جلسة 7 من مايو سنة 2008
(الدائرة السادسة)
الطعن رقم 3138 لسنة 46 القضائية عليا.
– تأديب– مسئولية العامل عن خطئه الشخصي– التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي.
المادة (78) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
يعتبر الخطأ شخصيا إذا كان العمل الضار مصطبغا بطابع شخصي، يكشف عن الإنسان بضعفه وشهواته وعدم تبصره، وعن قصد النكاية أو الإضرار أو تغيي المنفعة الذاتية للموظف، أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ بطابع شخصي، وينم عن موظف معرض للخطأ والصواب، فإن الخطأ في هذه الحالة يكون خطأً مرفقيا– فَيْصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي يكون بالبحث وراء نية الموظف، فإذا كان يهدف من القرار الإداري إلى تحقيق المصلحة العامة، أو كان قد تصرف لتحقيق أحد الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها، فإن خطأه يندمج في أعمال وظيفته، فلا يمكن فصله عنها، ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام، أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للمصلحة العامة، أو كان يعمل مدفوعا بعوامل شخصية، أو كان خطؤه جسيما، فإن الخطأ في هذه الحالة يعتبر خطأ شخصيا– يشترط لثبوت مسئولية العامل المدنية في ماله الخاص أن يكون ما ارتكبه من خطأ هو الذي أدى مباشرة إلى الضرر، وأن يكون هذا الضرر محددا بما لا يدع مجالا للاحتمال فيه– أثر ذلك: يسأل الموظف في ماله الخاص عن خطئه الشخصي دون الخطأ المرفقي– تطبيق([1]).
في يوم الأحد الموافق 20/2/2000 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت الرقم المشار إليه، في حكم محكمة القضاء الإداري بقنا الصادر بجلسة 22/12/1999 في الدعوى رقم 882 لسنة 4 ق، الذي قضى برفض الدعوى وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنان بصفتيهما –للأسباب الواردة بتقرير الطعن– الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بإلزام المطعون ضدهم أن يؤدوا للطاعنين بصفتيهما مبلغا مقداره خمسة آلاف وثلاث مئة جنيه، وإلزامهم المصروفات.
وجرى إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى الفرعية بالنسبة للمطعون ضدهم من الأول إلى الخامس، وبأحقية الطاعنين في الرجوع على المطعون ضده السادس بما حكم عليهما بمبلغ وقدره 5300 جنيه للمدعي في الدعوى الأصلية، وإلزامه المصروفات عن درجتي التقاضي.
وعينت لنظر الطعن أمام الدائرة السادسة فحص طعون جلسة 7/12/2004، وبجلسة 17/5/2005 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة السادسة) موضوع لنظره بجلسة 22/6/2005، وبجلسة 5/3/2008 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونا.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص –حسبما يبين من الأوراق– في أنه بتاريخ 1/10/1988 أقام المدعو/ … الدعوى رقم 885 لسنة 1988 أمام محكمة أسوان الابتدائية، طلب فيها الحكم بإلزام الطاعنين بأن يؤديا إليه مبلغ عشرة آلاف جنيه تعويضا عن الأضرار التي لحقت به من جراء إزالة المباني دون وجه حق؛ على سند من أنه يمتلك قطعة أرض مساحتها 400 متر مربع كائنة بناحية المنطقة الصناعية شرق السلخانة، وذلك بالشراء من الوحدة المحلية لمدينة ومركز أسوان، واستخرج عنها ترخيص بناء سور، إلا أنه وبعد أن تم بناء السور فوجئ بالوحدة المحلية تقوم بهدم السور، مما اضطره إلى إقامة الدعوى رقم 26 لسنة 86 كلي مستعجل أسوان، طالبا إثبات حالة المباني وتقدير الأضرار التي لحقته، وأثبت الخبير أن الإزالة تمت بدون سند، كما انتهى الخبير إلى أحقيته في مبلغ 4300 جنيه (أربعة آلاف وثلاث مئة جنيه). وقد أقام الطاعنان بصفتيهما دعوى الضمان الفرعية في الدعوى رقم 132 لسنة 1987 مستأنف أسوان ضد المطعون ضدهم لإلزامهم متضامنين باعتبارهم موظفين لديهما بما عسى أن يحكم به عليهما، تأسيسا على أنهم تابعون للجهة الإدارية، وأنهم ارتكبوا مخالفات إدارية، تمثلت في استخراجهم تراخيص مبانٍ لتسوير قطعة الأرض دون مراعاة الإجراءات المتبعة قانونا، وأن الأخير أهمل في الرد على ما ورد بتقرير الخبير.
وبجلسة 4/12/1990 حكمت المحكمة في الدعوى الأصلية بإلزام الطاعنين بصفتيهما أن يؤديا متضامنين للمدعي مبلغ خمسة آلاف وثلاث مئة جنيه، وتأيد هذا الحكم بالحكم الصادر عن محكمة استئناف قنا بجلسة 28/6/95 في الاستئناف رقم 18 لسنة 3 ق، وبالنسبة للدعوى الفرعية قضت بندب خبير، خلص في تقريره إلى أن المدعى عليهم الثاني والرابع والخامس لا صلة لهم بالترخيص، وأن المدعى عليهما الأول والثالث قاما بالإجراءات الواجبة لمنح الترخيص، والترخيص سليم والخطأ في قرار الإزالة، وأن المدعى عليه السادس قام بالدفاع والرد على تقرير الخبير في حدود مسئوليته الوظيفية، وانتهى الخبير إلى عدم أحقية الجهة الإدارية في الرجوع على المدعى عليهم بالتعويض، وبجلسة 30/8/1994 حكمت المحكمة برفض دعوى الضمان الفرعية، فطعنت الجهة الإدارية بالاستئناف رقم 864 لسنة 13 ق، وبجلسة 8/5/1996 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف، وبعدم اختصاص محكمة أول درجة ولائيا بنظر الدعوى، وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بقنا للاختصاص، فقيدت الدعوى بجدولها بالرقم المشار إليه. وبجلسة 22/12/1999 قضت هذه المحكمة برفض الدعوى، وشيدت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أنه لم يثبت خطأ من المدعى عليهم حسبما جاء بتقرير الخبير المودع في الدعوى الفرعية، الأمر الذي لا يكون لجهة الإدارة الرجوع على المدعى عليهم في هذه الدعوى بما حكم عليها من تعويض تنفيذا لقرار الإزالة الخاطئ، ويكون طلبها في الدعوى غير قائم على أساس سليم من الواقع والقانون حريا بالرفض.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لأسباب حاصلها: أن حكم المحكمة التأديبية بأسيوط الصادر في الدعوى المقامة من النيابة الإدارية برقم 325 لسنة 16 ق بجلسة 15/1/1991 قد انتهى إلى مساءلة المطعون ضدهم تأديبيا، الأمر الذي يكون معه الخطأ في إصدار الترخيص المشار إليه ثابتا في حقهم يقينا، فكان متعينا على المحكمة طرح تقرير الخبير، حيث لا تلتزم المحكمة بما جاء بتقرير الخبير ولا تأخذ منه إلا ما تطمئن إليه، وأن المطعون ضدهمما الثاني والخامس لم يحضرا أصلا أمام الخبير رغم إخطارهما بموعد جلسة الخبير، وبالتالي يحق للجهة الإدارية الرجوع عليهم باعتبارهم تابعين لها بما قضي به ضدها في الدعوى الأصلية بمبلغ 5300 جنيه (خمسة آلاف وثلاث مئة جنيه) التي صرفت لمصلحة المدعو … بالشيك رقم 3675793 في 10/4/1997 المسلم للمحامي … تنفيذا للحكم.
ومن حيث إن المادة 78 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 تنص على أنه “لا يسأل العامل مدنيا إلا عن خطئه الشخصي”، وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن الخطأ يعتبر شخصيا إذا كان العمل الضار مصطبغا بطابع شخصي يكشف عن الإنسان بضعفه وشهواته وعدم تبصره، أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ بطابع شخصي، وينم عن موظف معرض للخطأ والصواب، فإن الخطأ في هذه الحالة يكون خطأ مرفقيا، فالعبرة بالقصد الذي ينطوي عليه الموظف وهو يؤدي واجبات وظيفته، فكلما قصد النكاية أو الإضرار أو تغيا منفعته الذاتية كان خطؤه شخصيا، يتحمل هو نتائجه، وفيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي يكون بالبحث وراء نية الموظف، فإذا كان يهدف من القرار الإداري إلى تحقيق المصلحة العامة، أو كان قد تصرف لتحقيق أحد الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها، والتي تدخل في وظيفتها الإدارية، فإن خطأه يندمج في أعمال وظيفته، بحيث لا يمكن فصله عنها، ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام، أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للمصلحة العامة أو كان يعمل مدفوعا بعوامل شخصية أو كان خطؤه جسيما، فإن الخطأ في هذه الحالة يعتبر خطأ شخصيا، يسأل عنه الموظف الذي وقع منه هذا الخطأ في ماله الخاص، ويشترط لثبوت مسئولية العامل المدنية في ماله الخاص أن يكون ما ارتكبه من خطأ هو الذي أدى مباشرة إلى الضرر، وأن يكون هذا الضرر محددا بما لا يدع مجالا للاحتمال فيه.
ولما كان الثابت أن محكمة أسوان الابتدائية قد كلفت مكتب خبراء وزارة العدل بأسوان بجلسة 28/1/1992 في الدعوى التي أقامتها الجهة الإدارية لإلزام المطعون ضدهم متضامنين بالمبلغ المحكوم ضدها، قد كلفته ببيان طبيعة عمل كل منهم، وقد تضمن تقرير الخبير أن الجهة الإدارية قد قررت أن القائم بإصدار الترخيص موضوع الدعوى هو المدعى عليه الأول … والمدعى عليه الثالث … . وانتهى الخبير في تقريره إلى أن المدعى عليهم الثاني والرابع والخامس لا صلة لهم بالترخيص، وأن المدعى عليهما الأول والثالث قد قاما بالإجراءات الواجبة لاستخراج الترخيص، وأن الترخيص سليم وصحيح إجرائيا ومكانيا وموقعا، حيث إنه استوفى الشروط المطلوبة وأنه مطابق لموقع الإزالة، مما يتضح منه أن الخطأ هو في إصدار قرار الإزالة الصادر عن رئيس المدينة السابق ،كما هو موضح بخطاب إدارة الأملاك الموجه إلى السكرتير العام، والمرفق صورة ضوئية منه، ولا يوجد أي تقصير من المدعى عليهما الأول والثالث، ولا أحقية للجهة الإدارية في الرجوع عليهما بالتعويض؛ ذلك أن الخطأ بسبب قرار الإزالة الصادر لأرض تم الترخيص بتسويرها لصاحب الشأن، وأن المدعى عليه السادس قام بالدفاع والرد على تقرير الخبير في ضوء مسئوليته الوظيفية وقام بالواجب الوظيفي المنوط به.
ومما تقدم يبين أن إجراءات استخراج ترخيص إقامة سور حول الأرض المملوكة للمدعو/ … قد تمت صحيحة ومستكملة لكافة الإجراءات المقررة قانونا، حيث قام كل من المطعون ضده الأول والثالث المختصين بإتمام تلك الإجراءات بعملهما على أكمل وجه، ومن ثم لم يثبت في شأنهما ارتكاب أي خطأ، وكذلك المطعون ضدهم الثاني والرابع والخامس، حيث ثبت أنه لا يدخل في نطاق اختصاصهم القيام بإتمام إجراءات استخراج التراخيص، ومن ثم يتم استبعادهم من نطاق المسئولية، أما بالنسبة للمطعون ضده السادس الذي صدر ضده حكم المحكمة التأديبية بأسيوط في الدعوى رقم 325 لسنة 16 ق، الذي انتهى إلى مجازاته بخفض أجره في حدود علاوة، فالثابت أن هذا الحكم لم يتضمن أي اتهام لباقي المطعون ضدهم، ولم تقم الجهة الإدارية أو النيابة الإدارية بإحالتهم إلى المحاكمة التأديبية، وحتى لم يتم التحقيق معهم، واقتصر الحكم على المطعون ضده السادس، ويبين من الحكم أن المخالفة الثابتة قبله أنه قام بالتأشير على صور تقارير الخبير المنتدب من محكمة أسوان في الدعاوى المرفوعة على الوحدة المحلية من المواطنين الذين أزيلت منازلهم بمنطقة شرق السلخانة بالمدينة الصناعية بأسوان، ولم يكلف نفسه عناء البحث في مدى صحة ما ورد بتقرير الخبير بعد الرجوع إلى قسم التنظيم بالوحدة المحلية، وإعداد تقرير تفصيلي بهذا الرد يرسله إلى إدارة القضايا بالوحدة، في حين أنه اكتفى بالتأشير على صور التقارير بأن مبالغ التعويض مغالى فيها، وأن المباني مقامة بالدبش والطين، دون أن يشير صراحة أو ضمنا إلى أن هذه المنازل قد أقيمت بالتعدي، وأن تراخيص البناء الصادرة عن الوحدة المحلية إنما تخص مواقع أخرى غير المواقع التي أزيلت، وقد جاء دفاع المذكور مؤكدا على أحقية هؤلاء المواطنين في التعويضات المطلوبة لعدم قانونية الإزالة التي أصابت منازلهم، وهو بهذا لا يعبأ بالأضرار التي تلحق بجهة عمله بالحكم عليها بالتعويض، وقد انتهت المحكمة إلى ثبوت المخالفة في حقه، ووقعت عليه الجزاء السابق الإشارة إليه.
وبميزان مدى الخطأ الذي ارتكبه المطعون ضده يبين أنه غير مصطبغ بطابع شخصي، وينم عن موظف معرض للخطأ والصواب، وهو في هذه الحالة خطأ مرفقي، حيث لم يقصد الموظف النكاية والإضرار، ولم يبتغ منفعته الذاتية؛ ذلك أن التعويض ثبت بحكم قضائي تم تأييده استئنافيا، فلم يساهم بخطئه في وقوع الضرر، فالسبب في وقوع الضرر هو قرار الإزالة الصادر لإزالة سور تم الترخيص به على وجه صحيح، وأن قطعة الأرض محل الإزالة هي القطعة الصادر بها الترخيص، ومن ثم يكون دفاع المطعون ضده سليما، حيث ثبت من تقرير الخبير أن ترخيص بناء السور لم يصدر لقطعة أرض في مواقع أخرى غير تلك الصادر بها قرار الإزالة، وإنما صدر قرار الإزالة لذات قطعة الأرض الصادر بها قرار الترخيص، وبالتالي تنتفي شروط الرجوع على المطعون ضده السادس في ماله الخاص؛ لأن ما ارتكبه لا يعدو أن يكون خطأ مرفقيا لا يسأل عنه.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب فإنه يكون متفقا وصحيح حكم القانون، ويضحى الطعن عليه غير قائم على أساس سليم من القانون، متعينا الحكم برفضه، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عملا بحكم المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
([1]) سبق إقرار ذات المبدأ في حكم المحكمة في الطعن رقم 3266 لسنة 38 القضائية عليا بجلسة 17/2/1996، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في السنة 41 مكتب فني ص 587. وكذا في حكمها في الطعن رقم 4500 لسنة 39 القضائية بجلسة 5/4/1997، منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في السنة 42 مكتب فني ص 807.