جلسة 28 من يناير سنة 2012
الطعن رقم 24301 لسنة 56 القضائية (عليا)
(الدائرة الثانية)
– شئون الأعضاء– إعارتهم– سلطة المجلس الخاص للشئون الإدارية في وضع ضوابطها– ناط المشرع بالمجلس الخاص للشئون الإدارية تنظيم جميع شئون أعضاء مجلس الدولة، ومن بينها إعارتهم- مبدأ الموافقة على الإعارة من حيث الأصل سلطة تقديرية لجهة الإدارة تمارسها بحسب احتياجات العمل وظروف كل حالة على حدة- لا يجوز لها أن تضع قاعدة عامة مجردة تقيد من التنظيم القانوني الذي سنه المشرع أو تعدل نطاقه، إذ لا يتأتى ذلك إلا بالأداة نفسها، أي بقانون، وليس بأداة أدنى من ذلك- مؤدى ذلك: صدور قرار عن المجلس الخاص للشئون الإدارية بتحديد مدة إعارة عضو مجلس الدولة بعشر سنوات طوال مدة الخدمة ينطوي على مخالفة صريحة للقانون.
– المواد أرقام (68 مكررا) و(88) و(89) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
– مسئولية جهة الإدارة عن أعمالها- ركن الضرر- الضرر الذي يجب التعويض عنه هو الضرر الذي تتحقق فيه الخصوصية، بمعنى أن يكون الضرر قد انصب على فرد معين أو أفراد بذواتهم، بحيث يكون لهم مركز خاص قبله- القرار التنظيمي يتضمن قواعد عامة مجردة، لا يمكن أن تَنسب إلى فرد معين أو أفراد معينين ضررا مباشرا، ومن ثم فإن الضرر الناتج عنه يفقد عنصر الخصوصية، ولا يرتب ضررا خاصا يمكن التعويض عنه، أما القرار الفردي الصادر تنفيذا لقرار تنظيمي فيمكن أن يسبب لفرد ما ضررا، ومن ثم تقوم مسئولية الإدارة عنه- إذا كان للأفراد أن يطالبوا بإلغاء القرار التنظيمي فذلك لأن دعوى الإلغاء دعوى عينية، أما دعوى التعويض فدعوى شخصية تقوم على حق شخصي اعتدي عليه، وهو أمر يتصور بالنسبة للقرارات الفردية- تطبيق: القضاء بإلغاء قرار المجلس الخاص للشئون الإدارية بمجلس الدولة بتحديد مدة إعارة عضو مجلس الدولة بعشر سنوات طوال مدة الخدمة، لا يستتبع حق أي من أعضاء المجلس المخاطبين به في التعويض؛ إذ لم يترتب ضرر خاص من جرائه.
في يوم الثلاثاء الموافق 25/5/2010 أودع تقرير الطعن الماثل قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلا، وفي الموضوع بتعويضه عما لحقه من أضرار مادية وأدبية؛ نتيجة إصدار المجلس الخاص قرارا برفض تجديد إعارته بمبلغ مقداره مليون جنيه، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وبعد إعلان الطعن قانونا أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن، ثم نظر الطعن أمام هذه المحكمة وتدوول أمامها بالجلسات على النحو الثابت في المحاضر ثم قررت المحكمة بجلسة 8/10/2011 حجز الطعن للحكم بجلسة 10/12/2011 ومذكرات في أسبوعين، ولم ترد مذكرات خلال الأجل، وبهذه الجلسة مد الأجل إلى جلسة 28/1/2012، وفيها صدر بعد إيداع مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة، لذا يضحى مقبولا شكلا.
وحيث إن عناصر المنازعة تتلخص في أن الطاعن يشغل وظيفة نائب رئيس مجلس الدولة منذ عام 1995، وأنه أثناء خدمته أعير للعمل مدرسا للقانون بجامعة صلاح الدين بالعراق لمدة عامين، ثم أعير للعمل بدولة قطر خبيرا قانونيا بوزارة العدل في الفترة من 18/2/1996 حتي 18/2/2002، ولمدة قدرها ست سنوات، ثم عاد وتسلم العمل بالمجلس حتى 31/1/2008، ثم أعير إلى دولة قطر اعتبارا من 1/2/2008 للعمل خبيرا قانونيا بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، وقبل انتهاء السنة الثانية من الإعارة تقدم بتاريخ 1/9/2009 بطلب لتجديد إعارته لعام ثالث، إلا أنه فوجئ بأن هناك قرارا من المجلس الخاص بأنه لا يجوز أن تزيد مدة إعارة عضو المجلس للخارج عن عشر سنوات طوال مدة خدمته بالمجلس، وبناء على ذلك أصدر المجلس قراره بتاريخ 14/10/2009 برفض تجديد إعارته لمدة سنة ثالثة.
وأضاف الطاعن أن هذا المسلك من جانب مجلس الدولة يخالف ما جرى عليه العرف الإداري في مجلس الدولة والهيئات القضائية الأخرى والتي لم تضع حدا أقصى لمدة إعارة العضو للخارج، ويعد انتقاصا من حقوقه، وجعله في وضع أدنى للحقوق بالنسبة لباقي الجهات القضائية الأخرى، فضلا عن أن هذا الموضوع طعن عليه وأصدرت المحكمة حكمها بعدم مشروعية قيد العشر السنوات، ومن ثم توفر ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية، وأنه قد أصيب من جراء ذلك بأضرار مادية وأدبية نتيجة القرار المشار إليه تمثلت في حرمانه من إكمال مدة الإعارة، ومن ثم حرمانه من العائد المادي إذا استمرت الإعارة للمدة القانونية، وكذلك ضرر أدبي تمثل في إصابته بأضرار نفسية وأدبية أمام الجهة المعار إليها، والتمس الطاعن الحكم بالطلبات.
وحيث إن المادة رقم 68 مكررا من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، تنص على أن: “ينشأ بمجلس الدولة مجلس خاص للشئون الإدارية برياسة رئيس مجلس الدولة وعضوية أقدم ستة من نواب رئيس المجلس… ويختص هذا المجلس بالنظر في تعيين أعضاء مجلس الدولة وتحديد أقدمياتهم وترقياتهم ونقلهم وندبهم خارج المجلس وإعارتهم والتظلمات المتصلة بذلك وكذلك سائر شئونهم على الوجه المبين في هذا القانون”، وتنص المادة رقم (88) منه على أنه: “… كما تجوز إعارة أعضاء مجلس الدولة للقيام بأعمال قضائية أو قانونية للحكومات الأجنبية أو للهيئات الدولية وذلك بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الخاص للشئون الإدارية، ولا يجوز أن يترتب على الندب أو الإعارة الإخلال بحسن سير العمل”، كما تنص المادة رقم (89) منه على أنه: “لا يجوز أن تزيد مدة إعارة عضو مجلس الدولة إلى الخارج على أربع سنوات متصلة، وتعتبر المدة متصلة إذا تتابعت أيامها أو فصل بينها فاصل زمني يقل عن خمس سنوات، ومع ذلك يجوز أن تزيد المدة على هذا القدر إذا اقتضت ذلك مصلحة قومية يقدرها رئيس الجمهورية”.
وحيث إن المستفاد مما تقدم أن قانون مجلس الدولة قد ناط بالمجلس الخاص للشئون الإدارية جميع شئون أعضاء مجلس الدولة من تعيين وترقية ونقل وندب وإعارة، وأن المشرع لم يضع حدا أقصى لمرات الإعارة للخارج أو عدد سنواتها الكلية، إذ حدد مدة الإعارة بأربع سنوات يجوز زيادتها إذا كانت ثمة اعتبارات قومية تقتضيها ومنع إعارة العضو بعدها إلا بانقضاء خمس سنوات على إعارته السابقة.
وحيث إن هذه المحكمة سبق وأن قضت بأنه لما كان مبدأ الموافقة على الإعارة من حيث الأصل سلطة تقديرية لجهة الإدارة تمارسها بحسب احتياجات العمل وظروف كل حالة على حدة، فإنه لا يجوز لها أن تضع قاعدة عامة مجردة تقيد من التنظيم القانوني الذي سنه المشرع أو تعدل نطاقه، إذ لا يتأتى ذلك إلا بذات الأداة، أي بقانون وليس بأداة أدنى من ذلك، وإلا انطوى الأمر على مخالفة صريحة للقانون، وانتهت إلى أن قرار تحديد مدة الإعارة بعشر سنوات طوال مدة الخدمة، قد صدر بالمخالفة لصحيح حكم القانون مما يَصِمه بعدم المشروعية، وقضت بإلغائه (يراجع الطعن رقم 6081 لسنة 53 ق. عليا جلسة 23/1/2010).
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تصدرها هو قيام خطأ من جانبها، بأن يكون القرار الإداري غير مشروع بسبب عيب لحقه من عيوب عدم المشروعية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأن يحيق بصاحب الشأن ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
وحيث إنه ترتيبا على ما تقدم، وإذ كان الثابت أن المحكمة قضت بإلغاء القرار الصادر بتحديد مدة الإعارة بعشر سنوات -على النحو السالف بيانه-، بما يقطع بتوفر ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية، إلا أنه يتعين قيام عنصر الضرر حتى يمكن القول بالتعويض عن القرار المذكور.
وحيث إن الضرر الذي يمكن التعويض عنه هو الضرر الذي تتوفر فيه الخصوصية بمعنى أن يكون الضرر قد انصب على فرد معين أو على أفراد بذواتهم، بحيث يكون لهم مركز خاص قبله حسبما ذهب إلى ذلك قضاء هذه المحكمة.
وحيث إنه من المعلوم أن القرار التنظيمي يتضمن قواعد عامة مجردة، فإنه لا يمكن أن تسبب هذه القواعد لفرد معين أو لأفراد معينين ضررا مباشرا، ذلك أنه إذا كان القرار الفردي الصادر تنفيذا لقرار تنظيمي يمكن أن يسبب لفرد ما ضررا، ومن ثم تثار مسئولية الإدارة، فإن ذلك لا يثار بالنسبة للقرار التنظيم. وإذا كان الأفراد يمكن أن يطالبوا بإلغاء قرار تنظيمي، فذلك راجع إلى أن دعاوى الإلغاء دعاوى موضوعية تقوم على مجرد مصلحة. أما بالنسبة لدعوى التعويض فهي دعوى شخصية تقوم أساسا على حق شخصي اعتدي عليه، وهو ما يتصور بالنسبة للقرارات الفردية، ومن ثم فإذا كان الضرر الناتج عن القواعد التنظيمية يفتقد عنصر الخصوصية، فإنه من ثم لا يرتب ضرراً خاصاً يمكن أن يعوض عنه الطاعن طالب التعويض. (يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 7063 لسنة 46 ق. عليا جلسة 26/1/2002).
وحيث إنه هديا بما تقدم، ولئن كان الخطأ قد توفر في جانب الجهة الإدارية عندما قررت قصر مدة الإعارة لأعضاء مجلس الدولة على عشر سنوات طوال سني خدمتهم بالمجلس، وإن كان راعيها في ذلك هي المصلحة العامة التي جعلتها تضع مثل ذلك القرار الذي ينظم الإعارة، على خلاف حكم القانون، ومن ثم قضي بإلغائه، إلا أن مثل ذلك القرار التنظيمي أو اللائحي لا يرتب ضررا خاصا، إذ إنه لم يكن صادرا ضد الطاعن شخصيا، ومن ثم ينتفي ركن الضرر المبرر لدعوى التعويض على النحو السابق إيراده، ويتعين القضاء برفض الطعن.
وحيث إن الطعن معفى من الرسوم عملا بحكم المادة 104 من قانون مجلس الدولة.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا.