جلسة 29 من مايو سنة 2012
الطعن رقم 11730 لسنة 54 القضائية (عليا)
(الدائرة الثالثة)
– مناط اعتبار العقد عقدا إداريا- يعد العقد إداريا إذا اجتمعت فيه سمات ثلاث، وهي: أن يكون أحد طرفيه شخصا اعتباريا عاما، وأن يكون إبرامه بشأن نشاط يتصل بمرفق عام، وأن يتضمن شروطا غير مألوفة في نطاق القانون الخاص.
– مناط اعتبار العقد عقدا إداريا- العبرة في تحديد طبيعة العقد تكون عند إبرامه- يظل العقد إداريا ولو تغيرت طبيعة الشخص الاعتباري الذي أبرمه من شخص عام إلى شخص خاص، مادام قد توفرت في هذا العقد الشروط الأخرى اللازمة لاعتباره عقدا إداريا.
– المادتان رقما (10) و(13) من قانون مجلس الدولة (الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972).
– التنظيم القضائي- مناط الرجوع إلى أحكام قانون المرافعات- لا يجوز إعمال أحكام قانون المرافعات إلا فيما لم يرد بشأنه نص خاص في قانون مجلس الدولة- يمتنع اللجوء إلى أحكام قانون المرافعات في كل ما يتعلق باختصاص محاكم مجلس الدولة، مادام لم يصدر قانون جديد يتناول اختصاص المحاكم بالتعديل.
– المادة رقم (1) من قانون المرافعات المدنية والتجارية (الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968).
– المادة رقم (3) من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة.
– الطعن في الأحكام- أثر إلغاء الحكم القاضي بعدم الاختصاص الولائي على الفصل في موضوع الطعن- إذا كانت الدعوى غير مهيأة للفصل فيها، فإنه يتعين على محكمة الطعن الحكم بإحالة الدعوى إلى المحكمة المطعون في حكمها للفصل فيها مجددا بهيئة مغايرة([1]).
في يوم الثلاثاء الموافق 18/3/2008 أودع الأستاذ/… المحامي بالنقض والإدارية العليا بصفته وكيلا عن الطاعن بصفته تقريرا بالطعن الماثل، وذلك طعنا على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف والفيوم- الدائرة الأولى) بجلسة 22/1/2008 في الدعوى رقم 1947 لسنة 2ق، القاضي منطوقه بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى، والأمر بإحالتها إلى محكمة الفيوم الابتدائية للاختصاص، وإبقاء الفصل في المصروفات.
وطلب الطاعن بصفته للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها، واحتياطيا إجابة الطاعن إلى طلباته المبينة بصحيفة افتتاح الدعوى وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وأعلن تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق. وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الطاعن مصروفاته.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، على الوجه المبين بمحاضر الجلسات، وقدم الحاضر عن محافظ الفيوم حافظة مستندات، كما قدم الحاضر عن الشركة المطعون ضدها مذكرة دفاع طلب فيها الحكم برفض الطعن، وبجلسة 5/5/2010 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع، وتدوول بجلساتها على الوجه المبين بمحاضرها، وقدم الحاضر عن المطعون ضدهما الأول والثاني مذكرة دفاع، طلب في ختامها الحكم برفض الطعن، واحتياطيا برفض طلبات الشركة، كما قدم الحاضر عن المطعون ضده الرابع مذكرة دفاع طلب في ختامها الحكم أصليا برفض الطعن وبعدم قبوله لقيامه على غير ذي حق بالنسبة للمطعون ضده الثالث، وبجلسة 24/1/2012 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 22/5/2012 ومذكرات خلال ستة أسابيع، وفيها تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لاستمرار المداولة، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد إتمام المداولة قانونا.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية والإجرائية.
وحيث إنه عن وقائع النزاع الماثل فإنها تخلص في أن الطاعن بصفته أقام الدعوى الماثلة بإيداعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري، وقيدت ابتداء برقم 9867 لسنة 52ق، طالبا الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ بنود العقد فيما يتعلق بعلاوة الأسعار، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية تنفيذ بنود العقد فيما يتعلق بقيمة الأعمال الزائدة وغرامة التأخير وقدرها (779642,86)، بالإضافة إلى 5% فوائد قانونية علاوة على مبلغ (335000) فوائد بنكية على وفق حساب البنك المركزي لتكون جملة المبالغ (1214642,86)، وإلزام المدعى عليهم المصروفات.
واستند المدعي في دعواه إلى أن شركته تعاقدت مع مديرية الإسكان والمرافق بمحافظة الفيوم على تنفيذ عملية توريد وتركيب مواسير خرسانية سابقة الإجهاز قطر 900مم على وفق الشروط والمواصفات المتعاقد عليها، واتفق على أن مدة التنفيذ خمسة أشهر ابتداء من تاريخ تسليم مسار الخط خاليا من العوائق، وإذ صادفت الشركة عوائق كثيرة منها ما هو تحت الأرض مثل كابلات القوات المسلحة ومواسير المياه والصرف الصحي، ولم تلتزم مديرية الإسكان بتقديم أية رسومات أو خرائط توضح مسار المرافق أو دراسات عن منسوب التنفيذ، وهو ما قامت به الشركة بنفسها، كما أعاق التنفيذ تعديل نوعية المواسير من خرسانية إلى مواسير صلب، ولم تلتزم مديرية الإسكان بتقديم أي رسومات أو خرائط توضح مسار المرافق أو دراسات عن منسوب التنفيذ، وهو ما قامت به الشركة، وتعديل نوعية المواسير من خرسانية إلى مواسير صلب، ورغم ذلك قامت الجهة الإدارية بتوقيع غرامات تأخير على الشركة بواقع 15% وقدرها 438392,95ج، وقام مرفق المياه برد مبلغ 292903,26ج، فيكون المبلغ المطلوب رده من الغرامات 255489,69ج، بالإضافة إلى علاوة أسعار عملية تركيب وتوريد مواسير بلاستيك قطر 315 مم لمواقع (الصوفي، ويسامناش الحطيب- طهار) وقدرها 947867.53ج، وعلاوة تركيب وتوريد مواسير قطر 400مم لمواقع الشنطوري- كحك قبلي، الأواسنيد بمبلغ 624153,17ج، والفوائد القانونية والبنكية بمبلغ (335000ج)، ليكون إجمالي المبالغ المستحقة 1214642,86ج.
كما أقام المدعي الدعوى رقم 519 لسنة 53ق طلب فيها وقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ بنود العقد فيما يتعلق بتسليم مسار الخط خاليا من العوائق، ورد غرامة التأخير وقدرها 210030,69، بالإضافة إلى صرف قيمة الأعمال التي لم تدرج بالعقد، وقيمتها 217427,50، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
………………………………………….
وقد ضمت الدعوى الأخيرة إلى الدعوى الأولى، وتنفيذا لقرار رئيس مجلس الدولة رقم 262 لسنة 2000 أحيلت الدعويان إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف والفيوم)، وتدوول نظرهما بجلساتها تحت رقم 1497 لسنة 2ق، وبجلسة 22/1/2008 قضت بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة الفيوم الابتدائية وأبقت الفصل في المصروفات، وشيدت قضاءها على أن المدعي بصفته تعاقد مع محافظة الفيوم (مرفق مياه الشرب) على توريد وتركيب وتجربة خطوط مواسير من الخرسانة المسلحة سابقة الإجهاز قطر 900مم، وإذ تم تحويل مرفق المياه إلى شركة تابعة طبقا للقرار الجمهوري رقم 135 لسنة 2004 والذي أخضع تلك الشركات لأحكام القانون رقم 203 لسنة 1991 بإصدار قانون شركات قطاع الأعمال؛ فإن الدعوى تخرج عن الاختصاص الولائي للمحكمة، ويصبح الاختصاص بنظرها للقضاء العادي (محكمة الفيوم الابتدائية).
………………………………………….
وحيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون للقانون؛ بحسبان أن العقد محل الدعوى عقد إداري ينعقد الاختصاص بالفصل فيما ينشأ عنه من منازعات للقضاء الإداري، وأن الطاعن تعاقد مع المطعون ضده الثاني بموجب العقد المؤرخ في 14/5/1994 طبقا لمناقصة عامة، وتم تنفيذ وتسليم الأعمال في 29/6/1996، وأن الطاعن نازع جهة الإدارة بدعواه المودعة محكمة القضاء الإداري في 14/8/1998، وذلك قبل صدور القرار الجمهوري رقم 135 لسنة 2004 المنْشِئ للشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، وقد نص قانون قطاع الأعمال في مادته السادسة على أن: “تستمر محاكم مجلس الدولة في نظر الطعون والدعاوى الآتية التي رفعت إليها إلى أن يتم الفصل فيها بحكم بات وفقا للقواعد المعمول بها حاليا وذلك دون حاجة إلى أي إجراء آخر: أولا:… ثانيا: الدعاوي والطعون الأخرى التي تكون تلك الشركات طرفاً فيها متى كانت قد رفعت قبل العمل بهذا القانون”.
وأن الطاعن يتمسك بدفاعه ودفوعه على مدار التقاضي من ناحية الموضوع وذلك على الوجه المبين بتقرير الطعن.
………………………………………….
وحيث إنه عن موضوع الطعن فإن المادة (3) من القانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة تنص على أن: “تطبق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص، وذلك إلى أن يصدر قانون الإجراءات الخاص بالقسم القضائي”.
وتنص المادة (10) من قانون مجلس الدولة المشار إليه على أن: “تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية:… حادي عشر: المنازعات الخاصة بعقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريد أو بأي عقد إداري آخر”.
وتنص المادة (13) منه على أن: “تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المسائل المنصوص عليها في المادة (10) عدا ما تختص به المحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية”.
وحيث إن مفاد ما تقدم أن المشرع قد أسند إلى محاكم مجلس الدولة دون غيرها الاختصاص بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن العقود الإدارية، ووزع هذا الاختصاص بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري بحسب قيمة النزاع، وعلى ذلك يكون المرد في القول باختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر النزاع العقدي إلى طبيعة العقد الذي تفرعت عنه المنازعة، فإذا كان عقدا إداريا أبقت الاختصاص لمحاكم مجلس الدولة دون غيرها.
وغني عن البيان أن تحديد طبيعة العقد يكون عند إبرامه، بصرف النظر عن التغيرات التي قد تطرأ على الشخص الاعتباري العام الذي أبرمه، إذ يظل العقد إداريا ولو تغيرت طبيعة الشخص الاعتباري الذي أبرمه من عام إلى خاص، مادام قد توفرت بشأنه الشروط الأخرى اللازمة لاعتباره كذلك.
وقد تواتر قضاء هذه المحكمة على أن العقد يعد إداريا إذا كان أحد طرفيه شخصا اعتباريا عاما، وكان إبرامه بشأن نشاط يتصل بمرفق عام، وتضمن شروطا غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، فمتى اجتمعت هذه السمات بشأن العقد كان إداريا، وانعقد الاختصاص بنظر المنازعات التي تنشأ عنه إلى محاكم مجلس الدولة دون غيرها.
ولا وجه للمحاجّة في هذا الصدد بنص المادة الأولى من قانون المرافعات التي تقرر نفاذ قوانين المرافعات على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى لسببين: (أولهما) أنه لا يجوز إعمال أحكام قانون المرافعات إلا فيما لم يرد بشأنه نص خاص في قانون مجلس الدولة إعمالا لنص المادة (3) من مواد إصدار قانون مجلس الدولة، وقد وسدت المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة إلى محاكم مجلس الدولة دون غيرها الفصل في المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية، ومن ثم يمتنع اللجوء إلى أحكام قانون المرافعات في كل ما يتعلق باختصاص محاكم مجلس الدولة، و(ثانيهما) أن النص المذكور يتعلق بقانون المرافعات الحديث وهو ما لم يتوفر في الحالة المعروضة؛ بحسبان أنه لم يصدر قانون جديد يتناول اختصاص المحاكم بالتعديل.
ومتى كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن قد تعاقد مع مديرية الإسكان والمرافق بمحافظة الفيوم على عملية توريد وتركيب مواسير من الخرسانة سابقة الإجهاز، وبتاريخ 4/9/1995 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 281 لسنة 1995 بإنشاء بعض الهيئات العامة الاقتصادية في بعض المحافظات، منها الهيئة العامة لمرفق مياه الشرب والصرف الصحي بمحافظة الفيوم، ونقلت إليها الاعتمادات المالية من موازنة المحافظة، وبتاريخ 14/9/1998 أقام الطاعن الدعوى رقم 9867 لسنة 52ق، وبتاريخ 19/10/1998 أقام الدعوى رقم 519 لسنة 53ق أمام محكمة القضاء الإداري بطلباته المشار إليها سالفا، وإذ أبرم العقد بين طرفين أحدهما شخص اعتباري عام هو محافظ الفيوم، ثم آل إلى الهيئة العامة الاقتصادية لمياه الشرب والصرف الصحي بالفيوم بعد إنشائها بالقرار الجمهوري رقم 281 لسنة 1995، وكان العقد يتصل بنشاط مرفق عام هو مرفق مياه الشرب والصرف الصحي، وانطوى على العديد من الشروط غير المألوفة في القانون الخاص، بعضها يتعلق بتاريخ بدء العمل، والبعض الآخر يتعلق بكيفية سداد المستحقات، والبعض الآخر يتعلق بميعاد سداد المستحقات؛ فمن ثم يكون قد تكاملت فيه أركان العقد الإداري، وينعقد الاختصاص بنظر المنازعات الناشئة عنه لمحاكم مجلس الدولة؛ إعمالا لحكم المادة (10) البند الحادي عشر من قانون مجلس الدولة، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى غير هذه النتيجة، فإنه يكون قد وقع مخالفا لأحكام القانون، ويتعين القضاء بإلغائه وباختصاص محاكم مجلس الدولة بالفصل فيه.
وإذ لم تتهيأ الدعوى للفصل فيها أمام المحكمة الإدارية العليا، وحتى لا تفوت على الطعن درجة من درجات التقاضي، فإن المحكمة تقضي بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف والفيوم) للفصل فيها مجددا بهيئة مغايرة، مع إبقاء الفصل في المصروفات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة بني سويف والفيوم) للفصل في موضوعها بهيئة مغايرة، وأبقت الفصل في المصروفات.
(1) راجع كذلك الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا بجلسة 25/11/2010 في الطعن رقم 4539 لسنة 57 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في شأن الأحزاب السياسية والطعون الانتخابية في الفترة من 1/10/2010 إلى 20/6/2011، المبدأ رقم 10 ص 144).