جلسـة 2 من نوفمبر سنة 2011
الطعن رقم 11547 لسنة 53 القضائية (عليا)
(الدائرة العاشرة)
– التعدي عليها- فرق المشرع بين حالات أربع للتعدي على الرقعة الزراعية والمساس بخصوبتها، وحدد لكل حالة العقوبة الجنائية المقررة لها، وحدد اختصاص وزير الزراعة في التدخل إداريا بقرار منه في كل منها- في مجال التفرقة بين مخالفة (البناء في الأرض الزراعية) ومخالفة (تبويرها) يقصد بالبناء: المباني التي اكتمل إنشاؤها، وصارت صالحة للاستخدام في الغرض الذي أقيمت من أجله، وبغض النظر عن تزويدها بمرافق الكهرباء والمياه والصرف الصحي أو لا([1])– يقصد بمخالفة (تبوير الأرض الزراعية): ترك الأرض دون زراعة، أو القيام بأي عمل أو الامتناع عن عمل يؤدي إلى تبويرها- بناء سور بالطوب الحجري ومونة الأسمنت يعد من أعمال التبوير، حيث لا يرقى لمستوى المباني أو الإنشاءات المكتملة- يجب على الجهة الإدارية (ممثلة فى وزير الزراعة أو من يفوضه) أن تتدخل بسلطتها المباشرة لمنع اكتمال المباني على القواعد أو السملات حتى لا تتحول المخالفة من (تبوير) إلى (بناء) على الأرض الزراعية، وحتى لا يستفيد المخالف من خطئه بتركه يستمر فيه- القاضي الإداري لا يتقيد بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها، خاصة ما يتعلق بوقوع الفعل ووصفه القانوني ونسبته إلى فاعله- إذا كان الفعل المنسوب إلى المخالف هو ارتكابه (أعمال تبوير)، في حين أن الحكم الجنائي صدر ببراءته من تهمة (البناء) على أرض زراعية، ولم يتناول الأفعال التى أدت إلى التبوير ثبوتا أو وصفا، فلا حجية للحكم الجنائي أمام القضاء الإداري في هذه الحالة؛ لاختلاف سبب القرار عن واقعة الاتهام.
– المواد من (150) إلى (157) من قانون الزراعة (الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966، معدلا بموجب القانون رقم 116 لسنة 1983، والقانون رقم 2 لسنة 1985).
فى يوم الثلاثاء الموافق 24/4/2007 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل على الحكم المطعون عليه، الذي جاء منطوقه: “حكمت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب علي ذلك من آثار، على النحو المبين بالأسباب، وألزمت جهة الإدارة المصروفات، ومئة جنيه مقابل أتعاب المحاماة”.
وطلب الطاعنان فى ختام تقرير الطعن وقف تنفيذ الحكم المطعون عليه بصفة مستعجلة، وفي الموضوع بإلغاء الحكم، والقضاء مجددا برفض الدعوى، مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
وبعد إعلان الطعن قانونا، أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن، ثم نظر أمام دائرة فحص الطعون التى أمرت بإحالته إلى هذه المحكمة، حيث تدوول أمامها بالجلسات على النحو الثابت في المحاضر، ثم قررت حجز الطعن للحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر بعد إيداع مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة، لذا يضحى مقبولا شكلا.
وحيث إن وقائع النزاع تخلص في أن المطعون ضده أقام دعواه بتاريخ 18/9/1994 أمام محكمة أول درجة طالبا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إزالة الأعمال الموضحة بصحيفة الدعوى، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الإدارة المصروفات.
وقال المدعي (المطعون ضده) شرحا للدعوى إنه صدر القرار المطعون فيه بإزالة المباني المشار إليها بالمخالفة للقانون؛ لصدوره بالرغم من القضاء ببراءته من قبل القضاء الجنائي من تهمة البناء بدون ترخيص، والتمس الحكم بطلباته.
– وبجلسة 25/2/2007حكمت المحكمة بحكمها المطعون عليه، وأقامت قضاءها على نصوص القانون رقم 53 لسنة 1966 بشأن الزراعة وتعديلاته، وأنه ثبت للمحكمة أن القرار المطعون فيه صدر بإزالة المبنى المملوك للمدعي- المطعون ضده- ومن ثم يكون صادرا من غير مختص، وفيه اعتداء على اختصاص القضاء الجنائي، لذا فالقرار يعتبر غير مشروع لصدوره مخالفا للقانون، وانتهت المحكمة لحكمها المطعون عليه.
– وإذ لم يرتض الطاعنان الحكم المطعون عليه، لذا فقد أقاما طعنهما الماثل استنادا إلى مخالفة الحكم الطعين لأحكام القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله، فطبقا لقانون الزراعة المشار إليه فإن أي عمل أو امتناع يؤدي إلى تبوير الأرض الزراعية فإن وزير الزراعة يملك سلطة إزالته بالطريق الإداري، ويندرج تحت مدلول التبوير: الأعمال التمهيدية التى يقوم بها المخالف لإقامة البناء، كالحفر ووضع السملات وإقامة الأسوار أو الجدران، وبصفة عامة جميع المباني التي لم تكتمل، ومن باب أولى يدخل فيها تشوين مواد البناء، فكل هذه الأعمال يملك وزير الزراعة سلطة إزالتها بقرار إداري، وأشار الطاعنان لبعض أحكام هذه المحكمة المؤيدة لطعنهما، وانتهى تقرير الطعن إلى أن القرار المطعون فيه الصادر بإزالة الأعمال المخالفة المبينة بالقرار يحق لوزير الزراعة أو من يفوضه إزالتها، والتمس الطاعنان الحكم بالطلبات.
– وحيث إن المادة (150) من قانون الزراعة (الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966)، المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983، والقانون رقم 2 لسنة 1985 تنص على أنه: “يُحظر تجريف الأرض الزراعية أو نقل الأتربة لاستعمالها فى غير أغراض الزراعة…”. وتنص المادة (151) منه على أنه: “يُحظر على المالك أو نائبه أو المستأجر أو الحائز للأرض الزراعية بأية صفة ترك الأرض غير منزرعة لمدة سنة… كما يُحظر عليهم ارتكاب أي فعل أو الامتناع عن أي عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها”. وتنص المادة (152) من هذا القانون على أنه: “يُحظر إقامة أية مبان أو منشآت في الأرض الزراعية أو اتخاذ أية إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضى لإقامة مبان عليها، ويُعتبر في حكم الأرض الزراعية، الأراضي البور القابلة للزراعة داخل الرقعة الزراعية، ويُستثنى من هذا الحظر…”. وتنص المادة (153) على أنه: “يُحظر إقامة مصانع أو قمائن طوب فى الأراضى الزراعية، ويُمتنع على أصحاب ومستغلي مصانع أو قمائن الطوب القائمة الاستمرار فى تشغيلها بالمخالفة لحكم المادة (150) من هذا القانون”. كما تنص المادة (154) من القانون نفسه على أن: “يُعاقب على مخالفة حكم المادة (150) من هذا القانون بالحبس وبغرامة… ولوزير الزراعة حتى صدور الحكم فى الدعوى أن يأمر بوقف الأعمال المخالفة وبإعادة الحالة إلى ما كانت عليه بالطريق الإدارى على نفقة المخالف”. وتنص المادة (155) على أن :”يُعاقب على مخالفة حكم المادة (151) من هذا القانون بالحبس وبغرامة… ولوزير الزراعة قبل الحكم في الدعوى أن يأمر بوقف أسباب المخالفة وإزالتها بالطريق الإداري وعلى نفقة المخالف”. وتنص المادة (156) من القانون المذكور على أن: “يعاقب على مخالفة أي حكم من أحكام المادة (152) من هذا القانون أو الشروع فيها بالحبس وبغرامة… ويجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة الأمر بإزالة أسباب المخالفة… ولوزير الزراعة حتى صدور الحكم فى الدعوى وقف أسباب المخالفة على نفقة المخالف…”. وتنص المادة (157) على أن: “يُعاقب على مخالفة حكم المادة (153) من هذا القانون أو الشروع فى ذلك بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة… مع الحكم بإزالة المصنع أو القمينة… ولوزير الزراعة وحتى صدور الحكم فى الدعوى وقف أسباب المخالفة وإعادة الحال إلى ما كان عليه بالطريق الإداري على نفقة المخالف”.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مستقر على أن المشرع قد فرق بين الحالات الأربع للتعدي على الرقعة الزراعية والمساس بخصوبتها، فحدد لكل حالة العقوبة الجنائية المقررة لها، كما حدد اختصاص وزير الزراعة في التدخل إداريا بقرار منه حتى صدور الحكم الجنائي:
ففي المخالفة الأولى (المتعلقة بتجريف الأرض الزراعية) قرر لها المشرع عقوبة جنائية محددة تختص بتوقيعها المحكمة الجنائية، ومنح وزير الزراعة حتى صدور الحكم الجنائي في هذه المخالفة سلطة إصدار قرار إداري بوقف الأعمال المخالفة، وبإعادة الحال إلى ما كانت عليه بالطريق الإداري.
وفي المخالفة الثانية (المتعلقة بتبوير الأرض الزراعية) نص القانون على منح وزير الزراعة اختصاص وقف أسباب المخالفة وإزالتها بالطريق الإداري.
أما في المخالفة الثالثة (المتعلقة بالتعدي بالبناء أو إقامة منشآت على الأرض الزراعية أو تقسيمها لإقامة مبان عليها) فقد أعطى المشرع سلطة إزالة أسباب المخالفة للمحكمة الجنائية، وقصر اختصاص وزير الزراعة على مجرد وقف أسباب المخالفة فقط.
وأخيرا في المخالفة الرابعة (المتعلقة بإقامة مصانع أو قمائن الطوب) أعطى القانون المحكمة الجنائية سلطة إزالة المصنع أو القمينة، وقصر اختصاص وزير الزراعة على التدخل إداريا بوقف أسباب المخالفة وإعادة الحال إلى ما كانت عليه بالطريق الإدارى.
وحيث إنه في مجال التفرقة بصفة خاصة بين مخالفة (البناء فى الأرض الزراعية) ومخالفة (تبويرها)، فقد استقرت هذه المحكمة على أن المقصود بالبناء على الأرض الزراعية هو المباني التي اكتمل إنشاؤها، وصارت صالحة للاستخدام في الغرض الذي أقيمت من أجله، دون النظر إلى مادة بنائها، سواء بالطين أو الطوب اللبن أو الأحمر أو الأبيض أو الخرسانة المسلحة، وبغض النظر عن تزويدها بمرافق الكهرباء والمياه والصرف الصحي أو لا، فبعض المباني فى الريف المصري يتم الانتفاع بها دون هذه المرافق، فهذه جميعا تشكل مخالفة (البناء وإقامة المنشآت على الأرض الزراعية)، والتي ناط المشرع بالقاضي الجنائي وحده سلطة إزالتها، وقصر اختصاص وزير الزراعة على التدخل بقرار منه لوقف أسباب هذه المخالفة فقط دون إزالة المباني أو المنشآت المكتملة.
أما بخصوص مخالفة (تبوير الأرض الزراعية) فقد حددها المشرع في ترك الأرض دون زراعة، أو القيام بأي عمل أو الامتناع عن عمل يؤدي لتبويرها كتشوين مواد البناء المختلفة، أو أعمال الحفر والأساسات والقواعد والسملات وإقامة الأسوار وجميع الأعمال التمهيدية لإقامة البناء، وغير ذلك من الإنشاءات والمباني غير المكتملة، فهذه الأعمال جميعا تدخل ضمن الأعمال التى تؤدي إلى مخالفة تبوير الأرض الزراعية، وطبقا لقانون الزراعة المشار إليه يتعين على وزير الزراعة المبادرة بالتدخل لحماية هذه الأرض الزراعية باعتبارها ثروة قومية، وإلى أن يصدر حكم جنائي فى مخالفة التبوير فللوزير إصدار قرار بإزالة هذه الأعمال التى تؤدي لتبوير الأرض الزراعية، بل يجب على الجهة الإدارية (ممثلة فى وزير الزراعة أو من يفوضه) أن تتدخل بسلطتها المباشرة لمنع اكتمال المباني على القواعد أو السملات حتى لا تتحول المخالفة من (تبوير) إلى (بناء) على الأرض الزراعية، وحتى لا يستفيد المخالف من خطئه بتركه يستمر فيه.
وحيث إنه بتطبيق المبادئ والأحكام السابقة على وقائع الطعن الماثل، يتبين من حافظة المستندات المقدمة من هيئة قضايا الدولة بجلسة 7/2/1995 أمام محكمة أول درجة أنها تضمنت محضر المخالفة المحرر ضد المطعون ضده، والذى يتضح منه أنه خالف بإقامة الأعمال الآتية: بناء سور بالطوب الحجري ومونة الأسمنت على مساحة 84م2.
ومؤدى ذلك أن هذه الأعمال لا ترقى لمستوى المباني أو الإنشاءات المكتملة، لذا لا تعد مخالفة (بناء على أرض زراعية)، بل هي مجرد أعمال تؤدي إلى (تبوير الأرض الزراعية)، وهو ما يختص وزير الزراعة أو من يفوضه بإزالتها، وإذ صدر القرار المطعون فيه رقم 1958 في 7/8/1994 بإزالة أسباب مخالفة التبوير، فإنه يكون مطابقا للقانون، خاليا من عيوب الإلغاء، مما يتعين معه تأييده ورفض الدعوى.
ولما كان الحكم المطعون عليه قد ذهب غير هذا المذهب، لذا يتعين إلغاؤه، والقضاء مجددا برفض الدعوى.
ولا ينال من ذلك صدور حكم جنائي ببراءة المطعون ضده من البناء على الأرض الزراعية، فمن المقرر أن القاضي الإداري لا يتقيد بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها، خاصة ما يتعلق بوقوع الفعل ووصفه القانوني ونسبته إلى فاعله، والثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه صدر استنادا لارتكاب المطعون ضده أعمال (التبوير) الواردة بمحضر المخالفة المشار إليه، في حين أن الحكم الجنائي صدر بالبراءة من تهمة (البناء) على أرض زراعية، ولم يتناول الأفعال التى أدت للتبوير ثبوتا أو وصفا، لذا لا حجية للحكم الجنائي أمام القضاء الإداري في هذه الحالة؛ لاختلاف سبب القرار عن واقعة الاتهام.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم المصروفات عملا بحكم المادة (184) مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون عليه، والقضاء برفض الدعوى، وألزمت المطعون ضده المصروفات.
(1) راجع وقارن بحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 12/2/2008 في الطعن رقم 1831 لسنة 49 ق.ع، (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في السنة 53 مكتب فني، جـ1، رقم 86 ص 615)، حيث انتهت إلى أن تمام بناء المنزل محل المخالفة وإمداده بالمرافق يجعل الاختصاص بإزالته معقودا للمحكمة الجنائية وحدها حال الحكم بالإدانة.