جلسة ٢ من فبراير سنة ٢٠٠٥م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / محمد منير السيد أحمد جويفل
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ سامى أحمد محمد الصباغ، وعبد الله عامر إبراهيم،
ومحمد البهنساوى محمد، وحسن عبد الحميد البرعى
نوائب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار المساعد/ سعيد عبد الستار محمد
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد / عصام سعد ياسين
سكرتير المحكمة
الطعن رقم ٣٢٥٧ لسنة ٤٩ قضائية. عليا:
القرار الإدارى لايعطل تنفيذ حكم قضائى نهائى ــ استثناء ــ حالة الإخلال الخطير بالصالح العام.
القرار الإدارى لا يجوز فى الأصل أن يعطل تنفيذ حكم قضائى نهائى وإلا كان مخالفًا للقانون ــ استثناء ــ إذا كان يترتب على تنفيذ الحكم إخلال خطير بالصالح العام يتعذر تداركه فيرجح عندئذ الصالح العام على الصالح الفردى الخاص ــ شرط ذلك ــ أن تقدر الضرورة بقدرها وإلا فلا يسوغ لجهة الإدارة إصدار قرار يترتب عليه تعطيل نفاذ الأحكام النهائية التى حازت قوة الأمر المقضى ــ تطبيق.
الحكم فى الدعوى ــ حجية الحكم فى طلب وقف التنفيذ.
الحكم الصادر فى طلب وقف التنفيذ هو حكم قطعى له مقومات الأحكام القضائية وخصائصها ــ مؤدى ذلك : أنه يحوز حجية الأحكام فى خصوص الطلب ذاته ــ لايسوغ لجهة الإدارة أن تعطل تنفيذه أو أن تتحايل عليه بإصدار قرار جديد بذات مضمون القرار الموقوف تنفيذه ــ تطبيق.
فى يوم السبت الموافق ٨/١/٢٠٠٣ أودع الأستاذ/ عثمان على سالم (المحامى) بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريرًا بالطعن على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة فى الدعوى رقم ١٤٠٦ لسنة ٥٦ق، والذى قضى فى منطوقه بقبول الدعوى شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعى المصروفات، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى فى طلب الإلغاء.
وطلب الطاعن بصفته ــ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ــ الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإجابة الطاعن إلى طلباته المبداة فى الشق المستعجل بصحيفة الدعوى والمتعلقة بطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وقد أعلن تقرير الطعن وفقاً للثابت بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا بالرأى القانونى فى الطعن، انتهت فيه ــ للأسباب الواردة به ــ إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ونظرت الدائرة السادسة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا الطعن بعدة جلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة ١٦/١٢/٢٠٠٣ قررت إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة موضوع بالمحكمة الإدارية العليا لنظره، وبجلسة ١٨/٢/٢٠٠٤ ونفاذًا لذلك ورد الطعن إلى هذه الدائرة ونظرته بالجلسة المذكورة، وبجلسة ١٧/١١/٢٠٠٥ قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص فى أنه بتاريخ ٢٩/١٠/٢٠٠١ أودع الطاعن قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة صحيفة الدعوى رقم ١٤٠٦ لسنة ٥٦ق، طالبًا فى ختامها الحكم بقبول الدعوى، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال المدعى شرحًا لدعواه إن المدعى عليه الثالث “مدير عام حماية النيل بالقاهرة الكبرى” أصدر بتاريخ ٨/١٠/٢٠٠١ قرارًا بإزالة البراطيم المخالفة للنماذج المعدة بمعرفة الوزارة وذلك تطبيقاً لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم ١٣٣٣ لسنة ٢٠٠١، وتضمن القرار مهلة ستة أشهر لإزالة البراطيم وإلا سيتم الإزالة جبرًا بموجب القانون رقم ١٢ لسنة ١٩٨٤ للرى والصرف.
ونعى المدعى على القرار المطعون فيه مخالفة الواقع والقانون، حيث تضمن إزالة البرطوم العائم وهو ليس كذلك وإنما هو ملحق خدمات للمطعم العائم الباشا (1901) وهذا البرطوم تم الحصول على ترخيص بشأنه برقم ١٩٧١ من إدارة الملاحة الداخلية مديرية الطرق والنقل بمحافظة القاهرة، كما وافقت وزارة السياحة ولم تقم إدارة الباخرة بإضافة أية منشآت أخرى عليها.
واستطرد المدعى بأن الجهة الإدارية كانت قد أصدرت قرار وزير الأشغال العمومية متضمنًا إزالة البرطوم فطعن عليه هذا القرار بالدعوى رقم ٦٠٨٠ لسنة ٥٤ق أمام محكمة القضاء الإدارى التى أصدرت حكمها بجلسة ٢٢/٨/٢٠٠٠ بوقف تنفيذ هذا القرار.
واختتم المدعى صحيفة دعواه بطلب الحكم بطلباته.
وبجلسة ٢٤/١٢/٢٠٠٢ أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه تأسيسًا على أن الظاهر بالأوراق أن الإدارة العامة لحماية النيل بالقاهرة الكبرى منحت الشركة المتحدة للمنشآت السياحية (العائمة الباشا) التى يمثلها المدعى الترخيص رقم ٣٨/١٩٩٨ بمرسى سياحى باشتراطات حددتها وذلك لمدة عام ونصف تنتهى فى ٨/١/٢٠٠٠ ــ حسبما انتهى الحكم المطعون فيه ــ وعلى ذلك يكون رسو البرطوم بعد هذا التاريخ قد أقيم بدون ترخيص بذلك من وزارة الرى ويكون قرار الإزالة قائمًا على سببه الصحيح، مما ينتفى معه ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذه، ولاينال من ذلك صحة صدور حكم محكمة القضاء الإدارى فى الدعوى رقم (٦٠٨٠) لسنة ٥٤ق والقاضى بوقف تنفيذ القرار رقم ٣٧ لسنة ١٩٩٩ المتضمن إزالة ذات البرطوم؛ حيث إن هذا القرار صادر فى تاريخ سابق على انتهاء مدة الترخيص المنصوص عليها فى الترخيص ذاته، أما القرار محل هذه الدعوى فقد صدر بعد انتهاء المدة.
وانتهت المحكمة إلى قضائها المتقدم.
لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الطاعن فأقام طعنه الماثل ناعيًا عليه بالبطلان لمخالفته حكمًا سابقًا حاز قوة الأمر المقضى وهو حكم محكمة القضاء الإدارى فى الدعوى رقم ٦٠٨٠ لسنة ٥٤ بجلسة ٢٢/٨/٢٠٠٠ بوقف تنفيذ القرار رقم ٣٧ لسنة ١٩٩٩ المتضمن إزالة ذات البرطوم محل القرار موضوع الطعن الماثل بالرغم من أن طلب الإلغاء ما زال معروضًا على القضاء ولم تتغير الظروف منذ صدور القرار الأول وكذلك لأن القرار المطعون فيه مشوب بعيب الانحراف بالسلطة، حيث إن الملحق العائم صدرت له التراخيص اللازمة ولم يحدث من الطاعن أى تعدٍّ على منافع الرى والصرف مما يقتضى إصدار قرار بإزالته، فضلاً عن توافر ركن الاستعجال فى طلب وقف التنفيذ، حيث يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها تتمثل فى الأضرار المادية التى تنجم عن إزالة الملحق والذى تكلف تسعة ملايين جنيه وتعطل العمل بالباخرة الأم الباشا وتشريد عمالها وكلها نتائج أولى بالرعاية.
واختتم الطاعن تقرير الطعن بطلب الحكم بطلباته.
ومن حيث جرى قضاء هذه المحكمة على أن “القرار الإدارى لا يجوز فى الأصل أن يعطل تنفيذ حكم قضائى نهائى وإلا كان مخالفًا للقانون إلا إذا كان يترتب على تنفيذ الحكم إخلال خطير بالصالح العام يتعذر تداركه كحدوث فتنة أو تعطيل سير مرفق عام أو حين يشكل تنفيذ الحكم خطرًا داهمًا أو تضحية جسيمة بمصالح جوهرية للمواطنين بأن يخشى من التنفيذ أن يسبب انفراطاً لعقد الأمن فيرجح عنذئذٍ الصالح العام على الصالح الفردى الخاص، ولكن بمراعاة أن تقدر الضرورة بقدرها على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، وعلى ذلك فبدون أن تقوم ضرورة ملجئة توقن معها جهة الإدارة من قيام إخلال خطير بالصالح العام يوجب عليها سرعة التدخل وإصدار القرار المناسب لمجابهة هذه الضرورة فى حدودها السابق بيانها فلا يسوغ لها إصدار قرار يترتب عليه تعطيل نفاذ الأحكام النهائية التى حازت قوة الأمر المقضى”.
(الطعن رقم ١٧٧٤ لسنة ٣٦ق. عليا ــ جلسة ١٢/١٢/١٩٩٣).
ومن حيث إن البادى من ظاهر الأوراق، وبالقدر اللازم للفصل فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، أنه سبق لمدير عام حماية النيل بالقاهرة الكبرى أن أصدر قراره رقم ٣٧ بتاريخ ٢/٩/١٩٩٩ متضمنًا إزالة البرطوم بموقع “العائمة الباشا” أمام المشروع الريادى لإقامته بدون ترخيص من وزارة الأشغال “الرى” وتم الطعن على هذا القرار أمام محكمة القضاء الإدارى بالدعوى رقم ٦٠٨٠ لسنة ٥٤ق والتى قضت بجلسة ٢٢/٨/٢٠٠٠ بوقف تنفيذ هذا القرار، وألزمت الجهة الإدارية المصاريف. وبتاريخ ٢/١/٢٠٠٢ أصدرت ذات الجهة القرار رقم ٩٦ لسنة ٢٠٠١ بإزالة ذات البرطوم؛ لأنه بدون ترخيص مما يعطل تنفيذ الحكم الصادر لصالح الطاعن سالف الإشارة إليه، وكان الأولى بجهة الإدارة أن تنأى بنفسها عن ذلك بالرد فى الخصومة وعدم التحايل على تنفيذ أحكام القضاء مما يعطل تنفيذها رغم خلو الأوراق من صدور حكم فى طلب إلغاء ذلك القرار المقضى بوقف تنفيذه على خلافه أو أن المحكمة الإدارية العليا قد أصدرت حكماً بإلغاء هذا الحكم أو حتى تغير الأحوال والظروف منذ صدور هذا الحكم حتى يصدر القرار المطعون فيه، ومن المستقر عليه أن الحكم الصادر فى طلب وقف التنفيذ هو حكم قطعى له مقومات الأحكام القضائية وخصائصها وينبنى على ذلك أنه يحوز حجية الأحكام فى خصوص الطلب ذاته، ومن ثَمَّ لايسوغ لجهة الإدارة أن تعطل تنفيذه أو أن تتحايل عليه بإصدار قرار جديد بذات مضمون القرار الموقوف تنفيذه وإن هى فعلت ذلك ــ كما هو الحال فى الطعن الماثل ــ كان قرارها المطعون فيه يفتقد إلى المشروعية وتتوافر فى طلب وقف تنفيذه ركن الجدية وكذلك ركن الاستعجال، إذ يترتب على تنفيذه وإزالة البرطوم (بالمخالفة لحكم المحكمة) أضرار يتعذر تداركها بحرمان الطاعن من استخدام “العائمة الباشا” وتكبده خسائر فادحة وتشريد العاملين بها مما يلزم القضاء بوقف تنفيذه.
ولا ينال مما تقدم ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الحكم السابق بوقف تنفيذ القرار رقم ٣٧ لسنة ٩٩ بإزالة البرطوم صدر أثناء سريان الترخيص، أما القرار المطعون فيه (فى الطعن الماثل) فقد صدر بعد انتهاء مدة الترخيص؛ حيث إن ذلك مردود بأن مضمون القرارين واحد فى الحالين وهو إزالة البرطوم لإقامته بدون ترخيص والثابت من الحكم الصادر فى الدعوى رقم ٦٠٨٠ لسنة ٥٤ق سالف الإشارة إليه وكذلك من المستندات المطروحة فى الطعن الماثل قد صدر له ترخيص ولا يحول دون ذلك انتهاء مدته؛ حيث إن انتهاء مدة الترخيص ولو كان مؤقتًا لايعنى تغول جهة الإدارة على المشروع وإزالته بالطريق الإدارى طالما التزم المرخص له بشروط الترخيص وأحكام القانون وإلا كان الانقضاض على البرطوم محل الترخيص وتقرير إزالته مرة أخرى يمثل تحديًا لأحكام القضاء والقانون بتعطيل “العائمة الباشا” كمشروع سياحى على النيل وتشريد العديد من العاملين بها وهذا كله لا يخول جهة الإدارة الإزالة فى مثل هذه الحالة. ومن حيث انتهى الحكم المطعون فيه إلى غير هذه النتيجة فإنه يكون مخالفًا للواقع والقانون جديرًا بالإلغاء وإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات، بحسبانها قد خسرت الطعن عملاً بنص المادة (١٨٤) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.