جلسة 2 من يونيه سنة 2013
الطعن رقم 27138 لسنة 58 القضائية (عليا)
(الدائرة السابعة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسن كمال محمد أبوزيد شلال
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ كارم عبد اللطيف عبد العظيم أحمد ود. محمد ماهر أبو العينين ومحمد محمد مجاهد راشد وحسن محمود سعداوي محمد.
نواب رئيس مجلس الدولة
أركانه- ركن الغاية- عيب الانحراف بالسلطة من العيوب القصدية التي تشوب ركن الغاية في القرار، وعلى من يريد التمسك به أن يُثْبِت أن القرار قد تغيرت غايته إلى غير المصلحة العامة.
شئون الضباط- ترقية- خوَّل المشرِّع الجهةَ الإدارية ممثلةً في وزارة الداخلية سلطةً تقديرية واسعة في الترقية إلى رتب: العقيد والعميد واللواء- هذه السلطة التقديرية تجد حدَّها في عدم التعسف في استعمالها.
– المادتان (19) و(71) من القرار بقانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة، المعدَّل بالقانون رقم 20 لسنة 1998.
شئون الضباط- إنهاء الخدمة- حدَّد المشرِّع حالاتِ إنهاء خدمة الضابط بأن جعل الأصلَ في ذلك بلوغَ سن الستين، أو مضي سنتين في رتبة عقيد، أو مضي سنة واحدة في رتبة عميد أو لواء- خروجًا عن هذا الأصل أجاز المشرِّع مدَّ خدمةِ الضابط على وفق أحكام المادة (19) من قانون هيئة الشرطة.
– المادتان (19) و(71) من القرار بقانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة، المعدَّل بالقانون رقم 20 لسنة 1998.
شئون الضباط- إنهاء الخدمة- أثر صدور حكم بإلغاء قرار إنهاء خدمة الضابط- صدور هذا الحكم من شأنه إعدام هذا القرار بأثرٍ رجعي منذ صدوره، ويكون لزوم ذلك ومقتضاه إعادة الرابطة الوظيفية كأنها ما فتئت قائمةً لم تنفصم عراها- يتعيَّن لإعمال صحيح حجية الحكم إعادةُ الضابط إلى عمله عودةً فعلية، وأن تُعاد له جميعُ حقوقه الوظيفية- قيام جهة الإدارة بتنفيذ الحكم تنفيذًا ورقيا دون إعادة الضابط إلى الخدمة العاملة بهيئة الشرطة، يُعَدُّ التفافًا على الحكم وإفراغًا له من مضمونه([1]).
شئون الضباط- الترقية إلى رتبة (عميد)- صدور حكم بإلغاء القرار الصادر بإحالة ضابط إلى المعاش برتبة (عقيد) يستلزم أحقيته في استكمال مدة السنتين في هذه الرتبة، والاحتفاظ بأقدميته بين أقرانه من دفعة تخرجه الأصلية- تقاعسُ الجهة الإدارية عن تنفيذ مقتضى الحكم، بِحجبِ الضابط عن عمله دون سبب منه، وتفويتِ فرص تقييم أدائه، وصدورُ قرار بترقية زملائه الأحدث منه في الأقدمية إلى رتبة (عميد)، يجعل قرار تخطيه في الترقية على غير سند قانوني، مستوجب الإلغاء- لا محاجة للقول إن المحكوم له لم يخضع بشأن الترقية إلى رتبة (عميد) إلى التقييم الفعلي؛ ذلك أن جهة الإدارة هي التي حالت دون التنفيذ الصحيح الكامل لمقتضى حكم الإلغاء، بحجبه عن عمله دون سببٍ منه، وبالمخالفة لهذا الحكم، ومن ثم تفويت فرصة تقييم أدائه، فيتعين ألا تفيد من وراء مسلكها.
في يوم الأحد الموافق 29/7/2012 أودع الأستاذ/ … المحامى المقبول للمرافعة لدى المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريرًا بالطعن في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 4/7/2012 في الدعوى رقم 805 لسنة 65 ق، القاضي منطوقه: (أولا) باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة لطلب المدعي إلغاء القرار المطعون فيه، و(ثانيا) بالنسبة لطلب التعويض بقبوله شكلا، وبإلزام جهة الإدارة أن تؤدي له مبلغا مقداره ثلاثون ألف جنيه على سبيل التعويض، والمصروفات.
وطلب الطاعن –للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بقبوله شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بأحقية الطاعن في الترقية لرتبة (عميد) -على وفق أقدميته الأصلية 33/83– أسوة بزملائه ممن رقوا بالقرار الوزاري رقم 1231 في 1/8/2009، وبتعويضه بمبلغ مقداره مليون جنيه عن الأضرار المادية والأدبية، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وتم إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
ثم أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من اعتبار الخصومة منتهية بالنسبة لطلب الإلغاء، والقضاء مجددًا بقبوله شكلا، وفى الموضوع بإلغاء القرار الوزاري رقم 1405/2010 فيما تضمنه من تنفيذ الحكم الصادر لمصلحة المدعي في الدعوى رقم 37450 لسنة 60 ق. على غير الوجه المقرر قانونا، مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب، وبرفض الطعن على طلب التعويض مع إلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.
وتدوول نظر الطعن بدائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، وبجلسة 17/4/2013 قررت إحالته إلى الدائرة السابعة موضوع بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 12/5/2013 التى نظرته بتلك الجلسة ثم قررت فيها إصدار الحكم بجلسة 2/6/2013 وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وتمام المداولة
وحيث إن الطعن استوفى جميع أوضاعه الشكلية المقررة قانونا فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الحكم المطعون فيه ومن أوراق الطعن- في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم 805 لسنة 65 ق. أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة مختصمًا المطعون ضده، طالبًا في ختامها الحكم بقبولها شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه رقم 1405 لسنة 2010 المؤرخ في 4/9/2010، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أحقيته في الترقية لرتبة (عميد) عامل اعتبارًا من 1/8/2009 أسوة بزملائه، مع صرف الفروق المالية المترتبة على ذلك، وتَسلُّمِهِ الخدمة تسلُّمًا فعليا، وصرف التعويض المناسب العادل الجابر للأضرار المادية والأدبية، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات، وذلك على سند من القول بأنه صدر لمصلحته الحكم في الدعوى رقم 37450 لسنة 60ق. بجلسة 23/11/2008 بإلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمته برتبة (عقيد)، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبتاريخ 26/9/2010 علم بصدور القرار رقم 1405/2010 متضمنًا إلغاء القرار رقم 1033 لسنة 2006 فيما تضمنه من إنهاء خدمته بالإحالة للمعاش اعتبارًا من 1/8/2008 على ذات الرتبة، مع تسوية حالته دون صرف الفروق المالية، ناعيا عليه مخالفته للقانون؛ لكون جهة الإدارة قامت بتنفيذ الحكم زمنيا وليس فعليا، إذ إنها امتنعت عن تسليمه العمل فعليا وحالت بينه وبين الترقية إلى رتبة (عميد) أسوة بزملائه ممن رقوا بالقرار رقم 1231 لسنة 2009 بالرغم من أنهم أحدث منه في الترتيب والأقدمية، وهو ما ألجأه إلى إقامة الدعوى محل الطعن الماثل بطلباته المبينة سالفًا.
……………………………………………………………..
وبجلسة 4/7/2012 قضت المحكمة باعتبار الخصومة منتهية بالنسبة لطلب إلغاء القرار المطعون فيه رقم 1405/2010 فيما تضمنه من الامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته في الدعوى رقم 37450 لسنة 60ق. تنفيذًا صحيحًا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أحقيته في الترقية إلى رتبة (عميد) عامل، وإلزام جهة الإدارة أن تؤدي له تعويضًا مقداره ثلاثون ألف جنيه عن الأضرار التى أصابته والمصروفات.
وشيدت المحكمة قضاءها -بعد أن ذهبت إلى أن التكييف الصحيح للطلبات هو الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 1405 لسنة 2010 فيما تضمنه من الامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته في الدعوى رقم 37450 لسنة 60ق. تنفيذًا صحيحًا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أحقيته في الترقية إلى رتبة (عميد) عامل، وإلزام جهة الإدارة أن تؤدي إليه التعويض العادل عن الأضرار المادية والأدبية والمصروفات- شيَّدت قضاءها على أن جهة الإدارة قد استجابت لطلب المدعي، فأصدرت القرار رقم 1405 لسنة 2010 بإلغاء القرار رقم 1033 لسنة 2006 فيما تضمنه من إنهاء خدمته، وأعادته إلى الخدمة الفعلية بهيئة الشرطة لمدة سنتين فعليتين اعتبارًا من تاريخ تسلمه العمل، ومن ثم تصبح الخصومة غير ذات موضوع، دون أن ينال من ذلك طلب المدعي أحقيته في الترقية إلى رتبة (عميد)؛ لأن ذلك ليس من آثار الحكم الصادر لمصلحته في الدعوى المشار إليها.
وأقامت قضاءها فيما يتعلق بطلب التعويض -بعد أن استعرضت أحكام المادتين (19) و(71/2) من القرار بقانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة، والمادة (52) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، وما جرى عليه قضاء وإفتاء مجلس الدولة في هذا الشأن- على أن جهة الإدارة قامت بتنفيذ الحكم الصادر لمصلحة الطاعن في الدعوى رقم 37450 لسنة 60ق، وأصدرت القرار رقم 1405 لسنة 2010 وقامت بمد خدمته في رتبة (عقيد) لمدة سنتين اعتبارا من 1/8/2008، وكان ذلك التنفيذ من جانب جهة الإدارة تنفيذًا زمنيا وليس فعليا، وكان مقتضى التنفيذ الصحيح هو التسلم الفعلي للخدمة؛ لكون تقرير مدى صلاحيته لمد خدمته مرهونًا بتقييم أدائه في العمل، وأن عدم التنفيذ يحرمه من فرصة التقييم ويمثل إصرارًا على عدم صلاحيته لمد الخدمة، خلافًا لمقتضى أسباب الحكم، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه صدر بالمخالفة للقانون، ويقوم به ركن الخطأ في مسئولية الإدارة، ونتج عنه بلا شك ضررٌ، يتمثل في تفويت الفرصة عليه في الحصول على الرواتب والمكافآت والبدلات والمزايا لشاغلي وظيفة (عقيد) عامل، فضلا عن حرمانه من الترقية إلى رتبة (عميد) أسوة بزملائه من بين خريجي دفعته وتخلفه عنهم في ركب الترقية، فضلا عما تكبده من نفقات التقاضي والضرر الأدبي والنفسي بسبب صدور القرار المطعون فيه، بما تتوفر معه أركان المسئولية، ويلزم القضاءُ بتعويضه.
……………………………………………………………..
ولما لم يرتضِ الطاعن هذا القضاء، أقام طعنه الماثل ناعيا على الحكم المطعون فيه عدة وجوه: (أولاها) التناقض في حيثيات الحكم، لاسيما في الشق المتعلق بطلب الترقية إلى رتبة (عميد) عامل، و(ثانيها) أن استلزام الترقية إلى رتبة (عميد) من ضرورة خضوعه لتقييم جهة الإدارة بعد مرور عامين من العودة الفعلية للعمل، كان افتقاره لذلك بسببٍ لا دخل له فيه؛ لكون جهة الإدارة هي التي امتنعت عن تنفيذ الحكم التنفيذ الصحيح، ولو لم تماطل في التنفيذ لكان قد قضى في رتبة (عقيد) مدة سنتين فعليتين بما يسمح بتقييم أدائه الوظيفي خلالهما، و(ثالثها) إغفال الحكم للتعرض للأثر الخاص بالترقية لرتبة (عميد) عامل، ولم تذهب أسبابه للقطع فيها بالقبول أو الرفض؛ إذ إن المتعين في هذه الحالة اصطحاب تقارير الكفاية السابقة للترقية إلى الرتبة الأعلى، قياسًا على حالة الموظف المعار، و(رابعها) نعى الطاعن على القضاء له بقيمة التعويض بمبلغ ثلاثين ألف جنيه أنه لا يتناسب مع الأضرار المادية والأدبية التي حاقت به بسبب صدور القرار المطعون فيه في الدعوى محل الطعن الماثل.
……………………………………………………………..
وحيث إنه عن أوجه النعي الأربعة فهي في محلها، ذلك أن المادة (19) من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971، المعدَّلة بالقانون رقم 20 لسنة 1998، تنص على أن: “تكون الخدمة في رتبة عقيد لمدة سنتين، يجوز مدُّها لمدةٍ مماثلة مَرّةً واحدة أو أكثر حتى حلول الدور في الترقية لرتبة عميد”.
وتنص المادة (71) من القانون ذاته على أنه: “تنتهي خدمة الضابط لأحد الأسباب التالية: (1) بلوغ السن المقرَّرة لترك الخدمة وهى ستون سنة ميلادية.
(2) إذا أمضى الضابط في رتبة عقيد سنتين من تاريخ الترقية إليها أو أمضى سنة واحدة في أيٍّ من رتبتي عميد أو لواء من تاريخ الترقية إليها، وذلك ما لم تُمَد خدمتُه أو تتم إحالتُه إلى المعاش طبقًا لأحكام المادة (19) من هذا القانون…”.
وحيث إنه ولئن كان المشرع قد خوَّل الجهة الإدارية ممثلةً في وزارة الداخلية سلطة تقديرية واسعة في الترقية إلى رتبة العقيد والعميد واللواء، بقصد أن تكون المناصب القيادية لأكفأ العناصر من بينها، بغية المصلحة العامة، إلا أن تلك السلطة التقديرية حين يطلق المشرِّع يدَ الإدارة بشأنها، فإن المستقر عليه بقضاء هذه المحكمة أن تجد حدَّها في التعسف في استعمالها، وعيوب الانحراف بالسلطة من العيوب القصدية التي تشوب ركن الغاية في القرار، وعلى من يدعيها إقامة الدليل على ذلك، بأن يثبت أن القرار قد تغيرت غايته إلى غير المصلحة العامة، لذا حدد المشرع حالات انتهاء خدمة الضابط، وجعل الأصل في ذلك هو بلوغه سن الستين، أو مُضي سنتين في رتبة عقيد، أو مُضي سنة واحدة في أيٍّ من رتبتي عميد أو لواء، وخروجًا عن هذا الأصل أجاز مدَّ مدةِ خدمة الضابط على وفق أحكام المادة (19) من القانون المذكور.
وحيث إن المادة (52) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 قضت بأن تطبق في شأن جميع الأحكام القواعد الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه، على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجةً على الكافة.
وقد جرى قضاء هذه المحكمة في هذا الشأن على أن مقتضى حكم الإلغاء إعدام القرار الملغى بأثر رجعي منذ صدوره واعتباره كأن لم يكن، فإذا ما تعلق الأمر بإلغاء قرار إنهاء خدمة الضابط، فإن لِزام ذلك ومُقتضاه إعادة الرابطة الوظيفية كأنها ما فتئت قائمةً لم تنفصم عراها في أية لحظة، ويتعين لإعمال صحيح حجية الحكم، وإنفاذًا لمقتضاه إعادته إلى عمله واعتبار قرار إبعاده بعد صدور حكم الإلغاء مجرد غصب مادي، وأن تُعاد له جميع حقوقه الوظيفية، وإلا كان غير ذلك التفافًا على الحكم، وإفراغًا له من مضمونه.
ومما يؤيِّد هذا النظر أن نص المادة (19) من قانون هيئة الشرطة صُدر بعبارة: “تكون الخدمة في رتبة… لمدة…”، مما مُؤداه وحكمه قيام العلاقة الفعلية في هذه المدة التي يتمكن خلالها من إقامة الحجة على جدارته في الاستمرار مدةً أو مددًا أخرى، من واقع ملف خدمته وما يحويه من عناصر هذه الجدارة خلال مدة بقائه في الوظيفة، مقارنةً بزملائه القائمين بالخدمة، أو تُقام عليه خلال هذه العلاقة الفعلية حجةُ عدم الأهلية لذلك.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أنه إذا أصدرت جهة الإدارة قرارًا بإحالة الضابط إلى المعاش برتبة عقيد، فأقام دعوى طعنًا على هذا القرار، وقضت المحكمة بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، فإن مقتضى ذلك ولازمه أحقية الضابط في استكمال مدة السنتين في رتبة عقيد، والاحتفاظ بأقدميته بين أقرانه من دفعة تخرجه الأصلية، فإن تقاعست جهة الإدارة عن تنفيذ ذلك الحكم، وفي تلك الأثناء أصدرت قرارًا بترقية زملاء الضابط الأحدث منه في ترتيب الأقدمية إلى رتبة عميد، فإن هذا القرار يستوجب الإلغاء فيما تضمنه من تخطى الضابط في الترقية إلى رتبة عميد، مادام أن الأوراق قد خلت مما يحول دون ترقيته إليها.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة أصدرت القرار رقم 1033 لسنة 2006 متضمنًا إنهاء خدمة الطاعن بإحالته إلى المعاش برتبة عقيد اعتبارًا من 1/8/2006، ولما طعن عليه بالدعوى رقم 37450 لسنة 60ق، قضت المحكمة بجلسة 23/11/2008 بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، بما كان يتعيَّن معه على جهة الإدارة تنفيذًا لهذا الحكم أن تُمكِّن المدعي من العودة إلى الخدمة عودةً فعلية من تاريخ تسلمه العمل، وأن تصرف له جميع حقوقه الوظيفية، وأن تحتفظ له بأقدميته بين زملائه من دفعته الأصلية، غير أنها أصدرت القرار رقم 1405 لسنة 2010 متضمنًا إلغاء القرار المحكوم بإلغائه بالنسبة له فقط، ومد خدمته في رتبة عقيد لمدة سنتين اعتبارًا من 1/8/2006 حتى 1/8/2008، دون إعادته للخدمة العاملة بهيئة الشرطة لمدة سنتين فعليتين من تاريخ تنفيذ الحكم، أو حلول الدور عليه في الترقية التي حصل عليها أقرانه، ومن بينهم السيد/… و…، بموجب القرار الوزاري رقم 1231 لسنة 2009، ما لم يكن قد علق به سببٌ يحول دون حصوله على هذه الترقية أو مباشرة العمل أيهما أقرب، ومن ثم يكون ما قامت به جهة الإدارة يُعَدُّ تنفيذًا ورقيا، افتئاتًا على الحكم الصادر لمصلحة الطاعن والمبين سالفًا، بما يتعين معه القضاء بإلغائه فيما تضمنه من التنفيذ للحكم على غير الوجه الصحيح قانونًا، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادته إلى عمله عودة فعلية في رتبة عقيد وترتيب أقدميته فيها، وكذا ترقيته إلى رتبة العميد متى حل عليه الدور فيها اعتبارًا من 1/8/2009.
ولا محاجة في هذا الصدد بقالة إن الترقية إلى رتبة عميد لم يخضع الطاعن بشأنها إلى التقييم الفعلي، فإن ذلك مردودٌ عليه بأن جهة الإدارة هي التي حالت دون التنفيذ الصحيح الكامل لمقتضى حكم الإلغاء، بحجبه عن عمله دون سببٍ منه، وبالمخالفة لهذا الحكم، وبالتالي تفويت فرصة تقييم أدائه، ومن ثم يتعين ألا تفيد جهة الإدارة من وراء مسلكها، ويُضار الطاعن بحرمانه من الترقية إلى رتبة عميد، مما لا يمكن الاستمساك أو التعويل عليه.
ومتى ذهب الحكم المطعون في قضائه خلافًا لذلك، فإن الطعن عليه بأوجه النعي المبينة سالفًا يكون قد قام على سند صحيح من القانون.
– وحيث إنه عن النعي على الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تحديد قيمة التعويض، فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن محكمة الموضوع وهى تقدر قيمة التعويض عليها أن تزن بميزان القانون ما يُقدَّم إليها من أدلةٍ وبيانات، تعينها على تحديد عناصر الضرر، فإذا ما صدر حكمها محيطًا بجميع عناصره الناتجة عن خطأ المدعى عليه، وشاملا لما لحق المضرور من خسائر وما فاته من كسب، فقد أصابت صحيح حكم القانون فيما انتهت إليه من تقدير قيمة التعويض، ومن ثم يضحى النعي عليه لا يصادف صحيح الواقع والقانون، مُتعيِّنًا الحكم برفضه.
وحيث إنه عن مصروفات الطعن فإنه يلزم بها من خسر عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من اعتبار الخصومة منتهية بالنسبة لطلب الإلغاء، والقضاء مجددًا بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء قرار جهة الإدارة رقم 1405 لسنة 2010 فيما تضمنه من تنفيذ الحكم الصادر لمصلحة الطاعن في الدعوى رقم 37450 لسنة 60ق. على غير الوجه الصحيح قانونًا، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أحقيته في الترقية إلى رتبة العميد اعتبارًا من 1/8/2009، وبرفض طلب التعويض، وألزمت الجهة الإدارية المطعون ضدها المصروفات.
[1])) راجع على خلاف هذا الاتجاه حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 29/10/2006 في الطعن رقم 7103 لسنة 45ق.ع (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة في السنة 52 مكتب فني، المبدأ رقم1 ص7)، حيث ذهبت المحكمة إلى أنه إذا قُضِيَ بإلغاء القرار المتضمن إحالة الضابط إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة لواء، وقامت الإدارة تنفيذًا له بإصدار قرار بتنفيذ الحكم من تاريخ القرار المقضي بإلغائه، مع إحالته إلى المعاش اعتبارًا من تاريخ مضي سنتين على هذا التاريخ على وفق المادة (71) من قانون هيئة الشرطة، دون أن تعيده إلى الخدمة فعليا؛ فإن قرارها يكون تنفيذًا صحيحًا للحكم الصادر لمصلحته، ولا وجه للقول بأن تنفيذ الحكم يقتضي إعادته إلى الخدمة فعليا وحساب مدة السنتين اعتبارًا من تاريخ= =تنفيذ الحكم؛ حيث إن تنفيذ الحكم القضائي لا يُشترَط أن يكون تنفيذًا فعليا في جميع الأحوال، فقد تُقابِل جهةَ الإدارة عقباتٌ قانونية أو مادية تحول دون التنفيذ الفعلي، وإنه ولئن كان شغل المحكوم له للوظيفة سيكون اعتباريا إلا أنه لن يُضار من ذلك، حيث تتمُّ تسويةُ مستحقاته ومعاشه بعد ذلك على أساس الترقية.