جلسة 17 من مارس سنة 2012
الطعن رقم 15418 لسنة 53 القضائية (عليا)
(الدائرة الأولى)
– الطعن في الأحكام- طلبات في الطعن- لا يجوز إبداء طلبات جديدة لأول مرة أمام محكمة الطعن- تحكم المحكمة بعدم قبولها.
– الخدمة العسكرية والوطنية– تقرير مستوى اللياقة الطبية للمتقدم لأداء الخدمة العسكرية– نظم المشرع في قانون الخدمة العسكرية والوطنية (الصادر بالقانون رقم 127 لسنة1980) ضوابط تقرير مستوى اللياقة الطبية للمتقدم لأداء الخدمة العسكرية- إذا قرر المجلس الطبي العسكري ابتداء توفر اللياقة الطبية للمتقدم للخدمة العسكرية، أو إذا صدر قرار عن اللجنة الطبية العليا بذلك، فإن المتقدم لأداء الخدمة العسكرية يكتسب صفة (المجند)، ويعد من المخاطبين بأحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة.
– المادتان رقما (7) و(12) من قانون الخدمة العسكرية والوطنية، الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980.
– الخدمة العسكرية والوطنية- الإصابة أو الوفاة أثناء الخدمة العسكرية وبسببها- أوجب المشرع إجراء تحقيق في كل إصابة تحدث للمجند ينشأ عنها جرح أو عاهة أو وفاة بواسطة الجهات العسكرية المختصة؛ لإثبات ما إذا كانت إصابته أو مرضه وما ينشأ عنها من عجز أو وفاة كان بسب الخدمة من عدمه- إغفال الجهة الإدارية هذا الإجراء الجوهري يثبت ركن الخطأ في جانبها، ويرتب مسئوليتها الموجبة للتعويض.
– المادتان رقما (1) و(82) من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975.
بتاريخ 9/6/2007 أودع الأستاذ/… المحامى بصفته وكيلا عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 15418 لسنة 53 ق. عليا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 10/4/2007 في الدعوى رقم 11423 لسنة 53 ق، الذي قضى في منطوقه بقبول الدعوى شكلا ورفضها موضوعا وإلزام المدعين المصروفات.
وطلب الطاعنون –للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بأحقية الطاعنين في التعويض عن الأضرار المادية والأدبية بمبلغ مئة ألف جنيه، وتعديل سبب الوفاة ليكون بسبب الخدمة، وأحقيتهم في معاش لهم طبقا لأحكام القانون رقم 90 لسنة 1975، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وجرى إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم بصفاتهم على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم:
(أولا) بعدم قبول طلب الطاعنين بأحقيتهم في المعاش طبقا للقانون رقم 90 لسنة 1975. (ثانيا) بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، مع إلزام الطاعنين المصروفات.
ونظر الطعن أمام الدائرة السابعة فحص طعون بجلسة 16/1/2008 والجلسات التالية لها إلى أن قررت بجلسة 7/10/2009 إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى للاختصاص، حيث نظر الطعن أمام الدائرة الأولى (فحص) على النحو المبين بالمحاضر، وبجلسة 17/10/2011 قررت إحالته إلى الدائرة الأولى (موضوع) لنظره بجلسة 3/12/2011، حيث نظر الطعن أمامها بتلك الجلسة، وفيها قررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة 4/2/2012 مع التصريح بمذكرات خلال أسبوعين لم تقدم خلاله أية مذكرات، ثم تأجل إداريا لجلسة 11/2/2012، ثم تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 25/2/2012، ثم لجلسة اليوم لاستمرار المداولة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص –حسبما يبين من الأوراق– في أن مورث الطاعنين كان قد أقام الدعوى المطعون على الحكم الصادر فيها بداية أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية بصحيفة أودعت قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 31/12/1998، وقيدت بجدولها برقم 17726 لسنة 1998 ضد وزير الدفاع بصفته ومدير إدارة شئون ضباط القوات المسلحة بصفته، طالبا الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين أن يؤدوا له مبلغ مئة ألف جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من عدم تعديل قرار سبب إنهاء خدمة نجله/… ليكون بسبب الخدمة، مع إلزامهما المصروفات، وذلك على سند من أن نجله حاصل على مؤهل عال، ويعمل مدرسا بمدرسة… بمحافظة أسيوط، وأنه جند بالقوات المسلحة كضابط احتياط برتبة ملازم أول احتياط، واستمر في خدمة القوات المسلحة حتى وفاته بتاريخ 17/6/1996 أثناء الخدمة على إثر هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية نتيجة لوكيميا لمفاوية حادة مرتجعة، طبقا للثابت بالتقرير الطبي لمستشفى المعادى للقوات المسلحة التي نقل إليها للعلاج قبل وفاته، واستطرد شارحا دعواه أنه يشترط لإلحاق شاب بالتجنيد، لاسيما إذا ألحق كضابط احتياط، أن تتوفر فيه أقصى درجات اللياقة الطبية، وأن يكون خاليا من الأمراض، خاصة أنه تجرى عليهم فحوصات طبية وتحليلية دقيقة للتأكد من سلامة صحتهم، وأن نجله لم يكن يعاني من أي أمراض ظاهرة أو غير ظاهرة، سواء قبل التحاقه بالخدمة العسكرية أو بعد التحاقه بها، مما يؤكد أن وفاته كانت بسبب الخدمة العسكرية، وعلى ذلك يكون قرار الجهة الإدارية باعتبار وفاة نجله أثناء الخدمة وليس بسببها قد صدر مخالفا للواقع وللقانون، والهدف منه إهدار حقوقهم المالية، واختتم صحيفة دعواه بطلباته السالفة البيان.
– وبجلسة 28/4/1999 قضت محكمة شمال القاهرة الابتدائية بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص، وأبقت الفصل في المصروفات.
– ونفاذا لهذا الحكم أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، حيث قيدت بجدولها برقم 11423 لسنة 53 ق (المطعون على الحكم الصادر فيها بالطعن الماثل)، وتدوولت أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث قدم الحاضر عن المدعي حافظة مستندات طويت على صورة قيد وفاة نجله/… بتاريخ 24/9/2006، وصحح شكل الدعوى بأسماء المدعين (الطاعنين).
…………………………………………
وبجلسة 10/4/2007 صدر الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى شكلا ورفضها موضوعا وإلزام المدعين المصروفات. وشيدت المحكمة قضاءها على أن الثابت من أوراق الدعوى ومستنداتها أن نجل مورثهم جند كضابط احتياط بتاريخ 26/1/1994، وخلال خدمته العسكرية أدخل مستشفى القوات المسلحة بالمعادى على وفق الثابت بالتقرير الطبي المؤرخ في 10/6/1996 لأنه يعانى من (لوكيميا حادة بالدم) ويعالج بواسطة العقاقير الكيماوية وتحتاج حالته إلى عمل زرع نخاع عظمى من متبرع (أحد إخوته)، ويتطلب الأمر استمرار علاجه بقسم أمراض الدم لمدة عام، والثابت كذلك من التقرير الطبي المؤرخ في 8/2/1998 أن نجل مورث المدعين عولج بالعقاقير الكيماوية اللازمة، إلا أنه توفي متأثرا بالمرض قبل إجراء عملية زرع نخاع عظمى له، ومن ثم تكون الوفاة بهذا الوصف لم تحدث بسبب مخاطر الخدمة العسكرية وتبعاتها، بل بمرض لوكيميا الدم الذي لازم المدعى حسب الثابت من الأوراق منذ عام 1996، وقد يكون ذلك المرض ألم به قبل التحاقه بالخدمة العسكرية وذلك لأنه ليس من المتبع في الكشف الطبي على المجندين إجراء تحليلات طبية معقدة كالتي يجب إجراؤها في حالة لوكيميا الدم لاكتشاف إصابة المجند بها، وبناء على ذلك لا يكون هناك خطأ قد وقعت فيه الجهة الإدارية، أو تجاوزت به حدود المسئولية الإدارية الموجبة للتعويض، ومن ثم ينتفي ركن الخطأ في مسئولية الإدارة، وينتفي بذلك مناط استحقاق التعويض، وتكون دعواهم غير قائمة على سندها جديرة بالرفض.
…………………………………………
وإذ لم يلق هذا القضاء قبولا لدى الطاعنين فقد أقاموا طعنهم الماثل عليه لأسباب حاصلها مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال الجوهري بحق الدفاع ومخالفة الثابت بالأوراق وعدم الإلمام بوقائع الدعوى ومستنداتها؛ ذلك أن المتوفى لم يكن مريضا بمثل هذا المرض قبل التحاقه بالخدمة العسكرية التي استمرت قرابة 29 شهرا لم يُعَانِ خلالها من أمراض ظاهرة أو أي أعراض لهذا المرض الذي يعالج بواسطة العقاقير الكيماوية، وأن هذا النوع من المرض لا يحتاج إلى تحاليل معقدة ودقيقة، بل إنه يمكن اكتشافه بمجرد أخذ عينة بسيطة من الدم وتحليلها لكشف نوعها ونسبتها بالدم، وكان المتوفى قد جند بالقوات المسلحة كضابط احتياط وأجريت عليه كثير من الكشوف والتحاليل التي لم تثبت جميعها إصابته بهذا المرض، ومما يؤكد ذلك أيضا تقاعس جهة الإدارة عن تقديم ملف خدمته وملفه العلاجي دون سبب مشروع، مما يدل على أن ملفه يثبت أنه كان سليما ومُعَافىً حينما التحق بالخدمة العسكرية إلا أنه تعرض لإشعاع وهو في مأمورية بسيناء، وبعد رجوعه من هذه المأمورية بدأت علامات المرض تظهر عليه، وأن محكمة أول درجة لم تطالع ملف الدعوى بأكمله. واختتم الطاعنون تقرير الطعن بطلباتهم المبينة سلفا.
…………………………………………
وحيث إنه عن طلب الطاعنين أحقيتهم في المعاش طبقا لأحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975، فإن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه لا يجوز إبداء طلبات جديدة أمام محكمة الطعن لم تكن أبديت أمام محكمة أول درجة، وعلى ذلك فإن طلب الطاعنين من هذه المحكمة الحكم لهم بأحقيتهم في المعاش طبقا لأحكام ذلك القانون، وهو طلب لم يبدوه أمام محكمة القضاء الإداري التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بل أبدوه لأول مرة أمام هذه المحكمة؛ فإن هذا الطلب يكون غير مقبول.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم يكون الطعن الماثل مقصورا على طلب الطاعنين تعويضهم عن عدم تعديل قرار سبب إنهاء خدمة نجل مورثهم ليكون بسبب الخدمة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة لهذا الطلب.
وحيث إنه من المستقر عليه أن مناط مسئولية جهة الإدارة عن فعلها غير المشروع الموجب لالتزامها بالتعويض هو اكتمال أركان المسئولية التقصيرية في جانبها من خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما.
وحيث إن المادة السابعة من قانون الخدمة العسكرية والوطنية (الصادر بالقانون رقم 127 لسنة 1980) تنص على أنه: “أولا: يعفى من الخدمة العسكرية والوطنية نهائيا:
(أ) من لا تتوافر فيهم اللياقة الطبية لتلك الخدمة.
(ب) …”.
وتنص المادة (12) منه على أن: “يلحق بكل منطقة تجنيد وتعبئة مجلس طبي عسكري يؤلف من أخصائيين متنوعين لا يقل عددهم عن خمسة، يقوم بعد استبعاد من تقرر إعفاؤهم نهائيا أو استثناؤهم بالكشف الطبي على الأفراد المطلوبين للتجنيد لتقرير مدى لياقتهم للخدمة العسكرية وتحديد مستواهم الطبي… ويتم ذلك على وفق الشروط التي يحددها وزير الدفاع بقرار منه… ويجوز لمدير إدارة التجنيد بناء على اقتراح رئيس الفرع الطبي بإدارة التجنيد بعد فحصه الحالة أن يأمر بتوقيع الكشف الطبي مرة ثانية على الأفراد اللائقين طبيا قبل تسليمهم لسلاحهم الذي ألحقوا عليه، وذلك بعرضهم على اللجنة الطبية العليا المذكورة لتقدير مدى لياقتهم للخدمة العسكرية… “.
وحيث إنه يتضح من هذه النصوص أن المشرع رسم في قانون الخدمة العسكرية والوطنية المشار إليه الطريق الذي يتبع لتقرير مستوى اللياقة الطبية للمتقدم لأداء الخدمة العسكرية، وذلك بعرضه على المجلس الطبي العسكري بمنطقة التجنيد الذي يؤلف من إخصائيين متنوعين لا يقل عددهم عن خمسة، وأجاز لمدير إدارة التجنيد بناء على اقتراح رئيس الفرع الطبي بإدارة التجنيد أن يأمر بتوقيع الكشف الطبي مرة ثانية على الأفراد اللائقين طبيا قبل تسليمهم لسلاحهم، وذلك بعرضهم على اللجنة الطبية العليا بمنطقة التجنيد التي تشكل من أطباء لم يسبق لهم توقيع الكشف الطبي على الأفراد اللائقين طبيا، ومن ثم فإنه إذا ما قرر المجلس الطبي العسكري ابتداء توفر اللياقة الطبية للمتقدم للخدمة العسكرية، أو بقرار من اللجنة الطبية العليا عند عرض أمره عليها بأمر من مدير إدارة التجنيد، أو لم يعرض أمره على تلك اللجنة، فإنه يكتسب بذلك صفة المجند الذي ثبت توفر اللياقة الطبية في شأنه على النحو الذي استلزمه قانون الخدمة العسكرية واللوائح الصادرة تنفيذا لأحكامه، فينخرط في سلك المجندين، ويدخل من ثم في عداد المخاطبين بأحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975.
وحيث إن المادة الأولى من هذا القانون تنص على أن: “تسرى أحكام هذا القانون على المنتفعين الآتي بيانهم:
(أ)… (ب)… (ج)… (د) الضباط وضباط الصف والجنود الاحتياط المستدعون بالقوات المسلحة. …”.
وتنص المادة (82) منه على أن: “كل إصابة ينشأ عنها جرح أو عاهة أو وفاة يجب أن يجرى عنها تحقيق بواسطة الجهات العسكرية المختصة لإثبات سبب الإصابة أو العاهة أو المرض أو الوفاة، كما يجب إثباتها بواسطة المجلس الطبي العسكري المختص الذي عليه أن يقدم تقريرا يتضمن تحديد نسبة الإصابة ودرجة العجز ونوعه كليا أو جزئيا إن وجد، وتصدق هيئة أو شعبة التنظيم والإدارة المختصة على إجراءات مجلس التحقيق بعد الاطلاع على تقرير المجلس الطبي العسكري المختص…”.
وحيث إن هذا القانون قد أوجب إجراء تحقيق في كل إصابة تحدث للمجند ينشأ عنها جرح أو عاهة أو وفاة بواسطة الجهات العسكرية المختصة، وذلك بغرض إثبات الإصابة أو العاهة أو المرض أو الوفاة، وبعد إجراء التحقيق يجرى إثبات الإصابة كذلك بواسطة المجلس الطبي العسكري المختص، وتصدق هيئة أو شعبة التنظيم والإدارة المختصة على إجراءات مجلس التحقيق، وكلها إجراءات جوهرية كفالةً لحقوق المجندين في إثبات إصابتهم أو مرضهم، وما ينشأ عنها من عجز أو وفاة، وما يترتب على ذلك من حقوق تأمينية وتعويضية ومعاشية مستحقة عن الإصابة أو العجز أو الوفاة التي تحدث بسبب الخدمة، هذا من جهة، وحمايةً للخزانة العامة تتمثل في عدم صرف مبالغ لغير المستحقين لها من جهة أخرى، وتقوم بهذه الإجراءات الجهات المختصة بالقوات المسلحة.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن نجل مورث الطاعنين/… قد جند كضابط احتياط بتاريخ 26/1/1994، حيث كان حاصلا على مؤهل عال، ويعمل مدرسا بمدرسة… بمحافظة أسيوط، ولم يتحقق له ذلك إلا بعد ثبوت لياقته الطبية للخدمة العسكرية، واستمرت خدمته العسكرية حتى أصيب بمرض لوكيميا حادة بالدم، ونقل إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى للعلاج، والتي شخصت حالته بأنه يعانى من لوكيميا حادة بالدم ويعالج بواسطة العقاقير الكيماوية وتحتاج حالته إلى عمل زرع نخاع عظمى من متبرع (أحد إخوته)، مما يتطلب استمرار علاجه بقسم أمراض الدم لمدة عام على وفق الثابت بالتقرير الطبي الصادر عن مستشفى القوات المسلحة بالمعادى المؤرخ في 10/6/1996 (المودع ضمن حافظة مستندات مورث الطاعنين أمام محكمة أول درجة بجلسة 17/2/1999)، كما أن الثابت كذلك من التقرير الطبي المؤرخ في 8/2/1998 من المستشفى نفسه (المودع حافظة مستندات مورث الطاعنين أمام محكمة أول درجة بتلك الجلسة) أن نجل مورث الطاعنين عولج بالعقاقير الكيمياوية اللازمة له إلا أنه توفي متأثراً بالمرض قبل إجراء عملية زرع نخاع عظمى له.
وحيث إنه لتحديد سبب الإصابة بالمرض يتعين إجراء تحقيق على النحو الذي تطلبته المادة (82) من قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975 المذكورة سالفا.
ولما كان نجل مورث الطاعنين قد توفرت فيه بيقين اللياقة الطبية اللازمة للخدمة العسكرية عند التحاقه بها في 26/1/1994 وأثناء خدمته العسكرية، حتى أصيب بمرض أثناء خدمته العسكرية، وشخص مرضه على أنه لوكيميا حادة بالدم إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 17/6/1996، وبغير أن تجري جهة الإدارة التحقيق المشار إليه لتحديد سبب الإصابة بالمرض، ومن ثم فإنه لم يثبت من الأوراق أنه قد انتفت بعد التحقيق والبحث والفحص مسئولية الإدارة العسكرية عن إصابة نجل مورث الطاعنين بالمرض بسبب الخدمة العسكرية وما نتج عنها من مضاعفات، وكان ذلك بالضرورة نتيجة لعدم إجراء التحقيق والبحث والفحص الذي أوجبه القانون في مثل هذه الحالة وبالمخالفة لأحكامه وبتقصير من الإدارة العسكرية المختصة الذي يخضع نجل مورث الطاعنين تماما لسلطتها خلال خدمته العسكرية ووقت مرضه وعلاجه، ومن ثم فإنه لا يسوغ بتقصير الإدارة العسكرية المذكورة إهدار حق نجل مورث الطاعنين الذي ثبت من الأوراق سلامة تجنيده صحيا ووقوع الإصابة بالمرض أثناء هذه الخدمة، وباعتبار أن قبوله كضابط احتياط كان بسبب أنه لائق للخدمة العسكرية طبيا، فإن مرضه يكون قد حدث حتما أثناء الخدمة ووجود نجل مورث الطاعنين تحت سيطرة الإدارة العسكرية خلالها في جميع ما يتعلق بحياته وفى تنفيذه لواجبات أدائها متعرضا للأخطار التي تتفق مع طبيعــة الخدمة العسكرية وكيفية أدائها وأماكن تنفيذ واجباتها، ومن ثم فإنه يتعين اعتبار ما وقع له قد تم أثناء وبسبب الخدمة.
يؤكد ذلك أنه إذا كان الدستور قد أوجب على كل قادر من شباب هذه الأمة الانخراط في سلك الجندية دفاعا عن حياة أفرادها وأموالهم وأعراضهم، وصونا لاستقلال الدولة وتحقيقا لعزتها وكرامتها، فإن الخزانة العامة يجب أن تتحمل عبء المخاطر التي يتعرضون لها أثناء الخدمة العسكرية وبسببها في كل الأحوال التي تثبت فيها إصابتهم أو مرضهم أثناء الخدمة وبسببها، أو التي يثبت وقوع المرض أو الإصابة أثناء الخدمة وبعد الالتحاق بها والتي لم يتم تحقيقها وفحصها على وفق ما حدده القانون ليثبت أنها ليست بسبب الخدمة العسكرية، وقد حدد قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1975. المشار إليه بالنسبة للعسكريين ومنهم ضباط الاحتياط (ونجل مورث الطاعنين أحدهم) جميع الحقوق والمزايا التي تستحق لمن يصاب أثناء الخدمة وبسببها على ما فصلته نصوص هذا القانون في هذا الشأن.
أما وقد ثبت أن مرض نجل مورث الطاعنين قد وقع أثناء خدمته العسكرية، ولم تثبت الإدارة العسكرية على وفق التحقيق الذي كان يتعين عليها إجراؤه أن ما وقع لنجل مورث الطاعنين ليس بسبب الخدمة العسكرية، وقامت بتسوية جميع حقوقه على هذا الأساس، أي على أساس أن الوفاة حدثت أثناء الخدمة وليست بسببها، ودون إجراء التحقيق المطلوب، فإن هذا يقطع في يقين المحكمة بثبوت خطأ جهة الإدارة في هذا الصدد.
ومما لا ريب فيه أن ذلك الخطأ ترتب عليه ضرر للطاعنين بنوعيه، حيث تمثل الضرر المادي فيما قامت به جهة الإدارة من تسوية جميع حقوق نجل مورثهم على أساس أن وفاته ليست بسبب الخدمة، حيث تزيد ماديا إذا كانت بسبب الخدمة، بالإضافة إلى مصاريف التقاضي للحصول على حقوقهم، ويتمثل الضرر الأدبي في إحساسهم بالحزن والأسى نتيجة عدم تحمل جهة الإدارة مخاطر مرض نجل مورثهم الذي تعرض له أثناء الخدمة العسكرية وبسببها وانتهى بوفاته.
ولما كانت الأضرار التي لحقت بالطاعنين هي نتيجة لخطأ جهة الإدارة، ومن ثم تكون قد تكاملت أركان مسئوليتها، وتحققت من ثم موجبات التعويض، مما يتعين معه القضاء بتعويض الطاعنين عما لحقهم من أضرار بتعويض إجمالي تقدره المحكمة بمبلغ خمسين ألف جنيه عما أصابهم من أضرار.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب، فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون متعينا الإلغاء.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة: (أولا) بعدم قبول طلب الطاعنين بأحقيتهم في المعاش طبقا لأحكام القانون رقم 90 لسنة 1975. (ثانيا) بقبول الطعن شكلا بالنسبة لطلب التعويض، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإلزام المطعون ضدهم بصفاتهم أن يؤدوا للطاعنين مبلغ خمسين ألف جنيه على سبيل التعويض، وألزمتهم المصروفات عن درجتي التقاضي.