جلسة 19 من فبراير سنة 2005م
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان، وأحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم، وحسن سلامة أحمد محمود، وأحمد عبد الحميد حسن عبود.
نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ فريد نزيه حكيم تناغو
نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس
سكرتير المحكمة
الطعن رقم 3165 لسنة 44 قضائية. عليا:
الطبيعة القانونية للترخيص فى الانتفاع بها ــ سلطة الجهة الإدارية فى تعديل قيمة مقابل الانتفاع.
المادة (87) من القانون المدنى.
الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف فى مداه وفيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادى، ويكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقًا مع الغرض الأصلى الذى خُصِّص المال من أجله كما هو الشأن فى تخصيص شواطئ البحر لإقامة الشاليهات عليها، وفى هذه الحالة فإن الترخيص بالانتفاع بالمال العام يتم من الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف على المال العام ويصطبغ الترخيص فى هذه الحالة بصبغة العقد الإدارى وتحكمه الشروط الواردة فيه والقواعد القانونية التى تنظم هذا النوع من الانتفاع، وهى ترتب للمنتفع على المال العام حقوقاً تختلف فى مداها وقوتها بحسب طبيعة الانتفاع وطبيعة المال المقررة عليه هذه الحقوق ولا يسوغ للجهة الإدارية إلغاء الترخيص كلياً أو جزئياً مادام المنتفع قائماً بتنفيذ التزاماته، وذلك ما لم تقم اعتبارات متعلقة بالمصلحة العامة تقتضى إنهاء تخصيص المال لهذا النوع من الانتفاع ــ مؤدى ذلك: لجهة الإدارة تعديل مقابل الانتفاع بالمال مادام قرارها قد خلا من التعسف أو إساءة استعمال السلطة ــ تطبيق.
فى يوم الأحد الموافق 1/3/1998 أودع الأستاذ/ عبد المنعم الشربينى (المحامى) عن الطاعن تقريرًا بالطعن أمام المحكمة الإدارية العليا قيد بجدولها تحت رقم 3165 لسنة 44 ق فى الحكم المشار إليه والقاضى “بقبول الدعوى شكلاً، وبرفضها موضوعًا، وإلزام المدعى بالمصروفات”.
وطلب الطاعن ــ للأسباب الواردة بتقرير الطعن ــ الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه بزيادة القيمة الإيجارية لاستراحة الرئاسة التى يشغلها وهى استراحة المعمورة رقم 2، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتى التقاضى، وقد جرى إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا مع إلزام الطاعن بالمصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 19/5/2003، وبجلسة 21/6/2004 قررت إحالته إلى هذه المحكمة التى نظرته بجلساتها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حتى قررت إصدار الحكم فى الطعن بجلسة اليوم، وبها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص فى أن الطاعن أقام الدعوى المشار إليها بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 14/11/1989 وطلب فى ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرارين المطعون فيهما وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقال ــ شرحًا لدعواه ــ إنه يشغل إحدى استراحات الرئاسة بالإسكندرية (استراحة المعمورة رقم2) بإيجار سنوى مقداره 300 جنيه طبقًا للقرار الجمهورى رقم 1298 لسنة 1961، وفى 15/5/1989 صدر القرار الجمهورى رقم 194 لسنة 1989 بإلغاء القرار الأول، وعهد وزير السياحة إلى شركة المنتزه للسياحة والاستثمار بإدارة مرفق المنتزه الذى تقع فيه الاستراحة، ورفع الإيجار من 300جنيه إلى 30000 جنيه سنويًا، وأضاف المدعى أن العلاقة التى تربطه بجهة الإدارة فيما يتعلق بالفيلا محل المنازعة هى علاقة إيجارية تخضع لقانون إيجار الأماكن الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1977 وتعديلاته، ولا يملك من انتقلت إليه إدارة الاستراحة تعديل القيمة الإيجارية إلا فى الحدود المقررة قانونًا.
وبجلسة 13/1/1998 صدر الحكم المطعون فيه، وأقامت المحكمة قضاءها على أن حقيقة طلبات المدعى هى الطعن على قرار الجهة الإدارية بزيادة القيمة الإيجارية لاستراحة الرئاسة التى يشغلها وهى استراحة المعمورة رقم (2) وأن التكييف الصحيح للعلاقة بينه وبين جهة الإدارة هى ترخيص بالانتفاع بجزء من المال العام، وأن جهة الإدارة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح ارتأت تخصيص منطقة قصر المنتزه بمحافظة الإسكندرية وما تحويه من استراحات لأغراض التنمية السياحية، وعهدت إلى وزارة السياحة بإدارتها واستغلالها؛ وتنفيذًا لذلك سلمت لشركة المنتزه للسياحة والاستثمار، وأعادت جهة الإدارة تقييم القيمة الإيجارية للاستراحات ومنها الاستراحة محل النزاع من 300 جنيه سنوياً إلى 30000 جنيه سنويًا، وذلك فى ضوء المساحة الفعلية للمبنى والفراغات والحدائق التى تدخل فى حدودها، وهذا الإجراء يتفق وصحيح حكم الواقع والقانون.
ومن حيث إن مبنى الطعن خطأ الحكم المطعون فيه تطبيق القانون من وجهين، الأول أن منطقة قصر المنتزه ليست مرفقًا عامًا، بل هى مال عام خُصّص للمنفعة الخاصة، وهو يعتبر من العقود الإدارية، ولا يغير من ذلك وصف العقد بأنه ترخيص أو أن المبلغ المقابل للانتفاع هو رسم. والطاعن ظل يشغلها بعد تركه مناصبه الرسمية بأربعة عشر عامًا، ويدفع مقابل الاستغلال تحت بند إيجار طبقًا لقانون إيجار الأماكن. والوجه الثانى أن إقامته شأن غيره من نواب الرئيس كمستأجرين وبإيجار المثل تمامًا. كذلك فقد شَابَ قرار زيادة الأجرة التعسف والانحراف بالسلطة؛ ذلك أن الإيجار القديم ظل على حاله منذ عام 1961، وقد رفع القرار القيمة الإيجارية إلى مائة ضعف وهو أكثر من أضعاف معاشه الذى يتحصل عليه حاليًا والذى ليس له مورد غيره، مما يؤدى إلى سحب الاستراحة منه، وهو ما يتنافى مع ما جرى عليه العمل بالنسبة لنظرائه من كبار المسئولين فى الدولة، وهو لا يريد بهذا الطعن تقرير ميزة بل الحق والعدل.
ومن حيث إنه عما طلبه الطاعن فى جلسة المرافعة الأخيرة من وقف الطعن تعليقياً لحين الفصل فى دعوى التنازع المقامة منه أمام المحكمة الدستورية العليا رقم 15 لسنة 26ق تنازع بتاريخ 24/10/2004 تأسيساً على المادتين (25) و(31) من قانون المحكمة الدستورية العليا؛ لأنه أقام الدعوى رقم 8232 لسنة 2004 أمام محكمة شمال القاهرة عن نفس الموضوع وبين ذات الخصوم. ولما كان مفاد نصوص المواد (25) و(31) و(34) من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48لسنة 1979 وتعديلاته أنه طبقًا للمادة (34) يجب أن يرفق صاحب الشأن بطلب الفصل فى تنازع الاختصاص صورة رسمية من الحكمين اللذين وقع فى شأنهما التنازع، أى ما يفيد أن القضاءين العادى والإدارى قد قضيا باختصاصهما بنظر الدعوى حتى يتحقق مناط التنازع الإيجابى وإلا اعتبرت دعوى التنازع غير مقبولة، وفى هذا الشأن حكم الدستورية فى القضية رقم 3 لسنة 10ق تنازع جلسة 5/1/1991، وفى القضية رقم 34 لسنة 11ق تنازع جلسة 4/8/2001، وإذ لم يقدم الطاعن ما يفيد صدور حكم من القضاء العادى باختصاصه بنظر الدعوى، ومن ثَمَّ لا يكون ثمة حكمان قد صدرا فى ذات الموضوع ويتعين بالتالى رفض طلبه.
ومن حيث إنه طبقاً للمادة (87) من القانون المدنى “تعتبر أموالاً عامة العقارات والمنقولات التى للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة والتى تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص”، وملكية الأموال العامة هى من الموضوعات التى يستقل بها القانون العام. وقد استقر الفقه الإدارى على أن الدولة هى المالكة للأموال العامة، ومن حقوق الملكية حق استعمال المال واستثماره والتصرف فيه بمراعاة وجه المنفعة العامة المخصص لها المال، ويحول هذا التخصيص دون التصرف فى المال العام إلا إذا انطوى ذلك على نية تجريده من صفة العمومية فيه، ومن ثَمَّ فترتيب سبل الانتفاع بالمال العام يجرى وفقاً لأوضاع وإجراءات القانون العام، ويكون من حق الدولة أن تخص فرداً أو تؤثره بجزء من المال العام لانتفاعه الخاص. وهذا الترخيص للأفراد بالانتفاع بجزء من المال العام يختلف فى مداه وفيما يخوله للأفراد من حقوق على المال العام بحسب ما إذا كان هذا الانتفاع عادياً أو غير عادى، ويكون الانتفاع عادياً إذا كان متفقاً مع الغرض الأصلى الذى خُصّص المال من أجله كما هو الشأن فى تخصيص شواطئ البحر لإقامة الشاليهات عليها، وفى هذه الحالة فإن الترخيص بالانتفاع بالمال العام يتم من الجهة الإدارية المنوط بها الإشراف على المال العام، ويصطبغ الترخيص فى هذه الحالة بصبغة العقد الإدارى وتحكمه الشروط الواردة فيه والقواعد القانونية التى تنظم هذا النوع من الانتفاع وهى ترتب للمنتفع على المال العام حقوقاً تختلف فى مداها وقوتها بحسب طبيعة الانتفاع وطبيعة المال المقررة عليه هذه الحقوق ولا يسوغ للجهة الإدارية إلغاء الترخيص كلياً أو جزئياً مادام المنتفع قائماً بتنفيذ التزاماته، وذلك ما لم تقم اعتبارات متعلقة بالمصلحة العامة تقتضى إنهاء تخصيص المال لهذا النوع من الانتفاع، وعلى ما تقدم فإنه يكون لجهة الإدارة تعديل مقابل الانتفاع بالمال مادام قرارها قد خلا من التعسف أو إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم على الطعن الماثل، وإذ ارتأت جهة الإدارة تخصيص منطقة قصر المنتزه بمحافظة الإسكندرية وما تحويه من استراحات لأغراض التنمية السياحية، وعهدت إلى وزارة السياحة ثم شركة المنتزه للسياحة والاستثمار بإدارتها واستغلالها. وإذ رأت الشركة المذكورة، طبقاً لطبيعة المنطقة وظروفها كمنطقة سياحية، وفى ضوء المساحة الفعلية لمبنى الاستراحة والفراغات والحدائق التى تدخل فى حدوده، تعديل القيمة الإيجارية أو مقابل الانتفاع بالاستراحة محل النزاع من 300 جنيه سنويًا إلى 30000 جنيه سنويًا، ولم يقدم الطاعن ما يدل على أن الزيادة اقتصرت عليه وحده دون غيره من شاغلى ذات الاستراحات، ومن ثَمَّ يكون قرار الجهة الإدارية بزيادة المقابل المذكور غير مشوب بالتعسف أو إساءة استعمال السلطة وفى إطار السلطة المخولة لها، وهو ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه متفقًا وصحيح حكم القانون، ويكون الطعن عليه على غير أساس جديرًا بالرفض.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بالمصروفات عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.
حكمت المحكمة
بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا، وألزمت الطاعن المصروفات.