جلسة 21 من يونيه سنة 2009
(الدائرة السابعة)
الطعن رقم 11277 لسنة 46 القضائية عليا.
طوائف خاصة من العاملين– عاملون بالهيئة القومية لسكك حديد مصر– تقرير الكفاية– إجراءات ومراحل وضعه– لا يجوز للرئيس الأعلى تبني تقدير الرئيس المباشر دون نظر أو تقدير منه فيه.
حدد المشرع مراحل وضع تقرير الكفاية بالنسبة للعاملين بالهيئة القومية للسكك الحديدية، وذلك بأن يتم وضع هذه التقارير أولا من الرئيس المباشر ثم المحلي ثم الأعلى، ولم يترك تحديد هذه المستويات الرئاسية لظروف العمل أو طبيعته، وإنما حددها على وجه قاطع بالنسبة لكل وظيفة- لما تتميز به طبيعة العمل بالهيئة وغلبة العمل الفني بها أوجبت لائحة العاملين ضرورة مراعاة عناصر التقدير لدى وضعه بداءةً أو اعتماده ومراعاة جميع البيانات المتصلة بأداء العامل لعمله- عدم إعمال الرئيس المحلي والرئيس الأعلى سلطتهما التقديرية في تقييم الطاعن، وقيامهما بوضع ذات الدرجات التي وضعها الرئيس المباشر دون نظر أو مراجعة يكون في حقيقته إلغاء لمراحل وضع التقرير على الوجه الصحيح بما لا يستوي معه تقريراً يعكس تقييماً حقيقياً لأداء العامل– أثر ذلك: إلغاء تقرير كفاية الطاعن إلغاءً مجردا أيا كان طول الأمد على سنة وضع التقرير([1])- تطبيق.
الحكم في الدعوى- صعوبة تنفيذ الحكم لا تحول دون إصداره؛ تحقيقا للمشروعية.
بتاريخ 30/8/2000 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل طعناً على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالمنصورة في الدعوى رقم 1597 لسنة 19ق بجلسة 2/7/2000 الذي قضى بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع برفضها وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا بطلباته الواردة في صحيفة الدعوى وإلزام الهيئة المطعون ضدها المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق. وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الطاعن المصروفات, وتدوول نظر الطعن بجلسات المرافعة أمام هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها بعد أن أحيل إليها من دائرة فحص الطعون، وبجلسة 29/3/2009 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 14/6/2009 وقد أجل النطق به لجلسة اليوم حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد إتمام المداولة.
وحيث إن عناصر الطعن الماثل تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعن قد أقام الدعوى رقم 1597 لسنة 19ق بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالمنصورة طالباً الحكم بإلغاء تقرير كفايته عن عام 1993 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الهيئة المدعى عليها المصروفات.
وذكر شرحاً لدعواه أنه يشغل وظيفة مهندس بالهيئة القومية لسكك حديد مصر (منطقة المنصورة) وقدرت كفايته عن عام 1993 بمرتبة (جيد) ولم يعلم به إلا في تاريخ تظلمه منه في 17/2/1997 لقيامه بإجازة بدون مرتب للعمل في الخارج، ورفضت الجهة الإدارية تظلمه في 18/5/1997 فأقام دعواه ناعيا على تقرير كفايته البطلان ومخالفة القانون.
وبجلسة 2/7/2000 قضت المحكمة بحكمها المتقدم وشيدت قضاءها على أنه قُدرت كفاية المدعي بمرتبة (جيد) بمجموع (77) درجة عن عام 1993، واتفق على ذلك كل من الرئيس المباشر والمدير المحلي والرئيس الأعلى، واعتمدته لجنة شئون العاملين، ومن ثم يكون هذا القرار قد مر بمراحله القانونية خاليا من الانحراف بالسلطة أو التعسف في استعمالها ويكون بذلك قد صدر موافقا لصحيح حكم القانون بما لا مطعن عليه.
ولم يلق هذا القضاء قبولا لدى الطاعن فأقام طعنه الماثل ناعيا على هذا الحكم مخالفة القانون على سند من أن تقدير الرئيس المباشر وكذا تقدير المدير المحلي قد شابه خطأ حسابي حيث جمع 35 + 15 + 15 + 10 + 7 = 77 درجة، والصحيح 82 درجة، وخفض الرئيس الأعلى مجموع الدرجات دون تسبيب، فضلاً عن أن المدير المحلي في وقت إصدار التقرير المطعون فيه وهو وكيل المنطقة هو المهندس/ … لم يشترك في وضع التقرير، وهذا التقرير غير مستمد من أوراق أو مستندات أو وقائع تنتجه مما يجعله مخالفا للقانون.
وردت الهيئة على الطعن بمذكرة جاء فيها أن ما وقع في التقرير من خطأ مادي بتحرير 77 درجة بدلا من 82 درجة لا يؤثر في مرتبة الكفاية وهي (جيد)؛ لأنها تشمل مجموع الدرجات من 65 إلى 90 وأن التقرير مر بمراحله ومن ثم فلا محل للطعن عليه.
وحيث إن الطعن قد رفع في الميعاد مستوفيا سائر أوضاعه الشكلية ومن ثم فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن المادة (32) من لائحة العاملين بهيئة السكك الحديدية الصادرة بقرار وزير النقل والمواصلات والنقل البحري رقم 17 لسنة 1982 تنص على أن: “يعد تقرير الكفاية عن العامل رئيسه المباشر، ثم يبدي كل من المدير المحلي والرئيس الأعلى رأيه كتابة في التقرير، ثم يعرض على لجنة شئون العاملين المختصة لتحديد درجة الكفاية التي تقدرها بمراعاة عناصر التقدير وما لديها من بيانات عن العامل، ويراعى في وضع التقرير جميع البيانات المتصلة بأداء العامل لعمله والأوراق التي يتصل عمله بها وظروف أداء العمل، ويجب أن يكون قرار اللجنة مسببا إذا اختلف تقديرها عن تقدير الرؤساء…”.
وتنص المادة (33) على أنه: “على الرئيس المباشر إخطار العامل أولا بأول بكافة الملاحظات على عمله وكيفية أدائه وخاصة ما يتصل به من نقص أو تقصير أو تراخٍ، وكذلك ما قد يتسم به عمله من أوجه الامتياز أو الكفاية الخاصة وتودع في ملف خدمته ويجب أن يتضمن التقرير السنوي عنه هذه الملاحظات”.
وبتاريخ 28/11/1982 صدر قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم 2144 بتحديد المستويات الرئاسية المختصة بوضع التقارير السنوية عن العاملين بمناطق الهيئة المختلفة على النموذج المعتمد لهذا الغرض، وقد ورد في المادة الأولى منه أمام وظيفة (رئيس قسم الصيانة): أن الرئيس المباشر له هو (مدير إدارة الهندسة)، والرئيس المحلي هو (وكيل المنطقة)، والرئيس الأعلى هو (مدير عام المنطقة أو مدير الهيئة للمنطقة).
ونص هذا القرار في المادة الثانية على أن: “يؤخذ رأي السيد المهندس مدير الهيئة الفني المختص بالقاهرة كتابةً على التقرير بالنسبة لشاغلي الوظائف الهندسية…”.
ومفاد ما تقدم أن المشرع قد حدد مراحل وضع تقرير الكفاية بالنسبة للعاملين بالهيئة القومية للسكك الحديدية، بأن يتم وضع هذه التقارير أولاً من الرئيس المباشر ثم المحلي ثم الأعلى، ولم يترك تحديد هذه المستويات الرئاسية لظروف العمل أو طبيعته، وإنما حددها على وجه قاطع بالنسبة لكل وظيفة في المادة الأولى من القرار رقم 2144 لسنة 1982 سالفة الذكر، قاطعاً الطريق على أي اجتهاد في هذا الشأن، ولما تتميز به طبيعة العمل بالهيئة وغلبة العمل الفني بها فقد أوجبت لائحة العاملين بها ضرورة مراعاة عناصر التقدير لدى وضعه بداءة أو اعتماده، ومراعاة جميع البيانات المتصلة بأداء العامل لعمله التي أوجبت على الرئيس المباشر للعامل إخطاره بها أولاً بأول، سواء كانت نقصاً أو تقصيراً أو كفاءة وامتيازا، ووضعها في ملف خدمته، وأضاف إلى ذلك القرار رقم 2144 لسنة 1982 المشار إليه ضرورة أخذ رأي مدير الهيئة الفني المختص بالقاهرة كتابة على التقرير بالنسبة لشاغلي الوظائف الهندسية.
وهذه المراحل والإجراءات تشكل ضمانة للعامل بتقييم أدائه تقييماً فعلياً يعكس صدق حسن أدائه لعمله أو تقصيره، وفي ذات الوقت عاصماً لكل قيادة من أن تتجاوز أو تتهاون في دفع موظفيها المجدين إلى الرقي بمستواهم، والأخذ بأيدي المقصرين منهم إلى عدم الركون إلى تقصيرهم والنهوض من كبوتهم.
وعلى هدي ما تقدم، ولما كان الثابت بالأوراق أن الطاعن وهو يشغل إحدى الوظائف الهندسية بالهيئة المطعون ضدها قد قدرت الهيئة كفايته عن عام 1993 بمرتبة (جيد) بمجموع (77) درجة، وخلا هذا التقرير من رأي مدير الهيئة الفني بالقاهرة، كما خلا من ملاحظات على أدائه من واقع ملف خدمته حسبما أوجبته لائحة العاملين بالهيئة حتى تكون تحت بصر وبصيرة واضعي التقرير من رئيس مباشر ورئاسة محلية ورئاسة أعلى، مما أدى إلى اعتماد الأخيرين لتقرير الكفاية بذات الدرجات التي وضعها الرئيس المباشر بما فيها من عوار تمثل في عدم وضع درجات لكل عنصر من العناصر الفرعية للتقرير، والاكتفاء بوضع درجة إجمالية لكل عنصر من العناصر الرئيسية، ثم الخطأ في جمعها إلى (77) درجة والصحيح (85) درجة، وهو ما يدل على أن كلا من الرئيس المحلي والرئيس الأعلى لم يُعملا سلطتهما التقديرية في تقييم الطاعن، وإنما وضعا الدرجات التي وضعها الرئيس المباشر بخطئها دون نظر أو مراجعة، وإنه وإن لم يكن محظوراً عليهما تبني ذات وجهة نظر الرئيس المباشر إلا أنه يتعين أن يكون ذلك عن إرادة وتقدير، أما حيث ينعدم ذلك التقدير باعتمادهما الدرجات التي وضعها الرئيس المباشر بما فيها من خطأ دل عدم تصحيحه على انعدام هذا التقدير، فإن الأمر يكون في حقيقته إلغاء لمراحل وضع التقدير ودمجها في مرحلة واحدة هي مرحلة الرئيس المباشر، وقد تأيد ذلك بما ساقه الطاعن من عدم اشتراك المهندس/ … وكيل المنطقة واستبعاده من أعمال وضع التقرير وهو المختص بالخانة الثانية منه كرئيس محلي بحكم وظيفته وكيلا للمنطقة بموجب القرار رقم 2144 لسنة 1982 المشار إليه، ولا يجزئ في ذلك حلول آخر محله وهو الرئيس الأعلى المهندس/ … مدير عام المنطقة والذي كان مخصصاً له بحكم وظيفته وفقاً للقرار سالف الذكر الخانة الثالثة الخاصة بالرئيس الأعلى، ووقع بدلاً منه في هذه الخانة المهندس/ … رئيس الإدارة المركزية، وليس له اختصاص في وضع التقرير طبقاً للقرار رقم 2144 لسنة 1982.
وهذا التخبط الذي وقعت فيه الهيئة هوى بتقرير كفاية الطاعن إلى درك الانعدام والصورية فقد افتقد هذا التقرير إجراءات جوهرية هي رأي مدير الهيئة الفني، وإثبات ملاحظات أداء الطاعن للعمل على هذا التقرير، وعدم اتباع مراحل إعداده على الوجه الصحيح كما حددتها المادتان 32 و 33 من لائحة العاملين بالهيئة والقرار رقم 2144 لسنة 1982 المشار إليهما، ومن ثم لا يستوي تقريراً يعكس تقييماً حقيقياً لأداء الطاعن، وهو ما يتعين معه القضاء بإلغائه إلغاءً مجردا، تستعيد معه الهيئة سلطتها في وضع التقرير عنه من جديد عن عام 1993 وفقاً للائحة العاملين بالهيئة والقرار رقم 2144 لسنة 1982 المشار إليهما بعد اتخاذ كافة الإجراءات الصحيحة.
والمحكمة وهي تقضي بذلك تدرك مدى الصعوبة التي قد تواجهها الهيئة بسبب طول الأمد على سنة وضع التقرير، وهو ما يناهز الستة عشر عاما؛ إلا أن غاية تحقيق المشروعية أجل وأعظم وتهون مع تحقيقها أية صعوبات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى غير هذا المذهب فإنه يكون قد صدر مخالفا لصحيح الواقع والقانون حريا بالإلغاء.
وحيث إنه من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بنص المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء تقرير كفاية الطاعن عن عام 1993 إلغاء مجرداً وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الهيئة المطعون ضدها المصروفات عن درجتي التقاضي.
([1])فى عكس هذا المعنى: حكم المحكمة الادارية العليا (دائرة فحص الطعن) فى الطعنين رقمي 3455، 3458 لسنة 48 ق. عليا بجلسة 5/6/2002.