جلسة 22 من فبراير سنة 2012
الطعن رقم 15432 لسنة 54 القضائية (عليا)
(الدائرة السادسة)
– مشروعات إسكان محدودي الدخل– قواعد تخصيص وحدة سكنية– المقصود بعبارة: “ألا يكون المتقدم أو أحد ممن يعولهم حائزا لوحدة سكنية مستقلة، إيجارا أو ملكا”- الحيازة التي يعول عليها في هذا الشأن هي تلك الحيازة المنفردة المستقلة التي لا يشارك الحائزَ عليها أحدٌ غيره، وتكون مستندة إلى سبب قانوني يحميها، كأن تكون بناء على عقد أو أي من التصرفات القانونية الأخرى التي تقوم عليها الحيازة– إذا انتفى عن الحيازة الاستقرار، وكانت غير قائمة على سند قانوني ترتكز عليه، أو تمت على سبيل التسامح والمجاملة، فلا يعتد بها في هذا الشأن، ولا تصلح سببا للحرمان من الحصول على وحدة سكنية بمشروعات إسكان محدودي الدخل.
– مسئولية جهة الإدارة عن أعمالها- ركن الخطأ الموجب لمسئولية جهة الإدارة– إذا أخطأت جهة الإدارة أثناء قيامها بتصرف تقصد به تحقيق وجه المصلحة العامة؛ فلا تجوز مساءلتها في هذه الحالة عن خطئها المادي، مادام أن مسلكها لم يشكل خطأ جسيما، ولم يتم بسوء نية.
في يوم الخميس الموافق 17/4/2008 أودع الأستاذ/… المحامي بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 15432 لسنة 54 القضائية عليا، في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى بأسيوط) بجلسة 19/2/2008 في الدعوى رقم 7969 لسنة 14 القضائية، الذي قضى برفض الدعوى، وإلزام المدعى المصروفات.
وطلب الطاعن –للأسباب المبينة بتقرير الطعن– الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا: (أصليا) بإلغاء قرار هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة فيما تضمنه من عدم تخصيص وحدة سكنية له بمشروع إسكان المستقبل لمحدودي الدخل بمدينة أسيوط الجديدة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، و(احتياطيا) بإلزام الجهة الإدارية رد مقدم الحجز الذي دفعه، وتعويضه عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به من جراء القرار الطعين، وإلزامها المصروفات في كل الحالات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وإلزام الطاعن بالمصروفات.
وعينت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 5/4/2011، وتدوول نظره أمامها بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 7/6/2011 أودع الحاضر عن الطاعن حافظة مستندات طويت على ثلاثة مستندات على النحو المبين بواجهتها، كما أودع مذكرة انتهى فيها إلى التصميم على الطلبات الواردة بتقرير الطعن، وبجلسة 21/6/2011 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة السادسة (موضوع) بالمحكمة لنظره أمامها بجلسة 28/9/2011، وبها نظر والجلسات التالية على النحو المبين بمحاضرها، وبجلستها المعقودة بتاريخ 2/11/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 18/1/2012، وصرحت بتقديم مذكرات لمن يشاء من الخصوم خلال شهر، وانقضى هذا الأجل دون إيداع مذكرات، وبجلسة 18/1/2012 قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم في الطعن لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن عناصر المنازعة تتحصل –حسبما يبين من الأوراق– في أنه بتاريخ 4/9/2003 أقام الطاعن الدعوى رقم 7969 لسنة 14 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى بأسيوط) ضد المطعون ضدهم، طالبا فيها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة فيما تضمنه من عدم تخصيص وحدة سكنية له بمشروع إسكان المستقبل لمحدودي الدخل بمدينة أسيوط الجديدة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، واحتياطيا: بإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها رد مقدم الحجز الذي دفعه ومقداره ألف جنيه، وتعويضه عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به من جراء القرار الطعين، وإلزامها بالمصروفات.
وقال المدعي تبيانا لدعواه إنه تقدم بطلب لحجز وحدة سكنية بالمشروع المذكور، ودفع مقدم الحجز ومقداره ألف جنيه، بيد أنه فوجئ بقرار الجهة الإدارية برفض تخصيص وحدة سكنية له بهذا المشروع بدعوى أنه يحوز مسكنا مستقلا بمنزل والده.
ونعى المدعي على هذا القرار قيامه على غير سند صحيح؛ لأن المنزل الذي يقيم به مع زوجته وأولاده مملوك لوالده، وخلص المدعي إلى طلب الحكم بطلباته المذكورة سالفا.
………………………………….
وبجلسة محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى بمدينة أسيوط) المنعقدة بتاريخ 19/2/2008 أصدرت حكمها المطعون فيه المتقدم إيراد منطوقه، وشيدت المحكمة قضاءها على أساس أن المدعي تقدم بطلب لحجز وحدة سكنية بالمشروع المذكور، ودفع مقدم الحجز ومقداره ألف جنيه، وكان من بين الشروط اللازمة لتخصيص هذه الوحدة السكنية ألا يحوز المتقدم أية وحدة سكنية أخرى، وقد ثبت من التحريات التي أجريت عنه بمعرفة الجهة الإدارية أنه يقيم مع زوجته وأولاده بشقة سكنية بمنزل والده، وبذلك ينتفي بشأنه شرط من الشروط اللازمة للاستحقاق، ويكون القرار المطعون فيه من ثم قد صدر سليما.
وعن طلب المدعي رد مقدم الحجز الذي دفعه فإن شروط الاستحقاق تضمنت كذلك عدم رد مقدم الحجز إذا ما ثبت أن المتقدم أورد بيانات غير صحيحة، وإذ ثبت عدم صحة البيانات التي ذكرها المدعي فيما يتعلق بعدم حيازته لوحدة سكنية أخرى، فإنه يتعين رفض هذا الطلب.
وعن طلب التعويض فإنه وقد ثبت عدم خطأ الجهة الإدارية بإصدارها القرار الطعين على نحو ما سلف، مما يتعين معه رفض هذا الطلب كذلك، وخلصت المحكمة إلى إصدار حكمها المتقدم في هذه الدعوى.
………………………………….
وحيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه شابه فساد في الاستدلال، وقصور في التسبيب، وخالف الثابت بالأوراق؛ لأن هذا الحكم اعتمد في قضائه على تحريات أجرتها الجهة الإدارية ورد بها أن الطاعن يقيم بمسكن مستقل مملوك لوالده، وهذه التحريات غير جدية وغير حقيقية، ومما يؤكد عدم جديتها أن المنزل الذى يقيم به الطاعن مملوك لشقيقه وليس لوالده حسبما ورد برخصة هذا المنزل، كذلك عداد الإنارة الموجود بهذا المنزل باسم شقيقه، وأنه يقيم مع شقيقه بهذا المنزل على سبيل الاستضافة والمجاملة، وخلص الطاعن إلى طلب الحكم بطلباته المبينة سلفا.
………………………………….
وحيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن تقدم بطلب لحجز وحدة سكنية بمشروع المستقبل لمحدودي الدخل بمدينة أسيوط الجديدة حسب الإعلان الصادر عن الجهة الإدارية في هذا الشأن، ودفع مقدم الحجز ومقداره ألف جنيه، وكان من بين الشروط اللازمة للحجز ألا يكون المتقدم أو أحد ممن يعولهم حائزا لوحدة سكنية مستقلة إيجارا أو ملكا، وأجرت الجهة الإدارية استعلاما عن الطاعن للتأكد من توفر هذا الشرط في شأنه، وجاء في هذا الاستعلام أنه يقيم في شقة مكونة من ثلاث حجرات وصالة بمنزل والده الكائن بقرية أولاد بدر مركز الفتح محافظة أسيوط، واستنادا إلى هذا السبب صدر القرار المطعون فيه بإلغاء تخصيص وحدة سكنية له بالمشروع المذكور، فتظلم من هذا القرار، وبناء على هذا التظلم أعيد الاستعلام عنه مرة أخرى، ورفض تظلمه لذات السبب.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الحيازة التي يعول عليها في هذا الشأن وتبرر حرمان المتقدم من تخصيص وحدة سكنية له بمشروع إسكان محدودي الدخل بالمدن الجديدة هي تلك الحيازة المنفردة المستقرة التي لا يشارك الحائز فيها أحد غيره، وتكون مستندة إلى سبب قانوني يحميها، كأن تكون بناء على عقد أو أي من التصرفات القانونية الأخرى التي تقوم عليها الحيازة، أما إذا انتفى عن الحيازة الاستقرار وكانت غير قائمة على سند قانوني ترتكز عليه أو تمت على سبيل التسامح والمجاملة فلا يعتد بها في هذا الشأن، ولا تصلح سببا للحرمان من الحصول على وحدة سكنية بالمشروعات المذكورة.
وحيث إنه متى كان ذلك وكان الثابت أن رخصة بناء المنزل الذي يقيم به الطاعن مع زوجته وأولاده بالقرية المذكورة صادرة باسم شقيقه، وأن عداد الإنارة الموجود بهذا المنزل باسم شقيقه أيضا، وسواء كان هذا المنزل مملوكا لشقيقه أو ملوك لوالده حسبما جاء بالاستعلام الذي أجرته الجهة الإدارية، فإن الثابت يقينا أن هذا المنزل غير مملوك للطاعن، وقد خلت الأوراق من أي دليل يقطع بأن الطاعن يحوز هذا المسكن حيازة مستقرة ترتكن على سبب قانوني يحميها، ومن ثم لا تصلح هذه الحيازة سندا لحرمان الطاعن من الحصول على وحدة سكنية بمشروعات إسكان محدودي الدخل بالمدن الجديدة، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه بحرمانه من الحصول على وحدة سكنية بمشروع إسكان المستقبل بمدينة أسيوط الجديدة استنادا إلى السبب المذكور قد بني على سند غير صحيح واستخلص استخلاصا غير سديد من أصول لا تؤدي إليه، مما يستوجب إلغاء هذا القرار خلافا لما قضى به الحكم المطعون فيه.
– وحيث إنه عن طلب الطاعن رد المبلغ الذي دفعه مقدما لحجز الوحدة السكنية بالمشروع المذكور فإنه وقد ثبتت أحقيته في الحصول على هذه الوحدة، وإلغاء قرار حرمانه منها على نحو ما توضح سلفا، فمن ثم يغدو هذا الطلب لا أساس له متعين الرفض.
– وحيث إنه عن طلب الطاعن الحصول على تعويض مادي وأدبي عن الأضرار التي حاقت به من جراء القرار المطعون فيه، فإن المستقر عليه أن القضاء بالتعويض ليس من مستلزمات القضاء بالإلغاء، وأن لكل من القضاءين أساسه الذي يقوم عليه.
وحيث إنه ولئن كانت الجهة الإدارية قد انتهت إلى حرمان الطاعن من الحصول على الوحدة السكنية المذكورة، فإن هذا الذي انتهت إليه قد تم بعد إجراء أكثر من استعلام عن الطاعن وبعد البحث والتحري عنه وخلصت إلى إصدار قرارها المطعون فيه بحرمانه من هذه الوحدة السكنية، وهي وإن كانت قد أخطأت في إصدار هذا القرار على النحو الموضح تفصيلا فيما سبق، إلا أنها كانت تقصد بتصرفها تحقيق وجه المصلحة العامة، وتوزيع المساكن المذكورة على مستحقيها الحقيقيين، وهي تواجه في هذه الحالات صعوبات جمة إزاء محدودية الوحدات الموزعة، وتزاحم أعداد كبيرة من المواطنين على طلب هذه الوحدات، وهو أمر يتطلب منها دقة البحث والتحري، ومن ثم فلا تجوز مساءلتها في هذه الحالة عن الخطأ المادي، بل يلزم للقضاء عليها بالتعويض أن يكون الخطأ جسيما، أو أن يكون خطؤها قد تم بسوء نية، وإلى هذا المعنى وحده تنصرف دلالة الخطأ الموجب لمسئوليتها بالتعويض في الحالة المعروضة، ولا ريب أن تصرف الجهة الإدارية بحرمان الطاعن من الوحدة السكنية المذكورة على الوجه السابق بيانه لا ينطوي على شيء من ذلك، كما أن في القضاء بإلغاء القرار المطعون خير تعويض للطاعن عن أي أضرار تكون قد لحقت به من جراء هذا القرار، مما يتعين معه رفض طلب التعويض الماثل.
وحيث إنه لكل ما سبق يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في قضائه برفض الدعوى فيما يتعلق بطلب إلغاء القرار المطعون فيه، وصادف الصواب في النتيجة التي انتهى إليها فيما عدا ذلك، مما يتعين معه إلغاء هذا الحكم، والقضاء مجددا بإلغاء القرار المطعون فيه، وبرفض الطعن فيما عدا ذلك، وإلزام الجهة الإدارية والطاعن المصروفات مناصفة عملا بحكم المادة (186) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإلغاء القرار المطعون فيه، وبرفض الطعن فيما عدا ذلك، وألزمت الجهة الإدارية والطاعن المصروفات مناصفة.