جلسة 20 من فبراير سنة 2008
(الدائرة السادسة)
الطعن رقم 11882 لسنة 48 القضائية عليا.
– صور قيام المسئولية الإدارية– الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي.
مناط توافر مسئولية الجهة الإدارية عن الأضرار التي تحدثها قراراتها الإدارية غير المشروعة يقوم على ثلاثة أركان: الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما- يتوافر الخطأ بصدور قرار إداري مشوب بعيب أو أكثر من عيوب القرار الإداري، وهي عيب مخالفة القانون أو اللوائح، والخطأ في تطبيقها وتفسيرها وتأويلها، وعيب عدم الاختصاص، وعيب انعدام السبب، وعيب انعدام الباعث، وعيب إساءة السلطة أو التعسف في استعمالها– يتوافر ركن الضرر إذا ترتبت على هذا القرار المعيب أضرار مادية أو معنوية أو أدبية تلحق بذوي الشأن– يتوافر ركن علاقة السببية إذا كان القرار المعيب هو السبب في تلك الأضرار– مؤدى ذلك: توافر الأركان الثلاثة يترتب عليه انعقاد المسئولية التقصيرية في حق الجهة الإدارية مصدرة هذا القرار المعيب– أثر ذلك: تلتزم هذه الجهة بالتعويض الجابر لتلك الأضرار التي حاقت بالمضرور– تتحقق المسئولية الإدارية في حالة امتناع الجهة الإدارية عن تنفيذ حكم قضائي نهائي- تطبيق.
في يوم الثلاثاء الموافق 30/7/2002 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن، قيد بجدولها برقم 11882 لسنة 48 ق.ع في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة السادسة) بجلسة 2/6/2002 في الدعوى رقم 4162 لسنة 44 قضائية، الذي قضى بإلزام المدعى عليه بصفته (وزير الدفاع) بأن يؤدي للمدعي (المطعون ضده) مبلغا قدره خمسة وعشرون ألف جنيه، تعويضا له عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء صدور القرار بفصله من الكلية الحربية لاستنفاد مرات الرسوب في مادة التكاليف وكذا المصروفات.
وطلب الطاعن بصفته (وزير الدفاع) في تقرير طعنه ولما ورد به من أسباب تحديد أقرب جلسة ممكنة أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا لتأمر بصفة عاجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبإحالة الطعن إلى دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض دعوى التعويض، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا ورفضه موضوعا، وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
وتدوول نظر الطعن أمام الدائرة السادسة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا بجلسات المرافعة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حتى قررت تلك الدائرة إحالته إلى الدائرة السادسة موضوع بالمحكمة الإدارية العليا، التي نظرته بجلسات المرافعة أمامها على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 15/11/2006 قدم المطعون ضده مذكرة بدفاعه طلب فيها لما ورد بها من أسباب: الحكم برفض الطعن وإلزام وزارة الدفاع المصروفات. وبتاريخ 4/12/2006 قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها صممت فيها على طلباتها التي أوردتها بتقرير الطعن. وبجلسة 21/11/2007 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 20/2/2008 وصرحت بالاطلاع وتقديم مذكرات ومستندات خلال أربعة أسابيع. وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
من حيث إن السيد / وزير الدفاع يطلب الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم الصادر في الدعوى رقم 4162 لسنة 44 قضاء إداري القاهرة (الدائرة السادسة) بجلسة 2/6/2002 فيما قضى به من إلزام وزارة الدفاع بأن تؤدي للمدعي (المطعون ضده) مبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه تعويضا له عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به من جراء قرار وزارة الدفاع بفصله من الصف الرابع بالكلية الحربية لاستنفاده مرات الرسوب في مادة التكاليف. وبرفض هذه الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن عناصر هذه المنازعة تخلص –حسبما يبين من الأوراق– في أن المطعون ضده كان قد أقام ضد وزارة الدفاع الدعوى رقم 4162 لسنة 44 قضاء إداري القاهرة بتاريخ 9/4/1990، طلب في ختام عريضتها الحكم بقبولها شكلا، وفي الموضوع بإلزام المدعى عليه (وزارة الدفاع) بأن يؤدي له مبلغ خمسين ألف جنيه تعويضا له عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء قرار وزارة الدفاع بفصله من الصف الرابع بالكلية الحربية بتاريخ 17/8/1985، وذلك بذريعة استنفاده مرات الرسوب في مادة التكاليف وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال المدعي (المطعون ضده) شرحا لدعواه: إنه حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1979، والتحق بالكلية الحربية وتدرج في سنوات الدراسة بها حتى وصل إلى الفرقة الرابعة (النهائية) في العام الدراسي 1984/1985، واجتاز امتحانات نهاية هذا العام بنجاح، إلا أنه قصر في مادة التكاليف، وقد فوجئ بصدور قرار مجلس الكلية الحربية في 17/8/1985 بفصله من قوة طلبة الكلية بزعم استنفاده مرات الرسوب. ونظرا إلى أنه لم يرتض هذا القرار فقد طعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بالدعوى رقم 1887 لسنة 40 قضائية، وطلب في عريضتها ولما أورده بها من أسباب الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار فصله من الكلية الحربية مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبجلسة 6/3/1986 قضت المحكمة المذكورة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الدفاع مصروفات هذا الطلب. وشيدت تلك المحكمة هذا القضاء على الأسباب التي أوردتها بالحكم. ونظرا إلى أن وزارة الدفاع لم ترتض الحكم الصادر بوقف تنفيذ قرار الفصل المطعون فيه فقد طعنت عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 2846 لسنة 32 ق . ع، وطلبت في تقرير طعنها تحديد أقرب جلسة ممكنة أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا لتأمر بصفة عاجلة بوقف تنفيذ الحكم سالف الذكر، وبإحالة الطعن إلى دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ قرار الفصل، وإلزام المطعون ضده المصروفات. وبجلسة 15/1/1990 قضت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بإجماع الآراء برفض الطعن وإلزام وزارة الدفاع المصروفات.
ثم أعدت هيئة مفوضي الدولة أمام محكمة القضاء الإداري تقريرا بالرأي القانوني في طلب إلغاء قرار الفصل في الدعوى رقم 1887 لسنة 40ق، ارتأت فيه الحكم بإلغاء هذا القرار وإلزام وزارة الدفاع المصروفات. وأصدرت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 6/1/1999 حكمها في الطلب سالف الذكر الذي قضى بإلغاء قرار فصل المدعي من الكلية الحربية مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام وزارة الدفاع مصروفات هذا الطلب، وذلك للأسباب التي شيدت عليها قضاءها.
وأضاف المطعون ضده أنه نظرا لعدم قيام وزارة الدفاع بتنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 1887 لسنة 40ق بجلسة 6/3/1986 بوقف تنفيذ قرار فصله من الكلية الحربية رغم رفض الطعن المقام عليه من وزارة الدفاع ضده (الطالب المذكور) أمام المحكمة الإدارية العليا برقم 2846 لسنة 32 ق . ع بإجماع الآراء بدائرة فحص الطعون بجلسة 15/1/1990، وكذلك نظرا إلى عدم قيام تلك الوزارة بتنفيذ الحكم الصادر في ذات الدعوى سالفة الذكر بجلسة 6/1/1999 بإلغاء القرار المشار إليه رغم عدم طعن وزارة الدفاع فيه وصيرورته نهائيا؛ فقد أقام الطالب المذكور ضد الوزارة المذكورة الدعوى رقم 4162 لسنة 44 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طالبا الحكم بقبولها شكلا، وبإلزام الوزارة المذكورة بأن تؤدي له تعويضا قدره خمسون ألف جنيه عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به من جراء صدور القرار بفصله من الكلية المذكورة؛ لثبوت الخطأ في جانب تلك الجهة الإدارية بالحكم الصادر بإلغائه وصيرورة هذا الحكم نهائيا، وكذلك لتوافر أركان المسئولية التقصيرية في حق تلك الجهة بإصداره، وعدم تنفيذ الحكمين الصادرين عن محكمة القضاء الإداري في الدعوى سالفة الذكر بوقف تنفيذه وإلغائه.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في دعوى التعويض سالفة الذكر ارتأت فيه الحكم بإلزام وزارة الدفاع أن تؤدي للمدعي (الطالب المذكور) التعويض المناسب الذي تقدره عدالة المحكمة جبراً للأضرار التي لحقت به وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وأصدرت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة السادسة) بجلسة 2/6/2002 حكمها في دعوى التعويض رقم 4162 لسنة 44 ق الذي قضى بإلزام وزارة الدفاع أن تؤدي للمدعي (المطعون ضده) مبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه، تعويضا عن الأضرار المادية والمعنوية والأدبية التي لحقت به من جراء إصدارها لقرار فصله من الكلية الحربية وامتناعها عن تنفيذ الحكمين الصادرين بوقف تنفيذه وإلغائه وكذا المصروفات. وقد شيدت محكمة القضاء الإداري حكمها بالتعويض على أساس توافر أركان المسئولية التقصيرية في حق الجهة الإدارية وذلك على النحو الذي سطره هذا الحكم.
ونظرا إلى أن هذا الحكم لم يلق قبولا من جانب وزارة الدفاع فقد طعنت عليه بالطعن الماثل، ناعية عليه مخالفته للقانون وأنه مشوب بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وذلك على النحو الذي أوردته بتقرير الطعن. وقد اختتمت هذا التقرير بطلباتها سالفة البيان.
ومن حيث إن المسلم به في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن مناط توافر مسئولية الجهة الإدارية عن الأضرار التي تحدثها قراراتها الإدارية غير المشروعة يقوم على ثلاثة أركان: الخطأ والضرر وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر. ويتوافر الخطأ بصدور قرار إداري مشوب بعيب أو أكثر من عيوب القرار الإداري، وهي عيب مخالفة القانون أو اللوائح والخطأ في تطبيقها وتفسيرها وتأويلها وعيب عدم الاختصاص وعيب انعدام السبب وعيب انعدام الباعث وعيب إساءة السلطة أو التعسف في استعمالها. ويتوافر ركن الضرر بأن يترتب على هذا القرار المعيب أضرار مادية أو معنوية أو أدبية تلحق بذي الشأن من وراء هذا القرار المعيب. ويتوافر ركن علاقة السببية في أن يكون هذا القرار المعيب هو السبب في تلك الأضرار. فإذا توافرت تلك الأركان الثلاثة انعقدت المسئولية التقصيرية في حق الجهة الإدارية مصدرة هذا القرار المعيب، وحق إلزامها التعويض الجابر لتلك الأضرار التي حاقت بالمضرور.
ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم على الطعن الماثل، ولما كان الثابت من الأوراق أن وزارة الدفاع قد أصدرت قرارها بفصل المطعون ضده من الفرقة الرابعة من الكلية الحربية وذلك بحجة استنفاده مرات الرسوب في مادة التكاليف، وذلك بموجب قرار مجلس الكلية الحربية الصادر باجتماعه رقم 119 في 17/7/1985. وقد طعن الطالب المفصول في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بالدعوى رقم 1887 لسنة 40 ق، طالبا الحكم بوقف تنفيذه وإلغائه. وقد قضت تلك المحكمة بجلسة 6/3/1986 بوقف تنفيذ هذا القرار، ثم قضت بجلسة 6/1/1999 بإلغائه؛ وذلك لثبوت مخالفته للقانون واتسامه بعيب إساءة استعمال السلطة مع ما يترتب على ذلك من آثار، وأصبح هذا الحكم نهائيا وباتا بعدم الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا خلال الميعاد المقرر للطعن أمامها في أحكام محكمة القضاء الإداري، ومن ثم فإنه إعمالا لحجية هذا الحكم يتوافر ركن الخطأ في حق الجهة الإدارية بإصدارها لذلك القرار الذي تأكد عدم مشروعيته ومخالفته للقانون واتسامه بعيب إساءة استعمال السلطة بموجب الحكم الصادر بإلغائه في الدعوى سالفة الذكر وصيرورة هذا الحكم نهائيا وباتا على النحو المشار إليه، وكان يتعين على وزارة الدفاع احتراما لحجية الحكم الصادر بوقف تنفيذ هذا القرار وصيرورته نهائيا برفض الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 2846 لسنة 32 ق .ع، وكذا احتراما لحجية الحكم الذي قضى بإلغائه في الدعوى سالفة الذكر وصيرورة هذا الحكم نهائيا وباتا بعدم الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا؛ أن تبادر وتهم بتنفيذ هذه الأحكام القضائية، وتعيد الطالب المذكور إلى دراسته بالكلية لاستكمالها، ولكنها ضربت بتلك الأحكام عرض الحائط، وناءت بجانبها عنها. وإنه من المؤكد فقد ترتب على ذلك التجاهل ضياع سنوات الدارسة التي قضاها المطعون ضده في تلك الكلية، وما ترتب عليه من حرمانه من استكمال دراسته بها وما كان ينتظره من تخرجه ضابطا بالقوات المسلحة، خصوصا وأنه كان على وشك التخرج منها، وانسلاخه في شرف خدمة القوات المسلحة ،كما ترتب أيضا على هذا المسلك حرمانه من التدرج في رتبها لأعلى الرتب، وكذلك حرمانه من المستوى الاجتماعي الذي كان يتوقعه ويحلم به، كما ترتب على المسلك المخالف المشار إليه شعور المطعون ضده بالمرارة والحزن والأسى على ضياع كل ما تقدم بسبب القرار المطعون فيه، الأمر الذي يتوافر به ركن الضرر المتطلب كأحد الأركان الثلاثة لمسئولية وزارة الدفاع التقصيرية. وإنه مما لا شك أن هذا المسلك غير المشروع لتلك الوزارة وإصدارها لقرار فصل المطعون ضده من تلك الكلية كان هو السبب الوحيد لتلك الأضرار، وبذلك يتوافر ركن علاقة السببية بين هذا القرار وذلك الضرر، الأمر الذي يتوافر به في حق تلك الوزارة أركان المسئولية التقصيرية الموجبة لإلزامها بتعويض المطعون ضده (الطالب المذكور) عن تلك الأضرار، وهو ما تقدره المحكمة بمبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه، تعويضا جابرا لجميع الأضرار التي لحقته من جراء قرار فصله من الكلية الحربية غير المشروع والمخالف للقانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى بذلك فإنه يكون قد صدر سليما مطابقا للقانون، ولا مطعن عليه ويضحى الطعن عليه فاقدا سنده خليقا بالرفض.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.