جلسة 26 من مايو سنة 2009
(الدائرة الثالثة)
الطعن رقم 16621 لسنة 52 القضائية عليا.
تنفيذه– قواعد تفسيره.
فى مجال تفسير العقود يتعين البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف على المعنى الحرفى للألفاظ، إذ العبرة بالإرادة الحقيقية، على أن تكون هى الإرادة المشتركة للمتعاقدين التي التقى عندها المتعاقدان، فهى التى يؤخذ بها، دون الاعتداد بما لأي متعاقد منهما من إرادة فردية- من العوامل التى يستهدي بها القضاء للكشف عن هذه النية المشتركة ما يرجع إلى طبيعة التعامل حيث يختار القاضي المعنى الذى تقتضيه طبيعة العقد، ومن العوامل الموضوعية أن تخصيص حالة بالذكر يجعلها تنفرد بالحكم، وأن عبارات العقد يفسر بعضها بعضا، بمعنى أنه لا يجوز عزل العبارة الواحدة عن بقية العبارات، بل يجب تفسيرها باعتبارها جزءا من كل وهو العقد، ومن العوامل الخارجية: الطريقة التى ينفذ بها العقد، وتكون متفقة مع ما يوجبه حسن النية فى تنفيذ العقود، حيث لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف وقواعد العدالة بحسب طبيعة الالتزام– تطبيق.
تنفيذه- الجزاءات التى يجوز للإدارة توقيعها على المتعاقد المقصر- غرامة التأخير– توقيعها يكون بنسبة محددة عن مدة محددة دون تداخل بين المدد والنسب عن طريق التجميع.
إذا تأخر المتعاقد مع جهة الإدارة فى تنفيذ التزاماته الواردة بالعقد عن الميعاد المحدد له، يجوز للسلطة المختصة منحه مهلة إضافية لإتمام التنفيذ إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، على أن توقع على المقاول في تلك الحالة غرامة عن مدة التأخير بنسب محددة عن مدد محددة، وتختلف نسبة الغرامة باختلاف مدة التأخير، وذلك دون تداخل بين المدد والنسب عن طريق التجميع- تطبيق.
مناط تطبيقها
حدد المشرع فى المادة (226) من القانون المدنى التعويض المستحق للدائن عند تأخر المدين فى الوفاء بالتزاماته إذا كان عليه مبلغ من المال معلوم المقدار ومستحق الأداء بفائدة قانونية 5 % في المسائل التجارية و 4 % بالنسبة للمسائل المدنية– مؤدى ذلك: لا مجال لتحديد التعويض بمقتضى تقدير القاضي، وذلك ما لم يكن الدائن قد أصابه ضرر يجاوز مقدار الفوائد، وأن يكون الضرر ناتجا عن سوء نية المدين طبقاً للمادة (231) من القانون المدني– تطبيق.
في يوم السبت الموافق 15/4/2006 أودع وكيل الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري دائرة بني سويف والفيوم بجلسة 21/2/2006 في الدعويين رقمي 32 و 448 لسنة 1ق الذي قضى في منطوقه برفض الدعويين وإلزام المدعي بصفته المصروفات ومئة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة دائرة بني سويف والفيوم فيما قضى به من رفض الدعوى وإجابة الطاعن لطلباته المبينة بصحيفة الدعوى المطعون على حكمها وإلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأعلن الطعن على النحو الثابت بالأوراق. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً وإلزام الشركة الطاعنة المصروفات. ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على الوجه المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 4/6/2008 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثالثة موضوع لنظره بجلسة 14/10/2008.
ونظرت المحكمة الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 7/4/2009 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 5/5/2009 وبعد أن مدت أجل النطق به صدر الحكم بجلسة اليوم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة في الطعن الماثل تخلص -حسبما يبين من أوراق الحكم المطعون فيه- في أنه بتاريخ 14/9/1998 أقام الطاعن (المدعي) الدعوى رقم 9866 لسنة 52ق أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة دائرة العقود والتعويضات، طالبا في ختامها الحكم بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ بنود العقد فيما يتعلق بعلاوة الأسعار وما يترتب على ذلك من آثار، وفي الموضوع بإلزام الجهة الإدارية بتنفيذ بنود العقد فيما يتعلق بقيمة الأعمال الزائدة وغرامة التأخير وقدرها 427458.19 جنيها، والفوائد القانونية بواقع 5%، والتعويض شاملاً الفوائد البنكية، وحرمانه من الانتفاع من هذا المبلغ طوال هذه الفترة، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وذكر المدعي شرحاً لدعواه أن مرفق مياه الشرب بالفيوم قد أعلن في عام 1994 عن عمليتين لتوريد وتركيب مواسير بلاستيك الأولى بناحية الشنطوري كحك قبلي ـ الرواشدية يقطر 400 مم، والثانية بخفاجة ناحية الصوفي ـ دشيا مناشي الخطيب ـ طبهار بقطر 315مم، وقد قامت الشركة بتنفيذ الأعمال وتسليمها للجهات المختصة، وتقدمت بالمستخلصات الختامية عن تلك العملية؛ ولبطء إجراءات الصرف ونفاذ الاعتمادات المالية من ناحية أخرى لم تستطع الشركة صرف مستحقاتها المتأخرة والبالغة 615000جنيه، مما أثر في المركز المالي للشركة وسداد التزاماتها للبنوك وفي المشاريع الأخرى التي كانت تقوم الشركة بتنفيذها في ذلك الوقت، حيث فوجئ المدعي عند صرف مستحقاته أن المرفق رفض تطبيق الشرط الثالث الوارد بعطائه والذي قبلته لجنتا المفاوضة والبت، والخاص بصرف العلاوة على بند المواسير بالعقد بذات نسبة الزيادة التي تطرأ على أسعار الخدمات، فتم احتساب فروق أسعار على المواسير بطريقة تخالف العقد، وقد تبين أن فروق أسعار المواسير كانت تستحق السداد على كل مستخلص عن الأعمال التي تمت بالعمليات سالفة الذكر، وبالتالي يكون من حق الشركة المدعية إضافة مدة لتنفيذ العملية من تاريخ استحقاق تلك المبالغ وحتى تاريخ صرفها طبقا للشروط والتي قبلتها لجنة البت، ومنها صرف الزيادة في أسعار المواسير التي تستخدم في العملية وإضافة مدة التأخير في صرف المستحقات إلى مدة العملية، وقد سارعت الشركة إلى عرض الأمر على المستشار القانوني لمحافظة الفيوم الذي أفاد بأحقيتها في صرف زيادة أسعار المواسير التي تستخدم في العملية، وكذلك أحقيتها في إضافة مدة التأخير في صرف مستحقاتها إلى مدة العملية، الأمر الذي يحق معه للشركة المدعية المطالبة يرد قيمة غرامة التأخير التي تبلغ 210030.69جنيها، وصرف قيمة الأعمال التي نفذت وتبلغ 217427.50جنيها، وبذلك يكون إجمالي المستحق للشركة هو مبلغ 427458.19جنيها. واختتم المدعي دعواه بطلب الحكم له بطلباته سالفة البيان.
وبتاريخ 19/10/1998 أقام المدعي الدعوى رقم 518 لسنة 53ق أمام ذات المحكمة وطلب في ختامها الحكم له بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ بنود العقد فيما يتعلق بعلاوة الأسعار، وما يترتب على ذلك من آثار، وفي الموضوع بإلزام الجهة الإدارية أن تؤدي للشركة المدعية مبلغ 1214642.86جنيها بالإضافة إلى الفوائد القانونية بواقع 5% والتعويض وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد رددت الشركة المدعية في الدعوى الأخيرة ذات الوقائع بالأسباب التي استندت إليها في صحيفة دعواها الأولى، وأضافت أنها تطالب برد المبلغ المستبقى من غرامة التأخير عن عملية توريد وتركيب مواسير بلاستيك قطر 315مم لعمليات (الصوفي ـ رشيا ـ مناشي الخطيب ـ طهبار) وقدرها 947867.53 جنيها، وعلاوة في الأسعار عن عملية توريد وتركيب مواسير بلاستيك قطر 400مم عن عمليات (الشنطوري ـ كحك قبلي ـ الرواشديه) وقدرها 751668.81 جنيها، فيكون مجموع علاوات الأسعار للعمليتين 1699536.34جنيها، مخصوماً منه ما تم صرفه للشركة المدعية وهو مبلغ 1075383.17جنيها من علاوات الأسعار، وبذلك يكون صافي المستحق للشركة من علاوات الأسعار عن العمليتين مبلغ 624153جنيها، بالإضافة إلى الفوائد البنكية عن المبالغ المستحقة للشركة من تاريخ استحقاقها إلى تاريخ صرفها، والتي قدرها البنك بمبلغ 335000جنيه طبقاً لكشوف الحسابات البنكية، فيكون إجمالي المستحق للشركة هو مبلغ 1214642.86جنيها. واختتم المدعي صحيفة دعواه بما سلف بيانه من طلباته.
وتدوول نظر الدعويين على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 11/4/1999 قررت المحكمة ضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 1/10/2000 قررت المحكمة إحالة الدعويين إلى محكمة القضاء الإداري دائرة بني سويف والفيوم للاختصاص ونفاذا لذلك أحيلت الدعويان إلى المحكمة الأخيرة، حيث تم قيدهما بجدولها تحت الرقمين المشار إليهما بصدر هذا الحكم.
وتدوولت الدعويان بالجلسات أمام المحكمة الأخيرة على النحو المبين بالمحاضر حيث قضت بجلسة 7/11/2000 بقبول الدعويين شكلاً وبندب مكتب خبراء وزارة العدل بالفيوم ليندب أحد الخبراء المختصين تكون مهمته الاطلاع على ملف العمليتين والانتقال إلى موقع تنفيذهما، وتحديد قيمة الأعمال التي نفذتها الشركة المدعية خلال المدة المحددة للتنفيذ، وبيان ما إذا كان هناك أي تأخير وأسبابه، ومدى جواز خصم غرامات تأخير من عدمه في ضوء أحكام العقد المبرم بين طرفي النزاع، وتحديد مدد التأخير في صرف المستحقات للشركة المدعية، وأسباب ذلك التأخير، ومدى تأثيره إن وجد على قيمة غرامات التأخير التي وقعتها الجهة الإدارية، وتحديد قيمة فروق الأسعار للمواسير محل العمليتين طبقاً لبنود العقد، مع بيان ما تم صرفه للشركة من مبالغ، وتحديد ما يكون مستحقاً لهما من مبالغ إعمالا لشروط وأحكام العقد، وللخبير في سبيل أداء مهمته الاطلاع على ما يقدمه الخصوم من مستندات والانتقال إلى أية جهة حكومية أو غير حكومية يرى ضرورة الانتقال إليها.
وقد باشر الخبير المنتدب المأمورية المكلف بها وأودع تقريرا انتهى فيه إلى أن الجهة الإدارية في العملية الأولى بناحية الصوفي ـ دشيا ـ مناش الخطيب ـ طهبار قامت بتوقيع غرامة التأخير على الشركة المدعية بلغت 255488.16جنيها، وذلك لعدم تنفيذها تلك العملية في الموعد المحدد، وأن تأخرها كان بدون عذر خارج عن إرادتها، أما العملية الثانية بناحية الشنطوري -كحك قبلي- الرواشدية فقد قامت الجهة الإدارية برفع غرامة التأخير عن الشركة وأصبحت تلك العملية بدون غرامات تأخير، كما أنه لا يوجد تأخير من جانب الجهة الإدارية في صرف المستخلصات المستحقة للشركة المدعية عن العمليتين محل النزاع، كما قامت الجهة الإدارية بحساب الزيادة في أسعار مواسير البلاستيك المستخدمة في العمليتين، وتم إضافة تلك الزيادة في المستخلصات المنصرفة للشركة.
وبجلسة 7/6/2005 أصدرت المحكمة حكمها بانقطاع سير الخصومة في الدعويين لزوال صفة الممثل القانوني للهيئة العامة الاقتصادية لمياه الشرب والصرف الصحي بالفيوم بعد تحولها إلى شركة تابعة بموجب القرار الجمهوري رقم 135 لسنة 2004.
وبتاريخ 3/8/2005 أودع المدعي بصفته مذكرة طلب فيها استئناف سير الخصومة بعد اختصامه لرئيس مجلس إدارة الشركة التابعة لمياه الشرب والصرف الصحي بالفيوم.
وبجلسة 21/2/2006 صدر الحكم المطعون فيه وشيدت المحكمة قضاءها فيما يتعلق بطلب الشركة المدعية إلزام الشركة التابعة لمياه الشرب والصرف الصحي بالفيوم بأداء مبلغ 629769.22 جنيها والمتعلق بعلاوة الأسعار، على أن مقتضى التفسير السليم والمنطقي للشرط الذي تثيره الشركة المدعية بخصوص زيادة أسعار المواسير هو تحميل الشركة المدعى عليها بأية زيادة تطرأ على أسعار المواسير أثناء تنفيذ العقد، وليس زيادة بند التوريد والتركيب كاملا، بما يشمله من عناصر حفر وتركيب وردم، بحسبان أن ذلك تم تحديده عند التعاقد، ولم تطرأ عليه أية زيادة، والقول بغير ذلك يؤدي إلى إثراء الشركة بلا سبب وبالمخالفة للقانون، وإذ قامت الشركة المدعى عليها بحساب الزيادة في أسعار مواسير البلاستيك المستخدمة في العمليتين، وتم إضافة تلك الزيادة في المستخلصات المنصرفة للشركة المدعية، فمن ثم تكون الشركة المدعى عليها قد أوفت بكامل التزاماتها المتعلقة بهذا الطلب، الأمر الذي يضحى معه هذا الطلب غير قائم على سند صحيح من القانون خليقا بالرفض.
وبالنسبة لطلب الشركة المدعية رد قيمة الغرامة التأخيرية التي تم توقيعها عليها فقد شيدت المحكمة قضاءها من استعراضها لنص المادة 26 من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم 9 لسنة 1983 ونص المادة 93 من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور على أن الثابت أن الجهة الإدارية في العملية الثانية بناحية الشنطوري ـ كحك قبلي ـ الرواشدية قامت برفع غرامة التأخير عن الشركة وأصبحت تلك العملية بدون غرامات تأخير، أما العملية الأولى بناحية الصوفي ـ دشيا ـ بناش الخطيب ـ طهيار فقد قامت الجهة الإدارية بتوقيع غرامة التأخير على الشركة المدعية بلغت 255488.16جنيها وذلك نتيجة تأخرها في تنفيذ تلك العملية عن الموعد المحدد بالعقد مدة ثمانية وخمسين يوما، وهو ما يعد إخلالاً بشروط العقد، ومن ثم فإن توقيع غرامة التأخير على الشركة المدعية عن المدة سالفة البيان يكون متفقاً وصحيح حكم القانون، كما أنه لا يوجد تأخير في جانب الجهة الإدارية في صرف المستخلصات المستحقة للشركة المدعية عن العمليتين محل النزاع، كما قامت الجهة الإدارية بحساب الزيادة في أسعار مواسير البلاستيك المستخدمة في العمليتين وتم إضافة تلك الزيادة في المستخلصات المنصرفة للشركة مما يجعل مطالبتها باسترداد قيمة غرامة التأخير الموقعة عليها والحصول على مستحقاتها المتعلقة بفروق أسعار المواسير البلاستيك غير قائمة على سند صحيح من القانون خليقاً بالرفض.
أما عن طلب التعويض فيتبين أنه قد ثبت مما تقدم انتفاء الخطأ في جانب الجهة الإدارية المدعى عليها، وبالتالي فلا محل لمسئوليتها عن أية أضرار تكون قد لحقت بالشركة المدعية مما يجعل طلب التعويض غير قائم على سند صحيح من القانون خليقاً بالرفض. وانتهت المحكمة إلى حكمها المطعون فيه.
ولما كان هذا القضاء لم يلق قبولاً لدى الشركة الطاعنة فقد طعنت عليه بالطعن الماثل استناداً إلى مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وذلك تأسيساً على أن التعبير عن الإرادة في العقود محل النزاع قد جاء بألفاظ صريحة لا تحتاج إلى تأويل أو تفسير حيث كان عطاءا الشركة الطاعنة صالحين فنيا، وكانا بأقل الأسعار، وقد تمسكت الشركة بتحفظاتها المبينة بعطائها بالنسبة لزيادة أسعار المواسير وكيفية احتسابها بوضوح شديد، بما لا يحتمل معه النص أي تفسير أو تأويل، مما كان يتعين معه إجابة الشركة الطاعنة إلى طلبها في هذا الشأن.
ومن ناحية أخرى فإن تأخر الشركة في تنفيذ التزاماتها لم يكن راجعاً لها وإنما كان بسبب عدم وفاء الجهة الإدارية بالتزاماتها التعاقدية الواردة بالعقد، حيث لم تقم الأخيرة بصرف المستحقات المالية خلال المواعيد المتفق عليها، بما كان يتعين معه عدم توقيع أية غرامات تأخير على الشركة الطاعنة، الأمر الذي يحق معه للشركة الطاعنة استرداد قيمة ما تم توقيعه عليها من غرامات التأخير، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون متعين الإلغاء.
ومن حيث إنه عن الاختصاص فإن المنازعة الماثلة متعلقة بعقد إداري مبرم بتاريخ 11/12/1994 بين الشركة الطاعنة ومرفق مياه الشرب بمحافظة الفيوم (الهيئة العامة الاقتصادية لمياه الشرب والصرف الصحي في محافظة الفيوم)، وأنه وعلى الرغم من تحول الهيئة المذكورة إلى شركة تابعة للشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي المنشأة بموجب أحكام القرار الجمهوري رقم 135 لسنة 2004 إلا أن الاختصاص بنظر هذه المنازعة يظل معقوداً لمحاكم مجلس الدولة باعتبارها منازعة إدارية متعلقة بعقد إداري مما يختص به القضاء الإداري وفقاً للمعيار الموضوع في تكييف العقود الإدارية، ولرفعها أمام محكمة القضاء الإداري بتاريخ 14/9/1998 قبل صدور القرار الجمهوري سالف الذكر، وتدوولت الدعوى أمام القضاء الإداري حتى عام 2004.
ومن حيث إنه عن طلب الشركة الطاعنة إلزام الشركة التابعة لمياه الشرب والصرف الصحي بالفيوم بأداء مبلغ 629769.26جنيها تنفيذاً للعقد بشأن علاوة الأسعار فإن المادة 147 من القانون المدني تنص على أن: “العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون…”.
وتنص المادة 148 من ذات القانون على أنه: “(1) يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية. (2) ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام”.
وتنص المادة 150 من القانون المذكور على أنه: “(1) إذا كانت عبارة العقد واضحة، فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين. (2) أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل، وما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وفقاً للعرف الجاري في المعاملات”.
ومن حيث إنه من المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه في مجال العقود عموماً مدنية كانت أو إدارية فإنه يجب تنفيذ العقد وفقاً لما اشتملت عليه نصوصه وبما يتفق ومبدأ حسن النية طبقاً للأصل العام المقرر في الالتزامات عموما، ومن مقتضى ذلك أن حقوق المتعاقد مع الإدارة والتزاماته تتحدد طبقاً لشروط العقد الذي يربطه بها.
كما أن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أنه في مجال تفسير العقود فإنه من المتعين البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف على المعنى الحرفي للألفاظ، إذ العبرة بالإرادة الحقيقية، على أن تكون هي الإرادة المشتركة للمتعاقدين، والتي التقى عندها المتعاقدان، وهي التي يؤخذ بها دون اعتداد بما لأي متعاقد منهما من إرادة فردية، ومن العوامل التي يستهدي بها القضاء للكشف عن هذه النية المشتركة ما يرجع إلى طبيعة التعامل حيث يختار القاضي المعنى الذي تقتضيه طبيعة العقد، ومن العوامل الموضوعية التي يسترشد بها القاضي أن تخصيص حالة بالذكر لا يجعلها تنفرد بالحكم، وأن عبارات العقد يفسر بعضها بعضاً، بمعنى أنه لا يجوز عزل العبارة الواحدة عن بقية العبارات، بل يجب تفسيرها باعتبارها جزءاً من كل وهو العقد، فقد تكون العبارة مطلقة ولكن تحددها عبارة سابقة أو لاحقة، وقد تكون العبارة مبهمة وتفسرها عبارة في فصل آخر، وكذلك من العوامل الخارجية في تفسير العقد الطريقة التي ينفذ بها وتكون متفقة مع ما يوجبه حسن النية في تنفيذ العقود، حيث لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف وقواعد العدالة بحسب طبيعة الالتزام، ومن المسلم به أن قواعد التفسير المقررة في القانون المدني إنما تقوم على حسن الفهم والإدراك، وأنها وضعت لتعين القضاء على الكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين، وإذا كان هذا هو الشأن في مجال القانون الخاص بقواعده المقننة، فإن القانون الإداري وهو غير مقنن أولى بأن تسوده هذه الفكرة.
ومن حيث إنه وبالبناء على ما تقدم وكانت الشركة الطاعنة كانت قد ضمنت عطاءيها المقدمين منها في عمليتي توريد وتركيب مواسير بلاستيك 207 p قطر 315مم، 400مم بعض التحفظات، منها التحفظ رقم 3 الذي قبلته لجنة البت واعتمدته السلطة المختصة والمتضمن أن أسعار المواسير البلاستيك 207p وضعت على أساس استخدام الخامات المحلية من شركة البتروكيماويات بالعامرية، وبأسعار حسب قائمة السعر الصادر بتاريخ 1/7/1994 والسارية حتى تاريخ فتح المظاريف، وأن أية زيادة في الأسعار تحاسب عليها بعلاوة بذات نسبة الزيادة على بنود المواسير البلاستيك، وكان مقتضى تفسير الشركة لهذا التحفظ أن زيادة أسعار المواسير البلاستيك تعني زيادة بند التوريد والتركيب كاملاً بما يشمله من عناصر أخرى مثل الحفر والرمل والردم، وهذا التفسير الذي تتمسك به الشركة الطاعنة مؤداه زيادة ربحيتها دون مقتضٍ وإثراؤها بلا سبب بالمخالفة للقانون، بحسبان أن أسعار الحفر والتركيب والرمل والردم قد تم تحديدها عند التعاقد، ولم تطرأ عليها أية زيادة في الأسعار أثناء مدة التنفيذ، كما أن تفسير هذا البند على أنه يشمل زيادة قيمة أجور الحفر والتركيب والردم بذات نسبة زيادة أسعار المواسير، فضلاً عن مجافاته للقواعد العامة في التعاقد فإنه يجافي المنطق السليم، ومن ثم فلا سبيل إلا إلى الانصراف إلى المعنى الحقيقي للبند والذي انصرفت إليه النية المشتركة للمتعاقدين، وهو تحميل الشركة المطعون ضدها الزيادة التي حدثت في أسعار المواسير.
وإذ كان الثابت وعلى نحو ما انتهى إليه الخبير المنتدب في الدعوى بتقريره المؤرخ 20/6/2001 والمودع بملف الدعوى والذي تطمئن إليه المحكمة وتأخذ به محمولاً على أسبابه أن الشركة المطعون ضدها قد قامت بحساب الزيادة في أسعار مواسير البلاستيك المستخدمة في العملية، وتم إضافة تلك الزيادة في المستخلصات المنصرفة للشركة الطاعنة وبلغت جملة ما تم صرفه لها من زيادة في أسعار المواسير البلاستيك مبلغ 1075383.07جنيها (مليون وخمسة وسبعون ألفاً وثلاث مئة وثلاثة وثمانون جنيهاً وسبعة قروش) وبذلك تكون الشركة المطعون ضدها قد أوفت بكامل التزاماتها المتعلقة بهذا البند وتكون مطالبة الشركة الطاعنة قائمة على غير سند من الواقع أو القانون جديرة بالرفض، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر فإنه يكون قد أصاب الحق في هذا الشق من الدعوى ويكون الطعن عليه في هذا الشق في غير محله.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب الشركة الطاعنة رد قيمة غرامة التأخير التي تم توقيعها عليها وقدرها 427458.19 جنيها والفوائد القانونية بواقع 5% والتعويض شاملاً الفوائد البنكية وحرمانها من الانتفاع من هذا المبلغ طوال هذه الفترة فإن المادة 26 من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات رقم 9 لسنة 1983 -الذي تسري أحكامه على العقد محل التداعي- تنص على أنه: “إذا تأخر المتعاقد في تنفيذ العقد عن الميعاد المحدد له جاز للسلطة المختصة إذا اقتضت المصلحة العامة إعطاء المتعاقد مهلة إضافية لإتمام التنفيذ، على أن توقع عليه غرامة عن مدة التأخير بالنسب وطبقاً للأسس وفي الحدود التي تبينها اللائحة التنفيذية وينص عليها في العقد، بحيث لا يجاوز مجموع الغرامة 15% بالنسبة لعقود المقاولات و4% بالنسبة لعقود التوريد.
وتوقع الغرامة بمجرد حصول التأخير دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أي إجراءات إدارية أو قضائية أخرى”.
وتنص المادة 81 من اللائحة التنفيذية للقانون سالف الذكر على أن: “يلتزم المقاول بإنهاء الأعمال موضوع التعاقد بحيث تكون صالحة تماماً للتسليم المؤقت في المواعيد المحددة. فإذا تأخر جاز للسلطة المختصة بالاعتماد إذا اقتضت المصلحة العامة إعطاءه مهلة إضافية لإتمام التنفيذ، على أن توقع عليه غرامة عن المدة التي يتأخر فيها إنهاء العمل بعد الميعاد المحدد إلى أن يتم التسليم المؤقت، ولا يدخل في حساب مدة التأخير مدد التوقف التي يثبت لجهة الإدارة نشوئها عن أسباب قهرية، ويكون توقيع الغرامة بالنسب والأوضاع التالية:
1% عن الأسبوع الأول أو أي جزء منه
1.5% عن الأسبوع الثاني أو أي جزء منه
2% عن الأسبوع الثالث أو أي جزء منه
2.5% عن الأسبوع الرابع أو أي جزء منه
4% عن كل شهر أو أي جزء منه بعد ذلك، بحيث لا يجاوز مجموع الغرامة 15% وتحسب الغرامة من قيمة ختامي العملية إذا رأت جهة الإدارة أن الجزء المتأخر يمنع الانتفاع بما تم من العمل بطريق مباشر أو غير مباشر على الوجه الأكمل في المواعيد المحددة، أما إذا رأت جهة الإدارة أن الجزء المتأخر لا يسبب شيئا من ذلك فيكون حساب الغرامة بالنسب والأوضاع السابقة من قيمة الأعمال المتأخرة فقط.
وتوقع الغرامة بمجرد حصول التأخير ولو لم يترتب عليه أي ضرر دون حاجة إلى أي تنبيه أو إنذار.
ويجب على جهة الإدارة أن تراعي الدقة في ضرورة وجوب خصم غرامات التأخير قبل الإذن بصرف مستحقات المقاول”.
ومن حيث إن مفاد ذلك أنه في حالة ما إذا تأخر المتعاقد مع جهة الإدارة في تنفيذ التزاماته الواردة بالعقد عن الميعاد المحدد له فإنه يجوز للسلطة المختصة منحه مهلة إضافية لاتمام التنفيذ إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، على أن توقع على المقاول في تلك الحالة غرامة عن مدة التأخير بنسب محددة عن مدد محددة، وتختلف نسبة الغرامة باختلاف مدة التأخير، وذلك دون تداخل بين المدد والنسب عن طريق التجميع، وذلك أنه إذا ما ثبت أن المقاول قد تأخر في تنفيذ الأعمال عن الميعاد المحدد مدة أسبوع أو جزء منه تكون نسبة الغرامة التي توقع عليه 1%، وإذا كان التأخير قد امتد إلى الأسبوع الثاني أو جزء منه فإن نسبة الغرامة تتحرك لكي تكون 1.5%، وإذا امتدت مدة التأخير لتدخل في الأسبوع الثالث أو جزء منه كانت 2%، وإلى الأسبوع الرابع أو جزء منه كانت النسبة 2.5%، أما إذا امتدت مدة التأخير لغير ذلك إلى شهر أو جزء منه تصبح الغرامة 4% وبحد أقصى 15%.
ومن حيث إنه بإعمال ما تقدم وكان الثابت من الأوراق وتقرير الخبير المنتدب في الدعوى والذي تطمئن إليه المحكمة وتأخذ به محمولاً على أسبابه أنه قد رست على الشركة الطاعنة عمليتا توريد وتركيب خط مواسير مياه شرب من البلاستيك، العملية الأولى بقطر 400مم بناحية الشنطوري الرواشدية مركز أبشواي، وقد تم توقيع غرامة تأخير عليها، إلا أن محافظ الفيوم المدعى عليه الأول قام بإلغائها وأصبحت تلك العملية بدون غرامات تأخير.
أما العملية الثانية بقطر 315مم بناحية الصوفي دشيا مناش الخطيب طبهار فقد تأخرت الشركة الطاعنة مدة 58 يوماً قامت جهة الإدارة على إثرها بتوقيع غرامة تأخير عليها قدرها 255488.16جنيها (مئتان وخمسة وخمسون ألفاً وأربع مئة وثمانية وثمانون جنيهاً وستة عشر قرشاً) بنسبة 11% من قيمة صافي العملية وقدره 2322619.77جنيها (مليونان وثلاث مئة واثنان وعشرون ألفا وست مئة وتسعة عشر جنيها وسبعة وسبعون قرشاً).
ومن حيث إن الشركة الطاعنة تأخرت 58يوما (أي شهرا وثمانية وعشرين يوما) فإنه كان يتعين حساب غرامة التأخير بنسبة 8% فقط من قيمة ختامي العملية أي مبلغ 185806.53جنيهات (مئة وخمسة وثمانون ألفا وثمان مئة وستة جنيهات وثلاثة وخمسون قرشا)، ومن ثم يتعين الحكم بإلزام الشركة المطعون ضدها أن تؤدي للشركة الطاعنة مبلغاً قدره 69681.63جنيها (تسعة وستون ألفاً وست مئة وواحد وثمانون جنيهاً وثلاثة وستون قرشاً) قيمة الفرق بين النسبتين.
ومن حيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المشرع حدد في المادة 226 من القانون المدني التعويض المستحق للدائن عند تأخر المدين في الوفاء بالتزاماته إذا كان عليه مبلغ من النقود معلوم المقدار ومستحق الأداء بفائدة قانونية 5% في المسائل التجارية 4% بالنسبة للمسائل المدنية، وبالتالي فلا مجال لتحديد التعويض بمقتضى تقدير القاضي، وذلك ما لم يكن الدائن قد أصابه ضرر يجاوز مقدار الفوائد، وأن يكون الضرر ناتجاً عن سوء نية المدين طبقاً للمادة 231 من القانون المدني وهو ما خلت منه الأوراق في الحالة الماثلة.
ومن حيث إنه من المقرر وفقاً لحكم المادة الثانية من قانون التجارة أن عقد المقاولة من الأعمال التجارية وكان المبلغ المطالب به قد نشأ عن عقد المقاولة المبرم بين الشركة الطاعنة والشركة المطعون ضدها لتوريد وتركيب خط مواسير مياه شرب لمحافظة الفيوم، ومن ثم تستحق فوائد قانونية عن المبلغ المستحق للشركة الطاعنة بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 14/9/1998 وحتى تمام السداد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أخذ بغير هذا النظر وقضى برفض مطالبة الشركة في هذا الشق مما يتعين الحكم بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بإلزام الشركة المطعون ضدها أن تؤدي للشركة الطاعنة مبلغاً قدره 69681.63جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 14/9/1998 وحتى تمام السداد، مع إلزام الطرفين المصروفات مناصفة عن درجتي التقاضي طبقاً لحكم المادة 186 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بإلزام الشركة المدعى عليها المطعون ضدها أن تؤدي للشركة المدعية (الطاعنة) مبلغاً مقداره 69681.63جنيهاً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 14/9/1998 وحتى تمام السداد، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت طرفي الخصومة المصروفات مناصفة عن درجتي التقاضي.