جلسة 9 من فبراير سنة 2002م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ على فكرى حسن صالح , ويحيى خضرى نوبى محمد، ومحمد ماجد محمود محمد، وأحمد عبد الحميد حسن عبود
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو
مفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 2894 لسنة 45 قضائية عليا
ـ حدود سلطة الحاكم فى اعتقال المواطنين عند إعلان الأحكام العرفية.
المادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ .
الأحكام العرفية تواجه حالة الطوارئ, وهى حالة استثنائية لا تمثل الأصل العام, ومن ثَمَّ فإن تفسير قواعد الأحكام العرفية لا يتوسع فيها ولا يقاس عليها، وبالتالى لا تنصرف سلطة الحاكم فى اعتقال المواطنين إلا لمن أجاز قانون الطوارئ اعتقالهم وهم المشتبه فيهم والخطرون على الأمن والنظام العام وهم من يُنسب إليهم نشاط معين يثبت أن المعتقل قد ارتكبه بالفعل، ويمثل خطورة خاصة على الأمن والنظام العام، وهو يشكل ركن السبب فى قرار الاعتقال ـ تطبيق.
فى يوم الأربعاء الموافق 24/2/1999 أودع الأستاذ/ سعد عبد الواحد حماد، المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2894 لسنة 45 القضائية عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة فى الدعوى رقم 47 لسنة 47ق بجلسة 27/12/1998، والقاضى فى منطوقه “حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً, وبرفضها موضوعًا, وألزمت المدعيين المصروفات”، وطلب الطاعن ــ للأسباب الواردة فى تقرير الطعن ــ الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, وإلزام الجهة الإدارية بتعويض الطاعنين تعويضًا مناسبًا عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقتهما من جراء اعتقال مورثهما المرحوم/ ………………. عن المدة 1/1/1959 إلى 1/4/1964.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فى ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً, مع إلزام الطاعنين المصروفات.
وجرى إعلان الطعن على النحو الوارد بالأوراق.
وعين لنظر الطعن جلسة 21/2/2000 أمام دائرة فحص الطعون وتداولت نظره بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها, وبجلسة 5/1/2001 قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى ـ موضوع) لنظره بجلسة 10/3/2001، حيث نظرته هذه الدائرة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 24/11/2001 قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات خلال شهر.
وبجلسة اليوم صدر الحكم, وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن هذه المنازعة تخلص ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى أن الطاعنين كانا قد أقاما الدعوى رقم 47 لسنة 47ق. بتاريخ 3/10/1993 أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة مطالبين الحكم بإلزام المدعى عليهما (المطعون ضدهما) متضامنين بتعويضهما عن الأضرار المادية والأدبية التى سبَّبها قرار اعتقال والدهما فى 1/1/1959 والمصروفات وأتعاب المحاماة مع حفظ جميع الحقوق الأخرى.
وذكرا شرحاً لدعواهما أن مورثهما اعتقل فى الفترة من 1/1/1959 إلى 1/4/1964 بقرار مشوب بعيب انعدام السبب والانحراف بالسلطة وعدم الاختصاص, الأمر الذى يتحقق به ركن الخطأ فى جانب الإدارة, وقد أصيب مورثهما من جراء اعتقاله بأضرار مادية وأدبية يحق لهما المطالبة بالتعويض عنهما.
وبجلسة 27/12/1998 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه تأسيسًا على أن “الثابت من مذكرة جهة الإدارة بأسباب اعتقال مورث المدعيين المودعة بحافظة مستنداتها المقدمة بجلسة 17/3/1994 (تحضير) أنه كان محبوساً خلال الفترة محل طلب التعويض على ذمة القضية رقم 8 جنايات أمن دولة عليا لسنة 1959, ولم يجحد المدعيان ذلك أو يقدما عكس ما ساقته جهة الإدارة, الأمر الذى تغدو معه مطالبتهما بالتعويض غير قائمة على سند تأسيسًا على عدم مسئولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، وتكون دعواهما والحال كذلك فاقدة سندها خليقة بالرفض”.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون والواقع وشَابَه القصور فى التسبيب ذلك أن اعتقال مورث الطاعنين كان بقرار من رئيس الجمهورية وليس من النيابة العامة وأما عن اتهامه فى الجناية رقم 8/59 أمن دولة عليا، فقد تم ذلك بعد اعتقاله وصدر حكم ببراءته إلا أن الجهة الإدارية لم تبادر بالإفراج عنه إلا بعد سنوات بتاريخ 1/4/1964، وأن الجهة الإدارية سبق أن ذكرت ذلك فى دعاوى سابقة مقامة من باقى الورثة, ولم تأخذ بها المحكمة وحكمت للورثة بالتعويض, كما أن الحكم المطعون فيه تجاهل الحكم الصادر فى الدعوى رقم 1411 لسنة 44 والذى تتضمن حيثياته ما يفيد اعتقال مورثهما.
ومن حيث إن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الصادرة عنها هو وجود خطأ فى جانبها بأن يكون القرار غير مشروع لعيب من العيوب المنصوص عليها فى قانون مجلس الدولة, وأن يلحق بصاحب الشأن ضرراً, وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن مورث الطاعنين سبق ضبطه لاتهامه على ذمة القضية الشيوعية رقم 484/46 جنايات (حيازة منشورات شيوعية) ثم جرى اعتقاله فى 15/5/1948 لنشاطه الشيوعى, وأفرج عنه فى 24/8/1948 ثم أعيد اعتقاله لاستمراره فى مزاولة نشاطه الشيوعى فى 24/3/1955 وأفرج عنه 24/4/1956 ثم صدر قرار اعتقاله فى 31/12/1958 وأفرج عنه فى 18/2/1963.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة قرار اعتقال مورث الطاعنين والصادر بتاريخ 31/12/1958 أنه استند على أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ ومن المسلم به أن الاعتقال وفقًا لما نصت عليه المادة الثالثة من هذا القانون قاصر على المشتبه فيهم والخطرين على الأمن والنظام العام, ومن المستقر عليه أن الأحكام العرفية تواجه حالة الطوارئ وهى حالة استثنائية لا تمثل الأصل العام, ومن ثَمَّ فإن تفسير قواعد الأحكام العرفية لا يتوسع فيها ولا يقاس عليها, وبالتالى لا تنصرف سلطة الحاكم فى اعتقال المواطنين إلاّ لمن أجاز قانون الطوارئ اعتقالهم وهم المشتبه فيهم, والخطرون على الأمن والنظام العام وهم من يُنسب إليهم نشاط معين يثبت أن المعتقل قد ارتكبه بالفعل ويمثل خطورة خاصة على الأمن والنظام العام, وهو يشكل ركن السبب فى قرار الاعتقال, وإذ جاء قرار اعتقال مورث الطاعنين خاليًا من نسبة نشاط محدد ووقائع بذاتها للمعتقل, فإن قرار الاعتقال يغدو فاقدًا لسببه المبرر له قانونًا ومن ثَمَّ يتوافر فى شأنه ركن الخطأ.
ومن حيث إنه عن ركن الضرر بالنسبة إلى مورث الطاعنين فإنه مما لا شك فيه أن قرار اعتقاله فى المدة من 1/1/1959 حتى 18/2/1963 قد حرمه من العمل والسعى لكسب رزقه وقوت أسرته مدة اعتقاله, ومن ثَمَّ فإنه يستحق تعويضًا عن الأضرار المادية التى أصابته وهو التعويض الموروث الذى ينتقل إلى أسرته, أما عن التعويض الأدبى لمورث الطاعنين فإن الأوراق لم تثبت إقامته دعوى للمطالبة به قبل وفاته أو وجود اتفاق على أحقيته فى هذا التعويض مما يتعين معه رفض هذا الطلب.
ومن حيث إنه عن طلب الطاعنين تعويضهما عما لحقهما من أضرار مادية وأدبية من جراء اعتقال مورثهما فإنه لما كان الثابت من الأوراق أن مورثهما هو الذى اعتقل وحُرم من العمل ومن حريته ومن ثَمَّ فإنه هو شخصيًا الذى أصيب بالأضرار المادية والأدبية بطريقة مباشرة وأن ورثته لم يلحقهم ضرر مباشر من الاعتقال, ومن ثَمَّ تنتفى علاقة السببية بين قرار اعتقال مورثهما والضرر الذى لحقهما هما شخصيًا, وإن كانت هناك أضرار قد أصابتهما فهى غير مباشرة, ومن ثَمَّ يتم تعويضهما عنها بطريقة غير مباشرة عن طريق تعويض عائلهما, مما يتعين معه رفض طلبهما عن الأضرار المادية والأدبية غير المباشرة من جراء اعتقال مورثهما اكتفاءً بالتعويض الموروث والذى تلزم المحكمة المطعون ضدهما متضامنين بأدائه للطاعنين ومقداره عشرة آلاف جنيه يوزع بينهما حسب الأنصبة الشرعية.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً, وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه.
وحكمت بإلزام المطعون ضدهما بصفتهما متضامنين بأن يؤديا للطاعنين مبلغًا مقداره عشرة آلاف جنيه يوزع بينهما حسب الأنصبة الشرعية, وألزمت المطعون ضدهما بصفتهما المصروفات.