جلسة 27 من يونيه سنة 2010
الطعن رقم 31132 لسنة 54 القضائية عليا
(الدائرة السابعة)
شئون الضباط– تقرير الكفاية– على الجهة الإدارية إعمال مقتضى القرارات الطبية الصادرة بحق الضابط، وأن تكلفه بعمل خفيف يتناسب مع مرضه، وبالتالي تقدير كفايته على هذا الأساس– إذا لم تفعل ذلك وقامت بتقدير كفاية الضابط على أساس أنه يتمتع بكامل صحته فإنها تكون قد تنكبت وجه الحق والصواب والقانون والواقع بشأنه، ويكون قرارها بإنهاء خدمته استنادًا إلى تقارير كفايته قد صدر على غير سببه الحقيقي المبرر له قانونا وواقعا، معدوم الأثر قانونا.
المادة (16) من قانون هيئة الشرطة، الصادر بالقرار بقانون رقم (109) لسنة 1971.
حدود رقابة القضاء الإداري على مشروعيته– لئن كان ينبغي للقاضي الإداري أن يقف عند حد المشروعية أو عدمها، فلا يتجاوزها إلى مناسبات إصدار القرار وغير ذلك مما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة، إلا أن له الحق في بحث الوقائع التي بني عليها القرار الإداري بقصد التحقق من مدى مطابقته للقانون– حقه في ذلك لا يقف عند حد التحقق من الوقائع المادية التي أسس عليها القرار، بل يمتد إلى تقدير هذه الوقائع باعتبارها من العناصر التي يقوم عليها القرار الإداري.
ركن السبب– يجب أن يقوم القرار الإداري على سبب يبرره في الواقع والقانون– للقضاء الإداري الحق في مراقبة مشروعية السبب الذي بني عليه القرار الإداري للتحقق من مدى مطابقته للقانون– العبرة في تقدير مدى مشروعية السبب الذي قام عليه القرار تكون بالسبب الحقيقي الذي صدر استنادًا إليه، وأن يثبت أن هذا السبب كان قائمًا في تاريخ صدوره، وأنه كان بالفعل هو المبرر في تقدير جهة الإدارة لإصداره.
أقام الطاعن هذا الطعن بموجب تقرير طعن أودع قلم كتاب المحكمة في يوم الأربعاء 25/6/2008 في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 29/4/2008 في الدعوى رقم 12633 لسنة 27ق، القاضي بقبول الدعوى شكلا وفي الموضوع برفضها وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير طعنه الحكم بقبوله شكلا وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء قرار إنهاء خدمته، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الإدارة المصروفات عن الدرجتين.
وقد أعلن الطعن على الوجه الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني، ارتأت فيه للأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وإلزام الطاعن المصروفات.
ونظرت المحكمة الطعن الماثل على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث قدم طرفا الخصومة ما عنَّ لهما من مستندات ومذكرات دفاع.
وبجلسة 28/3/2010 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة قانونا.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعن أقام الدعوى المشار إليها أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (الدائرة الثانية– فردي) بتاريخ 3/9/2005، طالبًا الحكم بقبولها شكلا وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 801 لسنة 2005 الصادر بإنهاء خدمته، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الإدارة المصروفات.
وفي بيانها ذكر أنه كان يعمل بمديرية أمن الدقهلية برتبة (رائد)، وكان يقوم بعمله على خير وجه، وأنه يحصل على تقارير كفاية بمرتبة (ممتاز) من رؤسائه في العمل، إلا أن بعض رؤسائه قاموا بإعداد تقارير عنه على غير الحقيقة، وبشأنها تقدم بالعديد من الشكاوى دون جدوى، وأنه أثناء ذلك أصيب بحالة اكتئاب نفسي، وهو الأمر الثابت بالتقارير الطبية الصادرة عن مستشفيات الشرطة والمستشفيات الحكومية، وأنه لما طالب بالتحقيق فيها من العميد مدير التسهيلات وكذا الحصول على الحوافز وحقوقه المالية تم نقله إلى إدارة الدفاع المدني.
وقد تقدم إلى مستشفى الشرطة لعمل تقرير طبي مطابق للواقع إلا أنها رفضت ذلك رغم مرضه، بحجة أنه سليم من الناحية الصحية، ولما ضاقت به جهة الإدارة ذرعًا أصدرت قرارا بفصله من الخدمة، فتظلم منه في الميعاد القانوني، وأقام دعواه للحكم له بطلباته سالفة البيان.
……………………………………………………………………..
وبجلسة 29/4/2008 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه.
وقد شيدته –بعد أن استعرضت نص المادة 16 من القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة– على أن الطاعن قدرت كفايته عن عامي 2002 و 2003 بمرتبة (دون المتوسط)، وقدرت كفايته عن عام 2004 بمرتبة (ضعيف)، واستنادًا إلى أحكام المادة 16 المشار إليها تم عرض حالته على المجلس الأعلى للشرطة بجلسة 23/6/2005 للنظر في أمره، فارتأى فصله من الخدمة اعتبارًا من 23/6/2005، فصدر القرار المطعون فيه بفصله اعتبارًا من التاريخ المذكور موافقا لصحيح أحكام القانون.
……………………………………………………………………..
ويقوم الطعن على أساس أن الحكم المطعون فيه خالف أحكام القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله؛ ذلك أن التقارير المشار إليها المقدمة عن الطاعن تنقصها الحيدة والنزاهة، ويرجع ذلك إلى عدم تعويل الجهة الإدارية بشأنه على التقارير الصحية المقدمة منه من مستشفى الشرطة، وأنه كان يتعين إسناد عمل آخر له مراعاة لظروفه الصحية دون تقدير كفايته على أساس أنه غير مريض؛ إذ إن تقدير كفايته على هذا الأساس لا يتمشى مع واقعه المرضي، وفيه تعنت لا مبرر له من الإدارة، وفي قرارها الطعين إساءة لاستعمال السلطة، فيتعين إلغاؤه.
……………………………………………………………………..
ومن حيث إن المادة (16) من القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة تنص على أن: “الضابط الذي يقدم عنه تقريران سنويان متتاليان بتقدير ضعيف أو تقريران متتاليان بتقدير دون المتوسط وثالث بتقدير ضعيف أو أربعة تقارير متتالية بتقدير دون المتوسط، يحال إلى المجلس الأعلى للشرطة لفحص حالته، فإذا تبين صلاحيته لإسناد نوع آخر من العمل إليه قرر نقله إلى هذا العمل، وله أن يمنحه فرصه أخرى أو يقرر نقله إلى وظيفة مدنية أو فصله من الخدمة…”.
ومن حيث إنه من المقرر أنه ولئن كان نشاط القضاء الإداري في وزنه للقرارات الإدارية ينبغي أن يقف عند حد المشروعية أو عدمها في نطاق الرقابة القانونية، فلا يتجاوزها إلى مناسبات إصدار القرار وغير ذلك مما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة بغير معقب عليها، إلا أن له الحق في بحث الوقائع التي بني عليها القرار الإداري بقصد التحقق من مدى مطابقته أوعدم مطابقته للقانون، وحقه في ذلك لا يقف عند حد التحقق من الوقائع المادية التي أسس عليها القرار، بل يمتد إلى تقدير هذه الوقائع باعتبارها من العناصر التي يقوم عليها القرار الإداري.
كما أنه من المقرر أنه يجب أن يقوم القرار الإداري على سبب يبرره في الواقع والقانون كركن من أركان انعقاده، وللقضاء الإداري الحق في مراقبة مشروعية السبب الذي بني عليه القرار الإداري للتحقق من مدى مطابقته للقانون، وأن العبرة في تقدير مدى مشروعية السبب الذي قام عليه القرار تكون بالسبب الحقيقي الذي صدر استنادًا إليه، وأن يثبت أن هذا السبب كان قائمًا في تاريخ صدوره، وأنه كان بالفعل هو المبرر في تقدير جهة الإدارة لإصداره.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن التحق بخدمة هيئة الشرطة اعتبارًا من 16/8/1986، وتدرج في وظائفها حتى وصل إلى رتبة (رائد)، وقد حصل على الفرق التدريبية الآتية: الصاعقة الراقية عام 1987 (فرقة معلم تدريب صاعقة)– القناصة عام 1990 بتقدير جيد جدًا– المدرعات عام 1995 (قيادة وصيانة مدرعات فهد)، وأنه عمل بالجهات الآتية: قطاع الأمن المركزي– مديرية أمن الإسماعيلية– مديرية أمن بني سويف– مديرية أمن أسوان– قطاع مصلحة السجون– مديرية أمن الدقهلية، وأنه كان دائم الحصول على تقارير كفاية بتقدير (امتياز) منذ تعيينه حتى عام 1990، وفي عام 1991 أنهيت خدمته للانقطاع مع أنه كان مريضًا، إذ أصيب بانزلاق غضروفي قطني مع توتر بعرق النسا الأيسر، وقد حصل على حكم من محكمة القضاء الإداري ببورسعيد بجلسة 7/11/1994 بإلغاء قرار إنهاء خدمته اعتبارًا من 2/11/1991 وما يترتب على ذلك من آثار، وقد تأيد هذا الحكم من المحكمة الإدارية العليا بموجب الطعن رقم 603 لسنة 41 ق عليا بجلسة 2/4/1997، وأنه اعتبارًا من عام 1991 أصيب بأمراض البواسير وانزلاق غضروفي قطني مستقر والتهاب بالعصب والتهاب كبدي والتهاب بالفقرات القطنية واكتئاب نفسي تحت العلاج، وقد حصل بشأنها على إجازات مرضية عديدة، اعتمد بعضها ولم يعتمد البعض الآخر رغم منحها من قبل جهات مختصة، وقد صدرت بشأنها تقارير طبية وكشوف طبية عديدة، تضمنت أن الطاعن أصيب بتلك الأمراض، وتمت التوصية له من قبل المجلس الطبي التخصصي لهيئة الشرطة بعمل مكتبي ودون حمل سلاح، وكذا صدور قرار من قبل لجنة توصيف الأعمال بقمسيون هيئة الشرطة بعمل خفيف إداري مكتبي وعدم حمل سلاح لمدة عام من 2001 وتم تجديده حتى عام 2005، إلا أنه ورغم كل ذلك تعنتت الجهة الإدارية معه، واتخذت منه ومعه مواقف تتعارض مع عذر المرض وما تم تقريره بشأنه من قبل الجهات الطبية المتخصصة على ما سلف بيانه، وأنها بدلا من أن تقوم بتكليفه بعمل خفيف يتناسب مع مرضه كلفته بأعمال شاقة تفوق قدرته النفسية والعصبية، إذ قامت بنقله إلى إدارة الدفاع المدني وأوسعته عقابًا بتوقيع الجزاءات عليه وهو مريض لا حول له ولا قوة؛ إذ لا قدرة له على العمل الشاق أصلا، وحرمته أيضا من راتبه وحوافزه مصدر رزقه وأسرته المكونة من ستة أفراد بخلافه، وقد اعتبرته مقصرًا ومهملا في عمله، وأحيانًا أخرى اعتبرته منقطعًا رغم أنه في إجازات مرضية، بل إنها والحال كذلك قامت بتقدير كفايته عن عامي 2002 و 2003 بتقدير دون المتوسط، وعن عام 2004 بتقدير ضعيف، على أساس أنه شخص يتمتع بكامل قواه الصحية، مع أنه يعاني من الأمراض المشار إليها.
وقد كان من المتعين عليها وعملا بالقرارات الطبية المشار إليها أن تكلفه بعمل خفيف يتناسب مع مرضه، وبالتالي تقدير كفايته على هذا الأساس، أما أنها لم تفعل ذلك وقامت بتقدير كفايته على الأساس المشار إليه فإنها تكون قد تنكبت وجه الحق والصواب والقانون والواقع بشأنه، ومن ثم وإذ أصدرت قرارها الطعين استنادًا إلى تلك التقارير فإنه يكون قد صدر على غير سببه الحقيقي المبرر له قانونا وواقعا، معدوم الأثر قانونا، مما يتعين معه القضاء بإلغائه وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادة الطاعن للخدمة، ومنحة كافة المزايا المقررة للوظيفة أسوة بزملائه، وصرف الفروق المالية، مع تكليفه بعمل يتناسب مع مرضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى غير ذلك فإنه يكون قد خالف أحكام القانون مما يتعين معه القضاء بإلغائه.
ومن حيث إنه عن المصروفات فيلزم بها المطعون ضده عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى شكلا وبإلغاء القرار 801 لسنة 2005 الصادر بإنهاء خدمة الطاعن اعتبارًا من 23/6/2005، وما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب، وألزمت المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.