جلسة 22 من أكتوبر سنة 2011
الطعن رقم 20325 لسنة 52 القضائية )عليا(
(الدائرة الأولى)
– ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة– الطعن على قرار استمرار إدراج اسم شخص على قوائم الممنوعين من السفر وعدم رفعه من هذه القوائم.
-الحكم في الدعوى- مبدأ الاقتصاد في إجراءات الخصومة- لئن كان من القواعد المعمول بها أن إلغاء الحكم الصادر عن محكمة أول درجة بعدم اختصاصها بنظر النزاع، يستتبع إعادة الدعوى إليها للفصل فيها، إلا أنه يجوز لمحكمة الطعن الفصل في النزاع دون إعادته إلى محكمة أول درجة متى كان صالحا للفصل فيه؛ إعمالا لمبدأ الاقتصاد في إجراءات الخصومة.
– الحق في التنقل- المنع من التنقل داخل البلاد أو إلى خارجها من الإجراءات التي تمثل قيدا علي الحرية الشخصية التي من عناصرها الحرية في التنقل– يجب أن تكون هناك ضرورة لدى التحقيق مع الشخص تستلزم منعه من السفر، بحيث تكون مرتبطة بمصلحة التحقيق أو صيانة أمن المجتمع- يصدر الأمر بالمنع من السفر، أو باستمرار الإدراج على قوائم المنع من السفر عن القاضي المختص أو النيابة العامة([1]).
– المادة (41) من دستور 1971.
– المادة (8) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011.
– قرار وزير الداخلية رقم 2214 لسنة 1994 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر.
بتاريخ 19/5/2009 أودع الأستاذ/… المحامى وكيلا عن الطاعنين قلم كتـــاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجــــدولها العام برقم 20325 لسنة 52 ق. ع، وذلك في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري “الدائرة الأولى” في الدعوى رقم 56375 لسنة 62 ق بجلسة 5/5/2009 والذي قضى بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وإلزام المدعين المصروفات.
وطلب الطاعنون– للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بقبوله شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بقبول الدعوى وبوقف تنفيذ قرار المنع من السفر الصادر ضدهم وإلغاء هذا القرار، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من عدم إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، والقضاء مجددا بإحالتها بحالتها إلى المحكمة الجنائية المختصة، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، مع إبقاء الفصل في المصروفات.
وعينت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 27/9/2009 وتدوول نظره بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، حيث قدم الحاضر عن الطاعنين خلالها مذكرة دفاع، وقدم الحاضر عن الدولة مذكرة دفاع، وبجلسة 18/10/2010 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 6/12/2010 وفيها قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 20/12/2010 وفيها قررت إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى “موضوع” لنظره بجلسة 25/12/2010، حيث نظرته الدائرة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات والتي قدم الحاضر عن الطاعنين خلالها مذكرة دفاع وحافظة مستندات، وبجلسة 19/2/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 9/4/2011، وبهذه الجلسة قررت إعادة الطعن للمرافعة بجلسة 28/5/2011 للأسباب التي تضمنها قرارها بذلك، وبهذه الجلسة قدم الحاضر عن الطاعنين مذكرة دفاع وحافظة مستندات، كما قدم الحاضر عن الدولة حافظة مستندات وبجلسة 3/7/2011 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 24/9/2011 مع التصريح بمذكرات خلال شهر، وقد انقضى هذا الأجل دون تقديم أية مذكرات، وبالجلسة المذكورة قررت المحكمــة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 22/10/2011 لاستمرار المداولة، وبهذه الجلسة قررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة بذات الجلسة لتغيير التشكيل، ثم قررت إصدار الحكم آخر الجلسة، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، فإنه يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص –حسبما يبين من الأوراق– في أن الطاعنين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 56375 لسنة 62ق أمام محكمة القضاء الإداري بموجب صحيفة أودعت قلم كتابها بتاريخ 19/8/2008 طالبين الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إدراجهم على قوائم الممنوعين من السفر وما يترتب على ذلك من آثار .
وقالوا شرحا لدعواهم إن النيابة العامة قدمتهم كمتهمين بتهمة التهرب من أداء الضريبة العامة على المبيعات بالقضية التي تم قيدها برقم 5399 لسنة 2005 جنح أول أكتوبر والتي لم يفصل فيها بعد، وقامت النيابة العامة منذ عام 2000 بوضع أسمائهم بقائمة الممنوعين من السفر على ذمة الفصل في هذه القضية، ونعى المدعون على قرار منعهم من السفر بمخالفة القانون لأن حرية التنقل من مكان لآخر ومن جهة لأخرى والسفر خارج البلاد مبدأ أصيل وحق دستوري مقرر للمواطن لا يجوز المساس به أو الانتقاص منه بغير مقتض ولا يقيد إلا لمصلحة المجتمع، وإنه إذا كان المشرع في المادة “208 مكررا من قانون الإجراءات الجنائية قد أعطى للنيابة العامة سلطة إصدار الأمر بالمنع من السفر، فإنه قد اشترط أن يكون ذلك في الأحوال التي تقوم فيها من التحقيق أدلة كافية على جدية الاتهام في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، ولقد تقدموا إلى النائب العام بعدة طلبات -إذ لم تثبت إدانتهم رغم انقضاء ثماني سنوات على إصدار قرار المنع من السفر- لإبلاغ الجهة المنفذة لرفع أسمائهم إلا أن جميع طلباتهم كان مصيرها الرفض، وخلص المدعون إلى طلباتهم المذكورة آنفا.
………………………….
وتدوول نظر الشق العاجل من الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 5/5/2009 صدر الحكم المطعون فيه.
وشيدت المحكمة حكمها على سند من أن المدعين ما زالوا رهن المحاكمة الجنائية بالقضية رقم 5399 لسنة 2005 جنح أكتوبر بتهمة التهرب من أداء الضريبة المستحقة عن الفترة من 1992 حتى 2000، وأن رئيس محكمة جنح 6 أكتوبر التي تنظر هذه القضية قرر بتاريخ 16/4/2007 استمرار إدراجهم على قوائم الممنوعين من السفر باعتبار أن ذلك من الإجراءات التحفظية ضمانا لمثولهم أمام المحكمة لمحاكمتهم وضمانا لتنفيذ ماعساه يُقْضَى به عليهم، ولما كان هذا القرار من صميم القرارات القضائية فلا ولاية لمحاكم مجلس الدولة بالتعقيب عليها، وهو ما تقضي معه المحكمة بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى.
………………………….
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولا لدى الطاعنين أقاموا طعنهم الماثل ناعين على الحكم مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، ذلك أن الدعوى لم تكن موجهة للطعن على قرار إدراج أسمائهم بقوائم الممنوعين من السفر حتى يتسنى للمحكمة بحث مبررات إصدار القرار، وإنما كانت الدعوى بطلب حكم لمصلحتهم برفع أسمائهم من هذه القوائم باعتبار أن ما أتاه المدعون من تصرفات من تاريخ إدراج أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر سنة 2000 وحتى إقامة دعواهم سنة 2008 يؤكد انتفاء شبهة التقول بإضرارهم بالمال العام، وبذلك يكون الحكم قد نظر في غير ما طلبوه عندما تصدى لبحث أسباب إصدار قرار النائب العام بإدراجهم على تلك القوائم، ولم يبحث الحكم في طلب استصدار قرار جديد، فضلا عن أن قرار إدراجهم لم يصدر على وفق أحكام تنظم قواعد إصداره بما يكون معه -على وفق ما انتهت إليه المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2361 لسنة 55 ق.ع بجلسة 15/11/1988- مجرد إجراء فاقد سنده القانوني، وأن القرار الذي عولت عليه المحكمة بأسباب حكمها والذي أشارت إليه مذكرة النيابة العامة المقدمة بجلسة 7/4/2009 ونسب صدوره لرئيس محكمة جنح 6 أكتوبر لم يتم الكشف بالحكم عن كيفية إصداره في هذا التاريخ رغم أن الجنحة محالة إلى خبراء وزارة العدل بجلسة 18/2/2006 وتم إرسالها إلى مكتب الخبراء برقم 43 بتاريخ 1/3/2007 كما هو ثابت بالمستندات المقدمة من المطعون ضدهم بجلسة 7/4/2009، وأضاف الطاعنون أن الحكم لم يلتزم حكم المادتين 109 و110 مرافعات حيث لم يحل الدعوى إلى المحكمة التي يرى أنها مختصة، كما أنه خالف أحكام قانون الإثبات إذ إن ما قُدِّم من جهة الإدارة صورٌ ضوئية يجحدها الطاعنون.
………………………….
وحيث إن المستقر عليه قضاء أن تكييف الدعوى وتمحيص طلبات الخصوم فيها وقوفا على ما يرمون إليه ويصبون، هو من تصريف المحكمة الذي تجريه دون وقوف عند حرفية ما ساقه الخصوم من ألفاظ وعبارات؛ إذ العبرة بحقيقة مقصودهم وعلى وفق مرادهم بما يكشف عنه واقعُ الحالِ المعَّبِر عنه مِنْ قِبَلهم.
وحيث إن البين من واقع الحال المعبر عنه من المدعين بصحيفة دعواهم وبما أوروا به بمذكرات دفاعهم أمام محكمة أول درجة (مؤكَّدا بما ذكروه وتمسكوا به بتقرير طعنهم ومذكرات دفاعهم إبان نظر هذا الطعن) أنهم يهدفون من دعواهم إلى رفع أسمائهم من قوائم الممنوعين من السفر لانقضاء فترة ربت على سبع سنوات عند إقامة دعواهم، وازدادت ما يقرب من سنتين عند إقامة طعنهم الذي ينقل الدعوى برمتها إلى هذه المحكمة، فإن تكييف طلبهم على وفق مرادهم وحقيقة مقصودهم يكون هو طلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار استمرار إدراج أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر وعدم رفعها من هذه القوائم، وما يترتب على ذلك من آثار.
وحيث إنه في ضوء ذلك وفيما يتعلق بالدفع المبدى من قبل هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري ولائيا بنظر الدعوى، فإنه إذا كان لحق المواطن في التنقل والسفر إلى خارج البلاد حصانة؛ بحسبانه من الحقوق اللصيقة بالإنسان والتي قننها دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 1971 (الذي حل محله مؤقتا الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011) متضمنا تقنين هذا الحق في مادته رقم (8)، فإنه قد أحيط عند تنظيم المنع من السفر –أيا ما كان وجه الرأي في هذا التنظيم– بقيود تجعل هذا المنع موقوتا بطبيعته دون أن يكون استمراره ممتدا في الزمن، حيث إنه من غير الجائز على وفق قرار وزير الداخلية رقم 2214 لسنة 1994 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر أن تظل الأسماء مدرجة بالقوائم أكثر من ثلاث سنوات تبدأ من يناير التالي لتاريخ الإدراج ترفع بانقضائها تلقائيا ما لم يتم رفعها قبل ذلك، وما لم يتخذ الإجراء اللازم لاستمرار الإدراج فوق السنوات الثلاث المذكورة، إذ أوجب هذا القرار على إدارة القوائم بمصلحة وثائق السفر والهجرة بوزارة الداخلية أن تقوم بالتصفية المستمرة للأسماء بعد انقضاء مدة أو مدد الإدراج على هذه القوائم، مراعاة لما نص عليه هذا القرار من اعتبار الأسماء مرفوعة تلقائيا بانقضائها، وهو ما يعنى أنها تعد مرفوعة قانونا بذلك من هذه القوائم، مما لا تملك حياله الإدارة المذكورة أية سلطة تقديرية؛ إذ يلزمها أن تقوم برفع من انقضت مدة إدراجه لما تمارسه من تصفية مستمرة للأسماء المدرجة، ومن ثم يغدو استمرار إدراج من انقضت مدة الإدراج المشار إليها آنفاً دون رفع اسمه قراراً منسوباً إلى هذه الإدارة، وهو دون مراء قرار إداري نهائي يدخل بطبيعته هذه ضمن القرارات الإدارية التي يختص بالفصل في مدى مشروعيتها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
وبناء عليه ولما كانت حقيقة طلبات المدعين (الطاعنين) هي -كما سلف- وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار استمرار إدراج أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر وعدم رفعها من هذه القوائم، فإن محكمة القضاء الإداري تكون هي صاحبة الولاية في الفصل في النزاع القائم بشأن هذا القرار، مما يتعين معه رفض الدفع المبدى بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى، وإذ انتهى الحكم الطعين إلى غير ذلك فإنه يكون مخالفاً صحيح حكم القانون واجب الإلغاء، وهو ما تقضى به هذه المحكمة.
وحيث إنه ولئن كان من القواعد المعمول بها أنه عند إلغاء الحكم الصادر بعدم اختصاص محكمة أول درجة بنظر النزاع لاختصاصها على وفق صحيح حكم القانون أن تعاد إليها الدعوى للفصل فيها، إلا أن هناك قاعدة من القواعد التي استقر العمل أيضا بها، وهي قاعدة الاقتصاد في الإجراءات، والتي تتيح لمحكمة الطعن الفصل في النزاع دون إعادته إلى محكمة أول درجة متى كان صالحا للفصل فيه، وهو ما تأخذ به المحكمة بشأن النزاع الماثل.
وحيث إن القرار المطعون فيه بالتكييف المذكور سالفا هو من القرارات المستمرة التي يحق لذي المصلحة في الطعن عليه أن يطعن فيه متى كانت حالة الاستمرار قائمة، وإذ استوفت الدعوى جميع أوضاعها الشكلية، فمن ثم تكون مقبولة شكلا.
وحيث إنه عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإن المستقر عليه أن ولاية محاكم مجلس الدولة في وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من ولايتها في الإلغاء وفرع منها، ومردها الرقابة القانونية التي تسلطها المحكمة على القرار، على أســـاس وزنه بميزان القانون وزنا منـــاطه مبدأ المشروعية، إذ يتعين على القضاء الإداري ألا يوقف تنفيذ قرار إداري إلا إذا تبين له من ظاهر الأوراق أن طلب وقف التنفيذ قد توفر له ركنان: (الأول) ركن الجدية ويتمثل في قيام الطعن في القرار –بحسب الظاهر من الأوراق– على أسباب جدية من حيث الواقع والقانون تحمل على ترجيح الحكم بإلغائه عند نظر الموضوع، و(الثاني) ركن الاستعجال بأن يكون من شأن استمرار القرار وتنفيذه نتائج يتعذر تداركها.
وحيث إنه عن ركن الجدية فإن المادة (41) من دستور 1971 والمعمول بأحكامه إبان صدور القرار المطعون فيه تنص على أن: “الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو… أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقا لأحكام القانون…”، وهو ما يعنى أن المنع من التنقل داخل البلاد أو إلى خارجها هو من الإجراءات التي تمثل قيدا على الحرية الشخصية والتي من عناصرها الحرية في التنقل، ولذا استلزم المشرع الدستوري -حتى يكون مثل هذا الإجراء مشروعا- أن تكون هناك ضرورة لدى التحقيق مع الشخص تستلزم منعه من السفر، بحيث تكون هذه الضرورة مرتبطة بمصلحة التحقيق أو صيانة أمن المجتمع، وبحيث يصدر الأمر بذلك عن القاضي المختص أو النيابة العامة، على وفق أحكام القانون الذي ينظم حدود هذا القيد على ذلك الحق الطبيعي، ومؤدى ذلك أنه من غير الجائز قانونا صدور مثل هذا الأمر بالمنع من السفر عن غير من خولهم هذا النص الدستوري الاختصاص بذلك، وإلا كان القرار الصادر بذلك هو والعدم سواء لمساسه بحق طبيعي وللافتئات على حكم الدستور الذي هو القاعدة القانونية الأسمى في المجتمع، لاسيما أن المشرع الدستوري لم يترك أمر هذا الاختصاص –بعد أن خوله للقاضي المختص والنيابة العامة– مطلقا عن التنظيم وإنما أوجب أن تكون ممارسته على وفق أحكام القانون.
وحيث إن الثابت أن القرار المطعون فيه باستمرار إدراج أسماء المدعين (الطاعنين) على قوائم الممنوعين من السفر لم يصدر عن القاضي المختص أو عن النيابة العامة، حيث أفادت النيابة العامة بموجب كتابها المؤرخ 7/4/2003 الموجه إلى مدير عام مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية بأن السيد الأستاذ المستشار النائب العام قد وافق بتاريخ 7/4/2003 على استمرار إدراج اسم الطاعن الأول على قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول (حافظة الدولة المقدمة بجلسة 28/5/2011)، كما تضمنت مذكرة المعلومات الموقعة من رئيس نيابة مكافحة التهرب من الضرائب المؤرخة في 4/1/2008 المودعة حافظة مستندات الدولة المقدمة أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 7/4/2009 أن المتهمين (المدعين) كانوا قد أدرجوا على قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول بتاريخ 17/2/2000 خشية هروبهم خارج البلاد وحتى تستكمل النيابة العامة التحقيقات، ولم تقدم الدولة ما طلبته المحكمة بقرار إعادة الطعن للمرافعة بجلسة 9/4/2011 من صورة للقرار المدعى صدوره عن رئيس محكمة جنح 6 أكتوبر الجزئية بتاريخ 16/4/2007 باستمرار إدراج أسماء الطاعنين على قوائم الممنوعين من السفر، مكتفية بتقديم صورة كتاب النيابة العامة الموجه إلى مدير عام مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية المؤرخ 7/4/2003 المشار إليه آنفا، الأمر الذي يتيقن معه للمحكمة أن استمرار إدراج الطاعنين على قوائم الممنوعين من السفر لم يكن بقرار من المختص بإصداره على وفق أحكام القانون، سواء في ذلك الطاعن الأول الذي كان يجب رفع اسمه من القوائم بانقضاء ثلاث سنوات على وفق المادة (6) من قرار وزير الداخلية المشار إليه سابقا، أو الطاعنان الآخران اللذان لم تقدم الدولة ما يفيد استمرار إدراجهما بقرار صادر عن مختص بإصداره بعد انقضاء المدة المذكورة على وفق حكم هذه المادة من يناير التالي لتاريخ إدراجهما في 17/8/2000، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه مخالفا صحيح حكم القانون ويتوفر بشأن طلب وقف تنفيذه ركن الجدية، فضلا عن توفر ركن الاستعجال، إذ إن استمرار تنفيذ هذا القرار يمثل قيدا على حرية الطاعنين الشخصية وحقهم الطبيعي في السفر إلى الخارج بما يمس مصالح مشروعة لهم فوق ما يمثله من نيل من هذا الحق الطبيعي.
وحيث إن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه قد توفر له ركناه، فمن ثم تعين القضاء بوقف تنفيذه وما يترتب على ذلك من آثار.
وحيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بالمادة (184) مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدفع بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري ولائيا بنظر الدعوى، وبقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ قرار استمرار إدراج أسماء الطاعنين على قوائم الممنوعين من السفر، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية مصروفات درجتي التقاضي عن الشق العاجل من الدعوى، وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في الموضوع بعد إعداد هيئة مفوضي الدولة لديها التقرير بالرأي القانوني فيه.
(([1] قضت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 13/6/2015 في القضية رقم 40 لسنة 27 ق (تنازع) بتعيين جهة القضاء العادي جهة مختصة بنظر التظلم من قرارات النائب العام بالمنع من السفر. وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها أن القرار الصادر عن النائب العام بمنع متهم من السفر بمناسبة التحقيقات التي تجريها النيابة العامة يعد إجراء قضائيا من الإجراءات الجنائية التي تباشرها النيابة العامة، ومن ثم تكون جهة القضاء العادي (التي ناط بها المشرع الاختصاص بالفصل في الدعاوى الجنائية) هي الجهة المختصة بنظر المنازعة التي تثار بشأن ذلك القرار؛ لأنه وإذ صدر عن النيابة العامة في شأن منازعة جنائية فإن جهة القضاء العادي تكون هي المختصة بنظر الطعن عليه؛ لأنها صاحبة الولاية العامة بالفصل في كافة المنازعات والجرائم عدا ما تختص به محاكم مجلس الدولة، ولأن المحكمة المختصة بالفصل في أصل النزاع تكون هي المختصة بظر ما يتفرع عنه من منازعات؛ جمعا لأواصر المنازعة، وحرصا على عدم تقطيع أوصالها بين جهات قضائية مختلفة.
وأكدت المحكمة أنه لا ينال من هذا القول بأن القرارات الصادرة عن النائب العام بمنع متهم من السفر بمناسبة التحقيقات التي تجريها يعوزها السند القانوني الذي ينظم هذه القرارات ويحدد إجراءات الطعن عليها؛ لأن تقاعس المشرع العادي عن إصدار هذا التشريع لا يغير من الطبيعة القضائية لتلك القرارات، وأنه لا يسوغ بحال إسناد الفصل في المنازعات التي تثيرها تلك القرارات إلى محاكم مجلس الدولة، الذي حددت الدساتير المتعاقبة اختصاصه حصرا في المنازعات الإدارية باعتباره قاضيها الأصيل.