جلسة 22 من يونيه سنة 2008
(الدائرة السابعة)
الطعن رقم 31160 لسنة 52 القضائية عليا
– شئون الأعضاء- التعيين في وظيفة مندوب مساعد-شرط حسن السمعة في الطالب وذويه.
لم يحدد المشرع أسباب فقدان حسن السمعة والسيرة الحميدة على سبيل الحصر، وأطلق المجال في ذلك لجهة الإدارة تحت رقابة القضاء الذي استقر على أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي مجموعة صفات يتحلى بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس وتجنبه قالة السوء، ومن ثم فهي تُلتَمَس في أخلاق الشخص نفسه؛ إذ هي لصيقة بشخصه ومتعلقة بسيرته وسلوكه، فلا يؤاخذ على صلته بذويه إلا فيما ينعكس منها على سلوكه- يصير الأمر إلى أحسن لو اكتُفي في مجال التحري عن الأقارب بالأسرة الصغيرة فقط المتمثلة في المرشح وإخوته ووالديه، دون أن يشمل ذلك الأسرة بمعناها الأكبر– تطبيق.
في يوم الأحد الموافق 30/6/2006 أودع الأستاذ /… المحامي نائبا عن الأستاذ الدكتور/… المحامي بالنقض والإدارية العليا بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريراً بالطعن الماثل، طلب في ختامه الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الجمهوري رقم 239 لسنة 2006 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها تعيين الطالب اعتبارا من 14/7/2006 مع تنفيذ الحكم بمسودته ودون إعلان.
وذلك على سند من القول إنه حاصل على ليسانس الشريعة والقانون دور مايو عام 2004 بتقدير عام جيد جدا وبتقدير تراكمي جيد جدا وترتيبه السابع على دفعته بالكلية، وتقدم للتعيين في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة المعلن عنها، غير أنه فوجئ بصدور القرار الجمهوري المطعون عليه رقم 239 لسنة 2006 بتعيين بعض زملائه في الوظيفة المذكورة دون أن يشمله القرار.
وقد استفسر عن عدم تعيينه رغم استيفائه كافة الشروط ورغم تعيين من هم أقل منه تقديرا أو مجموعا، فنما إلى علمه أن السبب هو افتقاده شرط حسن السمعة للحكم على عمه (…) في الجناية رقم 364 لسنة 1971 جنايات قطور، تلك التي تم تنفيذ الحكم الصادر فيها منذ فترة طويلة ،كما تم رد اعتباره القانوني فيها ورفعها من صحيفة الحالة الجنائية. وقد تظلم من القرار المطعون فيه بتاريخ 19/7/2006 برقم 922.
وقد نعى الطاعن على القرار المطعون عليه افتقاده لركن السبب؛ ذلك أن سبب استبعاده من التعيين هو فقده شرط حسن السمعة للحكم على عمه في القضية رقم 364 لسنة 1971 وهذا السبب قد أوقع على الطاعن ظلماً فادحاً دون إثم أو ذنب اقترفه أو جناه حيث نشأ نشأة دينية والتحق بالتعليم الأزهري وتربى على كتاب الله، وأن والده المستشار الدكتور /… عضو بذات الهيئة، إذ يشغل وظيفة نائب رئيس الهيئة، فقد عين مندوباً مساعداً عام 1975 وأعير لإدارة الفتوى والتشريع بدولة الكويت ويتمتع بسمعة طيبة، وأن السبب الذي ارتكنت إليه الهيئة في عدم تعيين الطاعن كان موجوداً قبل تعيين والده بذات الهيئة حيث وقعت الجناية المذكورة عام 1971 وعين والد الطاعن عام 1975 وكان تحت بصر الجهة الإدارية ولم يَحُل دون تعيينه مندوباً مساعداً بالهيئة، ومن ثم لا يجوز أن يكون ذات السبب حائلاً دون تعيين نجله في ذات الهيئة.
كما أن ذات السبب الذي ارتكنت إليه الهيئة ارتكنت إليه أيضاً أكاديمية الشرطة في فصل شقيق الطاعن من الدراسة في السنة الثانية وذلك بالقرار الصادر في 9/12/2003 وتم الطعن عليه بالدعوى رقم 6172 لسنة 58 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة وصدر الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه، وقد نفذت وزارة الداخلية وأكاديمية الشرطة هذا الحكم وأعادته إلى الدراسة على الفور وتخرج هذا العام برتبة ملازم شرطة.
وحيث قضت المحكمة الإدارية العليا في العديد من أحكامها بأن المرء لا يدان بجريمة سواه وهو إعمال للعدل الإلهي، وأن الطاعن ولد بعد حصول هذه الجريمة بعشر سنوات. كما شمل القرار المطعون فيه تعيين من هم دونه في المجموع ومنهم على سبيل المثال: … و… و ... إضافة إلى أن عم الطاعن قد رد إليه اعتباره بتاريخ 17/3/2006.
وقد أعلن تقرير الطعن وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 239 لسنة 2006 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ونظرت المحكمة الطعن على النحو المبين بمحاضر الجلسات حيث قدم الخصوم مذكراتهم ودفاعهم في الطعن إلى أن تقرر بجلسة 6/1/2008 إصدار الحكم بجلسة 23/3/2008 وبالجلسة الأخيرة قررت المحكمة مد أجل الحكم لجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وعن موضوع الطعن فإن جهة الإدارة قد استندت في تخطيها للطاعن للتعيين في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة بالقرار المطعون فيه رقم 239 لسنة 2006 إلى افتقاده شرط حسن السمعة الذي يجب توافره فيمن يعين في هذه الوظيفة، حيث إن عم الطاعن (…) قد اتهم في جناية قتل عام 1971 في القضية رقم 364 لسنة 1971 جنايات قطور.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المشرع لم يحدد أسباب فقدان حسن السمعة والسيرة الحميدة على سبيل الحصر، وأطلق المجال في ذلك لجهة الإدارة تحت رقابة القضاء الإداري الذي استقرت أحكامه على أن السيرة الحميدة والسمعة الحسنة هي مجموعة من الصفات والخصال التي يتحلى بها الشخص فتكسبه الثقة بين الناس وتجنبه قالة السوء وما يمس الخلق، ومن ثم فهي تلتمس في أخلاق الشخص نفسه إذ هي لصيقة بشخصه ومتعلقة بسيرته وسلوكه ومن مكونات شخصيته، ولا يؤاخذ على صلته بذويه إلا فيما ينعكس منها على سلوكه. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 620 لسنة 40 ق. ع جلسة 26/10/1997).
ومن حيث إن جهة الإدارة قد استندت في استبعاد الطاعن من التعيين إلى أن عمه قد اتهم في الجناية رقم 364 لسنة 1971 قطور قتل عمد، ولما كانت هذه التهمة تمت قبل ميلاد الطاعن بحوالي عشر سنين، إضافة إلى أن والده الذي يشغل وظيفة نائب رئيس بالهيئة المطعون ضدها وهو ينتمي إلى هيئة قضائية قد عين عام 1975 بعد واقعة الاتهام المشار إليها ولم تقف عائقاً عند تعيينه بالهيئة المطعون ضدها، فضلاً عن أن أخاه الأكبر…. التحق بكلية الشرطة وتخرج فيها عام 2006 ولم تمنعه هذه التهمة من الالتحاق بكلية الشرطة.
ومن حيث إن شرط حسن السمعة من الشروط التي يتعين توافرها في الطالب وذويه من أسرته التي يتأثر الطالب بمسلكهم ولا يتعين مؤاخذته عن مسلك أقاربه الذين لا ينعكس مسلكهم على سمعته وسيرته، خاصة وأن البادي من الأوراق أن والد الطاعن ممن ينتسبون إلى الهيئات القضائية، وهو ما يعكس على الطالب وأسرته حسن السمعة والسيرة، ولا يجوز بحال شرعاً وقانوناً مؤاخذة الطالب المتفوق الحاصل على تقدير جيد جداً (تراكمي) عن ذنب لم يرتكبه مما يؤثر في مستقبله الذي سهر الليالي من أجله مما يحطم آماله، وفي الوقت ذاته لا جدوى من محاسبته عن أفعال أحد أقاربه ممن حسنت سيرته فيما بعد ورد إليه اعتباره، وإذا كان الله سبحانه وتعالى خالق العباد يغفر الذنوب لمن تاب ويمحو الخطايا لمن أناب، فلا أقل من أن يسترشد العباد في هذه المجالات بأسس الشريعة السمحاء مرضاة لوجه الله وحفاظاً على آمال الشباب من الضياع بسبب لا يد لهم فيه سوى تقاليد وأعراف مجتمع بالية، تتوسع في استظهار الخطأ في جانب الأسرة لتقضي بها على آمال وأحلام المجتهدين، مما ينعكس سوءا على المجتمع بتحول هؤلاء المجتهدين إلى حالة من البؤس تنتحب صدورهم وتؤدي بهم إلى المهالك من الأفعال. ويصير الأمر إلى أحسن لو اكْتُفِيَ في مجال التحري عن الأقارب في بوتقة الأسرة الصغيرة فقط المتمثلة في المرشح وإخوته ووالديه، دون أن يشمل ذلك الأسرة بمعناها الأكبر، فلا نجد أسرة في هذا العصر يخلو أحد أفرادها من مشكلة أصابته بأي سبب كان ولو كان دمث الخلق.
الأمر الذي تقضي معه المحكمة – وفي ضوء وملابسات ما وقر في وجدانها من تفوق الطاعن وأنه ينتمي إلى أسرة كريمة حال كون والده ينتمي إلى هيئة قضائية وشقيقه ضابط شرطة ووالدته تعمل في سلك التدريس– بإلغاء القرار المطعون عليه فيما تضمنه من تخطي الطاعن في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة لافتقاد القرار المطعون عليه إلى سببه الصحيح المبرر له صدقاً وعدلاً مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وعن طلب الطاعن شمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة فإن المحكمة وقد قضت في موضوع الطعن فلا ترى موجباً لشمول حكمها به وعلى سند من نص المادة (290) مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون عليه فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بالأسباب ورفض ما عدا ذلك من طلبات.