جلسة 19 من يناير سنة 2003م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل محمود زكى فرغلى.
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أدهم حسن أحمد الكاشف، وإبراهيم على إبراهيم، وعبدالمنعم أحمد عامر، ومحمد لطفى عبدالباقى جودة.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد عمر.
مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ خالد عثمان محمد حسن.
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 2889 لسنة 47 قضائية عليا:
ـ شئون ضباط ـ الاستقالة الصريحة ـ عدم لزوم العرض على المجلس الأعلى للشرطة قبل قبولها.
المواد (68) ،(70)،(71)، (72)،( 114 ) مكررًا من قانون هيئة الشرطة رقم 109لسنة 1971.
جعل المشرع الاستقالة جوازية تبدأ بعمل إرادى من جانب الضابط يتمثل فى طلب مكتوب يفصح فيه عن رغبته فى ترك الخدمة بصفة نهائية قبل بلوغه السن المقررة لذلك دون تعليق هذا الطلب على شرط أو اقترانه بقيد وحينئذ يجب البت فى طلبه خلال ثلاثين يومًا من تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بحكم القانون ـ مؤدى ذلك : إذ استوفى طلب الاستقالة الأحكام والشروط السابقة ترتب عليه أثره فى إنهاء خدمة الضابط دونما حاجة إلى العرض على المجلس الأعلى للشرطة خلافًا لما يتطلبه المشرع من العرض على هذا المجلس عند إحالة الضابط إلى الاحتياط أو عند طلب الضابط المحال إلى الاحتياط أو من أمضى فى الخدمة عشرين سنة إحالته إلى المعاش ـ تطبيق.
فى يوم الأربعاء الموافق 19/12/2000 أودع الأستاذ/ محمود محمد الطوخى، المحامى، بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2889 لسنة 47ق. عليا، فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى، بجلسة 20/11/2000 والذى قضى بقبول الدعوى شكلاً، ورفضها موضوعاً، وإلزام المدعى المصروفات.
وطلب الطاعن فى ختام تقرير الطعن ـ للأسباب المبينة به ـ الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء قرار وزير الداخلية 1037/1999 فيما تضمّنه من إنهاء خدمة الطاعن اعتبارًا من 14/9/1999 بزعم استقالته من الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه لأسبابه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وإلزام الطاعن المصروفات.
وجرى نظر الطعن أمام هذه المحكمة فحصًا وموضوعًا على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 24/11/2002 إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص ـ حبسما يبين من الأوراق ـ فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم 1825 لسنة 54ق، بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى (الدائرة التاسعة) فى21/11/1999طالبًا فى ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 1037 لسنة 1999 فيما تضمنه من إنهاء خدمة الطاعن اعتبارًا من 14/9/1999 بزعم استقالته من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وذكر شرحًا لدعواه أنه التحق بعد تخرجه من كلية الشرطة عام 1966 بهيئة الشرطة وعمل فى كل المواقع ولم يتخلف يومًا عن أداء واجبه بإخلاص وكفاءة تشهد بها تقارير كفايته المستقرة بمرتبة ممتاز وحصوله على ثلاث علاوات تشجيعية ونوط الامتياز فى يناير 1999 وتجديد الخدمة له فى رتبة لواء لمدة تسع سنوات مع ترقيته مساعدًا للوزير ومديرًا لأمن بورسعيد التى تقرر لها فى شهر أغسطس زيارة رئيس الجمهورية فتم اقتراح خطة تأمين موكبه فى المسارات المقترحة وجرى إخطار الجهات المعنية والأجهزة المختصة بوزارة الداخلية كما اتخذت الإجراءات والاحتياطات الأمنية فى مثل هذه المناسبة من مراجعة الحالات المختلفة وتمشيط الطوائف والفئات المحتمل صدور ما يعكر صفو الزيارة منها، وقد تحدد للزيارة يوم 6/9/1999 وتمت موافاة مديرية أمن بورسعيد بالقوات اللازمة من المحافظات المجاورة ووضعت فى المواقع المحددة لها وفى هذا اليوم وأثناء مرور موكب الرئيس فى أحد مساراته المحددة اندفع المواطن السيد حسين محمود سليمان وشهرته العربى إلى عرض الطريق بغير سلاح أو أدوات من أى نوع فتعامل معه الحرس الخاص بالرئيس فأرداه قتيلاً بطلقة واحدة من على بعد 50سم وعلى إثرها قامت وزارة الداخلية وكل الجهات المعنية بالتحقق من مدى سلامة الخطة الموضوعة لتأمين الموكب ومدى دقة التنفيذ وثبت صحة وكفاية الخطة وإحكام تنفيذها. كما تبين أن المواطن المذكور كان أعزل ولم تبدر منه أية مظاهر تفيد العدوان وأنه مريض نفسيًا وغير مسجل جنائيًا أو أمنيًا وليست له اتصالات بأى جماعة أو تنظيم وحالته العقلية غير المستقرة هى التى كانت وراء اندفاعه.
وأضاف المدعى (الطاعن) أنه رغم انتفاء شبهة الخطأ والإهمال من جانبه فقد صدر قرار وزير الداخلية فى 8/9/1999 بنقله مؤقتًا من وظيفته إلى ديوان عام الوزارة بغير وظيفة أو عمل تحت تبرير أنه إجراء وقتى ولامتصاص المزايدات الإعلامية التى صورت الواقعة على أنها اعتداء على الرئيس مع وعد بالعدول بعد أيام قليلة، غير أن المدعى فوجئ فى 14/9/1999 بأن اللواء مدير الإدارة العامة لشئون الضباط يستدعيه هو واللواء عبد الله عبده إبراهيم نصر مفتش مباحث بورسعيد، وينقل لهما صدور توجيهات فوقية لا تملك الوزارة مناقشتها ولا دفعها بضرورة إنهاء خدمتهما من هيئة الشرطة ومن الأفضل لهما تقديم استقالتهما الفورية فاضطرا إلى تقديم استقالتهما فى لحظة واحدة، وصدر القراران رقما 7103، 1038 لسنة 99 فى ذات اليوم 14/9/1999 بإنهاء خدمتهما للاستقالة، وتم تنفيذ القرارين فى اليوم نفسه وفى زمن قياسى غير مسبوق.
واستطرد المدعى بأنه لما كانت الاستقالة عملاً إراديًا ويجب أن تصدر عن إرادة حرة مختارة دون تأثير أو ضغط، هُو الأمر الذى تختلف فى حالته فقد تظلم من قرار قبول الاستقالة لصدوره بالمخالفة لأحكام القانون، ولما استقرت عليه أحكام القضاء الإدارى ، ونعى الطاعن على هذا القرار بطلانه لأن إرادته غير حرة في الاستقالة وأنها تمت تحت ضغط التهديد بتوجيه ـ اتهامات له يستغرق دفعها سنوات فى ساحات المحاكم وكذلك مشوبته بإساءة استعمال السلطة لإبعاده المباغت عن وظيفته وتقديمه هو واللواء عبد الله نصر الاستقالة فى يوم واحد ولحظة واحدة وصدور قرارى قبولهما متتابعين وتنفيذهما فى ذات يوم صدورهما فى عجلة ملحوظة.
وبجلسة 20/11/2000 أصدرت المحكمة الحكم المطعون فيه والذى قضى بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعى المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها ـ بعد استعراض نص المادة 72 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 ـ على أساس ما ثبت لها من الأوراق من أن المدعى تقدم فى 14/9/1999 بطلب باسم وزير الداخلية لقبول استقالته من خدمة الشرطة لظروف خاصة فقبلها الوزير فى نفس اليوم وصدر القرار رقم 1037 لسنة 1999 المطعون فيه بإنهاء خدمة المدعى اعتبارًا من 14/9/1999 للاستقالة وأنه لم يثبت من الأوراق أن جهة الإدارة قد مارست على المدعى أى نوع من الإكراه أو الإضرار المفسد للرضا، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر عن إرادة حرة مختارة وازنت بين البقاء فى خدمة هيئة الشرطة وبين اعتزالها، لاسيما وأن الوضع الوظيفى للمدعى المتمثل فى ماضيه كشاغل لرتبة اللواء لمدة تسع سنوات وكذلك حاضره كأحد القيادات العليا بهيئة الشرطة باعتباره مديرًا لأمن بورسعيد، كل ذلك ينتفى معه قبول الادعاء بأى رهبة يمكن أن تلقى بها أية تهديدات فى روع المدعى.
ومن ثم ينتفى القول بأى إكراه يكون قد دفع بالمدعى لتقديم الاستقالة، كما لا يعتبر من هذا القبيل صدور قرار نقله مؤقتًا فى أعقاب الحادث المذكور من وظيفته إلى ديوان عام الوزارة بدون عمل وكذلك صدور القرار الطعين يوم تقديم الاستقالة لأن النقل فى حد ذاته هو أحد الصلاحيات التى خولها المشرع لجهة الإدارة لتنظيم مرفق الشرطة كغيره من المرافق العامة، ومن ثم إذا ما ارتأى المدعى أن النقل قد صدر لغير غايته المشروعة فيمكن مواجهته بالطعن عليه قضائيا دون طلب الاستقالة وبالتالى يكون القرار المطعون فيه قائمًا على سبب صحيح دون إكراه مما يتعين معه الحكم برفض طلب إلغائه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية :
أولاً: مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون بإهداره القواعد المقررة للإثبات فى المجال الإدارى باشتراط الدليل الكتابى فى مقام لا يتطلب ذلك أصلاً ولا تقتضيه تلك القواعد فقد استقر القضاء الإدارى على نقل عبء إثبات صحة ما يدعيه الطاعن إلى عاتق جهة الإدارة ويكفى أن يبدى الطاعن حجته ويقدم ما لديه من مستندات قليلة ويسوق الشواهد المؤيدة لادعائه المثبتة له.
ورغم ما قدمه الطاعن من الشواهد والأدلة القاطعة بأنه ما قدم استقالته من الخدمة إلا مكرهًا غير مختار وما هو معلوم من أن واقعة الإكراه المدعى بها واقعة مادية مما يجوز إثباته بكل طرق الإثبات وأنه لا يمكن أن يتوافر دليل كتابى على ذلك الإكراه إذ إن من يصدر منه الإكراه لا يقدم للمكره إقرارًا ودليلاً كتابيًا على حمله إياه على تنفيذ إرادته فهو يجرى فى تستر وخفاء وتكتم ومع ذلك أقام الحكم المطعون فيه رفضه لدعوى المدعى (الطاعن) على أنه لم يثبت من الأوراق أن جهة الإدارة قد مارست على المدعى أى نوع من الإكراه المفسد للرضا وكأن ثبوت الإكراه لا يكون إلا بالدليل الكتابى وحين تخلو الأوراق منه يكون الادعاء غير مقبول ، وهذا النظر من الحكم المطعون فيه يناقض أحكام الإثبات في المجال الإدارى والأخذ به ينتهى إلى تجريد المواطن فى علاقته بجهة الإدارة من أى فرصة لإثبات دعواه ضدها لذلك يكون حقًا إلغاء الحكم المطعون فيه.
ثانياً : الفساد في الاستدلال: أنكر الحكم المطعون فيه وقوع الطاعن تحت تأثير إكراه شَابَ إرادته اضطره إلى تقديم استقالته من الخدمة فى هيئة الشرطة بدعوى أن وضع الطاعن الوظيفى المتمثل فى ماضيه كشاغل لرتبة اللواء لمدة تسع سنوات وكذلك حاضره كأحد القيادات العليا بهيئة الشرطة باعتباره مديرًا لأمن بورسعيد كل ذلك ينتفى معه قبول القول بأن أى رهبة يمكن أن تلقي بها أية تهديدات فى روع الطاعن، وكأن رجل الشرطة ـ فى نظر الحكم المطعون فيه ـ لا يمكن وقوعه تحت وطأة تأثير من أى تهديد كان، بزعم أن صفته هذه تجعله فى عصمة من الخشية على نفسه وأهله ومن الخوف على سمعته وكرامته، وهو نظر غير صحيح يخالف طبائع البشر والأشياء، فرجل الشرطة إنسان يرد عليه ما يرد على سائر الناس من عوامل الخوف والخشية وتتأثر إرادته بما يتعرض له من تهديد، بل إنه بحكم خبرته فى مجال العمل الشرطى هو أكثر الناس علمًا ودرايةً بما يمكن أن يلحق بالمواطن وما يلحقه من تصفية تتخذ صورة حادث عارض أو بالسمعة والكرامة أو بما يمس الأسرة والأبناء، وبالتالى كأن رجل الشرطة أكثر الناس رهبة من تهديد جهة الإدارة له.
ثالثاً : الإخلال بحق الدفاع والقصور فى التسبيب :
إذ لم يحط الحكم المطعون فيه علمًا ببعض المناعى التى أوردها الطاعن رغم أنها من قبيل الدفاع الجوهرى مثل الشواهد والأدلة العقلية والمنطقية التى ترسى اليقين فى خضوع الطاعن لتأثير رهبة أكرهته على تقديم طلب الاستقالة وأخصها بالذكر أن من كان مثل الطاعن فى الصلاحية والجدارة بالبقاء فى الخدمة يشغل منصبًا رفيعًا وينتظره مستقبل مشرق ومن كان كذلك لا يتطوع بالاستقالة وهو فى أوج مجده وعطائه وأنه كان يتقاضى فى وظيفته مرتبًا شهرياً يتراوح ما بين خمسة عشر ألف جنيه إلى عشرين ألف جنيه، بينما لا يتجاوز معاشه الشهرى ثلاثمائة واثنين وتسعين جنيهاً، فضلاً عما يترتب على الاستقالة من سقوط حقه فى معظم مستحقاته فى الصناديق الخاصة التى كان يشارك فيها بوزارة الداخلية (صندوق المباحث الجنائية بالوزارة، وصندوق تصاريح العمل، وصندوق الأمن العام، وصندوق أمن بورسعيد) التى يبلغ مجموعها حوالى ثمانية وتسعين ألف جنيه، ولا يقبل عقلاً أو منطقًا أن يقدم الطاعن على التنازل عن ذلك كله وهو ما لم يكن يقدم عليه مختارًا خاصة وأنه على يقين من براءة ساحته وانتفاء أى شبهة خطأ فى جانبه، وأخيرًا يستلفت الطاعن الانتباه إلى جملة من المصادفات الخارقة التى جعلته هو زميله اللواء/ عبد الله نصر ابراهيم يتقدمان باستقالتيهما فى يوم ووقت واحد وفى مكان واحد رغم اختلاف الجهات التابعين لها وأن تقبل هاتان الاستقالتان فى لحظة واحدة ويصدر قراران متعاقبان برقمين متتاليين يعلنان إنهاء خدمتيهما وأن يبلغ كل قرار إلى الجهة التى يتبعها كل منهما.
وإغفال الحكم المطعون فيه كل أوجه ذلك الدفاع الجوهرى بعدم تحصيله أصلاً وعدم دراسته وتمحيصه والرد عليه بما يكشف عن مبرر إطراحه إياه ويُعِلَّه بما يستوجب إلغاءه.
ومن حيث إن المشرع قد نظَّم فى القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة الأحكام الخاصة بإنهاء الخدمة وأنواعها سواء بالإحالة إلى المعاش أو بلوغ السن المقررة أو الاستقالة، وحدد على سنن منضبطة الأحكام الخاصة بكل نوع منها المذكور أنه ” لوزير الداخلية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة أن يحيل الضباط ـ عدا المعينين فى وظائفهم بقرار من رئيس الجمهورية ـ إلى الاحتياط، وذلك :
1ـ بناءً على طلب الضابط أو الوزارة لأسباب صحية ………….
2ـ إذا ثبت ضرورة ذلك لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام ولا يسرى ذلك على الضابط من رتبة لواء …
وتنص المادة (70) من هذا القانون والمستبدلة بالقانون رقم 49 لسنة 1978 على أنه “إذا طلب الضابط المحال إلى الاحتياط بسبب المرض احالته إلى المعاش فللمجلس الأعلى للشرطة عند قبول الطلب أن يقرر تسوية معاشه أو تعويض الدفعة الواحدة………….”.
كما تنص المادة (71) من هذا القانون على أن :
“تنتهى خدمة الضابط لأحد الأسباب التالية :
1ـ بلوغ السن المقررة لترك الخدمة وهى ستون سنة ميلادية.
2ـ إذا أمضى الضابط فى رتبة عقيد سنتين ………. أو أمضى سنة واحدة فى أى من رتبتى عميد أو لواء ما لم تمد خدمته ………….
3ـ عدم اللياقة للخدمة صحيًا.
4ـ الاستقالة .
5ـ العزل أو الإحالة إلى المعاش بحكم تأديبى.
6ـ فقد الجنسية.
7ـ الفصل بقرار من رئيس الجمهورية فى الأحوال التى يحددها القانون …………
8 ـ الحكم عليه بعقوبة جناية.
9ـ الوفاة”.
وتنص المادة (72) من ذات القانون على أنه :
“دون إخلال بالأحكام المقررة فى قانون نظام كلية الشرطة يجوز للضابط أن يستقيل من الوظيفة وتكون الاستقالة مكتوبة ويجب البت فى الطلب خلال ثلاثين يومًا من تاريخ تقديمها ما لم يكن طلب الاستقالة معلقًا على شرط أو مقترنًا بقيد فلا تنتهى خدمة الضابط إلا إذا تضمن قرار قبول الاستقالة إجابته إلى طلبه …”.
وتنص المادة 114 مكررًا من هذا القانون والمستبدلة بالقانون رقم 20 لسنة 1998 على أن “يسوى معاش الضابط من رتبة اللواء أو العميد أو العقيد الذى يحال إلى المعاش أو تنتهى خدمته إعمالاً لحكم المادة (19) من هذا القانون أو لأحد الأسباب الواردة بالمادة (71) عدا البند (5، 6، 8) على أساس آخر مرتب كان يتقاضاه.
وفى غير الأحوال المشار إليها فى الفقرة السابقة إذا طلب الضابط الذى أمضى عشرين سنة فى الخدمة إحالته إلى المعاش لأسباب يقبلها وزير الداخلية بعد موافقة المجلس الأعلى للشرطة أو للترشيح لعضوية مجلسى الشعب والشورى …………. فيكون معاشه ………”.
ومن حيث إنه يستفاد من النصوص المتقدمة أن المشرع بعد أن عرض فى المادة (71) من قانون هيئة الشرطة للأسباب التى تنتهى بها خدمة ضابط الشرطة ومنها الاستقالة أتبعه بنص المادة (72) ببيان أحكام وشروط وضوابط هذه الاستقالة والتى تنفرد بها عما عداها من سائر أسباب انتهاء الخدمة فجعل الاستقالة جوازية تبدأ بعمل إرادى من جانب الضابط يتمثل فى طلب مكتوب يفصح فيه عن رغبته فى ترك الخدمة بصفة نهائية قبل بلوغه السن المقررة لذلك دون تعليق هذا الطلب على شرط أو اقترانه بقيد وحينئذ يجب البت فى طلبه خلال ثلاثين يومًا من تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بحكم القانون، ومقتضى ذلك أنه إذا استوفى طلب الاستقالة الأحكام والشروط السابقة ترتب عليه أثره فى إنهاء خدمة الضابط دونما حاجة إلى العرض على المجلس الأعلى للشرطة، وذلك خلافًا لما يتطلبه المشرع من العرض على هذا المجلس عند إحالة الضابط إلى الاحتياط أو عند طلب الضابط المحال إلى الاحتياط أو من أمضى فى الخدمة عشرين سنة إحالته إلى المعاش حسبما ورد ـ بنص المواد 68 ، 70 ، 114 مكررًا من قانون الشرطة المشار إليه، ومن ثم فلا وجه لما يدفع به الطاعن من بطلان قرار انهاء خدمته للاستقالة لعدم عرضه على المجلس الأعلى للشرطة على سند منه بقياس الاستقالة على كل من الإحالة إلى الاحتياط والإحالة إلى المعاش لاشتراكهما جميعًا فى الأثر وهو انتهاء الخدمة، إذ فضلاً عن أنه لا مجال لإعمال القياس مع صراحة نص المادة (72) سالف الذكر والذى نظَّم أحكام وشروط الاستقالة دون الإشارة إلى ضرورة عرضها على المجلس الأعلى للشرطة وأن الاستقالة الصريحة هى طلب اختيارى يمارس فيه الضابط حقًا دستوريًا لا تملك الجهة الإدارية الاعتداء عليه بالقبول أو الرفض، ومن ثم فلا وجه فى هذه الحالة للعرض على المجلس الأعلى للشرطة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بمدى التزام الجهة الإدارية بالضوابط والشروط التى أوردها المشرع بنص المادة (72) الخاصة بالاستقالة فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن طلب الاستقالة هو ركن السبب فى القرار الإدارى الصادر بقبولها وأنه يلزم لصحة هذا القرار أن يكون الطلب قائمًا لحين صدور القرار مستوفيًا شروط صحته شكلاً، وموضوعاً، ومنها أن طلب الاستقالة باعتباره مظهرًا من مظاهر إرادة الموظف فى اعتزال الخدمة يجب أن يصدر برضاء صحيح ومن ثم يفسده كل ما يفسد الرضا من عيوب وأهمها الإكراه إن توافرت عناصره بأن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة تبعثها الإدارة فى نفسه دون حق وأن تقوم هذه الرهبة على أساس بأن ظروف الحال تصور له أن خطرًا جسيمًا محدقًا يهدده هو أو غيره فى النفس أو الجسم أو الشرف أو المال، على أن يراعى فى تقدير هذا الإكراه جنس من وقع عليه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر فى جسامته، والمرجع فى هذا التقرير إلى القضاء فى حدود رقابته على القرارات الإدارية ووزنه لها بميزان المشروعية بحسبان أن الإكراه يؤثر فى صحة القرار الإدارى بقبول الاستقالة فى هذه الحالة.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم وكان الثابت بالأوراق أن قرار وزير الداخلية رقم 1037 لسنة 1999 قد صدر بإنهاء خدمة الطاعن اعتبارًا من 14/9/1999 استنادًا إلى طلبه المكتوب المقدم منه إلى الوزير فى 8/9/1999 لقبول استقالته من خدمة الشرطة لظروف خاصة فان هذا القرار يكون قائمًا على سببه المبرر له قانونًا وينتج أثره فى إنهاء خدمة الطاعن طالما لم يقدم الدليل على أنه قدم هذا الطلب تحت تأثير إكراه من الجهة الإدارية بوسائل مادية أو معنوية مما يفسد الإرادة ويترتب عليه بطلان القرار الصادر بقبول الاستقالة.
وإذا كان الأصل أن طبائع الأمور ـ فى الدول المتقدمة ـ تفرض على كل مسئول أن يستقيل من منصبه كلما وقع فى القطاع الذى يشرف عليه خطأ جسيم ولو لم يقع منه شخصيًا وهو أصل طبيعى تفرضه الشجاعة الأدبية والإحساس العميق بالمسئولية بحيث تكون الاستقالة فى هذه الحالة صادرة عن إرادة حرة واعية، فإذا ابتغى الطاعن أن يطرح هذا الأصل الطبيعى وينفى فى نفسه أنه قام بتقديم استقالته باختياره، فعليه وحده يقع عبء إثبات العكس المتمثل فى بيان مظاهر الضغط والإكراه التى مورست عليه وعطلت إرادته ولا ينبع ذلك من وجدان الطاعن وما تهيئه له نفسه من خيالات أو تصورات توحى له فى ظروف خاصة باختيار سبيل الاستقالة خوفًا من المجهول، وإلا كانت الاستقالة صادرة عن إرادة حرة ولو كانت مريضة تنتج أثرها القانونى فى إنهاء الخدمة، أما الإكراه المفسد للرضا فيجد حده الطبيعى فى مدى تأثير مظاهر السلوك الخارجية التى تصدر من الجهة الإدارية أو غيرها من الجهات من قول أو فعل أو عمل يمكن أن تلقى ـ بحسب الظروف والملابسات التى صدرت فيها ـ الرعب فى روع الضابط وتجبره على توجيه إرادته إلى غير ما تتغياه النية الحقيقية لها، ولا تكفى لتحقيق هذه الغاية أن تكون تلك الممارسات نوعًا من النصح أو الإرشاد أو الضغط الأدبى الذى يضع العامل موضع الاختيار الحاسم بين ضررين، يختار أهونهما إذ إن الضغط فى تلك الحالة لا يمنع الاختيار ولا يفسد الرضا …… ولا يحول دون أن تنتج الاستقالة أثرها فى إنهاء الخدمة، ولذوى الشأن أن يقيموا الدليل على مظاهر الإكراه بكافة طرق الإثبات بما فى ذلك البينة والقرائن وغير ذلك من وسائل الإثبات الأخرى التى تقنع بها المحكمة ويطمئن إليها وجدانها مما تستخلصه من عناصر الدعوى المطروحة أمامها ولا معقب عليها فى ذلك ما دام استخلاصها سائغاً ومستندًا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق.
وإذ لم تقتنع محكمة القضاء الإدارى بما أورده الطاعن من بيان للظروف التى أحاطت بتقديمه طلب الاستقالة ولم تعتد بها دليلاً على ثبوت ما يدعيه من وقوعه تحت تأثير الإكراه المفسد لإرادته عند تقديم هذا الطلب وكان اقتناعها مستمدًا من أصول ثابتة فى الأوراق وقائمًا على تمحيص تلك الظروف والرد عليها وتفنيدها بما يتفق وأحكام القانون فليس عليها من سبيل إن هى قضت ـ بعد ذلك ـ برفض دعواه بطلب إلغاء قرار قبول استقالته، ومن ثم يتعين رفض طعنه.
ولا ينال من ذلك ما أثاره الطاعن من أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأهدر قواعد الإثبات فى المجال الإدارى باشتراط الدليل الكتابى فى مقام لا يتطلب ذلك أصلاً
ولا تقتضيه تلك القواعد فهو مردود بأن أسباب الحكم المطعون فيه تضمنت الرد على ما ساقه الطاعن نعيًا على القرار المطعون فيه بالبطلان لإكراهه على طلب الاستقالة مثل النقل المباغت إلى غير وظيفة وما صاحب ذلك من ضغوط بتوجيه اتهامات يصعب عليه دفعها إذا لم يقدم هذا الطلب وقد كان هذا الرد كافيًا لنفى وقوع الطاعن تحت تأثير الإكراه المفسد للإرادة.
وغنى عن البيان أن مهمة المحكمة هى تحديد مقطع النزاع فى الدعوى لإجلاء الحقيقة تحقيقًا للعدالة وليس عليها أن تتعقب بصبر نافد ادعاءات المدعى غير الجوهرية لتضلها عن جادة الحق وتجرها معصوبة العينين إلى مستقر لها مجهول، ولا جناح عليها إن هى بلغت الحقيقة المستخلصة استخلاصًا سائغًا من أصول تنتجها ماديًا قانونًا أن تطرح الادعاءات التفصيلية للمدعى مادامت الأسباب التى أقامت عليها قضاءها تكفى بذاتها للرد على ادعائه.
ومن حيث إن المحكمة قد سألت الطاعن صراحة بجلستها المنعقدة فى 24/11/2002، عن مظاهر الإكراه التى مارستها عليه الجهة الإدارية وأجبرته على تقديم استقالته فأوردها على سبيل الحصر كما هو ثابت بمحضر الجلسة المذكورة بأنه استدعى هو وزميله اللواء عبد الله نصر إلى مكتب مدير الإدارة العامة لشئون الضباط الذى طلب منهما تقديم استقالتيهما، وأنهما لن يخرجا من المكتب قبل تقديم الاستقالة وأنه لن يكون مسئولاً عما سيلحق بهما فى حالة عدم تنفيذ الأمر، وقد تم قبول الاستقالة فى ذات اليوم وقد سبق تحريكهما من مديرية أمن بورسعيد إلى ديوان عام الوزارة بالقاهرة عن سحب مخصصاتهما يوم 9/9/1999 كما نُشر فى الصحف فى ذات اليوم نبأ عن إنهاء خدمة مدير أمن بورسعيد ومفتش أمن الدولة بها …..”.
ومن حيث إن المحكمة لا ترى فى تلك المعلومات الثابتة على لسان الطاعن بمحضر الجلسة المشار إليها أو فى تأويلها أو تقبلها على كافة الوجوه والاحتمالات أية دلائل ظاهرة على ممارسة الإكراه على الطاعن بالمعنى الذى عناه الشارع لمفهوم الإكراه المعطل للإرادة أو المفسد للرضا وكل ما يمكن أن تحمله تلك العبارات من إشارات أو تلميحات أنها عجلت عن الطاعن الاختيار بين أن يقدم استقالته بناءً على نصيحة مدير إدارة شئون الضباط إيثارًا للسلامة وتجنبًا للمساءلة التى قد لا يعرف مداها وبين تحمُّل مسئوليته عما وقع بدائرة عمله من أحداث فيمتنع عن تقديمها فاختار الأولى وقدم استقالته وهو اختيار تتحقق به الإرادة ويصح به الرضا، وتضحى به الاستقالة قائمة ومنتجة لآثارها، أما ما يدعيه الطاعن عما ثار فى نفسه من خيالات وتصورات ألقت فى روعه ولا تحملها العبارات التى أشار إليها فلا يمكن أن تؤثر فى سلامة الاستقالة التى قدمها بإرادته الحرة ولو تمت بناءً على نصيحة أو طلب من أحد المسئولين، فالطاعن ليس من عامة الرجال حتى يمكن أن يتصور بأن الاستقالة أمر واجب النفاذ أو زملاءه بالمكتب لن يكونوا مسئولين عما سيلحق به من أضرار يتعذر احتمالها فقد بلغ من الخبرة والحكمة منزلاً يسمح له بتقدير عواقب الأمور ومنها العبارات والإشارات فى نطاقها الصحيح، وأن الوزارة لن تعدم السبيل للتخلص منه إذا ما قصد فى نظرها الثقة والاعتبار بإنهاء الخدمة أو عدم التجديد أو الإحالة إلى الاحتياط أو المعاش، دون ما حاجة إلى اللجوء إلى وسائل الانتقام من أسرته أو اتهام أشقائه أو الاعتداء على شرف بناته، وأقصى ما تتحمله تلك العبارات هو إنذاره بأن عدم الاستقالة سوف يلجئه إلى المثول أمام محكمة تأديبية قد تفضح أخطاءه وخطاياه وهو ما تلجأ إليه عادة الجهات الإدارية لتجنب ـ بالاستقالة ـ قوادها ومسئوليها آثار التحقيقات والمحاكمات، ولو كان الطاعن متأكدًا من براءته ومستعدًا لخوض معركة التحقيق والمحاكمة لكان فى مكنته أن يمتنع عن تقديم الاستقالة، أما وقد قدم استقالته بناءً على نصيحة بعض المسئولين فقد اختار الاستقالة إيثارًا للسلامة، ومن ثم فلا يسوغ له بعد ذلك طلب إلغائها قضاء.
ولا وجه لما يدعيه الطاعن من أن ما نشر فى الصحف عن إنهاء خدمته أو المطالبة بمحاسبته كان سببًا فى إجباره على الاستقالة، فما كان التعبير عن قطاع من الرأى العام الذى تمارسه الصحف بمقتضى السلطة المخولة لها قانونًا، مظهرًا من مظاهر الإكراه ولو كان ذلك صحيحًا لاستقال أغلب المسئولين بالحكومة والمؤسسات العامة تحت وطأة ما يوجه لهم يوميًا من صنوف النقد والتقريع.
ومن حيث إنه قد استقر فى يقين المحكمة من واقع الظروف والملابسات التى تضمنتها مدونات الطعن، وما قدمه الطاعن نفسه من معلومات وبيانات وقرائن أحوال أن الاستقالة المقدمة منه فى ظل الظروف والملابسات التى أشار إليها قد قدمت بناءً على إرادة حرة واعية ومقدرة للنتائج المترتبة على تقديمها أو الامتناع عنها واختار سلوك سبيل الاستقالة، ومن ثم فإن الاستقالة المشار إليها تكون قد صدرت صحيحة ، ويكون صدور القرار بقبولها قائمًا على أساس سليم من القانون، ويكون النعى عليه خليقًا بالرفض.
وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى تلك النتيجة فإنه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن فيه غير قائم على أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن الطاعن وقد أصابه الخسر فى الطعن فيلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة (184) مرافعات .
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً ، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن المصروفات.