جلسة 5 من يوليو سنة 2009
(الدائرة السابعة)
الطعن رقم 25908 لسنة 53 القضائية عليا
شئون الأعضاء– التعيين فى وظيفة معاون نيابة إدارية– شرط حسن السمعة- ضعف المستوى المادي والاجتماعي للأسرة لا يعد سببا كافيا للاستبعاد.
لم يحدد المشرع أسباب فقدان حسن السمعة والسيرة الحميدة على سبيل الحصر، وأطلق المجال فى ذلك لجهة الإدارة تحت رقابة القضاء الإداري، الذى استقرت أحكامه على أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي مجموعة من الصفات والخصال التى يتحلى بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس، وتجنبه قالة السوء وما يمس الخلق، ومن ثم فهي تلتمس في أخلاق الشخص نفسه، إذ هي لصيقة بشخصه ومتعلقة بسيرته وسلوكه، ومن مكونات شخصيته، فلا يؤاخذ على صلته بذويه إلا ما ينعكس منها على سلوكه– يكتفى في مجال التحري ببوتقة الأسرة الصغيرة المتمثلة في المرشح وأشقائه ووالديه، لا الأسرة بمعناها الأكبر.
ضعف المستوى المادي والاجتماعى للأسرة لا يعد سببا كافيا لاستبعاد المتقدم- العبرة هنا بأن يكون العمل الذى يقوم به الشخص عملاً شريفاً وكريماً دون النظر إلى المستوى الوظيفي، وإلا أصبح شغل تلك الوظائف حكراً على طائفة معينة دون سواها، وهو ما يفضي إلى حرمان أصحاب الكفاءات العلمية المتميزة التى تنتسب إلى أصحاب الدخول البسيطة من تولي تلك الوظائف، كما أن هذا القول تأباه قواعد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين فى ظل مبدأ سيادة القانون الذي يسود نظام الحكم في الدولة– تطبيق.
في يوم الثلاثاء الموافق 11/9/2007 أودع الأستاذ/ … المحامي بالنقض بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن، قيد بجدولها تحت رقم 25908 لسنة 53 ق.عليا، طالبا في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 48 لسنة 2007 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين بوظيفة معاون نيابة إدارية مع كافة ما يترتب على ذلك من آثار، وفي الموضوع بإلغائه والقضاء بأحقيته في التعيين، وتنفيذ الحكم بمسودته بدون إعلان، وإلزام جهة الإدارة المصروفات وأتعاب المحاماة.
وجرى إعلان الطعن على النحو الموضح بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الجمهوري المطعون فيه رقم 48 لسنة 2007 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين بوظيفة معاون نيابة إدارية بهيئة النيابة الإدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وعينت لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 25/1/2009 وتدوول نظره بجلساتها على النحو الموضح بمحاضرها، وبجلسة 12/4/2009 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 19/4/2009 وفيها قررت إعادة الطعن للمرافعة لجلسة 10/5/2009 لتقدم النيابة الإدارية محضر المقابلة الشخصية في ضوء مذكرة الجهة الإدارية الأخيرة رداً على الطعن بأن سبب استبعاد الطاعن لعدم توافر إحدى شروط التعيين وفقاً لتقرير التحريات الأمنية، وقررت بجلسة 7/6/2009 -إزاء عدم تقديم الجهة الإدارية محضر المقابلة الشخصية– إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وإتمام المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعات الطعن تتحصل –حسبما يبين من الأوراق– في أن الطاعن حاصل على ليسانس الشريعة والقانون عام 2004 بتقدير تراكمي (جيد جداً) وبنسبة مئوية 83.5%، وإذ أعلنت النيابة الإدارية عن حاجتها لشغل وظائف معاون نيابة إدارية، فقد تقدم بأوراقه إلى جهة الإدارة، واجتاز المقابلة الشخصية بنجاح، إلا أنه فوجئ بصدور قرار رئيس الجمهورية المطعون فيه رقم 48 لسنة 2007 متضمناً تخطيه في التعيين بتلك الوظيفة، فتظلم من هذا القرار، حيث قيد تظلمه برقم (271) لسنة 2007 بتاريخ 5/3/2007 ولم يتلق رداً على تظلمه، فتقدم بطلب إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات قيد برقم 179 لسنة 2007 بتاريخ 1/7/2007، وأوصت اللجنة بجلسة 15/7/2007 برفض الطلب.
ونعى الطاعن على القرار المطعون فيه مخالفته للدستور والقانون ومبادئ الشريعة الإسلامية والإخلال بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة الجهة الإدارية رداً على الطعن بأن النيابة الإدارية أتاحت له فرصة مقابلة اللجنة المناط بها استخلاص مدى أهليته، متخذة في ذلك موقفا جديا لبحث طلب التعيين المقدم منه، وأنها استبعدت الطاعن لعدم توافر أحد شروط التعيين وفقاً لتقرير التحريات الأمنية، والتي انتهت لعدم الموافقة على شغله وظيفة عضو نيابة إدارية لضعف المستوى المادي والاجتماعي ووجود معلومات جنائية مسجلة لبعض أقاربه (القضية رقم 5829 لسنة 1988 جنح مركز ميت غمر (ضرب) مقيدة ضد ابن عمة المرشح وزوج عمة المرشح) حكم فيها حضوريا بشهر حبس والإيقاف لكل منهما.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن سبب استبعاد الطاعن من التعيين مرجعه إلى سببين هما أولهما: اتهام ابن عمته وزوج عمته في القضية رقم 5829 لسنة 1988 جنح ضرب قضي فيها حضورياً بجلسة 26/11/1990 بالحبس شهرا والإيقاف لكل منهما.
وثانيهما: ضعف المستوى المادي والاجتماعي للأسرة.
ومن حيث إنه من المستقر عليه قضاءً أنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها ويفترض في القرار غير المسبب أنه قام على سببه الصحيح، وعلى من يدعي العكس أن يقيم الدليل على ذلك، إلا أنه إذا ذكرت أسبابا من تلقاء نفسها، أو كان القانون يلزمها بتسبيب قرارها، فإن ما تبديه من أسباب يكون خاضعا لرقابة القضاء الإداري، وله في سبيل إعمال رقابته أن يمحص هذه الأسباب للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار، فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها كان القرار فاقدا لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون، أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً فقد قام القرار على سببه، وكان مطابقاً للقانون.
ومن حيث إنه عن السبب الأول فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المشرع لم يحدد أسباب فقدان حسن السمعة والسيرة الحميدة على سبيل الحصر، وأطلق المجال في ذلك لجهة الإدارة تحت رقابة القضاء الإداري الذي استقرت أحكامه على أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي مجموعة من الصفات والخصال التي يتحلى بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس، وتجنبه قالة السوء وما يمس الخلق، ومن ثم فهي تلتمس في أخلاق الشخص نفسه، إذ هي لصيقة بشخصه ومتعلقة بسيرته وسلوكه، ومن مكونات شخصيته، فلا يؤاخذ على صلته بذويه إلا فيما ينعكس منها على سلوكه.
ولما كان ذلك وكانت القضية المشار إليها قضي فيها بالحبس شهرا والإيقاف، ومن ثم فإنها من جرائم الأشخاص التي لا تؤثر في حسن السمعة ولا تمس الأمانة والنزاهة والثقة، هذا فضلاً عن أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على الاكتفاء في مجال التحري عن الأقارب ببوتقة الأسرة الصغيرة فقط، ممثلة في المرشح وأشقائه ووالديه دون أن يشمل الأسرة بمعناها الأكبر، والتي لا يخلو أحد أفرادها من مشكلة أصابته لأي سبب كان، ومن ثم يغدو هذا السبب لا أساس له من صحيح القانون.
ومن حيث إنه عن السبب الثاني وقوامه ضعف المستوى المادي والاجتماعي للأسرة استناداً إلى أن والده يعمل مساعد شرطة بوزارة الداخلية، وأن شقيقه يعمل مندوب شرطة، وشقيقته الصغرى حاصلة على الثانوية العامة، وأن أخواله وأعمامه حاصلون على مؤهل متوسط، فذلك ليس سبباً كافياً لاستبعاد الطاعن، وآية ذلك أن غالبية الأسر المصرية التي تقطن بالمدن والقرى من أصحاب الدخول البسيطة، سواء من العمل بالزراعة أو الحرف والصناعات الصغيرة، أو تولي وظائف بالحكومة، والعبرة هنا بكون العمل الذي يقوم به الشخص عملاً شريفاً وكريماً دون النظر إلى المستوى الوظيفي، والأخذ بذلك القول على إطلاقه إنما يؤدي إلى جعل شغل تلك الوظائف حكراً على طائفة معينة دون سواها، وهو ما يفضي إلى حرمان أصحاب الكفاءات العلمية المتميزة التي تنتسب إلى أصحاب الدخول البسيطة من تولي تلك الوظائف، إذ يتعين إفساح المجال لتعيين المتفوقين علمياً القادرين على النهوض برسالة العدالة، إلى جانب الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهل المرشح لممارسة العمل القضائي، كما أن هذا القول تأباه قواعد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في ظل مبدأ سيادة القانون الذي يسود نظام الحكم في الدولة، وبحسبانه أساساً لها.
ولما كان ذلك، وكان الطاعن ظاهر التميز بتقديره الحاصل عليه في ليسانس الشريعة والقانون ومتفوقا علمياً، ومما ينبئ من اجتيازه للمقابلة الشخصية ومما يؤكده أن الجهة الإدارية لم تقدم محضر المقابلة الشخصية على مدار العديد من جلسات المحكمة، ومن ثم لا ينتقص من ذلك كون والده يعمل مساعداً بالشرطة وأن شقيقه يعمل مندوباً بها، فهما يعملان في جهاز ينهض على بسط الأمن وتحقيق الطمأنينة للمواطنين، وهي مهمة عظيمة الشأن، وبالتالي يكون القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين في وظيفة معاون نيابة إدارية يكون قد انبنى على غير سببه الصحيح المبرر له قانوناً، الأمر الذي تقضى معه المحكمة –وفي ضوء ما وقر في وجدانها من تفوق الطاعن وانتمائه إلى أسرة مصرية بسيطة– بإلغاء القرار المطعون فيه المشار إليه لافتقاده سببه الصحيح المسوغ له صدقاً وعدلاً مع ما يترتب على ذلك من آثار مع استيفاء الطاعن للشروط المقررة للتعيين قانوناً.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 48 لسنة 2007 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين في وظيفة معاون نيابة إدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار.