جلسة 16 من فبراير سنة 2008
(الدائرة الأولى)
الطعن رقم 11868 لسنة 49 القضائية عليا.
– الحكم في الدعوى– حجية الأحكام- أثرها في استقلال القضاء.
حجية الأحكام تسمو على أي اعتبارات أخرى باعتبار أن النزول على حجية الأحكام واحترامها والحفاظ على هيبتها هو الضمانة الحقيقة لإقامة دولة قانونية يخضع الجميع فيها لسلطان القضاء؛ لأن احترام الأحكام القضائية جزء من استقلال القضاء بصفة عامة؛ باعتبار أن هذا الاستقلال ليس مجرد عاصم من جنوح السلطة التنفيذية يكفها عن التدخل في شئون العدالة، بل هو مدخل لسيادة القانون ولخضوع الدولة لأحكامه.
– الحكم في الدعوى- استحالة تنفيذ الأحكام– أثر ذلك.
الأصل في الأحكام أن تصدر لتكون قابلة للتنفيذ– مقتضى ذلك: إذا تيقن لدى القاضي لأسباب واقعية وموضوعية أنه يستحيل تنفيذ الحكم الذي يصدر في شأن المنازعة المطروحة؛ فإن حسن تطبيق العدالة يتطلب من المحكمة بما لها من ثاقب نظر وهيمنة على الدعوى وظروفها الواقعية ألا تقضي بإلغاء القرار محل المنازعة، لاسيما إذا كان التنفيذ البدلي متاحا وهو التعويض إن قامت موجباته وأركانه.
في يوم الأحد الموافق 13/7/2003 أقامت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنين الطعن الماثل بإيداع تقريره قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا طعنا في حكم محكمة القضاء الإداري بالمنصورة الصادر بجلسة 18/5/2003 في الدعوى رقم 2361 لسنة 19 ق القاضي في منطوقه بقبول الدعوى شكلا وبإلغاء القرار المطعون فيه.
وطلب الطاعنان –للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه, والقضاء مجدداً أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، واحتياطيا برفض الدعوى.
وقد أعلن تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعا.
وتدوول الطعن بالدائرة السادسة بالمحكمة الإدارية العليا “فحص وموضوع” إلى أن أحيل إلى هذه الدائرة للاختصاص حيث نظرته على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 1/7/2007 أودعت جهة الإدارة حافظة مستندات وبجلسة 10/11/2007 تقرر إصدار الحكم بجلسة 19/1/2008 وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة قانونا.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية, لذلك فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن المطعون ضدهم الأول والثاني والثالث أقاموا بتاريخ 29/9/1997 أمام محكمة القضاء الإداري الدعوى رقم 2361 لسنة 19 ق بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 248 لسنة 1997 الصادر بإنهاء تخصيص الأراضي المنزوعة ملكيتها بقرار رئيس الجمهورية رقم 161 لسنة 1969 لتنفيذ مشروع المجمع الصناعي للصناعات الخفيفة بمدينة المنصورة ومساحتها 40 فدانا و 14 قيراطا و 3 أسهم وتخصيصها للمشروعات المقامة عليها بالفعل. وذكر المدعون (المطعون ضدهم) أنهم يملكون ضمن المساحة المذكورة مساحة مقدراها فدانان، وقد صدر حكم عن محكمة استئناف المنصورة في الاستئناف رقم 1272 لسنة 40 ق ببطلان نزع الملكية وتسليم الأرض لهم وبذلك أصبحت الأرض غير مملوكة للدولة ولا يجوز تخصيصها للمشروعات المقامة عليها.
وبجلسة 18/5/2003 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء القرار المطعون فيه، مشيدة قضاءها على أن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة لا سند له من القانون؛ لأن قيام المدعين بالمنازعة في التعويض جاء حفاظاً على حقوقهم ولا يعني ارتضاءهم نزع الملكية، ومن ثم ما زالت لهم صفة في الدعوى.
وبالنسبة للموضوع فإن قرار نزع الملكية صدر بتاريخ 28/1/1969 وأودعت نماذج نقل الملكية بتاريخ 7/8/1975 أي بعد أكثر من ثلاث سنوات مما يجعل القرار يسقط لأن المشروعات التي أقيمت على المساحة المنزوعة ملكيتها ليست هي المشروعات التي صدر القرار من أجل تنفيذها.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون؛ ذلك أن المطعون ضدهم قاموا بالتوقيع على عقود البيع الخاصة بالمساحة محل النزاع وتم تسجيل هذه العقود بأرقام 3123 و 3124 و 3125 لسنة 1972 وقاموا بصرف التعويض المستحق لهم عن نزع الملكية بالاستمارات أرقام 482 و 483 و 484 بتاريخ 27/7/1972 وتم صرف الفروق الناتجة عن الطعن في تقدير التعويض بالاستمارة رقم 276 بتاريخ 16/5/1976 وبذلك تكون المساحة قد انتقلت للدولة بموجب هذا البيع بغض النظر عن قرار نزع الملكية.
وعن الموضوع فإن المساحة مقام عليها بالفعل مشروعات عامة تتمثل في مبان للقوات المسلحة وجراج محافظة الدقهلية ومبنى حي غرب المنصورة ومحطة الخلط الإسفلتية وبذلك قد أصبحت بالفعل من الأموال العامة طبقا لأحكام المادة 87 من القانون المدني.
ومن حيث إن الثابت بالأوراق أنه صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 161 لسنة 1969 باعتبار مشروع المجمع الصناعي للصناعات الخفيفة بمدينة المنصورة من أعمال المنفعة العامة والاستيلاء بطريق التنفيذ المباشر على الأرض اللازمة والبالغة مساحتها 40 فداناً و 14 قيراطاً و 3 أسهم، تدخل ضمنها المساحة محل المنازعة في الطعن الماثل ولم يتم تنفيذ المشروع – حسبما جاء بالمذكرة المعروضة على رئيس الجمهورية والمنشورة رفق قرار رئيس الجمهورية رقم 348 لسنة 1997– نظراً لتعدي بعض الجهات الحكومية على المساحة المذكورة؛ لذلك صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 348 لسنة 1997 بإنهاء تخصيص الأراضي المذكورة لإنشاء المجمع الصناعي للصناعات الخفيفة وتخصيصها للمشروعات الإدارية المقامة عليها بالفعل.
ومن حيث إن الثابت أنه صدر حكم محكمة استئناف المنصورة بجلسة 23/6/1993 في الاستئناف رقم 1272 لسنة 40 ق المقام من المطعون ضدهم الأول والثاني والثالث بتسليم المستأنفين الأطيان الموضحة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى وهي المساحة محل المنازعة وذلك استناداً إلى عدم ثبوت دخول هذه المساحة التي نزعت ملكيتها بالقرار رقم 161 لسنة 1969 –حسبما جاء بالحكم– في مشروعات تم تنفيذها خلال السنتين التاليتين لصدور قرار المنفعة العامة، ولم تحدد جلسة لنظر الطعن فيه أمام محكمة النقض كما هو ثابت من حافظة المستندات المقدمة من جهة الإدارة.
ومن حيث إن المنازعة لم تعد –بصدور حكم محكمة استئناف المنصورة المشار إليه – تتعلق بمخاصمة قرار رئيس الجمهورية رقم 161 لسنة 1969 وإنما تتعلق بقرار رئيس الجمهورية رقم 248 لسنة 1997 الذي صدر بالمخالفة لحجية الحكم المذكور الذي قضى صراحة بتسليم الأرض إلى أصحابها, ولا ريب أن حجية الأحكام تسمو على أي اعتبارات أخرى، باعتبار أن النزول على حجية الأحكام واحترامها والحفاظ على هيبتها هي الضمانة الحقيقة لإقامة دولة قانونية يخضع الجميع فيها لسلطان القضاء، باعتبار أن احترام الأحكام القضائية جزء من استقلال القضاء بصفة عامة باعتبار أن هذا الاستقلال كما تواترت عليه أحكام هذه المحكمة وأحكام المحكمة الدستورية العليا ليس مجرد عاصم من جنوح السلطة التنفيذية يكفها عن التدخل في شئون العدالة بل هو مدخل لسيادة القانون ولخضوع الدولة لأحكامه.
ومن حيث إن صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 248 لسنة 1997 محل المنازعة تلا صدور الحكم المشار إليه فإنه من ناحية أخرى فإن الثابت من الأوراق أن عدة جهات إدارية تشغل المساحة محل هذا القرار منذ سنوات عديدة، مما يستحيل معه واقعاً إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل صدور قرارات تخصيص المساحة المذكورة لمشروعات المنفعة العامة، مما يكون معه صدور حكم بإلغاء قرار رئيس الجمهورية لا جدوى منه لاستحالة تنفيذه وإن الأحكام إنما تصدر لتكون قابلة للتنفيذ فإن تيقن لدى القاضي لأسباب واقعية وموضوعية أنه يستحيل تنفيذ الحكم الذي يصدر في شأن المنازعة المطروحة فإن حسن تطبيق العدالة يتطلب من المحكمة بما لها من ثاقب نظر وهيمنة على الدعوى وظروفها الواقعية ألا تقضي بإلغاء القرار محل المنازعة، لا سيما إذا كان التنفيذ البدلي متاحاً وهو التعويض إن قامت موجباته وأركانه. وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء القرار المطعون فيه فإنه يكون مخالفا للمبادئ المتقدمة، مما يتعين معه القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى دون إخلال بحق أصحاب الشأن في إقامة دعوى للمطالبة بالتعويض متى توافرت أركانه.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم مصروفاتها.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضدهم المصروفات.