جلسة 4 من يوليو سنة 2010
الطعن رقم 19299 لسنة 56 القضائية عليا
(الدائرة الثانية)
حق التقاضي– وجوب تنفيذ الأحكام القضائية– إذا لم تقترن الترضية القضائية بوسائل الحمل على تنفيذها فقدت قيمتها، وكلما تعذر أداء الحقوق لأصحابها وكان سند اقتضائها غير مستوفٍ قوة نفاذه صار مبدأ الخضوع للقانون سرابًا– الحماية القضائية للحق أو الحرية لازمها أن يكون الطريق إليها عبورا إلى محصلتها النهائية، وانتقالا بها من مرحلة التداعي على أشكال ضمانها إلى وسائل فرضها على من يجحدونها–امتثالا لما للأحكام من حجية هي من النظام العام، بل هي في أعلى مدارجه؛ يتعين على جهة الإدارة المباردة إلى تنفيذ الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة.
-المادة (72) من دستور 1971.
-المادتان (52) و (54) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم (47) لسنة 1972.
-المادة (123) من قانون العقوبات.
في يوم الأربعاء الموافق 22/4/2010 أودع الأستاذ/… قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل، طالبًا الحكم:
(أولا) بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه لحين الفصل في الموضوع، وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لمصلحة الطاعنين، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها قيام رئيس مجلس الدولة بعرض مشروع القرار المنفذ لتلك الأحكام على رئيس الجمهورية مباشرة.
(ثانيا) إلزام الجهة الإدارية أن تدفع إلى كل طاعن المبلغ الذي تقدره المحكمة على سبيل التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التى أصابتهم من جراء هذا القرار.
وقد أعلن تقرير الطعن على النحو المقرر قانونا.
وحددت لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 19/6/2010، حيث قدم الحاضر عن الطاعنين حافظة مستندات طويت على صور ضوئية من الأحكام الصادرة للطاعنين، وبذات الجلسة طلب كل من/ … و … و… تدخلهم في الطعن للحكم لهم بالطلبات المرفوع بها الطعن، وقدموا صورا من الأحكام الصادرة لمصلحتهم، وذلك في مواجهة الحاضر عن الدولة، وبذات الجلسة قررت المحكمة التأجيل لجلسة 26/6/2010 لترد الجهة الإدارية على الطعن وعلى طلبات التدخل، وفي هذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم (4/7/2010)، وفيها صدر وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد إتمام المداولة.
وحيث إن عناصر الطعن الماثل تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعنين قد أقاموا الطعن الماثل بإيداع تقرير به قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 22/4/2010 للحكم لهم بطلباتهم سالفة الذكر.
وذكروا بيانًا لهذه الطلبات أنه بجلستي 21/11/2009 و 27/2/2010 صدرت لهم أحكام عن هذه المحكمة في الطعون أرقام 2252 و 2253 و 2254 و 2255 و 2256 و 2257 و 2258 و 2335 و 2551 لسنة 53 ق عليا، وقضي في كل منها بإلغاء قرار المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة بجلسته المنعقدة بتاريخ 16/7/2006 فيما تضمنه من سحب الموافقة السابقة للمجلس بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/6/2006 على تعيين كل منهم في وظيفة (مندوب مساعد) بمجلس الدولة، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استكمال إجراءات استصدار قرار رئيس الجمهورية بتعيين كل منهم بالوظيفة سالفة الذكر اعتبارًا من 4/6/2006.
وقام الطاعنون بإعلان المطعون ضدهما الأول والأخير بأصل الصورة التنفيذية لتلك الأحكام، كما تقدموا إلى رئيس مجلس الدولة لتنفيذها، فبادر لإعداد مشروع قرار رئيس الجمهورية بالتعيين في الوظيفة المذكورة، وأرسل المشروع لوزير العدل، إلا أنه احتجز مشروع القرار بغير مقتضٍ، الأمر الذي ينبئ عن امتناعه عن تنفيذ تلك الأحكام، مما لا يجد معه الطالبون مناصًا من الالتجاء إلى القضاء بطلب إلغاء هذا القرار السلبي غير المشروع بالامتناع عن تنفيذ الأحكام المشار إليها، على أساس أن تنفيذ الأحكام القضائية التزام حتمي على الكافة أعلته المادة (72) من الدستور، وأكدته المادة (54) من قانون تنظيم مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972. وانتهى الطالبون لذلك إلى طلباتهم سالفة الذكر.
-وحيث إنه عن طلبات التدخل فإنه وفقا لنص المادة (126) من قانون المرافعات المدنية والتجارية يتعين لقبول طلب التدخل أن يكون لصاحبه صفة ومصلحة في التدخل، سواء كان تدخله انضماميًا لأحد الخصوم أو طالبًا لنفسه طلبات مرتبطة بالدعوى.
وحيث إنه لما كان المتدخلون قد حصلوا على أحكام بإلغاء قرار المجلس الخاص للشئون الإدارية بجلسته المنعقدة بتاريخ 16/7/2006 فيما تضمنه من سحب الموافقة السابقة للمجلس بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/6/2006 على تعيين كل منهم في وظيفة (مندوب مساعد) بمجلس الدولة، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها استكمال إجراءات استصدار قرار رئيس الجمهورية بتعيين كل منهم في الوظيفة سالفة الذكر اعتبارًا من 4/6/2006، ومن ثم فإن مصلحتهم في تنفيذ هذه الأحكام متحققة مثل زملائهم رافعي الطعن، ويحق لهم لذلك طلب التدخل للحكم لهم بذات الطلبات المبينة في هذا الطعن، وقد استوفى تدخلهم سائر أوضاعه القانونية ومن ثم يتعين قبول تدخلهم.
وحيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية ومن ثم فهو مقبول شكلا.
-ومن حيث إنه عن الطلب المستعجل للطاعنين (وقف تنفيذ القرار الإداري السلبي بالامتناع عن تنفيذ الأحكام الصادرة للطاعنين والمتدخلين)، فإنه يتعين للقضاء به توافر ركنين أساسين: الأول ركن الجدية، بأن يقوم الطعن على أسباب جدية يرجح معها إلغاء القرار المطعون فيه، وثانيهما ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها.
وحيث إنه عن ركن الجدية فقد نصت المادة (72) من الدستور على أن: “تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون…”.
وتنص المادة (52) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 على أن:”تسري في شأن جميع الأحكام القواعد الخاصة بقوة الشىء المحكوم فيه،على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة”.
وتنص المادة (54) من ذات القانون على أن: “الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون صورتها التنفيذية مشمولة بالصيغة الآتية:”على الوزراء ورؤساء المصالح المختصين تنفيذ هذا الحكم وإجراء مقتضاه…”.
وحيث إن حق التقاضي هو بمثابة ترضية قضائية، إذا لم تقترن بوسائل الحمل على تنفيذها فقدت قيمتها، وكلما تعذر أداء الحقوق لأصحابها وكان سند اقتضائها غير مستوفٍ قوة نفاذه صار مبدأ الخضوع للقانون سرابًا، ويغدو عبثًا كذلك تأسيس حقائق العدل وتثبيتها، ولا شك أن ولاية القضاء التى حددها الدستور وأرسى دعائمها غايتها إيصال الحقوق لأصحابها، وحمل من ينازعون فيها عنتًا على ردها لأربابها؛ تقديرًا بأن الحماية القضائية للحق أو الحرية لازمها أن يكون الطريق إليها عبورا إلى محصلتها النهائية، وانتقالا بها من مرحلة التداعي على أشكال ضمانها إلى وسائل فرضها على من يجحدونها، ومن هذا المنطلق لم يترك المشرع أمر تنفيذ أحكام مجلس الدولة سدى، وإنما أسبغ عليها بعبارات صريحة الدلالة واضحة المعنى القواعد الخاصة بحجية الشئ المقضي، وأوجب تنفيذها، ولما كانت الجهة الإدارية هي المنوط بها تنفيذ الحكم والملزمة بالنزول على مقتضاه خضوعا وامتثالا لما للأحكام من حجية هي من النظام العام، بل هي في أعلى مدارجه وعلى القمة من أولوياته؛ فإنه يتعين عليها تنفيذ تلك الأحكام، وهو أمر أكدته المادة (72) من الدستور سالفة الذكر، بل جرمت المادة (123) من قانون العقوبات الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية، وجعلت من امتناع الموظف العام عن تنفيذها جريمة تستوجب العقاب بالحبس والعزل من الوظيفة، وقد أمعن المشرع الدستورى في وضع سياج منيع يحول دون النيل من احترام الأحكام القضائية أو تعطيل تنفيذها وعدم إعمال مقتضاها، فنص في صلب الدستور على اعتبار ذلك جريمة يعاقب عليها القانون.
وحيث إنه يبين من ظاهر الأوراق –بالقدر اللازم للفصل في الشق العاجل– أنه قد صدرت أحكام للطاعنين والمتدخلين في الطعون المشار إليها، مؤدى تنفيذها الاستمرار في اتخاذ إجراءات استصدار قرار رئيس الجمهورية بتعيين كل منهم في وظيفة (مندوب مساعد) بمجلس الدولة وفقًا لمنطوق هذه الأحكام، وإن امتناع الجهة الإدارية عن تنفيذ هذه الأحكام يشكل قرارًا سلبيًا بالامتناع، مرجح الإلغاء عند نظر الموضوع وهو ما يتوافر معه ركن الجدية.
وحيث إنه عن ركن الاستعجال فإن الاستمرار في الامتناع عن تنفيذ الأحكام المشار إليها يترتب عليه أضرار يتعذر تداركها، تتمثل في حرمان الطاعنين والمتدخلين من التعيين في الوظائف المشار إليها واللحاق بزملائهم في وقت عزت فيه فرص العمل والأمن بالعيش حياة كريمة، ويتم بذلك ركنا طلب وقف التنفيذ مما يتعين معه القضاء به.
حكمت المحكمة بقبول التدخل، وبقبول الطعن شكلا، وبوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الأحكام المشار إليها في الأسباب، وما يترتب على ذلك من آثار، وأمرت بإحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في الموضوع.