جلسة 1 من يوليو سنة 2003م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل محمود زكى فرغلى.
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ إبراهيم على إبراهيم، وعبد المنعم أحمد عامر، ومحمد لطفى عبد الباقى جودة، وأحمد منصور محمد على.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد عمر.
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ خالد عثمان محمد حسن.
أمين السر
الطعن رقم 1355 لسنة 44 قضائية عليا:
ـ عاملون بهيئة النقل العام ـ تأديب ـ بطلان قرار رئيس الهيئة بالفصل
من الخدمة.
المادة (172) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971.
المادتان (80) ، (82) من القانون رقم 47 لسنة 1978 فى شأن نظام العاملين المدنيين بالدولة.
المادة (86) من لائحة نظام العاملين بهيئة النقل العام الصادرة بقرار رئيس مجلس الإدارة رقم 19 لسنة 1988.
حدد المشرع سلطات التأديب واختصاص كل منها فى توقيع الجزاء كما أناط بالمحكمة التأديبية سلطة توقيع جزائى الإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة ـ مقتضى ذلك ـ أنه لا يجوز إحالة العامل إلى المعاش أو فصله من العمل إلا بحكم قضائى ـ لا يغير من ذلك ما ورد بلائحة العاملين بهيئة النقل العام من جواز توقيع رئيس مجلس الإدارة لعقوبة الفصل من الخدمة بالنسبة للعاملين حتى الدرجة الثالثة لأن اعتبار العمل حق وشرف مؤداه أن يكون مكفولاً من الدولة وهو ما يعنى بالضرورة أن يكون القانون وحده هو الذى ينظم الشروط الموضوعية لحق العمل والأوضاع التى ينبغى أن يمارس فيها والحقوق التى يرتبها وأشكال حمايتها ليكون العمل كافلاً لضمانة الحق فى الحياة وواحداً من أهم روافدها تحقيقاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ـ مؤدى ذلك: أن ما يضعه القانون من تنظيم لحقوق العامل وضماناته ومنها عدم جواز إحالته إلى المعاش أو فصله من العمل إلا بحكم تأديبى لا يجوز تعديله إلا بقانون وليس بأداة أدنى، كما لا يجوز للوائح التنفيذية التى تصدرها السلطة التنفيذية والتى تتضمن الأحكام التفصيلية والتكميلية لتنفيذ القانون أن تعطل أحكامه أو تتناولها بالتعديل أو بالاستثناء وينبغى على الجهة التى تصدر اللوائح التنفيذية أن تتقيد بالمبادئ والأسس سواء ما ورد منها فى الدستور أو فى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة من اختصاص المحكمة التأديبية وحدها بتوقيع جزائى الإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة ـ تخويل القانون لجهة معينة إصدار لائحة خاصة بالعاملين دون التقيد بما هو مقرر بقانون بالنسبة لباقى العاملين بالدولة لا يمكن بحال من الأحوال اعتباره تفويضًا تشريعيًا، إذ من المسلم به أن لكل من القانون واللوائح التنفيذية والتفويض التشريعى مجاله وفقاً لأحكام الدستور ـ أثر ذلك: أن قرار رئيس مجلس إدارة هيئة النقل العام الصادر بفصل عامل استناداً إلى لائحة العاملين بالهيئة يكون قد صدر متغولاً على اختصاص المحكمة التأديبية التى تختص وحدها بتوقيع هذه العقوبة ويقع باطلاً بطلاناً ينحدر به إلى حد الانعدام ـ تطبيق.
فى يوم الأحد الموافق 21/12/1997 أودع الأستاذ/ سيف النصر سيد جلال “المحامى” بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 1355/44 ق.عليا فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها بجلسة 26/10/1997 والذى قضى بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار الإدارى رقم 657/1996 فيما تضمنه من فصل الطاعن مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وطلب الطاعن فى ختام تقرير الطعن وللأسباب المبينة به ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الطعن وإلزام المطعون ضده المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وتم إعلان تقرير الطعن الى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق .
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه ـ لأسبابه ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرار رقم 657/1996 فيما تضمنه من فصل المطعون ضده وتعديل الحكم المذكور ليكون بقبول الطعن التأديبى شكلاً ورفضه موضوعاً.
وجرى نظر الطعن أمام الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا إلى أن قررت إحالته إلى هذه الدائرة والتى تداولت نظره بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها حتى قررت بجلسة 25/5/2003 إصدار الحكم فى الطعن بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى أن المطعون ضده أقام الطعن رقم 182/31ق. بإيداع عريضته قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها بتاريخ 5/5/1997 طالباً فى ختامها الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 657/1996 فيما تضمنه من فصله من الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ونعى الطاعن على هذا القرار مخالفته لأحكام القانون وعدم قيامه على سبب يبرره من الواقع أو القانون.
وبجلسة 26/10/1997 أصدرت المحكمة الحكم المطعون فيه والذى قضى بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار الإدارى رقم 657/1996 فيما تضمنه من فصل الطاعن مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن المشرع ـ فى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ـ جعل سلطة توقيع عقوبة الفصل مقصورة على المحكمة التأديبية دون غيرها وبالتالى يكون قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة المطعون ضدها بفصل الطاعن مخالفاً لأحكام القانون لصدوره من غير السلطة المختصة التى حددها المشرع لتوقيع عقوبة الفصل وهى المحكمة التأديبية مما يتعين معه إلغاؤه.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه، لأنه طبقاً لنص المادة 84 من لائحة العاملين بهيئة النقل العام بالقاهرة يجوز لرئيس مجلس الإدارة توقيع عقوبة الفصل من الخدمة على العاملين حتى الدرجة الثالثة بعد عرض الأمر على لجنة تشكل بقرار من مجلس الإدارة تتولى بحث كل حالة تعرض عليها وإبلاغ رئيس مجلس الإدارة رأيها …. وللجنة فى سبيل أداء مهمتها سماع أقوال العامل والاطلاع على كافة الأوراق، وعلى هذا الأساس أصدر رئيس مجلس الإدارة القرار المطعون فيه بفصل الطاعن بعد أن انتهى التحقيق الى إدانته لارتكابه مخالفة جسيمة توجب فصله من الخدمة وبالتالى يكون هذا القرار قد صدر من السلطة المختصة بإصداره قانوناً وقائماً على السبب المبرر له ويكون الطعن عليه مخالفاً لأحكام القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن المادة (172) من الدستور تنص على أن “مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل فى المنازعات الإدارية وفى الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى” وإعمالاً لهذا النص الدستورى صدر القانون رقم 47/1972 بشأن مجلس الدولة الذى نص فى المادة 19 على أن “توقع المحاكم التأديبية الجزاءات المنصوص عليها فى القوانين المنظمة لشئون من تجرى محاكمتهم”.
وتنص المادة 80 من القانون رقم 47/1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة على أن “الجزاءات التأديبية التى يجوز توقيعها على العاملين هى:
1ـ الإنذار .
2ـ تأجيل موعد استحقاق العلاوة.
3ـ الخصم من الأجر.
4ـ الحرمان من نصف العلاوة.
5ـ الوقف عن العمل.
6ـ تأجيل الترقية.
7ـ خفض الأجر.
8ـ الخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة.
9ـ الخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة مع خفض الأجر.
10ـ الإحالة إلى المعاش.
11ـ الفصل من الخدمة.
وتنص المادة 82 من هذا القانون على أن : 1ـ ………..
2ـ للسلطة المختصة حفظ التحقيق أو توقيع الجزاءات الواردة فى البنود من 1 إلى 6 من الفقرة الأولى من المادة 80 وكذلك الجزاءين الواردين فى البندين 1، 3 من الفقرة الثانية من المادة المشار إليها.
3ـ كما يجوز للسلطة المختصة توقيع الجزاءات الواردة فى البنود 7 ، 8 ، 9 من المادة 80 وذلك فى المخالفات الجسيمة.
4ـ تختص المحكمة التأديبية بتوقيع أى من الجزاءات المنصوص عليها فى المادة 80.
ومن حيث إن المادة 86 من لائحة نظام العاملين بهيئة النقل العام الصادرة بقرار رئيس مجلس الإدارة رقم 19/1988 تنص على أن “يكون الاختصاص بتوقيع الجزاءات التأديبية كما يأتى :
1ـ ……………..
4ـ لرئيس مجلس الإدارة توقيع جزاء الفصل من الخدمة على العاملين حتى الدرجة الثالثة…
ومن حيث إنه يتضح مما تقدم أن المشرع حدد سلطات التأديب واختصاص كل منها فى توقيع الجزاء كما أناط بالمحكمة التأديبية سلطة توقيع جزائى الإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة، ومقتضى ذلك أنه لا يجوز إحالة العامل الى المعاش أو فصله من العمل إلا بحكم تأديبى وهذا مبعثه التوجيه الدستورى لحق العمل القائم على أن العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة كما تكفل حماية العامل وقيامه بأداء واجبه الوظيفى فى رعاية مصالح الشعب وعدم جواز فصله بغير الطريق التأديبى إلاَّ فى الأحوال التى يحددها القانون، ولا يغير من ذلك ما ورد بنص المادة 86 من لائحة العاملين بالهيئة الطاعنة من جواز توقيع رئيس مجلس الإدارة لعقوبة الفصل من الخدمة بالنسبة للعاملين حتى الدرجة الثالثة لأن اعتبار العمل حقاً وشرفاً مؤداه أن يكون مكفولاً من الدولة وهو ما يعنى بالضرورة أن يكون القانون وحده هو الذى ينظم الشروط الموضوعية لحق العمل والأوضاع التى ينبغى أن يمارس فيها والحقوق التى يرتبها وأشكال حمايتها ليكون العمل كافلاً لضمانة الحق فى الحياة وواحداً من أهم روافدها تحقيقاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويترتب على ذلك أن ما يضعه القانون من تنظيم لحقوق العامل وضماناته ومنها عدم جواز إحالته إلى المعاش وفصله من العمل إلا بحكم تأديبى لا يجوز تعديله إلا بقانون وليس بأداة أدنى كما لا يجوز للوائح التنفيذية التى تصدرها السلطة التنفيذية، التى تتضمن الأحكام التفصيلية والتكميلية لتنفيذ القانون أن تعطل أحكامه أو تتناولها بالتعديل أو بالاستثناء وينبغى على الجهة التى تصدر اللوائح التنفيذية أن تتقيد بالمبادئ والأسس سواء ما ورد منها فى الدستور أو فى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة من اختصاص المحكمة التأديبية وحدها بتوقيع جزائى الإحالة الى المعاش والفصل من الخدمة كما أن تخويل القانون لجهة معينة إصدار لائحة خاصة بالعاملين دون التقيد بما هو مقرر بقانون بالنسبة لباقى العاملين بالدولة لا يمكن بحال من الأحوال اعتباره تفويضاً تشريعياً إذ من المسلم به أن لكل من القانون واللوائح التنفيذية والتفويض التشريعى مجاله وفقاً لأحكام الدستور.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وإذا كانت لائحة العاملين بالهيئة الطاعنة قد خوَّلت رئيس مجلس الإدارة فصل العامل على نحو يخالف حكم المادة 83 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ولما كان الثابت أن رئيس مجلس إدارة هيئة النقل العام بالقاهرة هو الذى أصدر القرار المطعون فيه بفصل المطعون ضده من الخدمة متغولاً فى ذلك على اختصاص المحكمة التأديبية التى تختص وحدها بتوقيع هذه العقوبة فإن هذا القرار يكون صادراً من غير مختص أصلاً بإصداره ومن المقرر بشأن هذه المحكمة أن التغول على اختصاص المحكمة التأديبية المقرر فى هذا الشأن جزاؤه البطلان الذى ينحدر به إلى حد الانعدام الذى لا يعصمه من الإلغاء ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه ذهب هذا المذهب وقضى بما تقدم فإنه يكون قد أصاب وجه الحق فى قضائه ويغدو الطعن عليه بغير سند من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن من المسلم به أن ما قضت به هذه المحكمة فى الطعن الماثل لا يحول دون الجهة الإدارية واتخاذ الإجراءات القانونية حيال ما نسب إلى المطعون ضده من مخالفات بمراعاة الضوابط والأحكام المقررة قانوناً فى هذا الشأن.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.