الانتهاء من شهرها أو المساس بالتسجيلات بعد تمامها إلا بناءً على الأحكام القضائية الصادرة فى شأن المحررات المشهرة، حيث أوجب التأشير بصحف الدعاوى التى تتناولها على هامش تسجيلها ، ولم يجعل للأحكام التى تصدر بشأنها حجية على الغير، إلا إذا أشهر منطوقها.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم، ولما كان هدف المشرع من نظام الشهر توفير الثقة فى المحررات بحيث ينهض التسجيل شاهدًا على صدق ما احتواه المحرر من بيانات، وصحة ما ورد به من واقعات، وسلامة ما بُنى عليه من إجراءات، فإنه لا يكون لمصلحة الشهر العقارى أن تصدر قرارات بعدم الاعتداد بعقد تم شهره، أو بأن تتخذ أى إجراء أو عمل أو موقف من شأنه المساس بالحجية التى أضفاها المشرع على المحررات المشهرة بأن يقرر مثلاً عدم الاستناد إليها فى المعاملات ، كل ذلك ما لم يستصدر صاحب الشأن حكمًا ببطلان التصرف الذى اشتمل عليه المحرر، وبطلان التسجيل، ويقوم بشهره على النحو الموضح بالقانون.
لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن مصلحة الشهر العقارى قامت بشهر المحررين رقمى ١٩٣١ و ٢١١٦ لسنة ١٩٧٧ ببلبيس فى التواريخ المشار إليها سلفًا، ومن ثَمَّ كان يجوز لها ــ والحال كذلك ــ وقد طلب المطعون ضدهما منها بصفتيهما مشتريين للمساحة موضوع هذين المحررين إعطاءهما شهادة عقارية بشأن هذه الملكية، أن تقرر إضافة تحفظات فى هذه الشهادة تنال من قيمة الحجية المقررة لها قانونًا بمناسبة ما أبلغت به من شكوى مفادها أن مورث البائعة لهما كان عقيمًا وأنها باعت لهما ما يزيد على نصيبها المقرر قانونًا، ذلك أن المصلحة قد استنفدت سلطتها فى هذا الشأن ولم يرد بالأوراق ما يفيد صدور حكم قضائى يخولها القيام بهذا الإجراء، ومن ثَمَّ يكون قرارها الصادر فى هذا الشأن مخالفًا صحيح حكم القانون حريًا بالإلغاء.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ التزم هذه الوجهة من النظر، فمن ثَمَّ يكون قد صدر متفقًا وصحيح حكم القانون، ويكون الطعن عليه مفتقدًا صحيح سنده، حريًا بالرفض، وهو ما تقضى به هذه المحكمة.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته، عملاً بحكم المادة (١٨٤) مرافعات .
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.