جلسة 26 من يناير سنة 2008
(الدائرة الأولى)
الطعن رقم 3500 لسنة 47 القضائية عليا.
– الطبيعة القانونية للترخيص– أثر ذلك.
القرارات الإدارية التي تولد حقا أو مركزا شخصيا للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة– القرارات الفردية غير المشروعة يجب على جهة الإدارة سحبها التزاما منها بحكم القانون وتصحيحا للأوضاع المخالفة- إذا صدر قرار فردي معيب من شأنه أن يولد حقا ومضت ستون يوما من تاريخ نشره أو إعلانه فإن هذا القرار يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح- مؤدى ذلك: أنه إذا انقضت هذه الفترة اكتسب القرار حصانة تعصمه من أي إلغاء أو تعديل، ويكون حجة على ذوي الشأن فيما أنشأه أو رتبه من مراكز قانونية، ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار- مقتضى ذلك: أن أي إخلال بهذا الحق بقرار لاحق يعد إجراء مخالفاً يعيب القرار الأخير ويبطله– نتيجة ذلك: صدور ترخيص بالبناء عن الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم، وبغض النظر عن مدى صحته من عدمه، لا يسوغ لجهة الإدارة أن تسحب قرارها هذا (الترخيص)؛ لمضي المواعيد المقررة لسحب القرارات غير المشروعة– تطبيق([1]).
في يوم الأحد الموافق 14/1/ 2001 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن، قيد بجدولها بالرقم عاليه، في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإدارى بطنطا (دائرة الغربية) في الدعوى رقم 1496 لسنة 4ق بجلسة 19/11/2000 القاضي في منطوقه بإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلبت الهيئة الطاعنة –للأسباب الواردة في تقرير الطعن– تحديد أقرب جلسة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، لتأمر –بصفة عاجلة– بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى فيه بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتى التقاضى.
وجرى إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً برأيها القانوني في الطعن، ارتأت في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
وعينت جلسة 6/12/2005 لنظر الطعن أمام الدائرة السادسة “فحص” وبجلسة 18/4/2006 أحالته إلى الدائرة السادسة “موضوع” لنظره بجلسة 21/6/2006 حيث نظرته، وبجلسة 1/11/2006 أحالته إلى هذه الدائرة للاختصاص حيث نظرته على النحو الثابت بمحاضر جلساتها إلى أن تقرر النطق بالحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم ، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 1496 لسنة 4ق بتاريخ 19/1/1997 أمام محكمة القضاء الإدارى بطنطا – دائرة الغربية بطلب الحكم بقبولها شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 3544 لسنة 1996 فيما تضمنه من إلغاء الترخيص رقم 118 لسنة 95/1996 ببناء الدور الأرضى والأول علوى، و ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات وذكر المدعي (المطعون ضده) شرحاً لدعواه أنه كان قد حصل على الترخيص المذكور من الوحدة المحلية لمدينة كفر الزيات لبناء الدور الأرضى والأول علوى، وقام بالبناء فعلاً وفقاً لهذا الترخيص إلا أنه فوجئ بإعلانه بالقرار رقم 3544 لسنة 1996 الصادر عن محافظ الغربية بإلغاء هذا الترخيص تأسيساً على أن الأرض داخل الرقعة الزراعية، ونعى المدعي على هذا القرار مخالفته الجسيمة للقانون وذلك لعدم توافر ركن السبب، لأن القرار الطعين صدر في 10/11/1996، وتضمن أنه صدر بناء على كتاب الإدارة الزراعية بكفر الزيات – قسم حماية الأراضى رقم 5005 في 4/12/1996 وهو تاريخ لاحق لتاريخ صدور القرار وبذلك يكون السبب الذي بني عليه غير موجود وقت صدوره، كما أن الأرض الصادر بشأنها ذلك الترخيص داخل كردون المدينة وبعيدة كل البعد عن الأرض الزراعية حيث تقع في شارع متفرع من شارع النجارين بما يعنى أن المنطقة مقسمة إلى شوارع، وجميع المباني الموجودة بها صادر لها تراخيص من ذات الوحدة المحلية ولم يتم إلغاء أي منها.
وبجلسة 15/2/1998 أصدرت المحكمة حكمها في الشق المستعجل بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء. وقد أودعت الهيئة بالفعل تقريرها المطلوب مرتئية الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه، وبجلسة 19/11/2000 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه تأسيساً على أن الترخيص موضوع الدعوى صدر في شهر يونيو سنة 1995، وبغض النظر عن مدى صحة السبب الذي قام عليه القرار المطعون فيه (كون الأرض المقام عليها البناء وفقاً لذلك الترخيص أرضا زراعية ) فإن القرار الصادر بمنح هذا الترخيص قد تحصن ضد السحب أو الإلغاء مما يمتنع معه صدور قرار بإلغائه، وليس من سبيل أمام الجهة الإدارية المختصة وقد تم إقامة البناء سوى اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالف طبقاً لأحكام قانون الزراعة، الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، كما شابه فساد في الاستدلال ذلك أن المطعون ضده أدخل الغش على جهة الإدارة حينما قدم مستندات تفيد على غير الحقيقة أن مساحة الأرض موضوع التداعي لا تدخل ضمن الأرض الزراعية، وبالتالي لا يستفيد من المدة التي يتحصن بها القرار الإداري، كما أن القول بغير ذلك من شأنه إسناد الاختصاص بالبناء على أرض التداعي وهي أرض زراعية إلى الوحدة المحلية، في حين أن الاختصاص معقود لوزير الزراعة.
ومن حيث إنه من المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن القرارات الإدارية التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة وذلك استجابة لدواعى المصلحة العامة التي تقتضى استقرار تلك الأمور، أما بالنسبة للقرارات الفردية غير المشروعة فالقاعدة عكس ذلك؛ إذ يجب على جهة الإدارة أن تسحبها التزاما منها بحكم القانون وتصحيحاً للأوضاع المخالفة، إلا أن دواعي المصلحة العامة تقتضي أنه إذا صدر قرار فردي معيب من شأنه أن يولد حقاً فإن هذا القرار يجب أن يستقر بعد فترة من الزمن بحيث يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح، وقد استقر القضاء على تحديد هذه الفترة بستين يوماً من تاريخ نشر القرار أو إعلانه قياساً على مدة الطعن القضائي بحيث إذا انقضت هذه الفترة اكتسب القرار حصانة تعصمه من أي إلغاء أو تعديل، ويكون القرار حجة على ذوي الشأن فيما أنشأه أو رتبه من مراكز قانونية، ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار، وكل إخلال بهذا الحق بقرار لاحق يعد إجراء مخالفاً يعيب القرار الأخير ويبطله (حكمها على سبيل المثال في الطعن رقم 1999 لسنة 43 ق. عليا جلسة 13/2/2000) ولم تستثنِ المحكمة في العديد من أحكامها من ميعاد الستين يوماً هذه إلا القرار المعدوم، الذي لحقت به مخالفة جسيمة للقانون تجرده من صفته كتصرف قانوني فتنزل به إلى حد غصب السلطة وتنحدر به إلى مجرد الفعل المادى المنعدم الأثر قانونا، فلا تلحقه أية حصانة، وكذلك القرارات التي يحصل عليها الأفراد نتيجة غش أو تدليس من جانبهم حيث تكون مثل هذه القرارات غير جديرة بالحماية.
ولما كان ذلك وكان المطعون ضده قد استصدر في شهر يونيو سنة 1995 ترخيصاً من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بالوحدة المحلية لمدينة كفر الزيات ببناء الدور الأرضى والدور الأول علوى بعقاره الكائن بشارع متفرع من شارع النجارين بهذه المدينة، ومن ثم وبغض النظر عن مدى صحة هذا القرار من عدمه لا يسوغ لجهة الإدارة أن تسحب قرارها هذا بالقرار رقم 3544 لسنة 1996 بتاريخ 10/11/1996 أي بعد صدور القرار المسحوب بنحو سنة ونصف تقريباً تأسيساً على كتاب مديرية الزراعة رقم 24002 بتاريخ 16/10/1996 بشأن عدد من الحالات من بينها حالة المطعون ضده وذلك لمضى المواعيد المقررة لسحب القرارات غير المشروعة.
ولا ينال من ذلك ما تذرعت به جهة الإدارة تبريراً لموقفها أن المطعون ضده أدخل عليها الغش بأن الأرض الصادر بشأنها الترخيص أرض مبان في حين أنها أرض زراعية؛ إذ إن ذلك محض أقوال مرسلة لم يقم عليها دليل من الأوراق، هذا فضلاً عن أن المطعون ضده أودع صورة من قرار محافظ الغربية رقم 166 لسنة 1987باعتماد المنطقة محل بناء المطعون ضده شوارع لكتلة سكنية قديمة ولم تدحض جهة الإدارة ذلك ومن ثم يكون قرارها الساحب وعلى ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه قد صدر بالمخالفة لأحكام القانون، ويغدو من ثم الحكم المطعون فيه حينما قضى بإلغاء هذا القرار قد صادف صحيح القانون، ويضحى الطعن عليه على غير سند خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
([1]) قارن بحكم الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 8459 لسنة 44 القضائية بجلسة 15/3/2003، المنشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في السنة (48) مكتب فني، رقم 62 ص 531، حيث انتهت المحكمة إلى أن الترخيص تصرف إداري مؤقت يتم بالقرار الصادر بمنحه، يخول المرخص له مركزا قانونيا مؤقتا يرتبط حقه في التمتع به وجودا وعدما بأوضاع وظروف وشروط وقيود يترتب على تغييرها أو انقضائها أو الإخلال بها أو مخالفتها جواز تعديل أوصاف هذا الترخيص أو سقوط الحق فيه بتخلف شرط الصلاحية للاستمرار في الانتفاع به أو زوال سبب منحه أو انقضاء الأجل المحدد له، أو تطلب المصلحة العامة إنهاءه، وهو بهذا يفترق عن القرار الإداري الذي يكتسب –ولو كان خاطئا- حصانة عامة تعصمه من السحب والإلغاء متى صار نهائيا بمضي وقت معلوم واستقر به مركز قانوني أصبح غير جائز الرجوع فيه أو المساس به.