جلسة 24 من سبتمبر سنة 2013
الطعن رقم 11162 لسنة 57 القضائية (عليا)
(الدائرة الخامسة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فايز شكري حنين نوار
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد عبد الحميد أبو الفتوح إبراهيم وجعفر محمد قاسم عبد الحميد ومحمد محمود عبد الواحد عقيلة وأشرف حسن أحمد حسن.
نواب رئيس مجلس الدولة
البناء في المناطق المجاورة للمطارات- ناط المشرع بوزير الطيران المدني تحديد حقوق الارتفاق الجوية في المناطق المجاورة للمطارات، وحظَر تشييد أي بناءٍ أو تعليته أو إجراء أي تعديلات في الأراضي الواقعة في تلك المناطق، إلا بعد الحصول على ترخيص مُسبق بذلك من سلطة الطيران المدني- لسلطة الطيران المدني الاختصاص بمراقبة التزام الأفراد والجهات ملاك الأراضي المقيدة بحقوق الارتفاق الجوية، ولها حق وقف المخالفة وطلب إزالتها، كما يحق لها بالطريق الإداري تصحيح الأوضاع وإزالة الأعمال التى تجاوز أو تخالف تلك القيود، وذلك طبقًا للقواعد والنظم الدولية المقررة، مُستَخدِمةً أجهزة القياس المعتمَدة لديها- لا يجوز إدخال المرافق إلى البناء المقام في المناطق المتاخمة للمطارات إلا بموجب شهادةٍ صادرة عن سلطة الطيران المدني ([1]).
– المادتان (4) و(11) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء, المعدَّل بموجب القانون رقم 101 لسنة 1996، والملغى لاحقًا- عدا المادة (13 مكررًا) منه- بموجب القانون رقم 119 لسنة 2008 بإصدار قانون البناء.
– المواد (22) و(23) و(24) و(156) من قانون الطيران المدني، الصادر بالقانون رقم 28 لسنة 1981، المعدَّل بموجب القانون رقم 92 لسنة 2003، وقبل تعديله بموجب القانون رقم 136 لسنة 2010.
في يوم الخميس الموافق 13/1/2011 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة، تقرير طعن قيد في جدولها العام بالرقم عاليه، طعنا في الحكم المشار إليه فيما تقدم، القاضي بقبول تدخل شركة ميناء القاهرة الجوى خصمًا منضمًا في الدعوى إلى الجهة الإدارية، وبرفض الدعوى موضوعًا، وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن -للأسباب المبينة في تقرير الطعن- الحكم بقبوله شكلا، ووقف تنفيذ وإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء قرار سلطة الطيران المدني رقم 51/1 الصادر في 17/7/2006، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزامها المصروفات عن درجتي التقاضي.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن, ارتأت فيه الحكم -بعد إعلان تقرير الطعن- بقبوله شكلا، ورفضه موضوعًا، وإلزام الطاعن المصروفات.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على وفق الثابت في الأوراق.
ونظر الطعن أمام الدائرة الخامسة فحص الطعون المنبثقة عن هذه المحكمة على وفق الثابت في محاضر جلساتها، وفي جلسة 11/6/2011 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره في جلسة 1/10/2011 والتي نظرته فيها والجلسات التالية لها، وفي جلسة 1/6/2013 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن في جلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وإتمام المداولة.
وحيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية، فإنه يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن واقعات هذا الطعن تخلص -حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن أوراق الطعن- في أنه بتاريخ 12/8/2006 أقام الطاعن أمام محكمة القضاء الإداري في القاهرة، الدعوى رقم 37241 لسنة 60 القضائية، طالبًا فيها الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 51/1 الصادر عن سلطة الطيران المدني في 17/7/2006، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزامها المصروفات، وذلك تأسيسًا على أنه قد علم بإصدار هذه الجهة القرار المطعون فيه بإزالة أعمال البناء المخالفة في العقار رقم 702 مربع 1155- مساكن الشيراتون- حي النزهة- محافظة القاهرة، المملوك للشركة التى يمثلها, وهذه الأعمال بارتفاع (1,27 مترًا) من سطح بلاطة الطابق الثامن متكرر (الأخير) إلى أسفل, باعتباره متجاوزًا قيود الارتفاع وهو (25,11 مترًا) المحدد في الترخيص رقم (220) لسنة 2004 الصادر ببناء العقار.
وقال الطاعن إن هذا القرار صدر مخالفًا للواقع والقانون, مرتكنًا في ذلك لعدم تجاوز العقار للارتفاع المحدد طبقًا لترخيص الجهة الإدارية المختصة وشهادة مركز بحوث الإسكان والبناء, مما ينفي عنه أية مخالفة, ويشوب القرار بالتعسف في استعمال السلطة، واختتم الطاعن دعواه بطلباته المبينة آنفًا.
وتدوولت الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري المذكورة، وفي جلستها المنعقدة بتاريخ 1/12/2006 حكمت بقبول الدعوى شكلا، وتمهيديا وقبل الفصل في طلب وقف التنفيذ بإحالة الدعوى إلى مكتب خبراء وزارة العدل في شمال القاهرة لأداء المأمورية المبينة في أسباب ومنطوق ذلك الحكم، وقد باشر المكتب المذكور المأمورية الموكلة إليه بمعرفة لجنة شكلت لهذا الغرض, وأودعت تقريرًا خلصت فيه إلى نتيجة مؤداها أن العقار محل القرار الطعين قد تجاوز الارتفاع المرخص به من سلطة الطيران المدني بموجب الترخيص رقم 220 لسنة 2004, بما يتفق مع ما جاء في محضر المخالفة الصادر بناء عليه قرار الإزالة موضوع النـزاع, مما يلزم إزالة ارتفاع مقداره (1,27 مترًا) من أسفل بلاطة الطابق الثامن المتكرر وكل ما يعلو بلاطة سقف هذا الطابق من خدمات وغيرها، وقد تم استئناف تداول الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري المذكورة بعد ورود الملف إليها من مكتب الخبراء، وذلك على وفق الثابت في محاضر جلساتها, تدخل خلالها رئيس شركة ميناء القاهرة الجوى خصما منضما إلى الجهة الإدارية المدعى عليها، ثم أحالت المحكمة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة التى أودعت تقريرا بالرأي القانوني فيها على الوجه المبين به تفصيلا.
……………………………………………………………..
وفي جلسة 6/1/2010 حكمت تلك المحكمة بحكمها المطعون فيه، وشيدت قضاءها- بعد استعراضها مواد قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء رقم 106 لسنة 1976, وقانون الطيران المدني الصادر بالقانون رقم 28 لسنة 1981- على أن الثابت من تقرير لجنة خبراء وزارة العدل المودع ملف الدعوى الذي تطمئن إليه المحكمة لسلامة الأسس التى قام عليها وتأخذ به محمولا على أسبابه، أن ارتفاع العقار محل القرار الطعين تجاوز أقصى منسوب مصرح به طبقًا للترخيص رقم 220 لسنة 2004, وهو (103,83 مترًا) أعلى سطح البحر، فأعلى منسوب للعقار (104,35 مترًا) متجاوزا (1,52 مترًا), على وفق الثابت في محضر المخالفة, الأمر الذي يتعين معه إزالة ارتفاع مقداره (1,27 مترًا) أسفل بلاطة الطابق الثامن المتكرر وكل ما يعلو سقف هذا الطابق من خدمات وخلافه، وإذ صدر القرار المطعون فيه بذلك, فإنه يكون قائما على سببه الصحيح وبمنأى عن الإلغاء.
واستطردت المحكمة في حيثيات حكمها إلى أنه لا ينال مما تقدم ما جاء بدفاع المدعي (الطاعن) في شأن اختلاف طرق وأجهزة القياس بين سلطة الطيران المدني، وكل من هيئة المساحة والحي المختص وجهاز التفتيش على أعمال البناء والمركز القومي لبحوث البناء والإسكان، لأن ذلك مردود عليه: (أولا) بأن المشرع عهد إلى سلطات الطيران المدني دون غيرها بتحديد قيود الارتفاع في مناطق حقوق الارتفاق الجوية، وخولها وقف وتصحيح وإزالة الأعمال المخالفة ولم يلزمها بطريقة قياس بعينها بما يمنحها الحق في اختيار طريقة القياس المناسبة دون معقب عليها في ذلك، و(ثانيا) أنه قد رجح للمحكمة ووقر في وجدانها ثبوت المخالفة, على وفق تقرير لجنة الخبراء, التى اعتمدت في أعمالها أكثر من وسيلة للقياس, وقامت بالرد على التقارير الهندسية المقدمة من المدعي التى خلت من تحديد أي نقطة تم القياس على أساسها, فضلا عن اتصاف هذه التقارير بالإبهام.
……………………………………………………………..
وحيث إن الطعن الماثل قد أُسس على أن الحكم المطعون فيه قد صدر مخالفًا للقانون للأسباب الآتية: (أولا) انتفاء المبرر القانوني لإصدار قرار الإزالة المطعون فيه، وذلك بمقولةِ عدم مخالفة الطاعن لاشتراطات الترخيص الصادر له من الجهة المختصة ببناء العقار أو قيود الارتفاع المحددة للمنطقة, ويؤكدُ هذا إصدارُ تلك الجهة شهادة بصلاحية العقار لإدخال المرافق إليه على وفق قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء المشار إليه.
(ثانيا) تناقض تقرير لجنة خبراء وزارة العدل الذي ارتكن عليه الحكم المطعون فيه، وذلك لتناقض هذا التقرير مع محضر المخالفة, واعتماده على طرق وأجهزة قياسية غير سليمة لدى مباشرة مأموريته، الأمر الذي يرى معه الطاعن عدم الاعتداد به أو التعويل عليه لإثبات وتحقيق عناصر هذا النـزاع.
(ثالثًا) عدم أحقية سلطة الطيران المدني في تحرير محضر مخالفة ضد الطاعن, لأن اختصاصها في هذا الشأن لا يجاوز التصريح الذي يعد مستندًا ضمن مستندات ترخيص البناء المختص بإصداره الحي الواقع في دائرته العقار والمخول قانونًا بمراقبة المباني وتحرير محاضر لأعمال البناء المخالفة.
وخلص الطاعن إلى القول بأنه لا توجد في العقار محل القرار الطعين أية مخالفة للترخيص الصادر له, وإنما الخلاف في طريقة القياس, وطبقًا لقياس الجهات المختصة يكون القرار المطعون فيه مخالفًا للواقع والقانون، واختتمَ الطاعن تقريرَ طعنه بطلباته المبينة سالفًا.
……………………………………………………………..
وحيث إن المادة (4) من القانون رقم 106 لسنة 1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، والقوانين المعدَّلة له -بحسب أن القرار المطعون فيه قد صدر خلال المجال الزمني لسريانه, وهذا القانون كان يُعدُّ الشريعةَ العامة لأعمال البناء- تنص على أنه: “لا يجوز إنشاء مبانٍ أو إقامة أعمالٍ أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو إجراء أي تشطيبات خارجية إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم وفقًا لِما تبينه اللائحة التنفيذية…”.
وتنص المادة (11) من القانون ذاته على أنه: “يجب أن يتم تنفيذ البناء أو الأعمال وفقًا للأصول الفنية وطبقًا للرسومات والبيانات والمستندات التى مُنح الترخيص على أساسها،…”.
وتنص المادة (22) من قانون الطيران المدني الصادر بالقانون رقم 28 لسنة 1981, والقوانين المعدِّلة له([2])، على أن: “حقوق الارتفاق الجوية: تُنشأ حقوقُ ارتفاقٍ خاصة تسمى حقوق ارتفاق جوية لتأمين سلامة الملاحة الجوية وحسن عمل أجهزتها، وتشملُ هذه الحقوق على الأخص ما يأتي: 1- إزالة أو منع إقامة أية مبانٍ أو إنشاءات أو أغراس أو أسلاك أو أية عقبة مهما كان نوعها أو تحديد ارتفاعها، وذلك في المناطق المجاورة للمطارات ومنشآت الأجهزة الملاحية…”.
وتنص المادة (23) من القانون ذاته على أن: “حدود حقوق الارتفاق: يُحدد وزير الطيران المدني نطاق ومدى حقوق الارتفاق الجوية والمناطق التى تُقرَّر فيها بما يكفل تأمين سلامة الملاحة الجوية وحماية الأشخاص والممتلكات، وذلك كله طبقًا للقواعد والأنظمة الدولية المقرَّرة في هذا الشأن”.
وتنص المادة (24) من القانون المشار إليه على أن: “المنشآت في المناطق الخاضعة للارتفاق: لا يجوز تشييد أي بناء أو إقامة أية عوائق في المناطق المشمولة بحقوق الارتفاق الجوية, أو إجراء أي تغيير في طبيعة أو جهة استعمال الأراضي الخاضعة للارتفاق إلا بموجب ترخيص مُسبق من سلطات الطيران المدني وطبقًا للشروط المقرَّرة”([3]).
وتنص المادة (156) من القانون ذاته([4])، التي صدر القرار الطعين في ظل العمل بها, قبل إلغائِها بالقانون رقم 136 لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام قانون الطيران المدني المشار إليه، على أنه: “مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، يكون لسلطات الطيران المدني منع أو وقف أو إزالة أو تعديل الأعمال المخالفة لأحكام المادتين (24 و25) من هذا القانون، وذلك بقرارٍ مُسببٍ منها، يُعلن لذوي الشأن بالطريق الإداري, وعلى ذوي الشأن أن يبادروا إلى تنفيذ القرار الصادر بالإزالة أو التعديل، وذلك خلال المدة التي تحددها سلطات الطيران المدني في الإعلان المشار إليه. فإذا امتنعوا عن التنفيذ أو انقضت المدة المحددة دون إتمامه قامت السلطات المشار إليها بذلك بنفسها أو بواسطة من تعهد إليه، ويتحمل المخالف جميع النفقات وتُحصَّل منه بالطريق الإداري. ولا يجوز للجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم إصدار ترخيصٍ بالبناء أو تعليته في مناطق الارتفاق الجوي إلا بعد صدور ترخيص بذلك من سلطة الطيران المدني وإثباته في الترخيص الصادر بالبناء أو التعلية…”.
وحيث إن مفاد ما تقدم أن المشرع حظر إنشاء أية مبانٍ أو إقامة أعمال بناء أو توسيعها أو تعليتها أو تدعيمها, أو إجراء أية تشطيبات خارجية, إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم، وأوجب المشرع ضرورة أن يتم تنفيذ البناء أو الأعمال المرخص بها على وفق الأصول الفنية وطبقًا للرسومات التى منح الترخيص على أساسها، وحرصًا من المشرع على فرض حماية خاصة للمناطق المتاخمة للمطارات -لما هو مفروض عليها من ارتفاقات جوية طبقًا لأحكام القوانين الوطنية المعمول بها في هذا الشأن, وكذلك الاتفاقيات الدولية للطيران المدني- فقد حظر تشييد أي مبانٍ أو تعليتها, أو إجراء أي تعديلات في الأراضي الواقعة في هذه المناطق, إلا بعد الحصول على ترخيص مُسبق بذلك من سلطة الطيران المدني, وأن يكون هذا الترخيص ثابتًا في ترخيص البناء الصادر عن الجهة المختصة بشئون التنظيم، كما خول المشرع سلطة الطيران المدني حق وقف المخالفة, وإخطار ذوى الشأن بها لإزالتها, فإذا لم يتم ذلك كان لها الحق في إصدار قرار بإزالتها- بمعرفتها أو بمن تعهد إليه بذلك- على نفقة المخالف، وفي جميع الأحوال لا يكون المبنى المقام في المناطق المتاخمة للمطارات صالحًا لإدخال المرافق إليه, إلا بموجب شهادة صادرة من سلطة الطيران المدني ثابتًا فيها مطابقة العقار للترخيص الصادر عنها.
وحيث إن المشرع في قانون الطيران المدني المشار إليه قد ناط بالوزير المختص بالطيران المدني تحديد حقوق الارتفاق الجوية في المناطق المتاخمة للمطارات, وذلك نفاذًا لأحكام الاتفاقيات الدولية للطيران المدني والقوانين الوطنية المعمول بها في هذا الشأن، وعقد لسلطة الطيران المدني الاختصاص بمراقبة مدى التزام الأفراد والجهات المختلفة ملاك الأراضي الواقعة في تلك المناطق بحقوق الارتفاق الجوية، بما يستوجب هذا الاختصاص من أحقية السلطة المذكورة في تصحيح الأوضاع وإزالة الأعمال التى تجاوز أو تخالف تلك القيود، وذلك طبقًا للقواعد والنظم الدولية المقررة في هذا الشأن, مُستخدمةً في ذلك أجهزة ونقاط القياس المعمول بها دوليا ومحليا، وذلك حرصًا على سلامة الملاحة الجوية وحماية للأشخاص والممتلكات, باعتبار أن حقوق الارتفاق الجوية حقوق عالمية تضمنتها الاتفاقيات الدولية, ويتعين على السلطات الوطنية تنفيذ أحكامها.
وحيث إنه هديا بما تقدم ونفاذًا له، وإذ كان الثابت في الأوراق أن سلطة الطيران المدني أصدرت التصريح رقم 220 لسنة 2004 إلى شركة/… للإسكان والتعمير، التى يمثلها الطاعن، لبناء مبنى في القطعة رقم 2-7 مربع 1155- مساكن شيراتون- حي النزهة- القاهرة, بارتفاع (11,25 مترًا) أعلى سطح الأرض, بمنسوب (77,72 مترًا) أعلى سطح البحر, بحيث لا يتعدى منسوب أعلى نقطة (83,102 مترًا) أعلى سطح الأرض، فأصدر حي النزهة ترخيص البناء رقم 42 لسنة 2004 مشتملا على إنشاء مبنى مكونا من بدروم وأرضى وثمانية طوابق متكررة على تلك القطعة، على وفق الاشتراطات البنائية للمنطقة.
وبتاريخ 10/4/2005 حررت سلطة الطيران المدني ضد الطاعن محضر مخالفة أعمال بناء برقم 51 لسنة 2005, ثم أصدرت قرارًا بوقف هذه الأعمال، وأخطرت الطاعن بذلك، وبتاريخ 17/7/2006 أصدرت القرار رقم 51/1 لسنة 2006 (المطعون فيه) بإزالة تلك الأعمال لتجاوزها قيود الارتفاع المحددة للمنطقة، بارتفاع (1,27 مترًا) من سطح بلاطة سقف الطابق الثامن المتكرر الأخير إلى أسفل, لمخالفتها للتصريح رقم 220 لسنة 2004، وإذ كان الثابت في الأوراق أن سلطة الطيران المدني التى ناط بها المشرع تحديد قيود الارتفاع في المناطق المتاخمة للمطارات، ومنها المنطقة الكائن فيها العقار محل القرار الطعين، ومراقبة مدى تقيد الأفراد والجهات بهذه القيود واتخاذ ما يلزم في هذا الشأن حماية لحقوق الارتفاق الجوية المقررة على هذه المناطق، قد أصدرت القرار المطعون فيه رقم 51/1 لسنة 2006 متضمنا إزالة أعمال البناء المخالفة في العقار المشار إليه, وهى عبارة عن تجاوز قيود الارتفاع المحددة للمنطقة بارتفاع (1,27 مترًا) على وفق أجهزة ونقاط القياس التى استخدمتها السلطة المذكورة لإثبات هذه المخالفة، بحسب أن أقصى ارتفاع مصرح به للعقار طبقا للترخيص الصادر له هو (102,83 مترًا) أعلى سطح البحر، في حين أن ارتفاع العقار أعلى من هذا المنسوب (104,35 مترًا)، وقد أكد هذه المخالفة تقرير لجنة خبراء وزارة العدل المرافق بملف الطعن (الذي أُعدَّ نفاذًا للحكم التمهيدي السابق إصداره من محكمة أول درجة قبل إصدارها الحكم المطعون فيه) وتأخذُ به المحكمة محمولا على أسبابه لاتفاق النتيجة التى خلص إليها مع الثابت في الأوراق، ولما كان الحال كذلك، وكان القرار المطعون فيه صدر بإزالة أعمال البناء موضوع هذه المخالفة، فإنه يكون قد صدر عمن يملك سلطة إصداره, مرتكنًا على سببه الصحيح, متفقا وأحكام القانون, بمنأى عن الإلغاء.
وحيث إنه لا ينال مما تقدم ما ارتكن إليه الطاعن في تقرير الطعن من القول بأنه التزم بالاشتراطات البنائية طبقًا لترخيص البناء رقم 42 لسنة 2004 الصادر عن حي النزهة، وذلك لأن هذا مردود عليه بأن الجهة المختصة بتحديد قيود الارتفاع في المنطقة الكائن فيها العقار محل القرار الطعين, على وفق القوانين المعمول بها في هذا الشأن, ومنها قانونا توجيه وتنظيم أعمال البناء والطيران المدني المشار إليهما سلفا, هي سلطة الطيران المدني التى أصدرت للشركة التى يمثلها الطاعن التصريح بالبناء الصادر نفاذًا له ترخيص البناء الصادر عن الحي المختص، وإذ قامت هذه السلطة بتحديد الحد الأقصى لارتفاع العقار، وقد تجاوز المصرح به, فإنها طبقًا لأحكام التشريعات المعمول بها في تاريخ إصدار القرار المطعون فيه تكون دون غيرها المنوط بها ابتداء اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الأوضاع وإزالة الأعمال المخالفة للتصريح الصادر عنها, باعتباره هو الأساس في تحديد قيود الارتفاع في المنطقة، ومتى كان ذلك فإن المبنى موضوع النـزاع يكون مخالفًا للترخيص الصادر له.
ولا يدحض ما تقدم كذلك الادعاء بأن العقار صدرت له شهادة صلاحية بإدخال المرافق إليه من الجهة الإدارية في الحي الكائن في دائرته العقار، ذلك أن هذا الادعاء مردود عليه بأن الجهة الإدارية المختصة دون غيرها على وفق أحكام القانون -المبينة سالفًا- بإصدار الشهادة المذكورة للعقارات المقامة في المناطق المتاخمة للمطارات هي سلطة الطيران المدني، وقد أجدبت أوراق عن الطعن إصدار هذه الشهادة.
كما لا يحاج فيما تقدم ما تضمنه تقرير الطعن الماثل بأن المخالفة محل القرار الطعين ليست مخالفة ترخيص, وإنما تنصب على الاختلاف في طرق القياس, وعلى وفق الطرق التى استخدمها الحي المختص وجهاز التفتيش على أعمال البناء والمركز القومي لبحوث الإسكان والبناء يكون العقار متفقًا مع الاشتراطات البنائية للمنطقة, ومطابقًا لترخيص البناء الصادر عن الحي المختص، وذلك في ضوء تناقض تقرير لجنة الخبراء الصادر استنادًا إليه حكم محكمة أول درجة في طرق القياس التى اعتمد عليها في النتيجة التى خلص إليها، وذلك لأن هذا النعي مردودٌ عليه (أولا) بأن الجهة المختصة قانونًا بتحديد طرق ونقاط قياس قيود الارتفاع في المنطقة الكائن فيها العقار محل القرار الطعين هي سلطة الطيران المدني, وقد ثبتت مخالفة العقار الصادر في شأنه القرار المطعون فيه لقيود الارتفاع المحددة للمنطقة على وفق طرق ووسائل القياس التى اتبعتها هذه السلطة, باستخدامها أجهزة ونقاط القياس المعتمدة لديها، ومردودٌ عليه (ثانيا) بأنه ليس هناك تناقض في تقرير لجنة الخبراء التى انتدبتها محكمة أول درجة لتحقيق عناصر هذا النـزاع الفنية، بحسب أنه على وفق اختلاف طريقة الرصد، ونوع الأجهزة، ونوع العاكس، في وقت الرصد والظروف الجوية, ينتج عن ذلك اختلاف لا يزيد مقداره على 10 سم في القراءات، والمرجع الرئيس للقياس والمطابقة بالنسبة للطيران المدني عالميا ومحليا هو منسوب أعلى نقطة من سطح البحر, على وفق الأجهزة المساحية, وليس المستنتج من حساب فارق منسوب الأرض الطبيعية, كما أن هناك ميولا إنشائية للطابق الأخير في كل عقار تتراوح من 10 إلى 20 سم تسمى ميول المطر، ولذلك جاء تقرير لجنة خبراء وزارة العدل المشار إليه على وفق تعدد نقاط القياس التى اعتمد عليها أعلى الطابق الأخير من العقار, وتفاوتت نسبة القياس بفارق أقل من المسموح به، رغم اختلاف الأجهزة المستخدمة، وهذا يؤكد المخالفة الصادر بإزالتها القرار الطعين، ومردودٌ عليه (ثالثًا) بأن سلطة الطيران المدني تقوم بإجراء القياسات الخاصة بها بواسطة جهاز GPS المتوفر بماركاته المختلفة القديمة والحديثة لدى الجامعات وشركات المقاولات، وبالتالي فإن جهاز القياس الثابت بواسطته المخالفة محل القرار المطعون فيه يعد الجهاز المعتمد رسميا لدى الجهة المطعون ضدها وغيرها من الجهات, ومردودٌ عليه (رابعًا) بأن التقارير المقدمة من الطاعن المدون بها أن العقار غير مخالف للترخيص الصادر له من الحي, قد جاءت هذه التقارير خلوًا من قياس أعلى نقطة في العقار بالنسبة لسطح البحر, باعتباره المرجع الأساسي للقياس المعتمد دوليا ومحليا, مما يجعلها مشوبة بعدم الدقة, ولا يمكن التعويل عليها في مدى مخالفة العقار موضوع التداعي لقيود ارتفاع المنطقة من عدمه، ومردودٌ عليه (خامسًا) بما أثبته الحكم الجنائي (المقدم صورة رسمية منه في أوراق الطعن) الصادر بإدانة الطاعن في جنحة مخالفة أعمال البناء محل القرار الطعين, وقد تأيَّدَ هذا الحكم استئنافيا على وفق الثابت في الأوراق.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد خلص إلى النتيجة ذاتها، التى انتهت إليها المحكمة- على الوجه المبين سالفًا-، وهى رفض الدعوى المقامة طعنًا على قرار الإزالة موضوع النـزاع، فمن ثم يكون قد صدر متفقًا وصحيح حكم القانون، ويضحى الطعن الماثل فيه غير قائم على أساس سليم من القانون, مما يتعين القضاء برفضه.
وحيث إن خاسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (270) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن المصروفات.
[1])) راجع: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 4996 لسنة 41ق.ع بجلسة 21/4/2004 (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 49، مكتب فني، المبدأ رقم 77 ص624).
[2])) قبل تعديله بموجب القانون رقم 136 لسنة 2010.
[3])) هذا النص استُبدِل به النص التالي، بموجب المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام قانون الطيران المدني المشار إليه:
“مادة 24- “المنشآت في المناطق الخاضعة للارتفاق: =
= لا يجوز تشييد أي بناء أو منشأة أو إقامة أية عوائق في المناطق المشمولة بحقوق الارتفاق الجوي, أو إجراء تغيير في طبيعة أو جهة استعمال الأراضي الخاضعة للارتفاق, إلا بموجب ترخيص مُسبق من سلطة الطيران المدني, وطبقًا للشروط المقرَّرة فيه, على أن يُراعى عند إصداره موقع المنشأ وطبيعة استغلاله ومدى تأثيره على الحركة الجوية وارتفاعه الأقصى، وذلك كله مع عدم الإخلال بسلطات الجهات المعنية بالدولة فى هذا الشأن.
ولا يجوز للجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم إصدار ترخيص بالبناء أو بالتعلية أو بالتعديل فى مناطق الارتفاق الجوى إلا بعد صدور الترخيص المشار إليه فى الفقرة السابقة، مبينًا به أقصى ارتفاع مسموح به منسوبًا لمستوى سطح البحر، وإثباته فى ترخيص البناء أو التعلية أو التعديل.
ولا يجوز إدخال المرافق إلى البناء إلا بعد الحصول على شهادة من سلطة الطيران المدني بمطابقة البناء أو المنشأة للترخيص الصادر منها”.
[4])) مُعدَّلة بموجب القانون رقم 92 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام قانون الطيران المدني المشار إليه.