جلسة 26 من يناير سنة 2008
(الدائرة الأولى)
الطعن رقم 13078 لسنة 51 القضائية عليا.
– ترخيص صيدلية– شرط المسافة– تحديده.
المادة (30) من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة.
يتعين فهم شرط المسافة وتحديد ضوابط حسابه على هدي ما ابتغاه المشرع من زيادة عدد الصيدليات العامة بقصد تيسير حصول الجمهور على الدواء- مؤدى ذلك: أن تُحَدد المسافة الفعلية التي يسلكها طالب الدواء في سعيه إلى الصيدلية حسب خط السير الطبيعي للمشاة في الطريق العام، وبمراعاة المواضع المحددة لعبور المشاة فيه تبعا لمقتضيات نظام المرور وما إلى ذلك من اعتبارات واقعية حسب ظروف كل حالة- مقتضى ذلك: أن تحسب المسافة القانونية بمقدار البعد بين محوري مدخلي الصيدليتين؛ بحسبان أن مدخل الصيدلية دون غيره هو الذي ينفذ منه طالب الدواء إلى الصيدلية لشرائه من المكان المخصص لبيعه- نتيجة ذلك: وجود باب الصيدلية بداخل طرقة خاصة بها مستقطعة من مساحتها ومخصصة لها فقط، وإن كان المرور فيها لا يتم من قبيل التسامح، وتتصل بالطريق العام؛ فإنه لا ينطبق عليها وصف الطرق العامة الداخلة في المال العام، ومن ثم لا يعتد بها عند حساب استيفاء شرط المسافة– تطبيق.
في يوم السبت الموافق 14 من مايو سنة 2005 أودع الأستاذ /… المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا, بصفته وكيلاً عن الطاعنة, تقريراً بالطعن, قيد بجدولها العام تحت رقم 13078 لسنة 51 القضائية عليا وذلك طعناً على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 4191 لسنة 14 القضائية القاضي في منطوقه بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه, وإلزام الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب.
وطلبت الطاعنة –للأسباب المبينة بتقرير الطعن– الحكم بقبوله شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار.
وأعلن تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضدهما الرابع والخامسة المصروفات.
ونظر الطعن بدائرة فحص الطعون على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 7/4/2007 حيث نظر بالجلسة المحددة وما تلاها من جلسات على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن تقرر إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل -بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق والمستندات– في أن المطعون ضدهما الرابع والخامسة أقاما الدعوى رقم 4191 لسنة 14 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط طالبين وقف تنفيذ ثم إلغاء القرار الصادر في 9/9/2003 بالترخيص للطاعنة بفتح صيدلية على أساس أن هذا الترخيص قد منح بالمخالفة لشرط المسافة المتطلب قانونا.
وبجلسة 20/4/2005 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب. وشيدت المحكمة قضاءها على أساس أن الثابت من تقرير الخبير المنتدب أن الصيدلية محل المنازعة تقع على شارع … وتطل عليه من الناحية القبلية, وتطل من الناحية الشرقية على عطفة… , وبفرض فتح باب الصيدلية على شارع … وهو الطريق العام الذي يسلكه الجمهور طبقا للسير العادي للمشاة يبين أن شرط المسافة القانونية بين الصيدلية (محل النزاع) وصيدلية كل من المدعي الأول (المطعون ضده الرابع) والمدعية الثانية (المطعون ضدها الخامسة) غير متوافر وقد قام الخصم المتدخل (الطاعنة) باستقطاع جزء من مساحة الصيدلية وعمل طرقة على حرف (L) بطول 6.10 م تحايلاً على شرط المسافة حتى تستوفى الصيدلية محل المنازعة شرط المسافة المتطلب قانوناً وهو مئة متر على الأقل بين الصيدلية المطلوب الترخيص لها وأقرب صيدلية مرخص لها، وأضافت المحكمة أن هذه الطرقة لا تعد من الطرق العمومية فلا يعتد بها عند تقدير شرط المسافة في المنازعة الماثلة، ويضحى قرار منح الترخيص للصيدلية -بناء على توافر شرط المسافة- مرجح الإلغاء عند نظر الدعوى الموضوعية فيتوافر بذلك ركن الجدية المتطلب لوقف تنفيذه كما يتوافر ركن الاستعجال المتطلب لهذا الوقف.
ومن حيث إن الطعن الماثل على هذا الحكم بني على الخطأ في تطبيق القانون؛ لأن الطاعنة دفعت بعدم قبول الدعوى لعدم سابقة التظلم كما دفعت بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، والتفتت المحكمة عن هذين الدفعين ولم تفصل فيهما مما يستوجب إلغاء الحكم المطعون فيه. كما أخذت الطاعنة على الحكم أنه أخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال إذ أثبت الخبير المنتدب في الدعوى أن المسافة الفعلية بين الصيدلية محل المنازعة وصيدلية المدعي الأول هي 110,30 م كما أن المسافة الفعلية بين صيدلية التداعي وصيدلية المدعية الثانية هي 103,55م كما أن إفتاء إدارة الفتوى لوزارات الصحة والأوقاف والشئون الاجتماعية استقر على أن الممرات المتصلة بالطريق العام ولا يكون المرور فيها قائماً على سبيل التسامح تدخل في الاعتبار عند حساب المسافة بين الصيدليات.
ومن حيث إن القرار بمنح ترخيص بفتح صيدلية ليس من بين القرارات التي يتعين التظلم منها وجوباً قبل طلب إلغائها وفقاً لما حددته المادة 12 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 ومن ثم يغدو الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم التظلم من القرار المطعون فيه غير قائم على أساس صحيح من القانون ويضحى هذا الوجه من وجوه الطعن خليقاً بالرفض.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد فإن الظاهر من الأوراق أن المطعون ضدهما الرابع والخامسة أقاما دعواهما في 12/4/2003 طعناً على قرار الموافقة على السير في إجراءات ترخيص الصيدلية للطاعنة, وبعد صدور قرار الترخيص في 9/9/2003 قاما بتعديل طلباتهما أمام المحكمة بجلسة 22/10/2003 لينصب طعنهما على قرار منح الرخصة ومن ثم تكون الدعوى قد أقيمت في الميعاد ويضحى هذا الوجه من وجوه الطعن خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن المادة 30 من القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة قد تضمنت شروط الترخيص لإنشاء هذه الصيدليات ومن بين هذه الشروط ألا تقل المسافة بين الصيدلية المطلوب الترخيص لها وأقرب صيدلية مرخص لها عن مئة متر, والإدارة بتحقيق هذا الشرط إنما تستهدف ما يحقق المصلحة العامة ويساير الأغراض التي قصد قانون مزاولة مهنة الصيدلة تحقيقها, مستوحية في ذلك روح العدالة ومصلحة الجمهور (مستهلك الدواء) للتخفيف عن كاهله بقدر المستطاع, ومحافظة على مصلحة المزاولين لمهنة الصيدلة, حتى يتوفر للجمهور الدواء بأيسر الوسائل وأضمنها وبأرخص الأسعار وذلك كله في جو بعيد عن المنافسة غير المشروعة عن محيط التعامل في هذه المهنة ذات الطابع المتميز لارتباطها الوثيق بصحة الجمهور, وحياة المرضى بنوع خاص, مراعية في ذلك اعتبار الصيدليات العامة أهم المؤسسات الصيدلية, وأن لها مركز الصدارة بحسبان أنها المصدر الوحيد الذي يستوفى منه جمهور المرضى حاجته إلى الدواء, وأن القانون أفسح مجال إنشاء الصيدليات وزيادة عددها وقيد ذلك بشروط, فبعد أن كان القانون رقم 5 لسنة 1941 يخصص لكل اثني عشر ألفاً من السكان صيدلية, جعل القانون القائم, رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلية, حق فتح الصيدليات مباحا مع مراعاة ألا تقل المسافة بين صيدلية وأخرى عن مئة متر.
ومن حيث إن البادي من الأوراق أن الطاعنة قد اقتطعت جزءا من مساحة الصيدلية المرخص لها وقامت بإعدادها كممر تستوفي به شرط المسافة المتطلب قانوناً (مئة متر) ومن ثم يكون مقطع النزاع هو مدى جواز الاعتداد بهذا الممر عند حساب شرط المسافة المتطلب قانونا.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه يتعين فهم شرط المسافة وتحديد ضوابط حسابه على هدي ما ابتغاه المشرع من زيادة عدد الصيدليات العامة بقصد تيسير حصول الجمهور على الدواء, ومقتضى هذا الفهم أن تحدد المسافة الفعلية التي يسلكها في سعيه إلى الصيدلية حسب خط السير الطبيعى للمشاة في الطريق العام وبمراعاة المواضع المحددة لعبور المشاة فيه تبعا لمقتضيات نظام المرور وما إلى ذلك من اعتبارات واقعية حسب ظروف كل حالة, كما أنه من طبائع الأمور أن تحسب المسافة القانونية بمقدار البعد بين محورى مدخلى الصيدليتين بحسبان أن مدخل الصيدلية دون غيره هو الذي ينفذ منه طالب الدواء إلى الصيدلية لشرائه من المكان المخصص لبيعه.
ومن حيث إنه لما كان ذلك وكان الخبير المنتدب في الدعوى قد أورد في تقريره أن الصيدلية محل النزاع تقع بالدور الأرضي لبرج… الكائن بشارع… أمام قسم شرطة أول سوهاج، وأن باب الصيدلية يقع بداخل طرقة خاصة بها مستقطعة من مساحتها ومخصصة لها فقط, وبإجراء مقاس المسافة بين محور الصيدلية (محل النزاع) ومحور صيدلية المطعون ضده الرابع تبين أنها بطول 110,30 وبإجراء مقاس المسافة بين محور الصيدلية (محل النزاع) وصيدلية المطعون ضدها الخامسة تبين أنها بطول 103,55 م، وكان تقدير هذه المسافات يدخل فيه الطرقة الخاصة التي اقتطعتها الطاعنة من مساحة الصيدلية لاستيفاء شرط المسافة, وكانت هذه الطرقة الخاصة -وإن كان المرور فيها لا يتم من قبيل التسامح وتتصل بالطريق العام– لا ينطبق عليها وصف الطرق العامة الداخلة في المال العام، ومن ثم لا يعتد بها عند حساب استيفاء شرط المسافة ويغدو القرار بالترخيص للطاعنة بفتح صيدلية لا يتوافر لها شرط المسافة مخالفاً بحسب الظاهر للقانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أخذ بهذا النظر ومن ثم يكون خليقاً بالتأييد ويضحى الطعن عليه خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعنة المصروفات.