جلسة 2 من أبريل سنة 2008
(الدائرة السادسة)
الطعن رقم 2447 لسنة 43 القضائية عليا.
– جامعة الأزهر– دراسات عليا- كلية أصول الدين– أعمال اللجان العلمية– الإجراءات السابقة على مناقشة الرسالة العلمية.
المادتان (231) و (233) من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (103) لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر، الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم (250) لسنة 1975– المادة (42) من اللائحة الداخلية لكلية أصول الدين.
لا يملك القضاء الإداري التدخل في أعمال اللجان العلمية التي يتم تشكيلها للحكم على الرسائل العلمية، أو أن يحل نفسه محلها لدى مباشرتها اختصاصاتها المنوطة بها؛ لأن أعمال هذه اللجان أعمال علمية فنية مما تختص بتقديره وحدها بلا معقب عليها– يقتصر دور القاضي على مراقبة هذه اللجان عند مباشرتها لتلك الاختصاصات للوقوف على مدى التزامها بحكم القانون من حيث إجراءات تشكيلها، وأدائها لوظيفتها الجماعية والفردية لأعضائها، وصولا لما تنتهي إليه من قرار لتقييم تلك الرسائل العلمية، وما إذا كان قد شاب أعمالها شئ من الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها– مؤدى ذلك: لا تغوص المحكمة في مضمون الرسالة أو فحواها شكلا أو موضوعا، أو تقييمها، أو تقدير الدرجة العلمية المستحقة لصاحبها، أو ما يتعلق بمدى صلاحيتها بصفة عامة.
المستفاد من نصوص اللائحة التنفيذية للقانون رقم (103) لسنة 1961 واللائحة الداخلية لكلية أصول الدين أن على كل عضو من أعضاء لجنة الحكم على الرسالة العلمية أن يقدم تقريرا علميا مفصلا عن الرسالة قبل مناقشتها؛ وذلك بهدف تمكين مجلس القسم ومجلس الكلية من تحديد موعد المناقشة، حيث لا يحدد الموعد إلا إذا انتهت تلك التقارير إلى صلاحية الرسالة للعرض على لجنة المناقشة، كما تقدم لجنة المناقشة تقريرا جماعيا بنتيجة هذه المناقشة في الحالات التي تجرى فيها، وتعرض هذه التقارير جميعها على مجلس القسم ثم مجلس الكلية تمهيدا لعرضها على مجلس الجامعة– إذا قررت اللجنة عدم صلاحية الرسالة فإن لمجلس الكلية أن يرخص للطالب في إعادة تقديم رسالته بعد استكمال أوجه النقص فيها، أو تقديم رسالة أخرى– عدم تقديم التقارير الفردية قبل مناقشة الرسالة، وعدم توقيع التقارير الجماعية من جميع أعضاء لجنة المناقشة يشوب إجراءات لجنة الحكم والمناقشة بالبطلان- تطبيق.
في يوم الأربعاء الموافق 12/3/1997 أودع الأستاذ/… المحامي بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريرا بالطعن على الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 5480 لسنة 48ق بجلسة 11/1/1997 الذي قضى في منطوقه بالآتي: حكمت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجامعة المدعى عليها المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن تقرير الطعن وفقا للثابت بالأوراق، وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن، انتهت فيه للأسباب الواردة به إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض طلب وقف تنفيذ القرار الطعين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ونظرت الدائرة السادسة (فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا الطعن بعدة جلسات. ثم قررت إحالته إلى الدائرة السادسة موضوع لنظره. ونفاذا لذلك ورد الطعن إلى هذه المحكمة ونظرته بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وقررت إصدار الحكم بجلسة 5/3/2008 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانونا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 5/5/1994 أودع المطعون ضده قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة صحيفة الدعوى رقم 5480 لسنة 48 ق، طالبا في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار لجنة المناقشة الصادر في 16/10/1993 المعتمد من رئيس جامعة الأزهر برد الرسالة التي تقدم بها للحصول على درجة العالمية (الدكتوراه)، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وذكر المدعي شرحا لدعواه أنه يعمل مدرسا مساعدا بكلية أصول الدين بالزقازيق، وأنه تقدم لكلية أصول الدين بالقاهرة للقيد والتسجيل لدرجة العالمية (الدكتوراه)، حيث وافق مجلس الكلية، ثم وافق مجلس الجامعة على موضوع الرسالة وعنوانها الذي اختاره مجلس القسم، وبعد أن انتهى من إعدادها أقر الأستاذ المشرف صلاحيتها، وتم تشكيل لجنة لمناقشتها والحكم عليها، وتحدد يوم 16/10/1993 موعدا لمناقشتها، وبعد أن تمت المناقشة امتنعت اللجنة عن إجازة الرسالة، وقررت ردها، فتقدم بتظلم دون جدوى، فأقام دعواه، ناعيا على هذا القرار مخالفة القانون؛ وأنه يهدده بالنقل إلى وظيفة إدارية. واختتم صحيفة دعواه بطلب الحكم بطلباته.
وبجلسة 22/11/1994 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المدعي المصروفات.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الموضوع، ارتأت فيه الحكم برفض الدعوى موضوعا، وإلزام المدعي المصروفات.
وبجلسة 11/1/1997 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بإلغاء القرار المطعون فيه استنادا إلى أن أعضاء لجنة الحكم على الرسالة لم يتقدموا بتقارير علمية فردية عن الرسالة لمجلس الكلية قبل مناقشتها، كما لم تقدم تلك اللجنة تقريرا جماعيا موقعا من جميع أعضائها إلى مجلس القسم، مما يصم عملها بالنقصان وبالمخالفة للقانون. وانتهت المحكمة إلى قضائها المتقدم.
لم يلق هذا القضاء قبولا لدى الجامعة الطاعنة فأقامت طعنها ناعية عليه مخالفة القانون؛ حيث خلا نص المادة (221) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الأزهر من بيان ما إذا كان تقديم التقارير الفردية من أعضاء لجنة المناقشة سابقا أو لاحقا للمناقشة، كما أن المادة (42) من اللائحة الداخلية للكلية لم ترتب البطلان على عدم تقديم التقارير الفردية قبل المناقشة، فضلا عن عدم وجود نص يفيد إعادة تشكيل لجنة غير اللجنة التي ردت الرسالة ومناقشتها مرة أخرى، وأن لجنة الحكم والمناقشة قامت بعمل الإجراءات القانونية في مناقشة الرسالة. واختتمت الجامعة الطاعنة تقرير طعنها بطلب الحكم بطلباتها.
ولعله من حسن الابتداء أن تشير المحكمة إلى أنها لا تملك التدخل في أعمال اللجان العلمية التي يتم تشكيلها للحكم على الرسائل العلمية؛ حيث إن أعمال هذه اللجان أعمال علمية فنية مما تختص بتقديره وحدها بلا معقب عليها، ولا يجوز للقضاء أن يحل نفسه محل هذه اللجان لدى مباشرتها اختصاصاتها المنوطة بها وحدها قانونا، وإنما يقتصر دور المحكمة على مراقبة هذه اللجان عند مباشرتها لتلك الاختصاصات ومدى التزامها بحكم القانون من حيث الإجراءات في تشكيل تلك اللجان، وأدائها لوظيفتها الجماعية والفردية لأعضائها، وصولا إلى ما تنتهي إليه من قرار لتقييم تلك الرسائل العلمية، وما إذا كان قد شاب أعمالها شئ من الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها أو لا، دون أن تغوص المحكمة في مضمون الرسالة أو فحواها شكلا ولا موضوعا، أو تقييمها أو تقدير الدرجة العلمية المستحقة لصاحبها، أو ما يتعلق بمدى صلاحيتها بصفة عامة.
ومن حيث إن المادة (231) من اللائحة التنفيذية لقانون إعادة تنظيم الأزهر رقم 103 لسنة 1961 تنص على أن: “يقدم كل عضو من أعضاء لجنة الحكم تقريرا علميا مفصلا عن الرسالة، وتقدم اللجنة مجتمعة تقريرا بنتيجة المناقشة، وتعرض جميعها على مجلس الكلية، ويجوز ألا تجرى المناقشة في بعض الكليات وفقا لما تنص عليه اللوائح الداخلية…”.
وتنص المادة (233) من ذات اللائحة على أنه: “لمجلس الكلية بناء على اقتراح لجنة الحكم على الرسالة أن يرخص للطالب الذي لم تتقرر أهليته لدرجة التخصص أو العالمية في إعادة تقديم رسالته بعد استكمال أوجه النقص فيها أو في تقديم رسالة أخرى”.
ومن حيث إن المادة (42) من اللائحة الداخلية لكلية أصول الدين تنص على أن: “يقدم كل عضو من أعضاء لجنة الحكم تقريرا علميا منفصلا عن الرسالة بصلاحيتها قبل المناقشة، وتقدم اللجنة مجتمعة تقريرا بنتيجة المناقشة، وتعرض التقارير على مجلس القسم ومجلس الكلية تمهيدا للعرض على مجلس الجامعة…”.
ومن حيث إن المستفاد من تلك النصوص أن كل عضو من أعضاء لجنة الحكم على الرسالة عليه أن يقدم تقريرا علميا مفصلا عن الرسالة قبل مناقشتها، كما تقدم اللجنة مجتمعة تقريرا بنتيجة هذه المناقشة في الحالات التي تجرى فيها المناقشة، وتعرض هذه التقارير جميعها على مجلس القسم ثم مجلس الكلية، تمهيدا للعرض على مجلس الجامعة. وإذا قررت لجنة الحكم عدم صلاحية الرسالة وبالتالي عدم أهلية الطالب للحصول على الدرجة العلمية سواء درجة التخصص أو العالمية، فإن لمجلس الكلية في هذه الحالة أن يرخص للطالب في إعادة تقديم رسالته بعد استكمال أوجه النقص فيها أو في تقديم رسالة أخرى.
ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم جميعه على وقائع الطعن الماثل فإنه لما كان الثابت بالأوراق، وبخاصة التحقيق الذي أجرته الشئون القانونية بجامعة الأزهر الطاعنة رقم 113 لسنة 1995 المقدمة مذكرته ضمن حافظة مستنداتها المقدمة للمحكمة المطعون في حكمها بجلسة 15/6/1996 أن المطعون ضده تقدم بشكوى ضد لجنة مناقشة الرسالة، اتهم أعضاءها بالكذب والتزوير واستغلال النفوذ، وثابت من التحقيق حسبما جاء في تلك المذكرة أن التقارير الفردية لأعضاء لجنة المناقشة المرافقة صورها للتحقيق بعضها مؤرخ 16/10/1993 وهو اليوم المحدد للمناقشة والتقرير الآخر مقدم في اليوم السابق للمناقشة مؤرخ 15/10/1993 وهو يوافق يوم الجمعة، وتقريران آخران مؤرخان 14/10/1993، مع وجود تقريرين جماعيين للجنة، أحدهما لم يوقع عليه سوى أربعة أعضاء من خمسة، ولم يوقعه المشرف على الرسالة مع وجود اختلاف في الوقائع بين التقريرين. وانتهت مذكرة التحقيق إلى صحة ما نسبه الشاكي (المطعون ضده) فيما يتعلق بالتقارير والتوصية بإحالة الموضوع إلى جهة الاختصاص بالتحقيق مع أعضاء هيئة التدريس.
وحيث ثبت مما تقدم أن التقارير العلمية الفردية لأعضاء لجنة الحكم على الرسالة المقدمة من المطعون ضده لم تقدم جميعها قبل مناقشة الرسالة بالمخالفة لأحكام اللائحة الداخلية للكلية المذكورة، وكان الغرض من هذا النص تمكين مجلس القسم ومجلس الكلية من تحديد موعد المناقشة طبقا لما جاء بها، حيث لا يحدد هذا الموعد إلا إذا انتهت تلك التقارير إلى صلاحية الرسالة للعرض على لجنة المناقشة، والثابت منها –عدا تقرير المشرف– عدم صلاحية الرسالة. فضلا عن أنه وُضع تقريران جماعيان مختلفان في الوقائع، ولم يوقع أحدهما من جميع أعضاء اللجنة، حيث لم يوقع عليه الأستاذ المشرف على الرسالة، مما يشوب إجراءات لجنة الحكم والمناقشة لتلك الرسالة بالبطلان ومخالفة أحكام القانون، ويكون القرار المطعون فيه -وإذ صدر بناء على تلك الإجراءات- باطلا وجديرا بالإلغاء، وهو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه، فيكون صحيحا، ويكون الطعن عليه في غير محله جديرا بالرفض، وإلزام الجامعة الطاعنة المصروفات بحسبانها الخاسرة في الطعن عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
ولا محاجة هنا للقول بأن النص الذي أوجب تقديم التقارير الفردية لأعضاء اللجنة قبل مناقشة الرسالة لم يرتب جزاء البطلان على مخالفته؛ حيث إن ذلك مردود بأنه طبقا لنظرية البطلان يترتب البطلان في إحدى حالتين: إذا نص القانون على البطلان، أو إذا لم ينص على هذا الجزاء ولكن لم تتحقق الغاية من الإجراء. وفي الحالة الماثلة فإن الغاية من الإجراء لم تتحقق، حيث لم يتمكن مجلس القسم ومجلس الكلية من الوقوف على رأي أعضاء لجنة الحكم على الرسالة ومدى صلاحيتها للمناقشة، وتم بالتالي تحديد موعد للمناقشة رغم ما ورد في غالبية هذه التقارير من عدم صلاحيتها للمناقشة ووجوب ردها وغير ذلك بعد المناقشة، وكان يمكن تدارك الأمر لو أن هذه التقارير تم تقديمها قبل مناقشة الرسالة بوقت كاف التزاما بحكم القانون.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الجامعة الطاعنة المصروفات.