جلسة 26 من أكتوبر سنة 2011
الطعن رقم 32293 لسنة 54 القضائية (عليا)
(الدائرة السادسة)
– حق المسجون والمعتقل في الاطلاع والتعليم والاستذكار- على الإدارة أن تشجع من أراد الاطلاع من المسجونين أو المعتقلين، بأن تيسر له مكانا مُناسبا وكتبا وصحفا ووسائل إعلام يمكنه مطالعتها في حالة نفسية تمكنه من ذلك، وكذلك يجب عليها تعليمه متى رغب في التعلم، وأن تمكنه من استكمال دراسته وتيسير أدائه للامتحانات في مقار اللجان التي يؤديها فيها زملاؤهم– مناط هذا الالتزام أن يتقدم المسجون بطلب إلى إدارة السجن يطلعها فيه صراحة على رغبته في الاستذكار وأداء الامتحانات.
– المادة (31) من القرار بقانون رقم 396 لسنة 1956 بشـأن تنظيم السجون، معدلا بموجب القانون رقم 87 لسنة 1973.
– مسئولية جهة الإدارة عن أعمالها- مناط مسئولية الإدارة عن قراراتها الإدارية الصادرة عنها هو وجود خطأ من جانبها بأن يكون القرار الإداري غير مشروع، أو مشوبا بعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأن يلحق بصاحب الشأن ضرر، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر- انتفاء أي ركن من هذه الأركان يرتب انتفاء مسئولية الإدارة، ولا يكون هناك مجال للحكم بالتعويض.
في يوم الأحد الموافق 6/7/2008 أودع الأستاذ/… المحامى وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل في الحكم الصادر بجلسة 6/5/2008 عن محكمة القضاء الإداري بأسيوط (الدائرة الأولى) في الدعوى رقم 9806 لسنة 15 ق. القاضي في منطوقه برفض الدعوى وإلزام المدعى المصروفات.
وطلب الطاعن -في ختام تقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلزام المدعى عليه بصفته أنْ يدفع للمدعي تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء حرمانه من تأدية الامتحانات بكلية الحقوق جامعة أسيوط عن الفترة من العام الدراسي 1/10/1996 حتى 1/10/2002 أثناء اعتقاله، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني رأت فيه الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات.
وتدوول نظر الطعن بجلسات المرافعة أمام الدائرة السادسة فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا التي قررت إحالته إلى الدائرة السادسة موضوع التي نظرته بجلساتها إلى أن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بإضافة مواعيد المسافة المقررة بالمادة 16 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة -مستقاة من جميع أوراقها- تخلص في أن الطاعن كان قد أقام الدعوى المشار إليها أمام محكمة القضاء الإداري بأسيوط في 22/8/2004، طالبا الحكم بأحقيته في التعويض عن حرمانه من أداء الامتحانات عن المدة من العام الدراسي 1996 حتى العام الدراسي 2002، وذلك تأسيسا على أنه كان طالبا بكلية التجارة جامعة أسيوط، حيث اعتقل وامتنعت الجهة الإدارية عن تمكينه من أداء الامتحانات المقررة في السنوات المُشار إليها، مما ألحق به ضررا جسيما تمثل في تأخره عن اللحاق بزملائه، ومن ثم يستحق تعويضا جابرا لهذا الضرر.
وقدم المدعى حافظة مستندات. وردَّت هيئة قضايا الدولة على الدعوى بتقديم حافظة مُستندات ومُذكرة بدفاعها طلبت فيها الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعى المصروفات.
وبجلسة 6/5/2008 قضت محكمة أول درجة بحكمها المطعون فيه، وشيدته على أنَّ أوراق الدعوى قد خلت من دليل على أن المدعى قدم طلبا إلى جهة الإدارة لتمكينه من أداء الامتحانات المُقررة، وأنَّ تلك الجهة امتنعت عن إجابته إلى طلبه، ومن ثم لا يكون هناك قرار سلبي بالامتناع عن تمكينه من أداء الامتحانات التي تخلف عنها، ومن ثم ينتفي الخطأ في جانبها وينتفي بذلك إمكان مسئوليتها.
………………………………
ومن حيْثُ إنَّ مبنى الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف أحكام القانون وأخطأ في تطبيقها وتأويلها؛ ذلك أن الجهة الإدارية إذ قامت باعتقال الطاعن فإنها تعلم يقينا أنه طالب بكلية التجارة جامعة أسيوط، وأن من شأنه أداء الامتحانات المُقررة شأن جميع زملائه، كما أن قانون تنظيم السجون يلزمها أن تمكنه من أداء الامتحانات، ومن ثم فإن نكولها عن أداء واجبها القانوني يشوب تصرفها بالانحراف وإساءة استعمال السلطة، لاسيما أن المعتقل يخضع للمُعاملة السيئة التي لا يستطيع معها النطق أو التفوه بكلمة، ومن ثم فإن هذا المسلك يُشكل خطأ في جانب جهة الإدارة ترتب عليه ضرر جسيم حاق بالطاعن يستوجب تعويضه عنه.
………………………………
وحيث إن القرار بقانون رقم 396 لسنة 1956 بشـأن تنظيم السجون، المعدل بموجب القانون رقم 87 لسنه 1973، ينص في المادة 31 منه على أنه: “على إدارة السجن أن تشجع المسجونين على الاطلاع والتعلّم، وأن تيسر الاستذكار للمسجونين الذين لديهم الرغبة في مواصلة الدراسة، وأن تسمح لهم بتأدية الامتحانات الخاصة بهم في مقار اللجان”.
ومؤدى هذا النص أن المشرع قد أوجب على إدارة السجن تهيئة الأجواء المناسبة في السجن للاطلاع والتعلم وتيسير كُتب المُذاكرة ومواصلة الدراسة للدارسين، بل وأن تمكنهم من أداء الامتحانات التي تفضي إليها دراستهم، وأن تسمح بأدائهم الامتحانات في مقار اللجان التي يؤدى فيها زملاؤهم تلك الامتحانات، وغير خافِ على الفطنة العادية أنَّ عبارات هذا النص قد جاءت قاطعة الدلالة في صراحتها واضحة في مقاصدها معبرة تمام التعبير عن أن البداية في كل ذلك مناطها إرادة المسجون ذاته، فالواجب على إدارة السجن تشجيع من أراد الاطلاع بأن تيسر له مكاناً مُناسباً وكتباً وصحفاً ووسائل إعلام يمكنه مطالعتها في حالة نفسية تمكنه من ذلك، وكذلك يجب عليها تعليمه لدى رغبته في التعلم، كما أنه إذا طلب المذاكرة فإن عليها إمداده بما يود ويرغب في مذاكرته من موضوعات يدرسها، وإلا لما لجأ المشرع إلى استعمال لفظ “الاستذكار” الذي يدل على طلب المذاكرة، وجاء بعبارة “… الذين لديهم الرغبة في مواصلة الدراسة…” وهي قاطعة في أن المسجون لا بد أن تكون لديه الرغبة في مواصلة دراسته، وإلا فأنى لجهة الإدارة أنْ تبحث في نوايا المسجونين وتتعقب رغباتهم التي لم يعبروا عنها، ولا يُعَبَّرُ عن الرغبة في أداء الامتحان إلا بطلب يتقدم به المسجون إلى إدارة السجن يطلعها فيه صراحة على رغبته في أداء الامتحانات التي يرغب فيها، وبغير ذلك فلا تثريب على جهة الإدارة أن تترك المسجون لرغبته التي لم يعبر عنها صراحة، وكل أولئك يقطع بأن المسجون لا بد أن يتقدم إلى إدارة السجن طالباً إلزامها بما كلفها به القانون من تمكينه من أداء الامتحانات، وبغير هذا الطلب لا يكون هناك التزام على جهة الإدارة أن تمكنه من أدائها.
وحيث إن أساس مسئولية جهة الإدارة عن تصرفاتها –على وفق ما استقرت عليه أحكام هذه المحكمة- قوامها توفر ثلاثة أركان وهى أن يقع منها خطأ، وأن يحيق بصاحب الشأن ضرر، وأن تربط علاقة السببية بين هذا الخطأ وذلك الضرر.
وحيث إن الثابت مما تقدم أنه لا يمكن نسبة أي خطأ إلى جهة الإدارة، وإنما جاء سلوكها وتصرفها على وفق ما أراده الطاعن والذي لم يتقدم إليها طالباً تمكينه من أداء امتحاناته، ومن ثم تنهار بذلك مسئوليتها التقصيرية في مسلكها، مما يتعين معه القضاء برفض الطعن الماثل مهما كان حجم الضرر الذي ألَّم بالطاعن وكان هو السبب الأول في وقوعه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد سلك هذا المسلك، فمن ثم يتعين تأييده فيما قضى به، مع إلزام الطاعن المصروفات عملا بنص المادة 184 من قانون المُرافعات.
حكمت المحكمة قبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وألزمت الطاعن المصروفات.