جلسة 26 من يناير سنة 2008
(الدائرة الأولى)
الطعن رقم 291 لسنة 53 القضائية عليا.
– الطعن في الأحكام- دعوى البطلان الأصلية- ما لا يعد من حالاتها- دائرة فحص الطعون ليست درجة من درجات التقاضي- أثر ذلك.
تستوي المحكمة الإدارية العليا على القمة في مدارج التنظيم القضائى لمحاكم مجلس الدولة, فهي القوامة على تطبيق أحكام القانون وإرساء مبادئه ولا سبيل إلى استنهاض دعوى البطلان الأصلية ضد الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة إلا إذ ثبت وجود خطأ جسيم يهوى بقضائها إلى درك البطلان, ويجب أن يكون الخطأ كاشفاً بذاته عن أمره بما لا مجال فيه إلى خلاف في وجهات النظر المعقولة وذلك حتى لا تكون دعوى البطلان الأصلية ذريعة لإهدار قضاء المحكمة الإدارية العليا والنيل من حجية أحكامها- ليس صحيحاً أن دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا درجة من درجات التقاضي– مؤدى ذلك: أن المنازعة المطروحة أمام المحكمة الإدارية العليا تمر بمرحلتين: الأولى أمام دائرة فحص الطعون, فإذا تبين لها أن الطعن غير مقبول شكلاً أو أنه باطل أو غير جدير بالعرض على دائرة الموضوع, فإنها تحكم بإجماع الآراء برفض الطعن, ويعتبر حكمها في هذه الحالة منهياً للمنازعة أمام المحكمة الإدارية العليا, أما إذا رأت أن الطعن مرجح القبول أو أن الفصل فيه يتطلب تقرير مبدأ قانوني لم يسبق للمحكمة الإدارية العليا تقريره, فإنها تحيله إلى دائرة الموضوع– مفاد ذلك: أن قرار دائرة فحص الطعون بإحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لا ينهي النزاع بل ينقله برمته تلقائياً إلى تلك الدائرة لتفصل فيه, ولا يحول دون تقديم ذوي الشأن ما يعن لهم من أوراق ومستندات أمام دائرة الموضوع– مقتضى ذلك: أن إيداع جهة الإدارة حافظة مستندات لدى دائرة فحص الطعون، وعدم فتح باب المرافعة لاطلاع الخصم عليها، وإحالة الطعن إلى دائرة الموضوع، لا يصلح سندا للنعي على الحكم المطعون فيه بالبطلان– تطبيق.
– حرية القاضي الإداري في تكوين اقتناعه بأدلة الإثبات المطروحة في الدعوى.
لا إلزام على المحكمة بتكوين عقيدتها من خلال مستند معين دون غيره, ولا إلزام عليها أيضا بتتبع كل أوجه الدفاع في جميع جزئياته والرد عليها تباعا؛ ذلك أن المبدأ الذي يحكم الإثبات في المنازعات الإدارية هو حرية القاضي الإداري في تكوين اقتناعه بأدلة الإثبات المطروحة في الدعوى، واختيار ما يُكَوِّن قناعته للفصل فيها.
في يوم الخميس الموافق 12/10/2006 أقام الأستاذ/… المحامي عن نفسه وبصفته مأمور اتحاد ملاك عمارة المروى بالمقطم – دعوى البطلان الأصلية الماثلة- بصحيفة أودعها قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا, وقيدت بالرقم المبين بعاليه, في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الخامسة – موضوع) بجلسة 3/6/2006 في الطعن رقم 4429 لسنة 50 ق.ع, الذي قضي فيه بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى رقم 1847 لسنة 53 ق- إداري القاهرة, وبإلزام المطعون ضده بصفته المصروفات.
وطلب المدعي في ختام صحيفة دعوى البطلان, الحكم بقبولها شكلاً, وفي الموضوع ببطلان الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الخامسة-موضوع) بجلسة 3/6/2006 في الطعن رقم 4429 لسنة 50 ق.ع, والقضاء مجدداً بقبول الطعن رقم 4429 لسنة 50 ق.ع شكلاً, ورفضه موضوعاً, وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام رافعيه المصروفات والأتعاب.
وقد أعلنت الدعوى على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه: الحكم بعدم قبول الطعن ببطلان الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية العليا -الدائرة الخامسة موضوع – بجلسة 3/6/2006 في الطعن رقم 4429 لسنة 50 ق.ع, وإلزام الطاعن بصفته المصروفات.
وقد تحدد لنظر الدعوى أمام دائرة فحص الطعون جلسة 5/2/2007, وتدوولت على النحو الثابت بمحاضر جلساتها, وحجزت للحكم بجلسة 21/5/2007 مع مذكرات في أسبوع, وأودع المدعي مذكرة بالدفاع خلال فترة حجز الدعوى للحكم, أشار فيها إلى صحيفة الدعوى والطلبات الواردة فيها واختتمها بطلب إحالة الدعوى لمحكمة الموضوع, وقدم الحاضر عن هيئة قضايا الدولة مذكرة بالدفاع طلب في ختامها الحكم برفض دعوى البطلان الماثلة وإلزام المدعي بالمصروفات.
وبجلسة 21/5/2007 أحالت دائرة فحص الطعون دعوى البطلان الماثلة إلى هذه الدائرة, وتدوولت الدعوى على النحو الثابت بمحاضر الجلسات, وبجلسة 17/11/2007 قررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم, وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة.
من حيث إن دعوى البطلان الأصلية لا تتقيد بميعاد الطعن المنصوص عليه في المادة (44) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972, وإذ استوفت الدعوى الماثلة إجراءاتها الشكلية المقررة قانوناً فمن ثم تكون مقبولة شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أن المدعي كان قد أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بامتناع جهة الإدارة عن تسلم طلب تعديل ترخيص البناء رقم 85 لسنة 1988 لتعلية العقار رقم 106 عوايد – المقام على قطعة الأرض رقم (6015) بلوك (2) المنطقة (ج) – الهضبة العليا بالمقطم, طبقا للارتفاع المسموح به قانوناً.
وبجلسة 14/12/2003 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه, وشيدت قضاءها على أسباب تخلص في أن المدعي كان قد استصدر ترخيص البناء رقم 85 لسنة 1988 لإقامة بدروم به جراج ومسجد وسكن بواب وخمسة أدوار أعلى البدروم بكل دور أربع شقق سكنية وبرجولا, ثم قدم طلب الترخيص بالتعلية مرفقاً به كافة المستندات ملتمساً التعلية للحد المسموح به قانوناً أسوة بغيره في الشارع نفسه, إلا أن جهة الإدارة امتنعت عن تسلم الطلب والبت فيه, كما امتنعت عن الرد على الدعوى أو تقديم أي مستندات فيها رغم تكليفها بذلك مراراً, وهو ما يعد نكولاً منها عن تقديم ما لديها من مستندات مما يقيم قرينة لمصلحة المدعي ويعتبر تسليماً بصحة ما ادعاه, وخلصت المحكمة من ذلك إلى قضائها المشار إليه.
وطعنت جهة الإدارة على حكم محكمة القضاء الإداري سالف البيان مؤسسة طعنها على أن قرينة عدم تقديم المستندات هي قرينة مؤقتة تزول بتقديم المستندات وطلبت إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وبجلسة 3/6/2006 قضت الدائرة الخامسة عليا (موضوع) في الطعن رقم 4429 لسنة 50 ق.ع بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء مجدداً برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات. وشيدت المحكمة قضاءها على أسباب تخلص فيما يلي:
1- أن القانون رقم 106 لسنة 1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء حظر على المخاطبين بأحكامه إقامة أعمال بناء إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم, وألزم المالك أو من يمثله قانوناً عند تقديم طلب الحصول على ترخيص البناء أن يرفق به كافة المستندات والأوراق والموافقات والرسومات الهندسية, وألزم المشرع جهة الإدارة فحص طلب الترخيص ومرفقاته والبت فيه خلال مدة معينة, فإذا تبين لها مطابقة الأعمال محل الترخيص لأحكام القانون ولائحته التنفيذية قامت بإصدار الترخيص, أما إذا رأت وجوب استيفاء بعض المستندات أو البيانات أو إدخال بعض التعديلات – أعلنت صاحب الشأن بذلك, وحرصاً من المشرع على مصالح ذوي الشأن المشروعة وعدم تركهم تحت رحمة جهة الإدارة – اعتبر انقضاء المدة المحددة للبت في طلب الترخيص دون البت فيه أو إعلان طالب الترخيص لاستيفاء ما ترى جهة الإدارة لزوم استيفائه – بمثابة موافقة على طلب الترخيص, بيد أن القرينة القانونية التي أقامها المشرع على انقضاء الأجل المعين من تاريخ تقديم طلب الترخيص, لا يكتمل كيانها إلا إذا ثبت أن طلب الترخيص كان موافقاً لصحيح القانون مستوفياً كل الشروط ومن بينها الالتزام بقيود الارتفاع القانوني, وهذا الارتفاع يستوى أن يكون قد ورد في لائحة أو ضمن شروط تقسيم عام معتمد طبقاً للقانون, وسواء أكان هذا التقسيم معتمداً قبل العمل بقانون التخطيط العمرانى رقم 3 لسنة 1982 أم في ظله.
2- طبقا لأحكام قانون التخطيط العمرانى وما قضت به المحكمة الدستورية العليا بجلسة 22/3/1997 في الدعوى رقم 55 لسنة 18 ق, فإن الشروط البنائية التي يتضمنها قرار التقسيم تعتبر بمثابة قيود بنائية من نوع القيود القانونية التي تتضمنها القوانين واللوائح, فلا يجوز تجاهلها, فإذا تضمنت تقييدا لحق الارتفاع أو المساحة المصرح بها للبناء فإن هذه الشروط تكون واجبة الاتباع باعتبارها نصا خاصا يقيد النص العام أينما ورد في القانون رقم 106 لسنة 1976, ومتى تبين لجهة الإدارة أن طلب الترخيص يتعلق بالبناء على قطعة أرض تقع ضمن تقسيم معتمد أو صدر لها قرار تقسيم من السلطة المختصة, فإنه يتعين عليها بحث الطلب في ضوء الاشتراطات البنائية المرفقة بقائمة التقسيم وليس طبقاً للأوضاع الواردة بالقانون العام وهو القانون رقم 106 لسنة 1976 المشار إليه.
لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده وشركاه يمتلكون قطعة الأرض رقم 6015 بلوك 2 بالمنطقة ج بالهضبة العليا بالمقطم, وصدر بشأنها ترخيص البناء رقم 85 لسنة 1988 لإقامة مبنى مكون من بدروم وجراج ومسجد وسكن بواب وأرضى وأربعة أدوار متكررة طبقا للاشتراطات البنائية لتقسيم المنطقة ج بالمقطم المعتمدة من شركة النصر للإسكان والتعمير, ثم قدم المطعون ضده طلباً للترخيص بالتعلية للحد المسموح به قانوناً بحد أقصى ثلاثين متراً, ورفضت جهة الإدارة طلبه لأن الحد الأقصى للارتفاع طبقا للاشتراطات البنائية للمنطقة هو (15 م) بارتفاع خمسة أدوار بالأرضى وهو ما تم الترخيص به بالفعل, فإن رفض جهة الإدارة طلب الترخيص بالتعلية يكون قائما على سند صحيح من الواقع والقانون.
3- لما كان الحكم الصادر عن القضاء الإداري قد ألغى القرار المطعون فيه تأسيسا على نكول جهة الإدارة عن تقديم المستندات, فإنه في ضوء إيداع تلك المستندات يكون هذا الحكم مخالفا للقانون مستوجب الإلغاء والقضاء مجدداً برفض الدعوى لعدم قيامها على سند من القانون.
ومن حيث إن أسباب الطعن بالبطلان على الحكم المشار إليه تخلص فيما يلي:
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا تستوي على القمة في مدارج التنظيم القضائي لمحاكم مجلس الدولة, فهي القوامة على تطبيق أحكام القانون وإرساء مبادئه، ولا سبيل إلى استنهاض دعوى البطلان الأصلية ضد الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة إلا إذ ثبت وجود خطأ جسيم يهوي بقضائها إلى درك البطلان, ويجب أن يكون الخطأ كاشفاً بذاته عن أمره بما لا مجال فيه إلى خلاف في وجهات النظر المعقولة؛ وذلك حتى لا تكون دعوى البطلان الأصلية ذريعة لإهدار قضاء المحكمة الإدارية العليا والنيل من حجية أحكامها.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن, فليس صحيحاً أن دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا درجة من درجات التقاضى, آية ذلك أن المنازعة المطروحة أمام المحكمة الإدارية العليا تمر بمرحلتين: الأولى أمام دائرة فحص الطعون, فإذا تبين لها أن الطعن غير مقبول شكلاً أو أنه باطل أو غير جدير بالعرض على دائرة الموضوع, فإنها تحكم بإجماع الآراء برفض الطعن, ويعتبر حكمها في هذه الحالة منهيا المنازعة أمام المحكمة الإدارية العليا, أما إذا رأت دائرة فحص الطعون أن الطعن مرجح القبول أو أن الفصل فيه يتطلب تقرير مبدأ قانوني لم يسبق للمحكمة الإدارية العليا تقريره, فإنها تحيله إلى دائرة الموضوع, وقرارها بالإحالة لا ينهي النزاع بل ينقله برمته تلقائيا إلى تلك الدائرة لتفصل فيه, ولا يحول دون تقديم ذوي الشأن ما يعن لهم من أوراق ومستندات أمام دائرة الموضوع, وبناء على ما تقدم فإن هذا الوجه من أوجه الطعن لا يصلح سندا للنعي على الحكم المطعون فيه بالبطلان.
ومن حيث إنه عن الخلاف حول الاشتراطات البنائية لمنطقة المقطم وحدود الارتفاع المسموح به في تلك المنطقة وصدور تراخيص لبعض الأبنية في حدود عشرة أدوار, فإن ذلك كله يندرج في صلب الموضوع ولا يصلح سببا للنعي على الحكم بالبطلان.
ومن حيث إنه عن قيمة بعض المستندات وعدم تعرض المحكمة للبعض الآخر فذلك ليس وجها من أوجه الطعن بالبطلان، أخذا في الاعتبار أنه لا إلزام على المحكمة بتكوين عقيدتها من خلال مستند معين دون غيره, ولا إلزام عليها أيضا بتتبع كل أوجه الدفاع في جميع جزئياته والرد عليها تباعا, ذلك أن المبدأ الذي يحكم الإثبات في المنازعات الإدارية هو حرية القاضي الإداري في تكوين اقتناعه بأدلة الإثبات المطروحة في الدعوى واختيار ما يُكَوِّن قناعته للفصل فيها.
ومن حيث إنه عن الوجه الأخير من أوجه الطعن والخاص بإلغاء حكم القضاء الإداري وما نجم عنه من أضرار, فلا يصلح ذلك سببا للبطلان؛ لأن حكم المحكمة الإدارية العليا هو حكم نهائى يحوز حجية تمنع إثارة مصير الحكم المطعون فيه وما يمكن أن يترتب على إلغائه من أضرار.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم فإن الأسباب التي قامت عليها دعوى البطلان الأصلية الماثلة ليس من شأنها النيل من سلامة الحكم المطعون فيه ولا تؤدى إلى بطلانه, مما يتعين معه والحال كذلك القضاء برفض هذه الدعوى.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم مصروفاتها عملاً بنص المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي بصفته المصروفات.