جلسة 26 من مارس سنة 2005م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / إسماعيل صديق راشد
نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين / عصام الدين عبد العزيز جاد الحق، وحسن كمال أبوزيد، ود. عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر، وأحمد إبراهيم زكى الدسوقى
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار / أسامة يوسف شلبى
مفوض الدولة
وحضور السيد الأستاذ/ يحيى سيد على
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 3037 لسنة 49 قضائية عليا:
عاملون مدنيون بالدولة ــ تأديب ــ غلو الجزاء التأديبى.
ولئن كان للسلطة التأديبية ــ ومن بينها المحاكم التأديبية ــ سلطة تقدير خطورة الذنب الإدارى وما يناسبه من جزاء، إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو، ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإدارى، وبين نوع الجزاء التأديبى ومقداره، وهو ما لا يتحقق معه الهدف الذى ينشده القانون من التأديب، ومن ثَمَّ فإن الغلو وعدم الملاءمة الظاهرة بين خطورة الذنب الإدارى والجزاء التأديبى الذى أوقعته السلطة التأديبية يخرج هذا الجزاء من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية ــ تطبيق.
فى يوم الثلاثاء الموافق 14/1/2003 أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن الماثل فى الحكم المشار إليه القاضى بمجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة.
وطلب الطاعن ــ للأسباب الواردة بعريضة الطعن ــ الحكم بقبوله شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وبتاريخ 16/ 2/2003 أعلن تقرير الطعن.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بمعاقبة الطاعن بالعقوبة المناسبة لما اقترفه من جرم على النحو الذى تقدره المحكمة.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3/7/2004، وبجلسة 22/12/2004 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع ــ الرابعة العليا ــ لنظره بجلسة 5/2/2005 ونظرت المحكمة الطعن بهذه الجلسة وبها قررت الحكم فى الطعن بجلسة اليوم ومذكرات فى أسبوعين لمن يشاء، وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إنه عن الشكل فإن الحكم المطعون فيه قد صدر بجلسة 11/ 11/2002، ولما كان الطاعن يقيم بمحافظة المنيا، ويضاف إلى ميعاد الطعن ميعاد مسافة قدره أربعة أيام، وإذ أقام طعنه بإيداع عريضته قلم كتاب المحكمة فى 14/1/2003 فإن الطعن يكون قد أقيم فى الميعاد ، وقد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع تخلص ــ حسبما يبين من الأوراق ــ فى أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى رقم 43 لسنه 29ق. بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بأسيوط متضمنة تقريرًا باتهام ضد/ ………….. مدرس اللغة الفرنسية بمديرية التربية والتعليم بالمنيا، لأنه بوصفه السابق خالف القانون وخرج على مقتضيات الواجب الوظيفى وعلى القواعد المنظمة للإجازات بأن انقطع عن العمل دون إذن أو مبرر قانونى، وفى غير الأحوال المصرح بها اعتباراً من 1/7/2001 على النحو المبين بالأوراق.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمته تأديبيًا طبقًا للمواد الواردة بتقرير الاتهام .
ونظرت المحكمة الدعوى على النحو الثابت بمحاضر الجلسات؛ حيث حضر محام عن المتهم بالتوكيل الخاص رقم 2314 لسنة 2002 توثيق المنيا وأفاد بأن موكله يرغب فى العودة إلى العمل، وبجلسة 11/11/2002 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن المخالفة المنسوبة إلى المتهم (الطاعن) ثابتة فى حقه ثبوتًا يقينيًا بشهادة/ ……………. مسئولة شئون العاملين بمدرسة المنيا الجديدة والتى أكدت انقطاع المتهم عن العمل اعتبارًا من 1/7/2001 وأن المدرسة أرسلت إليه عدة إنذارات لعودته إلى العمل دون جدوى، وتكشف ظروف انقطاع المتهم عن العمل عن عدم رغبته فى الاستمرار فى العمل، لأنه استمر فى انقطاعه، ولم يمتثل لاستدعاء النيابة الإدارية لحضور التحقيق، علاوة على أن المحكمة قد طلبت حضوره شخصيًا جلسات المحكمة، وتأجلت الدعوى عدة مرات لهذا السبب دون جدوى مما يدل على أن المتهم غير عابئ بوظيفته، ولذا قضت بمجازاته بالفصل من الخدمة.
ومن حيث إن مبنى الطعن يستند إلى الأسباب الآتية:
1-مخالفة الحكم للقانون لأنه استند على تحقيق باطل، وذلك لعدم سماع أقوال الطاعن وتمكينه من الدفاع عن نفسه ومواجهته بما هو منسوب إليه، وفقًا لنص المادة (79) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة.
2- الغلو فى تقدير الجزاء، وذلك لأن العقوبة المقضى بها لا تتناسب مع المخالفة المنسوبة للطاعن بما يخرج الجزاء من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية.
ومن حيث إنه عمَّا نسب إلى الطاعن من انقطاعه عن العمل اعتبارًا من 1/7/2001، فقد أجرت النيابة الإدارية تحقيقها فى الواقعة بقضيتها رقم 551 لسنة 2001.
ومن حيث إنه بسؤال/ …………….. مسئولة شئون العاملين بمدرسة المنيا الجديدة قررت فى التحقيقات أن المتهم/ …………….. (الطاعن) انقطع عن العمل بصورة مستمرة اعتبارًا من 1/7/2001 وأن المدرسة أرسلت إليه عدة إنذارات للعودة للعمل، الأول بتاريخ 4/7/2001 برقم 422، والثانى بتاريخ 8/7/2001 برقم 423 والثالث بتاريخ 10/7/2001 برقم 424 دون جدوى.
ومن حيث إن انقطاع الطاعن عن عمله على هذا النحو يشكل فى حقه مخالفة تأديبية قوامها مخالفة حكم المادة (62) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 والتى تقضى بأنه “لا يجوز للعامل أن ينقطع عن عمله إلا لإجازة يستحقها فى حدود الإجازات المقررة بالمواد التالية وفقًا للضوابط والإجراءات التى تضعها السلطة المختصة”.
ومن حيث إن ما أسند إلى الطاعن وثبت فى حقه ينطوى على مخالفة تأديبية تستوجب مجازاته عنها تأديبياً.
ومن حيث إنه عن وجه الطعن على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون لبطلان التحقيق لعدم مواجهة الطاعن بما هو منسوب إليه وسماع أقواله وتمكينه من الدفاع عن نفسه، فإن ذلك مردود عليه بما هو ثابت من الأوراق وهو أن وكيل الطاعن حضر جلسات المحاكمة التأديبية وقدم مستنداته ودفاعه فى الدعوى، وهى مرحلة يمكن لصاحب الشأن أن يتدارك ما عسى أن يكون قد فاته من دفاع فى مرحلة سابقة، ومن ثَمَّ يكون هذا الوجه من الطعن فى غير محله ويتعين لذلك طرحه.
ومن حيث إنه عن الطعن على الحكم المطعون فيه بالغلو فى تقدير الجزاء، فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه “ولئن كان للسلطة التأديبية ــ ومن بينها المحاكم التأديبية ــ سلطة تقدير خطورة الذنب الإدارى وما يناسبه من جزاء، الا أن مناط مشروعية هذه السلطة ألا يشوب استعمالها غلو، ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإدارى، وبين نوع الجزاء التأديبى ومقداره، وهو ما لا يتحقق معه الهدف الذى ينشده القانون من التأديب، ومن ثَمَّ فإن الغلو وعدم الملاءمة الظاهرة بين خطورة الذنب الإدارى والجزاء التأديبى الذى أوقعته السلطة التأديبية يخرج هذا الجزاء من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية”.
ومن حيث إنه عن ملاءمة الجزاء الموقع على الطاعن، وهو الفصل من الخدمة للذنب الثابت فى حق الطاعن، وهو الانقطاع عن العمل، فإن ذلك يتبدى بالنظر إلى درجة خطورة الذنب الثابت فى حقه ، ونوع الجزاء الموقع عليه ومقداره، فالجزاء فى الطعن الماثل هو أشد أنواع الجزاءات ومنتهاها لأنه يحرم العامل من وظيفته بإقصائه عنها تمامًا أما مخالفة الطاعن فتتمثل فى انقطاعه عن العمل فى الفترة من 1/7/2001 وحتى صدور الحكم المطعون فيه بجلسة 11/11/2002 وهى ليست بالفترة الطويلة التى تفيد هجر الوظيفة كما أن البين من ظروف المخالفة وملابساتها، أن الطاعن لم يدر ظهره لوظيفته ولم يعرض عنها، وآية ذلك أن وكيله بالتوكيل الخاص رقم 2314 لسنة 2002 توثيق المنيا حضر أمام المحكمة التأديبية وأفاد بأن موكله ( الطاعن) يرغب فى العودة إلى العمل وهو ما يُستفاد منه أن جزاء الفصل من الخدمة الموقع على الطاعن يشوبه الغلو بالإسراف فى الشدة ولا يتناسب ومخافة الانقطاع عن العمل الثابتة فى حقه مما يخرج هذا الجزاء من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية، مما يستوجب إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة، وتوقيع جزاء يتناسب والثابت فى حقه ، وهو ما تقدره المحكمة بخصم شهر من راتبه .
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة، ومجازاته بخصم شهر من راتبه.