جلسة 6 من إبريل سنة 2013
الطعن رقم 12251 لسنة 57 القضائية (عليا)
(دائرة توحيد المبادئ)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد عبد الحميد مسعود
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضـويــة الســــادة الأسـاتــذة المستشـارين/ يحيى أحمد راغب دكروري وعبد الله عامر إبراهيم سليمان ومحمد عبد العظيم محمود سليمان وفايز شكري حنين ود. عبد الفتاح صبري أبو الليل ومحمد عبد الحميد عبد اللطيف إبراهيم وربيع عبد المعطي أحمد الشبراوي ولبيب حليم لبيب ومحمود محمد صبحي العطار وحسن كمال محمد أبو زيد شلال.
نواب رئيس مجلس الدولة
طبيعتها- كما أن النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية، فهي في الوقت نفسه شعبة من السلطة الإدارية- ما تتولاه من أعمال وما تقوم به من تصرفات على وفق نصوص حاكمة لذلك بقانون الإجراءات الجنائية هو أعمال وتصرفات قضائية، تقوم بها وتتخذها بحسبانها شعبة من السلطة القضائية، أما ما تتخذه من قرارات خارج نطاق هذه النصوص، فيعوزه السند لإسباغ الصفة القضائية عليه في جميع الأحوال، وعلى وجه الخصوص حينما يكون من اللازم صدور تشريع ينظم كيفية وحدود إصدار مثل هذه القرارات.
حرية التنقل- الحرية الشخصية بجميع صنوف أوجه ممارستها، بما في ذلك حرية التنقل، سواء داخل البلاد أو إلى خارجها، مصونة ومكفولة دستوريا، بما تكون معه عصيةً على النيل منها بحرمانٍ، أو تقييدٍ لأوجه ممارستها بافتئاتٍ- حظر المشرع ما يؤدي بها إلى ذلك، مُضَيِّقا من ولوج أي طريق أو اتخاذ أي إجراء مآله تقييد الحرية، بما في ذلك منع الشخص من التنقل، إلا إذا كانت هناك ضرورة استلزمها التحقيق معه، صيانةً لأمن المجتمع، وبحيث يصدر بذلك أمر على وفق القـانون عن القاضي المختص أو النيابة العامة- قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نصي المادتين (8) و(11) من القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر، وسقوط نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996، استنادًا إلى أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة، وأن تقييدها دون مقتضٍ مشروع يجرد الحريـة الشخصية من بعض خصائصها، ويقوض صحيح بنيانها- يلزم إصدارُ تشريع لتنظيم الحق في التنقل ومغادرة البلاد، وما يستلزم الحدَّ مؤقتًا من ممارسة هذا الحق، هو أمرٌ ضروري، لاسيما أن النص الدستوري غير كافٍ للتطبيق بذاته.
– المادة (41) من دستور 1971.
– المادة (48) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس 2011.
– المادتان (35) و(42) من دستور 2012.
– المادتان (8) و(11) من القرار بقانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر، المعدَّل بموجب القرار بقانون رقم 78 لسنة 1967، (وقبل تعديله بالقانون 195 لسنة 2008).
– المادة (3) من قـرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996.
– حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 243 لسنة 21 ق. (دستورية) بجلسة 4/11/2000 بعدم دستورية نصي المادتين رقمي (8) و(11)([1]) من القرار بقانون رقم 97 لسنة 1959 المشار إليه، وبسقوط نص المادة (3) من قـرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996([2]).
ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة- تختص بالفصل في الدعاوى التي تقام طعنًا على القرارات الصادرة عن النيابة العامة بالمنع من السفر([3])– النيابة العامة لا تستنهض ولايتها في خصوص المنع من السفر إلا على وفق قانون ينظم جميع القواعد الشكلية والموضوعية المنظمة لإصدار قرار المنع من السفر- ما يصدر عن النيابة العامة من قرارات بالمنع من السفر يكون غير مصطبغ بالصبغة القضائية ريثما يصدر ذلك القانون.
– المادة (172) من دستور 1971.
– المادة (8) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس 2011.
– المادة (174) من دستور 2012.
([1]) كانت المادة (الثامنة) التي قُضِيَ بعدم دستوريتها، تنص على أن: “يُعيَّن بقرارٍ من وزير الداخلية بموافقة وزير الخارجية شكلُ جواز السفر ومدة صلاحيته وطريقة تجديده وشروط وإجراءات منحه وقيمة الرسوم التي تحصل عنه، بشرط ألا تجاوز مبلغ خمسة جنيهات، يُضاف إليها ثلاثة جنيهات رسم إضافي في حالة طلب صرف جواز السفر بصفة عاجلة، كما يُعيِّن القرارُ حالاتِ الإعفاء من الرسم الأصلي والرسم الإضافي كليا أو جزئيا”.
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في بحكمها المذكور بعدم دستورية نص هذه المادة فيما تضمنه من تخويل وزير الداخلية بموافقة وزير الخارجية سلطة تحديد شروط منح جواز السفر.
وقد استُبدل بنص هذه المادة -بموجب القانون رقم 195 لسنة 2008- النص الآتي: “يُعيَّن بقرارٍ من وزير الداخلية بموافقة وزير الخارجية شكلُ جواز السفر، ومدة صلاحيته، ومواصفاته، وقيمة الرسم الذي يُحصل عنه، بشرط ألا تجاوز مائتين وخمسين جنيهًا، وذلك بالإضافة إلى الرسوم المقررة بقوانين أخرى. ويُضاعف الرسمُ في حالة طلب استخراج جواز سفر بدل فاقد أو تالف. ويلتزم كل خاضعٍ لقانون الخدمة العسكرية والوطنية عند تقدمه لاستخراج جواز سفر، بتقديم ما يفيد أداءه الخدمة العسكرية أو إعفاءه منها وفقًا للقانون… ولا يجوز لأي سببٍ إضافة أي شخصٍ آخر إلى جواز السفر المقروء آليا”.
وكانت المادة (11) التي قُضِيَ بعدم دستوريتها بالحكم المذكور تنص على أنه: “يجوز بقرارٍ من وزير الداخلية لأسبابٍ هامة يقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده، كما يجوز له سحب الجواز بعد إعطائه”.
([2]) كانت المادة (3) من هذا القرار التي قُضي بسقوطها بالحكم المذكور تنص على أن: “يكون منحُ الزوجة جوازِ سفر أو تجديده بعد تقديم موافقة زوجها على سفرها إلى الخارج, كما يجب تقديم موافقة الممثل القانوني لغير كامل الأهلية على استخراج جواز السفر أو تجديده، وفي الحالتين تعتبر الموافقة على= =استخراج جواز السفر أو تجديده تصريحًا بالسفر طوال مدة صلاحية الجواز. ولا يكون إلغاءُ الموافقة إلا بإقرارٍ من الزوج أو الممثل القانوني بعد التحقق من شخصيته وصحة صدور الإقرار منه أمام الموظف المختص بمصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية وفروعها, أو أمام القنصليات المصرية بالخارج, ويجب وصولُ هذا الإقرار إلى المصلحة المذكورة أو فروعها قبل السفر بوقتٍ مناسب”.
([3]) على خلاف هذا النظر، قضت المحكمة الدستورية العليا لاحقًا بجلسة 13/6/2015 في القضية رقم 40 لسنة 27ق (تنازع) بتعيين جهة القضاء العادي جهةً مختصة بنظر التظلم من قرارات النائب العام بالمنع من السفر.
وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها أن القرار الصادر عن النائب العام بمنع متهمٍ من السفر بمناسبة التحقيقات التي تجريها النيابة العامة يعد إجراءً قضائيا من الإجراءات الجنائية التي تباشرها النيابة العامة، ومن ثم تكون جهة القضاء العادي (التي ناط بها المشرع الاختصاص بالفصل في الدعاوى الجنائية) هي الجهة المختصة بنظر المنازعة التي تُثار بشأن ذلك القرار؛ لأنه وإذ صدر عن النيابة العامة في شأن منازعة جنائية؛ فإن جهة القضاء العادي تكون هي المختصة بنظر الطعن عليه؛ لأنها صاحبة الولاية العامة بالفصل في كافة المنازعات والجرائم عدا ما تختص به محاكم مجلس الدولة، ولأن المحكمة المختصة بالفصل في أصل النـزاع تكون هي المختصة بنظر ما يتفرع عنه من منازعات؛ جمعًا لأواصر المنازعة، وحرصًا على عدم تقطيع أوصالها بين جهات قضائية مختلفة.
وأكدت المحكمة أنه لا ينال من هذا القول بأن القرارات الصادرة عن النائب العام بمنع متهمٍ من السفر بمناسبة التحقيقات التي تجريها يعوزها السند القانوني الذي ينظم هذه القرارات ويحدد إجراءات الطعن عليها؛ لأن تقاعس المشرع العادي عن إصدار هذا التشريع لا يغير من الطبيعة القضائية لتلك القرارات= =وأنه لا يسوغ بحالٍ إسنادُ الفصل في المنازعات التي تثيرها تلك القرارات إلى محاكم مجلس الدولة، الذي حددت الدساتير المتعاقبة اختصاصه حصرًا في المنازعات الإدارية باعتباره قاضيها الأصيل.
فى يوم الأربعاء الموافق 19/1/2011 أودع الأستاذ/… المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن قيد بجدولها العام برقم 12251 لسنة 57 القضائية عليا، وذلك فى الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى) بجلسة 28/12/2010 فى الدعوى رقم 22257 لسنة 64 ق.، الذي قضى (أولا): برفض الدفع المبدي بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وباختصاصها.
(ثانيا): بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب.
وطلب الطاعن -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا- بصفة مستعجلة- بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، على أن يكون التنفيذ بمسودة الحكم الأصلية، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وعينت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون (الدائرة الأولى) جلسة 21/2/2011، وتدوول نظره على النحو الموضح بمحاضر الجلسات، وبجلسة 16/5/2011 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مُسببًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة جنايات القاهرة، مع إبقاء الفصل فى المصروفات.
وحددت لنظر الطعن ثانية أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3/7/2011، وفيها قررت إصدار الحكم بجلسة 24/9/2011، حيث قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى “موضوع” لنظره بجلسة 12/11/2011، وتدوول نظره أمام هذه الدائرة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 9/6/2012 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة طبقًا للمادة (54 مكررًا) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 المعدَّل بالقانون رقم 136 لسنة 1984، حيث إن هناك تعارضًا بين أحكام الدائرة فيما يتعلق باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعاوى التى تقام طعنًا على القرارات التى يصدرها النائب العام بمنع بعض المواطنين من السفر، حيث ذهبت فى بعض أحكامها -بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 243 لسنة 21ق. دستورية بجلسة 4/11/2000 بعدم دستورية نصي المادتين رقمي (8) و(11) من القرار بقانون رقم 97 لسنة 1959 فى شأن جوازات السفر، وبسقوط نص المادة (3) من قـرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996- إلى عدم اختصاصه ولائيا بنظر مثل هذه الدعاوى، كما هو الشأن فى أحكامها الصادرة فى الطعون أرقام 4588 و5190 لسنة 47ق.ع بجلسة 22/2/2003 و4248 لسنة 47ق.ع بجلسة 9/3/2002، و3216 لسنة 47ق.ع بجلسة 8/11/2003، و9359 لسنة 47ق.ع بجلسة 15/5/2004، و8791 لسنة 47ق.ع بجلسة 3/7/2004.
بينما ذهبت فى بعض الأحكام الأخرى إلى اختصاصه بنظرها، ومن هذه الأحكام: الحكم الصادر فى الطعن رقم 10932 لسنة 47ق.ع بجلسة 1/1/2005، والحكم في الطعن رقم 305 لسنة 48ق.ع بجلسة 4/2/2006.
وعينت لنظر الطعن أمام دائرة توحيد المبادئ جلسة 1/7/2012، وتدوول نظره على وفق الثابت بمحاضر الجلسات، حيث أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعاوى التى تقام طعنًا على القرارات الصادرة عن النائب العام بالمنع من السفر، مع إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على هذا الأساس، وقدم خلالها الحاضر عن الطاعن مذكرة دفاع وحافظتي مستندات، وبجلسة 1/12/2012 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 2/3/2013، وبهذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل الحكم لجلسة 6/4/2013 لإتمام المداولة، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- فى أنه بتاريخ 13/3/2010 أقيمت الدعوى رقم 22257 لسنة 64ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري فى هذا التاريخ وطلب المدعي (الطاعن) فى ختامها الحكم بقبولها شكلا، وبصفة مستعجلة وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها رفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر، وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار مع إلزام المدعي عليهما (المطعون ضدهما الأول والثاني) المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة على أن ينفذ الحكم بمسودته.
وقال المدعي شارحًا دعواه إنه بتاريخ 2/3/2010 أصدر المدعى عليه الأول (النائب العام) قرارًا بمنعه من السفر وإدراج اسمه على قوائم الممنوعين من السفر استنادًا إلى المحضر رقم 156 لسنة 2007 حصر أموال عامة، وقد تقدم بتظلم من هذا القرار، إلا أنه لم يتم البت فيه حتى إقامة هذه الدعوى، ونعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفة القانون؛ على سند من القول بأنه بالرجوع إلى المحضر المشار إليه، يتبين أنه قيد برقم 2127 لسنة 2007 جنايات عابدين المقيد برقم 76 لسنة 2007 جنايات وسط القاهرة، وقد تدوولت هذه الجناية أمام المحكمة وحضر المدعي أمامها وكانت تخلى سبيله ولم تأمـر بمنعه من السفر، وبذلك يكون القرار الطعين متعارضًا مع مسلك محكمة الجنايات المختصة بنظر القضية سبب المنع من السفر، كما أن المدعي قد حصل على حكم من الجمهورية الفرنسية برقم 6386 ف/6 صادر عن مجلس الفصل فى المنازعات بين أرباب العمل ومستخدميهم فى باريس بتاريخ 4/9/2009 بأحقيته فى الحصول على راتبين من فرع شركة مصر للسياحة بباريس وشركة مصر فوياج فى الوقت نفسه، وأحقيته فى التعويضات والرواتب المتأخرة، وهو ما يؤكد عدم صحة اتهامه فى المحضر المشار إليه، وجميع ذلك يصم القرار الطعين بمخالفة القانون؛ لعدم قيامه على سبب صحيح، فضلا عن تعارضه مع أحكام الاتفاقيات الدولية وما كفله الدستور المصري من حرية التنقل والسفر.
…………………………………………………………….
وتدوول نظر الشق العاجل من الدعوى على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 28/12/2010 صدر الحكم (أولا) برفض الدفع المبدي بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وباختصاصها. (ثانيا) بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب.
وشيدت المحكمة قضاءها فيما يتعلق بالدفع المبدي بشأن عدم اختصاص المحكمة، على أساس أن نعت القرار المطعون فيه بأنه قرار قضائي أمر يخالف طبائع الأمور، ذلك أن اتصال المحكمة الجنائية بالدعوى الجنائية لا يكون إلا بعد تصرف النيابة العامة فى التحقيقات، ويستحيل عملا قياس حالة المنع من السفر أو الإدراج من النيابة العامة (وهو محض عمل إداري) على بما يصدر عنها من أوامر بالحبس الاحتياطي التى نظمها المشرع وبيَّن طرق الطعن فيها، ومن ثم فإنه إزاء هذه الطبيعة الإدارية لقرارات النائب العام بالمنع من السفر والإدراج، يكون القضاء الإداري صاحب الاختصاص بمراقبة مشروعيتها، بالإضافة إلى وجود فراغ تشريعي لتنظيم المنع من السفر بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4/11/2000 فى القضية رقم 243 لسنة 21ق. دستورية، ومن ثم فإن ما يصدر من قرارات تتعلق بالمنع من السفر -أيا كانت سلطة إصدارها- يخضع لرقابة المشروعية التى يباشرها القضاء الإداري؛ لوزنها بميزان القضاء الذي يهدف إلى تحقيق الموازنة بين المصلحة العامة وحريات الأفراد، وذلك إلى حين صدور قانون ينظم حالات المنع من السفر ويبين شروطه وإجراءاته. أما فيما يتعلق بركن الجدية بشأن وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فقد أقام الحكم قضاءه على أساس أن البين من ظاهر الأوراق أن المدعي قد أجري معه تحقيق فى المحضر رقم 156 لسنة 2007 حصر أموال عامة عليا؛ لِما نسب إليه من الاستيلاء بغير حق على المبالغ المالية المبينة بالمحضر والمملوكة لجهة عمله، وقد قيدت الدعوى برقم 2127 لسنة 2007 جنايات عابدين، والمقيدة برقم 76 لسنة 2007 كلى وسط القاهرة، وبرقم 66 لسنة 2007 جنايات أموال عامة عليا، وما زالت متداولة أمام المحكمة، ومتى كان الأمر على هذا النحو، فإن منع المدعي من السفر للخارج يكون قد اقتضته ضرورة استكمال محاكمة المدعي فى القضية المذكورة، والتي لم تكشف الأوراق أو يقدم المدعي ما يفيد انتهاء محاكمته، ويكون القرار الصادر بذلك قد قـام على سببه المسوغ له قانونًا، وجاء متفقًا مع صحيح حكم القانون، الأمـر الذي ينتفي معـه ركـن الجدية فى طلب وقف تنفيذه، مما يتعين معه القضاء برفضه، ودون حاجة لبحث ركن الاستعجال لعدم جدواه.
…………………………………………………………….
وإذ لم يرتضِ الطاعن هذا الحكم، أقام طعنه الماثل على أسباب محصلها أن السبب الذي أقيم عليه قرار منعه من السفر، والذي أقام عليه أيضًا الحكم المطعون فيه قضاءه، قد زال بانتهاء محاكمته، حيث صدر الحكم حضوريا فى القضية رقم 2127 لسنة 2007 جنايات عابدين المقيدة برقم 76 لسنة 2007 كلى وسط القاهرة بجلسة 5/1/2011 بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة، وبرد مبلغ 185351,11 يورو أو ما يعادله بالجنيه المصري وبتغريمه بمبلغ مساوٍ لِما قُضي عليه برده، وأمرت المحكمة بوقف تنفيذ عقوبة الحبس والغرامة وقفًا شاملا لمدة ثلاث سنوات، وهو الأمر الذي يفقد قرار المنع من السفر شرطًا من أهم شروطه، وهو الخشية من هروب الطاعن، وأما فيما يتعلق برد المبلغ المقضي به، فإن الحكم مطعون عليه أمام محكمة النقض، وأن هذا الذي قضى به الحكم نوع من التعويضات المدنية التكميلية للحكم الجنائي يتم تنفيذه على وفق اللوائح والقوانين بشأن تنفيذ الدين المدني، فضلا عن أن الطاعن له موطن معلوم بالجمهورية الفرنسية تعلمه الشركة التى كان يعمل بها، كما أنه يملك عقارات وأطيانًا بجمهورية مصر العربية تغطي قيمة المبلغ المقضي برده، يُضاف إلى ذلك أن قرار المنع من السفر المطعون فيه باطل لمخالفته المادة (208) من قانون الإجراءات الجنائية، كما أنه صدر بعد انتهاء التحقيقات فى الاتهام وإحالته إلى محكمة الجنايات وحضوره جلسات المحاكمة، بما تنحسر معه سلطة النائب العام فى إصدار قرار منعه من السفر، الأمر الذي يتوفر معه ركن الجدية فى طلب وقف التنفيذ خلاف ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه.
…………………………………………………………….
وحيث إن جوهر الإحالة إلى هذه الدائرة ينحصر فى الترجيح بين اتجاهين للدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، فيما صدر عنها من أحكام بشأن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الأنزعة المتعلقة بإلغاء قرارات المنع من السفر إلى الخارج، والتي تصدر عن النائب العام، لاسيما بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 243 لسنة 21ق. دستورية بجلسة 4/11/2000، بعدم دستورية نصي المادتين (8 و11) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 فى شأن جوازات السفر، وبسقوط نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 الصادر تنفيذًا لبعض أحكام ذلك القرار بالقانون، حيث ذهب أحد الاتجاهين إلى عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعاوى التى تقام طعنًا بالإلغاء فى مثل هذه القرارات؛ على أساس أن النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية تتولى أعمالا قضائية أهمها وظيفة التحقيق التى ورثتها عن قاضي التحقيق، ثم وظيفة الاتهام أمام المحاكم الجنائية، حيث يتعين تمثيلها فى تشكيل هذه المحاكم وإلا كان قضاؤها باطلا، وهذا هو ما أكدته المحكمة العليا (الدستورية) فى قرارها التفسيري فى طلب التفسير رقم 15 لسنة 8ق. بجلسة 1/4/1978، ومن ثم فإن القرارات والإجراءات التى تتخذها النيابة العامة بحكم وظيفتها القضائية تعد من الأعمال القضائية، وهى المتعلقة بإجراءات التحقيق والاتهام، كالقبض على المتهم، وتفتيشه وتفتيش منـزله، وحبسه احتياطيا، والتصرف فى التحقيق، سواء برفع الدعوى العمومية ومباشرتها، أم بالتقرير بألا وجه لإقامتها، أم بحفظ التحقيق مؤقتًا، إلى غير ذلك من الإجراءات والاختصاصات المخولة لها قانونًا، وقد خولها الدستور سلطة المنع من التنقل، كالمنع من السفر إلى خارج البلاد إذا ما استلزمت ضرورة التحقيق ذلك، وبالتالي تكون القرارات التى تصدر عن النيابة العامة قرارات أو أوامر قضائية وليست قرارات إدارية؛ لأن هذه القرارات تصدر عنها كسلطة تحقيق وبمناسبة التحقيق وبسببه، أيا كان وقت صدور القرار، فيستوي فى ذلك أن يصدر قبل بدء التحقيق مباشرة، أو أثناءه، أو عند أو بعد إحالة المتهم إلى المحكمة الجنائية المختصة، أو بعدها، مادام أنها قدَّرت إصدار القرار فى إطار اختصاصها القضائي، وإعمالا للسلطة المخولة لها فى ذلك، كما هو الشأن فى إجراءات التحقيق الأخرى، فتوقيت صدور القرار تقدره النيابة العامة باعتبارها السلطة القائمة بالتحقيق والاتهام، والأمينة على الدعوى العمومية، وهى التى تقدَّر ذلك، وليس من شأن هذا التوقيت أن يؤثر فى طبيعة القرار القضائية، ويتحول بسببه إلى قرار إداري. بينما ذهب الاتجاه الآخر إلى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر مثل تلك الدعاوى؛ على سند من أنه فى ضوء المبادئ الدستورية المتعلقة بالحرية الشخصية، ومن دروبها حرية التنقل والهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج، قضت المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 243 لسنة 21ق. دستورية المشار إليها، بعدم دستورية نصي المادتين (8) و(11) من القرار بقانون رقم 97 لسنة 1959 فى شأن جوازات السفر، وكذلك بسقوط نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996؛ استنادًا إلى أن حرية الانتقال تنخرط فى مصاف الحريات العامة، وأن تقييدها دون مقتضٍ مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها، ويقوض صحيح بنيانها، كما أن الدستور عهد إلى السلطة التشريعية وحدها تقدير هذا المقتضى، ولازم ذلك أن يكون الأصل هو حرية التنقل، والاستثناء هو المنع منه، وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاضٍ أو عضو نيابة عامة يعهد إليه القانون بذلك -كما هو نص المادة (41) من دستور 1971- وينظم هذا القانون القواعد الشكلية والموضوعية لإصدار الأمر بذلك، فى ضوء الضوابط التى وضع الدستور أصولها، وعلى هذا فإن أي نص يخالف هذه الأصول يعد منسوخًا حتمًا بقوة الدستور نفسه، باعتباره القانون الأسمى، وإنه لما كان ذلك، فإنه ولئن كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية، تتولى أعمالا قضائية، أهمها وظيفة التحقيق، ثم وظيفة الاتهام أمام المحاكم الجنائية، وأن القرارات والإجراءات التى تتخذها بحكم وظيفتها القضائية تعد من صميم الأعمال القضائية، إلا أن النيابة العامة لا تنهض ولايتها فى خصوص المنع من السفر إلا على وفق قانون ينظم القواعد الشكلية والموضوعية لإصدار قرارات بذلك، وأنه فى غياب هذا القانون، وفى ضوء ما قضت به المحكمة الدستورية العليا بحكمها المذكورة سالفًا، فلا تستنهض النيابة هذه الولاية ولا تقوم لها قائمة، ويكون ما تصدره النيابة فى هذا الشأن مجرد إجراء فاقد لسنده الدستوري والقانوني، مما تختص محاكم مجلس الدولة بمراقبته؛ باعتبارها صاحبة الولاية العامة فى المنازعات الإدارية، وذلك هو عين ما أكدته محكمة النقض فى الطعن رقم 2361 لسنة 55ق بجلسة 15/11/1988.
وحيث إن مقطع النـزاع حول المسألة القانونية المثارة، يتمثل فيما إذا كان الطعن فى قرار النيابة العامة الذي يصدر بمنع أيٍّ من المواطنين من السفـر إلى خارج البلاد- ومن ثم إدراجه على قوائم الممنوعين من السفر- مندرجًا ضمن تلك الطعون التى يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري- أصالة- بالفصل فيها، أم أنه غير مندرج ضمن هذه الطعون، وبالتالي لا يكون مجلس الدولة مختصًا ولائيا بالفصل فيه.
وحيث إن المادة (41) من دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 1971 تنص على أن: “الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وفقًا لأحكام القانون…”، وهو ذات ما نص عليه الإعلان الدستوري الصادر فى 30 من مارس 2011 فى المادة (8)، وتنص المادة (35) من الدستور الحالي الصادر عام 2012 على أنه: “فيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأي قيدٍ إلا بأمرٍ قضائي مُسبب يستلزمه التحقيق…”، وتنص المادة (42) منه على أن: “حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة. ولا يجوز بحالٍ إبعادُ أي مواطنٍ عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة الدولة، ولا فرض الإقامة الجبرية عليه إلا بأمرٍ قضائي مُسبب، ولمدة محددة”، وتنص المادة (172) من دستور 1971 على أن: “مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل فى المنازعات الإدارية وفى الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”، وهو ذات ما نصت عليه المادة (48) من الإعلان الدستوري المشار إليه، وتنص المادة (174) من الدستور الحالي على أن: “مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة؛ يختص دون غيره من جهات القضاء بالفصل فى كافة المنازعات الإدارية…، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”.
وحيث إن مقتضى ما سلف ذكره من نصوص أن الحرية الشخصية بجميع صنوف أوجه ممارستها، ودروب أوجُهِها، بما فى ذلك حرية التنقل، سواء داخل البلاد أو إلى خارجها، مصونةٌ ومكفولة دستوريا، بما تكون معه عصيةً على النيل منها بحرمانٍ، أو تقييدٍ لأوجه ممارستها بافتئاتٍ، حيث حظر المشرع ما يؤدي بها إلى أيٍّ مما ذُكر، مُضَيِّقًا من ولوج أي طريق أو اتخاذ أي إجراء مآله تقييد الحرية، بما فى ذلك منع الشخص من التنقل، إلا إذا كان ثمة ضرورةً استلزمها التحقيق معه صيانةً لأمن المجتمع، وبحيث يصدر بذلك على وفق أحكام القانون من القاضي المختص أو النيابة العامة، كما هو صريح نص المادة (41) المذكورة سالفًا، وهو ما تبناه الإعلان الدستوري الصادر فى 30 من مارس 2011، حيث جاء نص المادة (8) محاكيا نص هذه المادة، كما جاء نصا المادتين (35) و(42) من الدستور الحالي بنفس مضمون كل من هاتين المادتين، فيما يتعلق بصون وكفالة الحرية الشخصية وحظر تقييدها بأي قيد بما فى ذلك المنع من التنقل، إلا إذا استلزم ذلك التحقيق مع الشخص، على أن يكون المنع من السفر ومغادرة البلاد بأمرٍ قضائي مُسبب ولمدة محددة.
وحيث إنه فى ضـوء إعلاء شأن الحرية الشخصية دستوريا، وما انتهجه دستور 1971، ومرورًا بالإعلان الدستوري المنوه به، وانتهاء بالدستور الحالي، وترسمًا لخطاها جميعًا فيما رسخته من أن حرية الانتقال مُنخرِطةٌ فى مصاف الحريات العامة، لاسيما الحرية الشخصية، بما يجعل تقييدها دون مقتضٍ مشروع تجريدًا لهذه الحرية من بعض أوجه ممارستها بل من بعض خصائصها، فلا مندوحة- حتى لا يكون ثمة نيلٌ منها بانتقاصٍ أو حرمانٍ- من أن يكون ثمة قانونٌ مُنظِّم لموجبات تقييد حرية الشخص فى الانتقال ومغادرة البلاد بما لا يقوضها، ومُبيِّن لحدود استخدام سلطة المنع من التنقل، وموَضِّح لضمانات عدم استحالة إصدار الأمر بذلك إلى سلطة مطلقة عن الضوابط التى تنأى بها عن إساءة استعمالها، ومحدِّد لمدة المنع؛ حتى لا تستحيل مدة مطلقة عن التأقيت، خاصةً أن النيابة العامة التى وسد إليها المشرع الدستوري بالمادة (41) من دستور 1971 -وحاكاه فى ذلك الإعلان الدستوري على نحو ما سلف ذكره- كما أنها شعبة أصيلة من السلطة القضائية، هي فى الوقت نفسه شعبة من السلطة الإدارية، على وفق قضاء مستقر للمحكمة الإدارية العليا، وإذا كان ما تتولاه من أعمال وما تقوم به من تصرفات، على وفق نصوص حاكمة لذلك بقانون الإجراءات الجنائية، هو أعمال وتصرفات قضائية تقوم بها وتتخذها بحسبانها شعبة من السلطة القضائية، فإن ما تتخذه من قرارات خارج نطاق هذه النصوص يعوزه السند لإسباغ الصفة القضائية عليه فى جميع الأحوال، وعلى وجه الخصوص حينما يكون من اللازم صدور تشريع ينظم كيفية وحدود إصدار مثل هذه القرارات، كما هو الشأن بالنسبة لقرارات المنع من السفر، والتي استلزم المشرع الدستوري أن تصدر على وفق أحكام القانون، والذي لماّ يصدر حتى تاريخ العمل بالدستور الجديد، وأنه ليس ثمة تباين فيما سلف ذكره فى ظل الدستور الجديد الذيّن جاء نصا المادتين (35) و(42) به غير موسِّدَيْن الأمرَ القضائيَّ المسبَّبَ الذي يصدر بالمنع من السفر إلى جهة قضائية، تعيينًا لها دون غيرها، بما يجوز معه توسيد إصداره إلى من يُقَدِّر المشرعُ العادي منحَه اختصاصًا بذلك، لاسيما مجلس الدولة؛ بحسبانه قاضى المشروعية والأقدر على حماية الحريات، وبما يكون معه ما يصدر عن النيابة العامة من قرارات بالمنع من السفر غير مصطبغة بالصبغة القضائية، ريثما يصدر قانون ينظم موجبات هذا المنع، ويبين المختص بإصدار القرار به، ويوضح حدود هذا الاختصاص، وضمانات عدم الخروج عليه، أو تجاوز حدوده، ويحدد مدة هذا المنع؛ إذ إصدار مثل هذا التشريع ضرورة لتنظيم الحق فى التنقل ومغادرة البلاد، مما يستلزم الحد مؤقتًا من ممارسة هذا الحق؛ بحسبان ذلك يَحُدّ من حرية من الحريات التى تنخرط -كما سلف- فى مصاف الحريات العامة، لاسيما أن النص الدستوري غير كافٍ للتطبيق بذاته، بما يكفل هذه الحرية ويصونها، سواء فى ظل الدستور السابق أو فى ظل الدستور الحالي.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان هناك قضاء للمحكمة الدستورية العليا -فى ظل الدستور السابق- قد ذهب بجلسة 4 من نوفمبر سنة 2000 فى القضية رقم 243 لسنة 21 ق. الدستورية إلى عدم دستورية نصي المادتين (8 و11) من القرار بقانون رقم 97 لسنة 1959 فى شأن جوازات السفر، وسقوط نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996؛ استنادًا إلى أن حرية الانتقال تنخرط فى مصاف الحريات العامة، وأن تقييدها دون مقتضٍ مشروع، يجرد الحريـة الشخصية من بعض خصائصها، ويقوض صحيح بنيانها، كما أن الدستور بنص المادة (41) منه عهد إلى السلطة التشريعية وحدها تقدير هذا المقتضى، ولازم ذلك أن الأصل هو حرية التنقل، والاستثناء هـو المنع منه، وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاضٍ أو عضو نيابة عامة يعهد إليه القانون بذلك، وينظم القواعد الشكلية والموضوعية لإصدار الأمـر بذلك، فى ضوء الضوابط التى وضع الدستور أصولها، وعلى هذا فإن أي نص يخالف هذه الأصول يعد منسوخًا حتمًا بقوة الدستور نفسه، باعتباره القانون الوضعي الأسمى.
وبالبناء على ذلك فإن النيابة العامة لا تستنهض ولايتها -سواء فى ظل الدستور السابق أو الحالي- فى خصوص المنع من السفر إلا على وفق قانونٍ ينظم جميع المسائل التى سبقت الإشارة إليها، والتي تنظمها تلك القواعد التى نعتتها المحكمة الدستورية العليا بأنها القواعد الشكلية والموضوعية المنظِمة لإصدار القرار بالمنع من السفر، ويكون ما تصدره النيابة العامة بمنأى عن تلك القرارات التى تتسم بالصفة القضائية، وتكون بالتالي مندرجةً ضمن ما يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بمراقبة مشروعيته؛ بحسبانه صاحب الولاية العامة بالفصل فى المنازعات الإدارية، والتي ورد النص على ولايته القضائية بشأنها فى المادة (172) من الدستور السابق، وشاكلتها المادة (48) من الإعلان الدستوري الصادر فى 30 من مارس 2011، ثم قننت هذه الولاية المادة (174) من الدستور الحالي، على وفق صريح نصوص هذه المواد السالف ذكرها.
وحيث إنه فى ضوء ما تقدم جميعه، يكون متعينًا الحكم باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل فى الدعاوى التى تقام طعنًا فى القرارات التى تصدر عن النيابة العامة بالمنع من السفر، سواء فى ظل الدستور السابق- ومرورًا بالإعلان الدستوري الصادر فى 30 من مارس 2011- أو فى ظل الدستور الحالي.
حكمت المحكمة باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل فى الدعاوى التى تقام طعنًا على القرارات الصادرة عن النيابة العامة بالمنع من السفر، وذلك على النحو المبين بالأسباب، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل فى موضوعه.