جلسة 27 من ديسمبر سنة 2008
(الدائرة الرابعة)
الطعن رقم 28334 لسنة 52 القضائية عليا.
تأديب- مخالفة تأديبية- استقلال قوام المسئولية التأديبية عن المسئولية الجنائية.
قوام المسئولية الجنائية يختلف عن قوام المسئولية التأديبية، فالفعل وإن انتفت عنه الصفة الجنائية في بعض الأحوال لفقدانه شرطا من الشروط الواجب توفرها لاكتمال وصف الجريمة الموجبة للعقاب الجنائي فإن ذلك لا ينفي عن ذات الفعل وصفه بأنه مخالفة تأديبية تتوفر له كل أركان المسئولية التأديبية- تطبيقا لذلك: إذا كان لا جريمة ولا عقوبة على قيام شخص بوضع تسجيل على تليفونه الخاص به والاحتفاظ بالتسجيلات لنفسه لأنه لا يمثل انتهاكا لحرية وشخص الآخرين مادامت التسجيلات في حوزة صاحبها فقط؛ فإن قيام العامل بتسجيل المحادثات التليفونية بينه وبين زملائه على تليفونه الخاص يشكل مخالفة تأديبية- تطبيق.
بتاريخ 15/7/2006 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 28334 لسنة 52 ق.ع في الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية للتربية والتعليم بجلسة 22/5/2006 في الدعوى رقم 146 لسنة 47 ق القاضي بمجازاة الطاعن بخصم عشرة أيام من راتبه.
وطلب الطاعن بنهاية تقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مما أسند إليه.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم أصلياً الحكم بعدم قبول الطعن لرفعه على غير ذي صفة، واحتياطياً بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وتم تداول الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الموضح بمحاضر الجلسات، وبجلسة 28/11/2007 قدم الحاضر عن هيئة النيابة الإدارية مذكرة طلب في ختامها الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعا، وبجلسة 26/12/2007 قدم الحاضر عن الطاعن مذكرة بدفاعه طلب في ختامها قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبجلسة 13/2/2008 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 5/4/2008 وتم تداول الطعن أمام هذه الدائرة على النحو الموضح بمحاضر الجلسات وبجلسة 15/11/2008 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 22/5/2006 وقد أقام الطاعن طعنه الماثل بتاريخ 15/7/2006 أي خلال الميعاد القانوني وقد استوفى الطعن سائر أوضاعه الشكلية الأخرى ويتعين لذلك الحكم بقبوله شكلاً.
ومن حيث إن موضوع الطعن يخلص –حسبما يبين من الأوراق– في أنه بتاريخ 3/3/2005 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 146 لسنة 47 ق أمام المحكمة التأديبية للتربية والتعليم بإيداع تقرير اتهام قلم كتاب تلك المحكمة ضد/ … (الطاعن) مدرس بمدرسة … لأنه خلال الفترة من يونيو حتى 11/9/2004 بمقر عمله وبوصفه السابق خرج على مقتضى الواجب الوظيفي بأن قام بتسجيل المحادثات التليفونية بينه وبين بعض مدرسي المدرسة بالمخالفة لأحكام القانون على النحو الموضح تفصيلا بالأوراق.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمته بالمواد الواردة بتقرير الاتهام.
وتحددت لنظر الدعوى جلسة 25/7/2005 وتم تداولها على النحو الموضح بمحاضر الجلسات وبجلسة 22/5/2006 صدر الحكم المطعون فيه بمجازاة الطاعن بخصم عشرة أيام من راتبه.
وقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه سالف الذكر على أساس أنه بمواجهة الطاعن وسؤاله عن المخالفة أقر واعترف بصحة حدوثها، وأنه فعل ذلك لأن هناك بعض المدرسين نقلوا عنه كلاماً لم يتفوه به فأراد أن يثبت لهم عكس ذلك، وأن ذلك حدث في الفترة من مايو حتى يوليو 2004 ولم يقم باستخدام التسجيلات لابتزاز زملائه أو تهديدهم، وتأكدت المخالفة أيضاً بشهادة الشاكية والشهود بالتحقيقات.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون عليه قد صدر مخالفاً للقانون إذ صدر مخالفاً للشرعية إذ إن الدليل الذي استندت إليه المحكمة وليد إجراء باطل لا يعتد به ولا يعول عليه، وإن هذا الدليل وليد اعتراف باطل وإكراه لأن الطاعن قام بتسجيل هذه المكالمات على تليفونه الخاص عن طريق الكمبيوتر الخاص به والتسجيلات في حوزته، وقام زملاؤه باختلاسها وإبلاغ الجهات المسئولة، أي تم الحصول على الدليل بطريقة غير مشروعة.
كما أن الحكم خالف نص المادة 95 مكررا من قانون الإجراءات الجنائية وما استقرت عليه محكمة النقض من أنه لا جريمة ولا عقوبة على قيام الشخص بوضع تسجيل على تليفونه الخاص به والاحتفاظ بالتسجيلات لنفسه لأنه لا يمثل انتهاكا لحرية وشخص الآخرين مادامت التسجيلات في حوزة صاحبها فقط.
ومن حيث إن وقائع الطعن الماثل تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أنه قد ورد إلى النيابة الإدارية للتعليم بلاغ إدارة شرق مدينة نصر التعليمية رقم 2782 في 20/11/2004 بطلب التحقيق وتحديد المسئولية بخصوص المذكرة المقدمة من بعض مدرسي مدرسة … ضد الطاعن المدرس بالمدرسة لقيامه بتسجيل الأحاديث التي دارت بينه وبين بعض مدرسي المدرسة دون علمهم، وقد أرفق بهذا البلاغ التحقيق الإداري الذي تضمن أقوال كل من … و … و … و … و … و … المدرسين بالمدرسة وتولت النيابة الإدارية التحقيقات بالقضية رقم 651 لسنة 2004 وانتهت بمذكرتها المؤرخة 4/1/2005 إلى قيد الواقعة مخالفة إدارية ضد الطاعن وإحالته للمحاكمة التأديبية، وبناء على ذلك صدر الحكم المطعون فيه بمجازاة الطاعن بخصم عشرة أيام من راتبه.
ومن حيث إنه عن المخالفة المنسوبة للطاعن من أنه بوصفه مدرسا بمدرسة … قد خرج على مقتضى الواجب الوظيفي خلال الفترة من يونيو حتى 11/9/2004 بأنه قام بتسجيل المحادثات التليفونية بينه وبين بعض مدرسي المدرسة بالمخالفة لأحكام القانون، فإن الثابت من الأوراق والتحقيقات وعلى ما ورد بصحيح الحكم المطعون فيه أن الطاعن وإزاء وجود خلافات بينه وبين إدارة المدرسة مقر عمله، وتضرره من أن بعض زملائه قد وشوا به لدى الإدارة فقد قام بتسجيل مكالماته مع بعض المدرسين بهذه المدرسة محاولا إثارتهم أثناء الحديث معهم على إدارة المدرسة حتى تصدر عنهم ألفاظ شائنة تجاه الإدارة، وذلك لاستغلالها في بيان أن ما يصدر من تعديات ليس منه ولكن من زملائه، ثم قام بنقل هذه الأحاديث من التليفون الخاص به إلى الكمبيوتر، إلى أن وجدها على الكمبيوتر … المدرس بذات المدرسة، فتقدم بشكوى ضمنها ذلك، وأيده في شكواه وما نسب للطاعن كل من … و … و … و … المدرسين بالمدرسة ذاتها، وبمواجهة الطاعن بما نسب إليه أقر بالتحقيقات بما نسب إليه، وأن ذلك تم منه ليقوم بإثبات الوقائع على لسانهم، مما يمثل من جانب الطاعن مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب وخروجاً على مقتضى الواجب الوظيفي ومحاولة الإساءة إلى زملائه وإدارة المدرسة بما يستوجب مساءلته تأديبياً ومجازاته عما نسب إليه، وإذ صدر الحكم المطعون فيه بذلك فإنه يكون قد صدر صحيحاً متفقاً وحكم القانون.
ومن حيث إنه لا يغير من ذلك ولا ينفي مسئولية الطاعن ما يثيره من عدم استخدامه لهذه التسجيلات في تهديد زملائه أو ابتزازهم إذ إنه لولا اكتشاف هذه التسجيلات على الكمبيوتر بواسطة … وإبلاغ الإدارة فما كان أمام الطاعن إلا استخدام هذه التسجيلات للإساءة بزملائه والإدارة تمشياً مع المنطق العادي للأمور ومصلحته ونيته الخاصة في التسجيل، كما لا يغير من ذلك ما يثيره من أن أحكام النقض لا تقضي بالعقوبة على من قام بالتسجيل على تليفونه الخاص ولشخصه فقط؛ ذلك أن قوام المسئولية الجنائية يختلف عن قوام المسئولية التأديبية، فالفعل وإن انتفت عنه الصفة الجنائية في بعض الأحوال لفقدانه شرطا من الشروط الواجب توفرها لاكتمال وصف الجريمة الموجبة للعقاب الجنائي فإن ذلك قد لا ينفي عن ذات الفعل وصفه بأنه مخالفة تأديبية تتوفر له كل أركان وشروط المسئولية التأديبية التي تستوجب الجزاء، وما قام به الطاعن بالوصف السابق تتوفر له أركان المسئولية التأديبية لما فيه من إساءة لزملائه والعلاقة القائمة بينه وبينهم وبين جهة الإدارة وإثارة الفتن في داخل دولاب العملية التعليمية التي يجب أن تتوفر لها كل مقومات المحبة والتعاون في سبيل أداء الخدمة على أكمل وجه.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً