جلسة 22 من فبراير سنة 2012
الطعن رقم 19925 لسنة 53 القضائية (عليا)
(الدائرة السادسة)
– أحوال إلغاء ترخيص المحل– الأصل أن الرخصة دائمة ما لم ينص القانون على توقيتها- لا يجوز المساس بالمركز الذاتي للمرخص له- استثناء من ذلك: يجوز إلغاء الترخيص في حالات، منها: إذا كان يترتب على الاستمرار في النشاط خطر داهم يتعذر تداركه على الصحة العامة أو الأمن العام– الفارق بين الخطر الداهم الذي يتعذر تداركه، والخطر الداهم الذي يمكن تداركه- يتعين إلغاء الترخيص في الحالة الأولى، ويجوز إيقاف إدارة المحل كليا أو جزئيا في الحالة الثانية– تقدير ما إذا كان الخطر الداهم يتعذر تداركه من عدمه يدخل في اختصاص جهة الإدارة دون معقب على قرارها، مادام تقديرها قد خلا من شائبة الانحراف بالسلطة- إذا زالت الحالة الواقعية التي حدت الجهة الإدارية على إصدار قرار إيقاف المحل، فإن القرار يغدو غير قائم على سند من القانون، حقيقا بالإلغاء.
– المواد (9) و(12) و(16) من القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة، معدلا بموجب القانون رقم 359 لسنة 1956.
في يوم الأربعاء الموافق 25/7/2007 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الجهة الإدارية الطاعنة قلم كتاب هذه المحكمة تقريرا بالطعن الماثل على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقليوبية (الدائرة الأولى) في الدعوى رقم 2444 لسنة 5 ق بجلستها المعقودة بتاريخ 27/5/2007، الذي قضى منطوقه بقبول الدعوى شكلا، وبإلغاء القرار المطعون عليه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وإلزام المدعي والجهة الإدارية المصروفات.
وطلبت الجهة الإدارية الطاعنة -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم في شقه الأول القاضي بإلغاء القرار، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن على وفق الثابت بالأوراق، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه للأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، وإلزام الطاعنين المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا التي قررت إحالته إلى الدائرة السادسة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا لنظره أمامها، حيث جرى تداول الطعن أمام هذه الدائرة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 28/12/2011 قررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم، وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
وحيث إنه وإذ استوفى الطعن جميع أوضاعه الشكلية المقررة، فإنه يغدو مقبولا شكلا.
وحيث إنه عن موضوع الطعن فإن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 2444 لسنة 5 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقليوبية (الدائرة الأولى)، طالبا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس حي شرق شبرا الخيمة الصادر بتاريخ 19/1/2004 بوقف الترخيص رقم 1003 الصادر بتاريخ 25/8/1994، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية تعويضه بمبلغ مليون جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التي ألمت به، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وذكر المدعي (المطعون ضده) شرحا لدعواه: أنه يمتلك مستودع بوتاجاز بناحية شارع شركة نادي البلاستيك بشبرا الخيمة والمستودع صادر له رخصة دائمة باسم/خليل… برقم مسلسل 1003 في 25/8/1994، وتم تعديل اسم المرخص له ليكون باسم المدعي بتاريخ 7/7/1996، ونظرا إلى حدوث حريق في سيارة محملة بأنابيب الغاز أمام المستودع، فقد حررت إدارة الدفاع المدني مذكرة بتاريخ 3/4/2000 أوصت فيها بإيقاف تشغيل المستودع لأنه غير مستوف لشروط أمن الحريق، وبناءً عليه صدر القرار رقم 191 لسنة 2000 بغلق المستودع وإيقاف التشغيل وتوزيع حصته من الأنابيب على المستودعات الأخرى، وإزاء تظلم المدعي من القرار، فقد تم تشكيل لجنة بالقرار رقم 1226 لسنة 2002 قامت في 25/9/2002 بمعاينة المستودع، وتبين لها أن المدعي قام باستكمال اشتراطات الأمن الصناعي، وأن إدارة الدفاع المدني ليس لديها مانع من الموافقة على إعادة التشغيل، فأوصت تلك اللجنة بإعادة التشغيل وفتح المستودع لاستيفاء جميع الاشتراطات، ونظرا إلى إصرار الجهة الإدارية على استمرار غلق المستودع، فقد أعاد المدعي التظلم مرة أخرى من قرار الغلق، فردت عليه جهة الإدارة بتاريخ 19/1/2004 بأنه بالعرض على إدارة شئون البيئة أفادت بأن المستودع يشكل خطورة داهمة ويهدد أمن المواطنين على ضوء ما أكدته أجهزة الدفاع المدني من محاذير استمرار وجود المستودعات داخل الكتل السكنية، وهو ما حدا المدعي على اللجوء إلى لجنة التوفيق المختصة وإقامة دعواه بالطلبات المبينة سالفا.
وبجلسة 20/6/2006 قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها؛ وقد أعدت الهيئة المذكورة تقريرا مسببا برأيها القانوني في الدعوى، انتهت فيه إلى الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار، ورفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام المدعي والجهة الإدارية المصروفات مناصفة.
………………………………
وبجلسة 27/5/2007 أصدرت محكمة القضاء الإداري الحكم المطعون فيه، وشيدت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية أصدرت قرارها رقم 191 لسنة 2000 بإيقاف الترخيص رقم 1003 الصادر في 25/8/1994 بتشغيل مستودع بوتاجاز ملك المدعي لما تبين لها -بناءً على مذكرة إدارة الدفاع المدني- حدوث حريق في سيارة محملة بأنابيب البوتاجاز أمام المستودع، مما كشف عن عدم استيفاء اشتراطات الدفاع المدني بالمستودع، وقد نشط المدعي عقب صدور القرار رقم 191 لسنة 2000 المشار إليه فتعاقد على تركيب حنفية حريق وطفايات البودرة اللازمة، مما ترتب عليه موافقة إدارة الدفاع المدني على تشغيل المستودع بعد ما ثبت لها استكماله الشروط التي كانت سببا في إصدار قرار الإيقاف، كما وافقت اللجنة المشكلة بالقرار الإداري رقم 226 لسنة 2002 على إعادة تشغيل المستودع لزوال أسباب الإيقاف، ومن ثم يكون إصرار الجهة الإدارية على غلق المستودع ورفضها تشغيله غير قائم على سند من الواقع أو صحيح حكم القانون مستوجب الإلغاء، دون أن يغير من ذلك صدور تعليمات عن إدارة شئون البيئة تقضي بالعمل على نقل مستودعات البوتاجاز الواقعة داخل الكتل ذات الكثافة السكانية إلى مواقع أخرى خارج التجمعات السكانية، إذ إن إعمال تلك التعليمات يستلزم -كما ورد بها- عمل خريطة بمواقع تلك المستودعات وإعداد جدول زمني لنقلها خارج التجمعات السكنية، وهو ما لم تقدم جهة الإدارة ما يثبت صحته، وأن مستودع المدعي دخل في البرنامج الزمني للنقل بعد توفير المكان البديل خارج الكتلة السكنية.
أما عن طلب التعويض فقد انتفى ركن الخطأ في جانب جهة الإدارة حيث إن غلق المستودع كان لخطأ نسب إلى المدعي نفسه وثبت في حقه نتيجة عدم استيفائه شروط الدفاع المدني الخاص بالحريق، وهو ما كشف عنه الحريق الذي حدث في إحدى سيارات نقل الأنابيب أمام المستودع بتاريخ 3/4/2000، ومن ثم تنتفي عناصر المسئولية الإدارية الموجبة للتعويض.
………………………………
وإذ لم يلق هذا القضاء في شقه الأول الخاص بإلغاء القرار المطعون فيه قبولا لدى الجهة الإدارية الطاعنة فقد أقامت الطعن الماثل ناعية على الحكم المطعون عليه مخالفته أحكام القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، على سند من أن المطعون ضده قد ثبت في حقه إدارة المستودع دون تأمين ضد الحرائق أو استكمال الاشتراطات اللازمة في مثل هذه المستودعات وعلى نحو يهدد الصحة العامة والأمن العام للخطر، فضلا عن وجود المستودع داخل منطقة سكنية مزدحمة.
………………………………
وحيث إن المادة (9) من القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة تنص على أن: “الرخص التي تصرف طبقا لأحكام هذا القانون دائمة ما لم ينص فيها على توقيتها، ويجوز تجديد الرخص المؤقتة بعد أداء رسوم المعاينة”.
وتنص المادة (12) منه على أنه: “في حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام نتيجة لإدارة محل من المحال التي تسري عليها أحكام هذا القانون، يجوز لمدير عام إدارة الرخص بناء على اقتراح فرع الإدارة الذي يقع في دائرته المحل إصدار قرار مسبب بإيقاف إدارة المحل كليا أو جزئيا، ويكون هذا القرار واجب النفاذ بالطريق الإداري”.
وتنص المادة (16) من القانون المشار إليه (المعدل بالقانون رقم 359 لسنة 1956) على أن: “تلغى رخصة المحل في الأحوال الآتية:
1-… 2-… 3-… 4-… 5-…
6- إذا أصبح المحل غير قابل للتشغيل أو أصبح في استمرار إدارته خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام يتعذر تداركه…”.
وحيث إن المستفاد من نصي المادتين السابقتين أن الأصل عند صرف الرخص للمحلات الصناعية والتجارية أن تكون دائمة، ما لم ينص على توقيتها بأجل معين، أي إن قيام تلك الرخص واستمرارها من المراكز القانونية الذاتية التي لا يجوز المساس بها إلا إذا توفرت حالة من الحالات التي أوردتها المادة (16) من القانون رقم 453 لسنة 1954 والقوانين المعدلة له، ومن بين تلك الحالات إذا كان يترتب على الاستمرار في مباشرة النشاط في المحل المرخص به خطر داهم على الصحة العامة أو الأمن العام يتعذر تداركه.
وحيث إنه في إطار توضيح مجال تطبيق كل من المادتين (12) و(16) من القانون رقم 453 لسنة 1954 المشار إليه، فقد بينت المحكمة الإدارية العليا في أحد أحكامها الفارق الدقيق بين الخطر الداهم الذي يتعذر تداركه وبين الخطر الداهم الذي يمكن تداركه، فقضت بأن المشرع غاير في الحكم بين حالة وجود خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام يتعذر تداركه، وبين حالة وجود خطر داهم يمكن تداركه، فأوجب إلغاء ترخيص المحل في الحالة الأولى، وأجاز إيقاف إدارة المحل كليا أو جزئيا في الحالة الثانية، وتقدير ما إذا كان الخطر الداهم على الصحة العامة أو الأمن العام يتعذر تداركه من عدمه يدخل في اختصاص جهة الإدارة دون معقب على قرارها ما دام تقديرها مستمدا من أصول تنتجه ماديا وقانونيا، وخلا قرارها من شائبة الانحراف بالسلطة.
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2049/27 ق.ع بجلسة 7/12/1985)
وحيث إنه بالتطبيق لما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده يدير مستودع أنابيب بوتاجاز بناحية شارع… بشبرا الخيمة، وأن هذا المستودع صادر له رخصة دائمة باسم/خليل… برقم مسلسل 1003 في 25/8/1994، وبتاريخ 4/10/1997 تم تعديل الرخصة باسم المطعون ضده، وذلك بناءً على التنازل الصادر لمصلحته من صاحب الرخصة والموثق بالشهر العقاري، وبعد موافقة شركة الغازات البترولية بتاريخ 7/7/1996.
وبتاريخ 3/4/2000 حررت إدارة الدفاع المدني والحريق بمديرية أمن القليوبية مذكرة -إثر حدوث حريق كبير في سيارة محملة بأنابيب البوتاجاز أمام المستودع- انتهت فيها إلى التوصية بإيقاف تشغيل المستودع لأنه غير مستوف لشروط أمن الحريق مما يهدد المنطقة السكنية والمصانع المجاورة، وبناءً على ذلك صدر القرار رقم 191 لسنة 2000 بتاريخ 4/4/2000 عن رئيس حي شرق شبرا الخيمة بغلق المستودع وإيقاف تشغيله، واستند القرار في ذلك إلى الإشارة الواردة من إدارة الدفاع المدني والحريق بالقليوبية بإيقاف تشغيل المستودع لحين تنفيذ الاشتراطات.
وحيث إنه بالاطلاع على حافظة مستندات المطعون ضده المقدمة أمام محكمة أول درجة تبين أن المطعون ضده تعاقد على تركيب حنفية حريق خارجية أمام المستودع وذلك بتاريخ 19/5/2002، كما ثبت كذلك من تقرير اللجنة المشكلة بالقرار رقم 226 لسنة 2002 والتي قامت بمعاينة المستودع بتاريخ 25/9/2002 أن المستودع قد استوفى اشتراطات أمن الحريق بناءً على إخطار إدارة الدفاع المدني والحريق بتاريخ 11/8/2002 الذي يفيد موافقة الإدارة المذكورة على إعادة تشغيل المستودع، ومن ثم انتهت اللجنة إلى أن المستودع أصبح مستوفيا لاشتراطات الأمن الصناعي، وأنه لا مانع لديها من إعادة تشغيله.
كما ثبت أيضا من محضر معاينة إدارة الدفاع المدني للمستودع المؤرخ في 29/4/2003 أن المستودع استوفى التوصيات السابق وضعها بالنسبة لأمن الحريق، إذ تم تركيب حنفية حريق رأسية، وخط مياه للتبريد، وتم تزويد المستودع بعدد من أجهزة الإطفاء البودرة، فضلا عن تدريب عدد ثلاثة عمال على أعمال الإطفاء، كما أن التهوية مناسبة.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، فإن الخطر الناجم من تشغيل المستودع لم يكن من قبيل الخطر الداهم الذي يتعذر تداركه والذي يوجب إلغاء ترخيص المحل طبقا للمادة (16) من القانون رقم 453 لسنة 1954 المشار إليه، بل يندرج ضمن الخطر الداهم الذي يمكن تداركه الوارد بنص المادة (12) من القانون الذي يجيز إيقاف إدارة المحل جزئيا أو كليا لحين إزالة أسباب هذا الخطر، وإذ قام المطعون ضده باستيفاء جميع الاحتياطات الممكنة والاشتراطات اللازمة للدفاع المدني والحريق، وذلك بناء على توصية الجهة المختصة وهي إدارة الدفاع المدني والحريق بمحافظة القليوبية، فإنه يكون قد تدارك الخطر الناجم عن تشغيل المستودع، وزالت الحالة الواقعية التي حدت برئيس حي شرق شبرا الخيمة إلى إصدار القرار المطعون فيه بإيقاف تشغيل المستودع، مما يضحى معه هذا القرار غير قائم على سند من القانون حقيقا بالإلغاء، وإذ قضى الحكم الطعين بذلك فإنه يكون قد جاء مطابقا صحيح حكم القانون لا مطعن عليه في هذا الشأن.
وحيث إنه من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت جهة الإدارة المصروفات.