جلسة 24 من مايو سنة 2009
(الدائرة السابعة)
الطعن رقم 14376 لسنة 52 القضائية عليا.
شئون الأعضاء– التعيين فى وظيفة معاون نيابة إدارية– شرط حسن السمعة– مفهومه ونطاقه- لا يعتد بالتحريات الأمنية في حال موافقتها على تعيين الشخص في هيئة قضائية والممانعة في أخرى.
نظرا لأهمية الوظيفة القضائية وما يجب أن يتحلى به شاغلها من الأمانة والنزاهة والبعد عن مواطن الريب والظنون، وألا يشوب مسلكه أية شوائب؛ استوجب المشرع أن يكون محمود السيرة حسن السمعة، وهو حكم عام لم يحدد أسباب فقدان حسن السمعة، وإن جرى العمل على التحقق منه بالتحري الذي تجريه الأجهزة المختصة على المتقدم لشغل الوظيفة فضلاً عن أفراد أسرته- السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هى مجموعة من الصفات والخصال التى يتحلى بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس، وتجنبه قالة السوء وما يمس الخلق، فهي تلتمس فيه وذويه من أسرته، دون مؤاخذته على مسلك أقربائه ممن لا ينعكس مسلكهم على سمعته وسيرته– الأصل فى الإنسان البراءة وحسن السمعة، وعلى من يدعي العكس إقامة الدليل وطرحه على المحكمة؛ تمكيناً لها من بسط رقابتها عليه وتمحيصه للتأكد من استخلاصه من أصول تنتجه حقا وعدلا– ورود التحريات الأمنية بالموافقة على تعيين الطاعن فى هيئة قضائية دون هيئة قضائية أخرى تلقي ظلالاً من الشك حول مصداقية تلك التحريات، فيكون تخطيه في التعيين استناداً لتلك التحريات مخالفاً للقانون مستوجب الإلغاء– لا يخل ذلك بحق الجهة الإدارية فى استكمال إجراء الكشف الطبى على الطاعن كإجراء سابق على تعيينه– إلغاء هذا القرار يعد جبراً للأضرار المادية والأدبية التى لحقت بالطاعن بما يتعين معه رفض طلب التعويض– تطبيق.
في يوم الاثنين الموافق 20/3/2006 أودع الأستاذ/ …المحامي وكيلا عن الطاعنة قلم كتاب المحكمة تقريرا بالطعن، طلب في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار الجمهوري رقم 437 لسنة 2005 فيما تضمنه من تخطي الطاعنة في التعيين في وظيفة معاون نيابة إدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تعيينها في هذه الوظيفة من تاريخ صدور هذا القرار، والحكم بالتعويض الجابر للأضرار المادية والأدبية التي لحقتها من جرائه.
وتم إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وباشرت هيئة مفوضي الدولة تحضير الطعن، وأعدت تقريراً مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار الجمهوري رقم 437 لسنة 2005 الصادر بتاريخ 31/12/2005 فيما تضمنه من تخطي الطاعنة في التعيين بوظيفة (معاون نيابة إدارية) بهيئة النيابة الإدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة بالتعويض المناسب الجابر للأضرار المادية والأدبية التي لحقت بالطاعنة، وفقاً لما تقدره المحكمة.
وجرى تداول الطعن على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث أودع كل من طرفي الخصومة مذكراته الشارحة ودفاعه ومستنداته، وبجلسة 12/4/2007 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 17/5/2009، وضربت للمذكرات أجلا لم تقدم خلاله، وبهذه الجلسة قررت إتماما للمداولة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن عناصر المنازعة الماثلة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعنة أقامت طعنها الماثل ابتغاء الحكم بطلباتها المشار إليها على سند من أنها حصلت على ليسانس حقوق دور مايو سنة 2003 بتقدير جيد تراكمي بنسبة 78%، وكان ترتيبها على دفعتها التاسعة عشرة، وفي غضون شهر يناير سنة 2004 أعلنت هيئة النيابة الإدارية عن حاجتها لشغل وظائف معاون نيابة إدارية من بين الحاصلين على ليسانس الحقوق دفعة 2003 بتقدير عام جيد تراكمي وتحدد للمقابلة الشخصية يوم 3/7/2004 أمام المجلس الأعلى للهيئة، وكانت هي (أي الطاعنة) التي أجابت من بين الحاضرين على السؤال الموجه إليهم، ومع ذلك وقع الاختيار على غيرها دون مبرر قانوني، وبتاريخ 2/1/2006 فوجئت بصدور القرار الجمهوري رقم 437 لسنة 2005 متضمناً تعيين (159) معاوناً للنيابة الإدارية دون أن تكون من بينهم فتقدمت بتظلم لرئيس الهيئة قيد برقم 251 بتاريخ 23/1/2006، إلا أن جهة الإدارة لم تحرك ساكنا.
ونعت الطاعنة على هذا القرار مخالفته القانون والإخلال بمبدأ المساواة والانحراف بالسلطة؛ لأنها استجمعت كافة الشروط المقررة قانوناً للتعيين في الوظيفة المعلن عنها، ومع ذلك فإن جهة الإدارة أقدمت على تعيين من هم دونها في مجموع الدرجات ومنهم على سبيل المثال: … و… و … و … ، ومن ثم فإن جهة الإدارة لم تجر مفاضلة جادة وحقيقية بين المرشحين، خاصة بينها وبين المعينين بتقدير أقل منها.
ومن حيث إن الثابت من مذكرة الأمانة العامة لهيئة النيابة الإدارية المؤرخة 8/3/2007 أن سبب تخطي الطاعنة في التعيين في وظيفة معاون نيابة إدارية من بين خريجي مايو 2003 تتمثل في عدم توافر أحد شروط التعيين وفقا للتحريات الأمنية، حيث أسفرت تحريات مباحث أمن الدولة عن عدم الموافقة على ترشيحها لشغل هذه الوظيفة، وهو ما حدا هيئة النيابة الإدارية على استبعادها من التعيين بموجب القرار الجمهوري المطعون فيه.
ومن حيث إن المادة (38) مكرر من قانون إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1958 المستبدلة بالقانون رقم 12 لسنة 1989 تنص على أن: “يكون شأن أعضاء النيابة الإدارية فيما يتعلق بشروط التعيين والمرتبات والبدلات وقواعد الندب والإعارة والإجازات والاستقالة والمعاشات شأن أعضاء النيابة العامة”.
وتنص المادة (116) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 على أن: “يشترط فيمن يعين مساعدا بالنيابة العامة أن يكون مستكملا الشروط المبينة في المادة (38) … ويشترط فيمن يعين معاونا بالنيابة العامة أن يستكمل هذه الشروط…
وتنص المادة (38) على أن: “يشترط فيمن يولى القضاء:
1ـ … 2ـ … 3ـ …. 4ـ …
ومفاد النصوص المتقدمة أن المشرع ونظراً لأهمية الوظيفة القضائية وما يجب أن يتحلى به شاغلها من الأمانة والنزاهة والبعد عن مواطن الريب والظنون، وألا تشوب مسلكه أية شوائب، ومن ثم فقد استوجب -مثله في ذلك مثل قوانين التوظف الأخرى- أن يكون محمود السيرة حسن السمعة، وهو حكم عام لم يحدد أسباب فقدان حسن السمعة، وإن جرى العمل على التحقق منه بالتحري الذي تجريه الأجهزة المختصة على المتقدم لشغل الوظيفة فضلا عن أفراد أسرته، ولا جدال في أن إعمال أثر هذه التحريات منوط بمراعاة ألا تنال دون سند من الحق الدستوري للمرشح في تولي الوظيفة من ناحية، ومن ناحية أخرى المحافظة على المعايير والضوابط المحددة للاختيار وصولا إلى أفضل العناصر إعمالاً لصحيح حكم القانون، وما استقر عرفا عاما يتمثل في ضرورة حسن اختيار المنتسبين للقضاء حفظا لمرفق القضاء وحماية لحقوق المواطنين.
وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي مجموعة من الصفات والخصال التي يتحلى بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس، وتجنبه قالة السوء وما يمس الخلق، فهي تلتمس فيه وذويه من أسرته، دون مؤاخذته على مسلك أقربائه ممن لا ينعكس مسلكهم على سمعته وسيرته.
(في هذا المعنى حكم هذه المحكمة في الطعن رقم 12876 لسنة 51ق بجلسة 18/1/2009 حكمها في الطعن رقم 31160 لسنة 52ق بجلسة 22/6/2008)
ومن حيث إنه إعمالا لما تقدم ولما كانت النيابة الإدارية (الجهة المطعون ضدها) قد أجابت على الطعن بأن اللجنة المنوط بها استخلاص مدى أهلية الطاعنة اتخذت في ذلك موقفا جديا لبحث طلب تعيينها، ولم تراع اللجنة في تقرير عدم الأهلية سوى المصلحة العامة، واستبعدتها لعدم توافر أحد شروط التعيين وفقا لتقرير التحريات الأمنية والذي انتهى إلى عدم الموافقة على شغلها عضو نيابة إدارية. ولما كانت الجهة المطعون ضدها قد أرفقت بمذكرة ردها كتاب مباحث أمن الدولة سند قرارها الطعين، والثابت من الاطلاع على هذا الكتاب أنه لم يورد في متنه ردا على كتاب الجهة الإدارية نحو ترشيح المذكورة في وظيفة عضو نيابة إدارية سوى عبارة (عدم الموافقة)، دون أن يقرن هذه العبارة بأي مبررات أو وقائع منسوبة إلى الطاعنة أو أي من ذويها تستقيم سندا لعدم الموافقة، التي جاءت في عبارة مرسلة لا يسوغ الاطمئنان إليها أو التعويل عليها في القول بافتقاد الطاعنة شرط حسن السمعة، فالأصل في الإنسان البراءة وحسن السمعة، وعلى من يدعي العكس إقامة الدليل وطرحه على المحكمة تمكينا لها من بسط رقابتها عليه، رقابة قوامها تمحيصه للتأكد من استخلاصه من أصول تنتجه حقا وعدلا، الأمر الذي لم تنهض إليه الجهة القائمة بالتحري، سيما وأن الطاعنة قد قررت بمذكرتها الشارحة والتي لم تنكرها الجهة الإدارية أو تقدم ما يناقضها أن تحريات مباحث أمن الدولة قد جاءت بعدم الممانعة في ترشيحها بوظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة، بما يلقي ظلالا من الشك حول مصداقية تلك التحريات التي جاءت بالموافقة والممانعة في وقت واحد وعلى ذات الشخص، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه إذ صدر بتعيين زملاء الطاعنة في وظيفة معاون نيابة إدارية، متخطيا إياها في هذا التعيين استناداً إلى التحريات المشار إليها فإنه يكون مستخلصا استخلاصا غير سائغ ومنتزعا من أصول لا تنتجه، ومن ثم يكون فاقدا سببه، مما يصمه بمخالفة القانون، ويذره مستوجب الإلغاء، وهو ما تقضى به المحكمة، دون أن يخل ذلك بحق الجهة الإدارية في استكمال إجراء الكشف الطبي على الطاعنة كإجراء سابق على تعيينها.
ومن حيث إنه عن طلب التعويض فإن مناط مسئولية جهة الإدارة عن قراراتها الإدارية وعلى نحو ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة قيام ركن الخطأ في جانبها بأن يلحق القرار أحد العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأن يدرك صاحب الشأن ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
ومن حيث إن المحكمة وقد انتهت إلى مخالفة القرار المطعون فيه للقانون فإنه يكون قد توافر في حق جهة الإدارة ركن الخطأ، ولئن كان قد لحقت الطاعنة أضرار مادية أو أدبية من جرائه أي بسببه، فإن المحكمة ترى في إلغائه جبرا لهذه الأضرار، ورفعا لما أدركها من عنت، وما حاق بها من مظلمة، ومن ثم تقضى برفض طلب التعويض.
ومن حيث إنه عن المصروفات فإن المحكمة تلزم بها جهة الإدارة عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار الجمهوري رقم 437 لسنة 2005 فيما تضمنه من تخطي الطاعنة في التعيين في وظيفة معاون نيابة بهيئة النيابة الإدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، على النحو المبين بالأسباب، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.