جلسة 2 من يوليو سنة 2014
الطعن رقم 35408 لسنة 59 القضائية (عليا)
(الدائرة السادسة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ ربيع عبد المعطي أحمد الشبراوي
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ صلاح أحمد السيد هلال، وسمير يوسف الدسوقي البهي، وعبد الحميد عبد المجيد الألفي، وعاطف محمود أحمد خليل
نواب رئيس مجلس الدولة
– الطعن في الأحكام- الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا- حدود رقابتها- الطعن في الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا يفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون عليه بميزان القانون، غير مقيدةٍ بالأسباب التي يبديها الطاعن ويظاهر بها طعنه.
– طلبات في الدعوى- تكييفها- سلطة المحكمة في تكييف طلبات الخصوم- تكييف الدعوى وتحديد طلبات الخصوم فيها أمر يستلزمه إنزال حكم القانون الصحيح على وقائع الدعوى، وهو أمر تستقل به المحكمة، بما لها من هيمنةٍ على الدعوى، فلها أن تتقصى طلبات المدعي وأن تستظهر النية الحقيقية من وراء إبدائها- هذا مشروطٌ بألا يصل الأمر إلى حَدِّ تعديل الطلبات بإضافة ما لم يُطْلَب الحكمُ به صراحةً، أو تحوير الطلبات بما يُخْرِجُهَا عن حقيقة القصد والنية من وراء إبدائها- تخضع المحكمة في ذلك لرقابة محكمة الطعن([1]).
– طلبات في الدعوى- تحديدها- العبرة في طلبات الخصوم هي بما يطلبوه على وجهٍ صريح وجازم، وتتقيد المحكمة بطلباتهم الختامية، ولا عبرة بالطلبات التي تضمنتها صحيفة الدعوى مادام لم يُحَل إليها فى المذكرات الختامية- الأصل أن يُحَدِّدَ المدعي نطاقَ دعواه وطلباتِه فيها، ولا تملك المحكمة من تلقاء نفسها أن تتعداها، وإلا فإنها تكون تجاوزت حدود سلطتها.
– الطعن في الأحكام- الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا- تصدي المحكمة الإدارية العليا للفصل في الموضوع- على المحكمة الإدارية العليا إذا تبينت بطلان الحكم المطعون فيه، وانتهت إلى إلغائه، أن تفصل في موضوع الدعوى متى كان صالحًا للفصل فيه- أساس ذلك: مبدأ الاقتصاد في الإجراءات، ولا وجه للحجاج بمبدأ تعدد درجات التقاضي([2]).
– القرار الإداري قد يكون صريحًا أو سلبيًّا- يكون القرار صريحًا حينما تُفْصِح عنه جهةُ الإدارة بإرادتها الملزمة في الشكل الذي يحدِّده القانونُ بما لها من سلطةٍ بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث مركز قانوني معين- يكون القرار سلبيًّا عندما تمتنعُ جهةُ الإدارة عن اتخاذِ إجراءٍ معين كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون- يتعين لقيام القرارِ السلبي أن يكون هناك إلزامٌ على الإدارة أن تتخذ إجراءً معينا، فإذا لم يوجد هذا الالتزام، فإن امتناعها عن إصدار القرار لا يُشكِّلُ قرارًا سلبيًّا مما يقبلُ الطعنَ عليه بالإلغاء.
– شئون الطلاب- قبولهم بالجامعات- ناط المشرِّعُ بالمجلس الأعلى للجامعات تنظيمَ قبولِ الطلابِ في الجامعات الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الجامعات، وتحديدَ أعدادِهم، حيث يُحَدِّدُ في نهايةِ كلِّ عامٍ جامعي (بناءً على اقتراحِ مجالس الجامعات، وبعد أخذ رأي مجالس الكليات المختلفة) عددَ الطلابِ المصريين الذين يُقْبَلُون في كلِّ كليةٍ أو معهدٍ فى العام الجامعي التالي، من الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يُعادِلها- دور مكتب التنسيق هو تنفيذ إرادة هذا المجلس لِما رسمه المشرِّعُ في القانون- مشروعية قرار مكتب التنسيق بقبول الطلاب بكليات ومعاهد الجامعات مرهونةٌ بأن يجري هذا التنسيق طبقًا للضوابط والإجراءات التي رسمها القانون ولائحته التنفيذية، والقرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للجامعات في هذا الصدد، والتي من أهمها تحديد الأعداد المقبولة بكلِّ كليةٍ أو معهدٍ- يلتزم مكتب التنسيق بقبول هذه الأعداد، مع مراعاة التوفيق بين رغبات الطلاب، والأماكن المتاحة، ومجموع الدرجات الحاصلين عليها، بحيث يكون القبولُ بترتيب درجات النجاح، بمراعاة التوزيع الجغرافي؛ بحسبانه معيارًا موضوعيا عادلا- قرارُ مكتبِ التنسيق بترشيح الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة للقبول بالجامعات المصرية يصدر عن سلطة مقيدة، ومن ثم فهو قرارٌ تنفيذي، لا يتقيد الطعن عليه بميعاد دعوى الإلغاء.
– المواد (14) و(18) و(19) و(196) من قانون تنظيم الجامعات، الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972, والمعدَّل بموجب القانون رقم 142لسنة 1994.
– المادتان (74) و(75) من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات, الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 809 لسنة 1975.
– شئون الطلاب- قبولهم بالجامعات- عدمُ التزام مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد العليا بترشيح العدد الذي قرر المجلس الأعلى للجامعات قبوله من الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة بإحدى الكليات، يمثلُ قرارًا سلبيًّا بالامتناع، يخالفُ أحكامَ القانون، ولا يتقيد الطعن عليه بميعاد, مادامت حالة الامتناع مستمرة- من أخص الآثار التي تترتب على بطلان هذا المسلك: التزامُ مكتب التنسيق بترشيح العدد نفسه من الطلاب الذي قرر المجلس الأعلى للجامعات قبوله بتلك الكلية، ويدخل في المزاحمة والمنافسة للترشيح كلُّ ذي شأن، طبقًا لترتيب درجات النجاح في الثانوية العامة في العام الدراسي المعنيِّ، وبمراعاة جميع الضوابط والمعايير المقررة قانونًا للترشيح.
في يوم الأربعاء الموافق 21/8/2013 أودع الأستاذ الدكتور/… المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلا عن الطاعن بصفته قلم كتاب هذه المحكمة تقريرَ الطعن الماثل، وذلك طعنًا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة السادسة) بجلسة 4/7/2013، في الشق العاجل من الدعوى رقم 490 لسنة 67ق، القاضي في منطوقه بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد، وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن (بصفته) في ختام تقرير الطعن -للأسباب الواردة به- تحديد أقرب جلسة لنظر الطعن، والحكم: (أولا) بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. و(ثانيًا) وبعد إحالة الطعن لدائرة الموضوع، القضاء بقبوله شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ قرار إعلان نتيجة تنسيق ابنه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إلحاقه بكلية الطب البشري بجامعة عين شمس؛ لوجود أماكن شاغرة من حق حملة الثانوية العامة المصرية شغلها، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة للفصل فيها بهيئة مغايرة -على النحو المبين بالأسباب- مع إبقاء الفصل في المصروفات.
ونُظِرَ الطعنُ أمام الدائرة السادسة (فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا، على النحو المبين بمحاضر الجلسات، إلى أن قررت إحالته إلى الدائرة السادسة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 19/3/2014، والتي قُصِّرَتْ لجلسة 5/3/2014 بناءً على الطلب المقدَّم من الطاعن (بصفته)، وبهذه الجلسة وما تلاها نُظِرَ -على النحو المبين بمحاضر الجلسات-، وبجلسة 19/3/2014 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 23/4/2014 مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوع انقضى دون تقديم شيء، وبالجلسة المذكورة سالفًا قررت المحكمة إعادة الطعن للمرافعة بالجلسة نفسها، وتأجيله لجلسة 7/5/2014؛ لتقديم صورة رسمية من قرار المجلس الأعلى للجامعات المتضمن تحديد أعداد الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية عام 2012 الذين تقرر قبولهم بكلية الطب جامعة عين شمس للعام الجامعي 2012/2013، أو شهادة رسمية مُعتمَدة من المجلس تتضمن البيان نفسه، وكذا تقديم شهادة رسمية ومُعتمَدة من كلية الطب جامعة عين شمس تبين على وجه الدقة الحد الأدنى لمجموع الدرجات الذي تم بناء عليه قبولُ قيدِ 619 طالبًا من هؤلاء الطلاب، وصرَّحت المحكمة للطاعن بصفته باستخراج هذين المستندين وتسلمهما من جهة الاختصاص في مظروفين مغلقين يُفَضَّان بمعرفة المحكمة.
وقدم الطاعن بصفته في الجلسات التالية صورة رسمية من قرارات المجلس الأعلى للجامعات الصادرة بجلسته رقم (574) بتاريخ 19/7/2012، المتضمنة تحديد الأعداد المقرر قبولها في العام الجامعي 2012/2013 من الناجحين بالثانوية العامة المصرية هذا العام، والبيان المرافق لهذه القرارات المتضمن قبول عدد 1061 طالبًا بكلية الطب جامعة عين شمس، وكتاب أمانة المجلس الأعلى للجامعات المؤرَّخ في 5/11/2014 الذي يشير في شأن بيان أعداد الطلاب حملة الثانوية العامة المصرية الذين تقرر قبولهم بكليات الطب بالجامعات المصرية في العام الجامعي 2012/2013 إلى قرارات المجلس الأعلى للجامعات الصادرة بجلسته رقم (574) بتاريخ 19/7/2012 وأنه لم تصدر أي قرارات لاحقة عن المجلس الأعلى للجامعات في هذا الشأن، وأرفق بهذا الكتاب بيان الأعداد المشار إليه بقرارات المجلس الأعلى للجامعات المذكورة سالفًا، كما قدم إفادة صادرة عن الإدارة العامة لشئون التعليم بجامعة عين شمس تفيد أن أعداد الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المقبولين بكلية الطب العام الجامعي 2012/2013 هي تقريبًا: 629 طالبًا، وأن هذا العدد مرشحٌ عن طريق مكتب التنسيق وليس من الجامعة، وأن الحد الأدنى للقبول بكلية الطب (406,5) درجة.
وبجلسة 4/6/2014 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات ومستندات خلال أسبوع، وانقضى الأجل المضروب دون تقديم شيء، وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه لدى النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه المقررة لقبوله، فمن ثم يتعين القضاء بقبوله شكلا.
وحيث إنه عن الموضوع، فإن عناصر هذه المنازعة تتحصل -حسبما يبين من الأوراق والحكم المطعون فيه- في أنه بتاريخ 3/10/2012 أقام المدعي بصفته (الطاعن بصفته) الدعوى رقم 490 لسنة 67ق. بموجب صحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة السادسة)، طالبًا في ختامها الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار مكتب التنسيق بتحديد الحد الأدنى للقبول بالجامعات الحكومية والخاصة للعام 2012/2013 للحفاظ على مستقبل المتفوقين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وتنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وساق شرحًا لدعواه أن نجله المذكور (أحمد) حصل على الثانوية العامة لعام 2011/2012 وذلك بمجموع تجاوز 98%، غير أنه فوجئ بارتفاع الحد الأدنى للقبول بجميع الكليات عن العام السابق وخاصة كليات القمة (الطب- الصيدلة) بشكلٍ غير مسبوق، ونعى على قرار مكتب التنسيق الصادر في 29/7/2012 بتحديد الحد الأدنى للقبول بالجامعات الحكومية مخالفته لمبدأ العدالة والمساواة بين المواطنين فيما ذهب إليه، وانحرافه عن المصلحة العامة، وأن غايته كانت رفع معدلات التنسيق لمصلحة الجامعات الخاصة، فضلا عن إهداره مبدأ تكافؤ الفرص، وذلك على التفصيل الوارد بصحيفة الدعوى التي اختتمها بالطلبات المشار إليها.
وجرى نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، على النحو المبين بمحاضر الجلسات، حيث قدم المدعي (بصفته) ست حوافظ مستندات طويت على المستندات المعلاة بغلاف كلٍّ منها، كما قدم بجلسة 21/4/2013 صحيفةً معلنة بتعديل طلباته لتصبح قبول الدعوى شكلا، وفي الشق العاجل بوقف تنفيذ قرار إعلان نتيجة تنسيق نجله، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إلحاقه بكلية الطب البشري جامعة عين شمس؛ لوجود أماكن شاغرة بها من حق حملة الثانوية العامة المصرية شغلها، مع تنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان.
………………………………………………..
وبجلسة 4/7/2013 قضت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (الدائرة السادسة) بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وألزمت المدعي المصروفات.
وشيَّدت المحكمة قضاءها محل الطعن على أن المدعي يهدف من دعواه -على وفق طلباته المعدَّلة- إلى قبول الدعوى شكلا، ووقف تنفيذ وإلغاء قرار إعلان نتيجة القبول بالجامعات بالعام الدراسي 2012/2013، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها قبول نجله بكلية الطب جامعة عين شمس مع تنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان، وإلزام جهة الإدارة المصروفات، ثم استعرضت المحكمة نص المادة (24) من قانون مجلس الدولة (الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972)، وشيدت قضاءها على أن واقعة التنسيق المطعون عليها قد تمت في غضون شهري أغسطس وسبتمبر 2012، وذكر المدعي بصحيفة دعواه أن الدراسة بدأت في 15/9/2012 عقب ظهور نتيجة الثانوية العامة، وقد صدر بشأنها القرار المطعون فيه، وقد اعتاد مكتب التنسيق على إخطار صاحب الشأن بنتيجة التنسيق، كما يقوم بالإعلان عن النتيجة بالنشر على شبكة الإنترنت، ومن ثم تحقق علمُ المدعي بالقرار علمًا يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا، ولاسيما أن هذه النتائج يحرص كلُّ ذي شأن على متابعتها بحرصٍ شديد وتتبعها في جميع وسائل الإعلام، ومن ثم كان يتعين عليه مخاصمة هذا القرار فور إخطاره بنتيجة التنسيق أو نشر نتائجه على شبكة الإنترنت بوسائل الإعلان خلال ستين يومًا من تاريخ نشر القرار المطعون فيه، أما وأنه قصر ولم يقم بمخاصمة هذا القرار إلا بتاريخ 24/4/2013، فإنه يكون بذلك فوَّتَ على نفسه المواعيدَ التي حدَّدها القانونُ لدعوى الإلغاء، وخلصت المحكمة لحكمها المتقدم السالف إيراد منطوقه.
………………………………………………..
وحيث إن هذا القضاء لم يصادف قبولا لدى الطاعن (بصفته)، فقد نعى عليه مخالفته للقانون وأحكام المحكمة الإدارية العليا، والخطأ في تطبيق قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972؛ لأسبابٍ حاصلها أنه لم يعلم بأن مجموع نجله يؤهِّلُه لإحدى كليات الطب، ولم يدرِ أن جهة الإدارة اتخذت التنسيق وسيلةً لتحقيق غاية غير ظاهرة، وهي حرمان نجله من الأماكن التي يوفرها له العدد المحدد سلفًا من قبل المجلس الأعلى للجامعات لحملة الثانوية العامة المصرية، ومن ثم لا يكفي علمُه بأسبابِ القرار المعلَنة، بل يتعين علمُه بالغاية، ويتحدد ميعاد الطعن من هذا التاريخ الذي تبين له منه مركزه القانوني، وبناء على هذا فقد تقدم لمحكمة القضاء الإداري للطعن في استمرار الجهة الإدارية في الامتناع عن إعادة تنسيق نجله بكلية الطب جامعة عين شمس، أو إحدى كليات الطب، تحقيقًا لمبدأ العدالة والمساواة، بالإضافة إلى أن الجهة الإدارية أقرَّت بأن كلية الطب جامعة عين شمس كان مُحدَّدًا لها عدد 1061 طالبًا، في حين أن العدد المرشح النهائي بعد التحويلات وظهور نتيجة الدور الثاني للثانوية العامة بلغ 629 طالبًا، وقد عللت جهة الإدارة ذلك بسبب التحويلات إلى كليات الطب بالمحافظات، وهو أمر غير معقول، لأن التحويلات تكون في حدود 10% على وفق أحكام القانون، أما ما ذهبت إليه الجهة الإدارية فيعني أنها قامت بتحويل أكثر من 40% من الطلاب الذين تمَّ ترشيحُهم من مكتب التنسيق، هذا في الوقت الذي أفادت فيه كلية الطب بجامعة عين شمس بأن عدد المرشحين لها من مكتب التنسيق 619 طالبًا، ومن ثم فقد حرمت الكلية طلاب الثانوية العامة المصرية لهذا العام من 450 مقعدًا يحقُّ لهم شغلها بها، وخلص الطاعن (بصفته) إلى الطلبات المتقدمة.
………………………………………………..
وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون غير مقيدة بالأسباب التي يبديها الطاعن ويظاهر بها طعنه. (في هذا المعني حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3139 لسنة 48ق.ع بجلسة 9/5/2006).
كما أنه من المستقر عليه على وفق قضاء هذه المحكمة أن تكييف الدعوى وتحديد طلبات الخصوم فيها أمر يستلزم إنزال حكم القانون الصحيح على وقائع الدعوى، وهو أمر تستقل به المحكمة بما لها من هيمنة على الدعوى، فللمحكمة أن تتقصى طلبات المدعي، وأن تستظهر النية الحقيقية من وراء إبدائها، إلا أن ذلك مشروط بألا يصل الأمر إلى حدِّ تعديل طلباته فيها، بإضافة ما لم يطلب الحكم به صراحةً، أو تحوير تلك الطلبات بما يُخْرِجُهَا عن حقيقة مقصده ونيته من وراء إبدائها، فلا يجوز لها أن تلجأ إلى تكييف الدعوى أو تحديد الطلبات فيها متى كانت هذه الطلبات صريحةً واضحةً لا لبس فيها أو غموض، وهي في ذلك تخضع لرقابة محكمة الطعن. (في هذا المعنى: حكم دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 4986 لسنة 46ق.ع بجلسة 5/7/2003، وحكم الدائرة السابعة في الطعن رقم 25382 لسنة 56ق.ع بجلسة 3/7/2011).
وأن العبرة في طلبات الخصوم هي بما يطلبونه على وجهٍ صريح وجازم، وتتقيد المحكمة بطلباتهم الختامية، ولا عبرة بالطلبات التي تضمنتها صحيفة الدعوى، مادام أن المدعي لم يُحِل فى مذكراته الختامية إليها. وأن الأصل أن المدعي هو الذي يحدِّدُ نطاقَ دعواه وطلباته أمام القضاء، ولا تملك المحكمة من تلقاء نفسها أن تتعداها، فإذا هي قضت بغير ما يطلبه الخصوم، فإنها تكون بذلك قد تجاوزت حدود سلطتها، وحَقَّ إلغاءُ ما قضت به. (في هذا المعني حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3116 لسنة 35ق.ع بجلسة 23/5/2006).
وأن القرار الإداري قد يكون صريحًا، بأن تُفْصِح عنه جهةُ الإدارة بإرادتها الملزمة في الشكل الذي يحدِّده القانونُ بما لها من سلطةٍ بمقتضي القوانين واللوائح بقصد إحداث مركز قانوني معين، وقد يكون القرار سلبيًّا، وذلك عندما تمتنعُ جهةُ الإدارة عن اتخاذِ إجراءٍ معين كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون، ويتعين لقيام القرارِ السلبي أن يكون هناك إلزامٌ على جهة الادارة باتخاذ قرارٍ معين، فإذا لم يكن إصدارُ مثل هذا القرار واجبًا عليها، فإن امتناعها عن إصداره لا يُشكِّلُ قرارًا سلبيًّا مما يقبلُ الطعنَ عليه بالإلغاء.
وحيث إن وقائع النزاع الماثل تتحصل -حسبما يبين من الأوراق- في أن نجل الطاعن (أحمد) قد حصل على شهادة الثانوية العامة- شعبة المواد العلمية- عام 2012، من مدرسة ليسيه الحرية بمصر الجديدة التابعة لإدارة النزهة التعليمية، بمجموعٍ اعتباري كلي 404,5 درجة من 410 درجة، وقد أبدى رغباته أمام مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد العليا، وكانت رغبتُه الأولى الالتحاقَ بكلية الطب البشري جامعة عين شمس، إلا أن المكتب المذكور سالفًا رشحه للقبول بكلية الصيدلة- جامعة عين شمس (التي كانت الرغبةَ السابعة له طبقًا لبطاقة الاختيار المودَعة بالأوراق)، وقد التحق بالدراسة بالكلية الأخيرة، إلا أنه إزاء نعيه على مسلك جهة الإدارة المطعون ضدها في تحديدها الحد الأدنى لدرجات القبول بالجامعات الحكومية والخاصة عن العام الدراسي الجامعي 2012/2013 على نحوٍ مرتفع عن العام السابق بمخالفته القانون، وإساءة استعمال السلطة، والإضرار بمستقبل الطلاب، فقد بادر بتاريخ 3/10/2012 بإقامة دعواه الماثلة طعنًا على قرار تحديد الحد الأدنى للقبول بالجامعات الحكومية والخاصة للعام 2012.
وأثناء تداول نظرها بالجلسات قدم بجلسة 21/4/2013 صحيفةً معلنة بتعديل هذه الطلبات لتصبح وقف تنفيذ وإلغاء قرار إعلان نتيجة تنسيق نجله، مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلحاقه بكلية الطب البشري جامعة عين شمس لوجود أماكن شاغرة بها من حق حملة الثانوية العامة المصرية شغلها، مع تنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان، وأسَّسَ هذه الصحيفة على سندٍ من القول بأن الجهة الإدارية المدعى عليها لم تستوفِ الأعداد المقرَّر قبولها لهذا العام 2012/2013 بكلية الطب جامعة عين شمس، وأنها ادعت عدم حصول نجله على الحد الأدنى للقبول بهذه الكلية، بالرغم من أنها لو كانت أعملت صحيحَ حكمِ القانون والقرارات المنظِّمة للأعداد المقرَّر قبولها من المجلس الأعلى للجامعات ومكتب تنسيق كلية طب عين شمس وهو 1061 طالبًا، والذي لم تستوفِ الكلية منها إلا 619 طالبًا فقط، لنَزَلَ حَدُّ القبولِ بها، مما كان سيُتيح لنجله الالتحاق بها.
ولما كانت الوقائع المبينة سالفًا -على هذا النحو- تدورُ حول قرارِ جهةِ الإدارة الطعين بتحديد أعداد الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية عام 2012، والذين رُشِّحُوا عن طريق مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد العليا للقبول بكلية الطب جامعة عين شمس للعام الجامعي 2012/2013، وأثر ذلك في أحقية نجل الطاعن (بصفته) في القبول بهذه الكلية للدراسة في هذا العام من عدمه، وذلك في ضوء القواعد والقرارات التي قررها المجلس الأعلى للجامعات في هذا العام، والتي منها تحديد عدد 1061 طالبًا للقبول بهذه الكلية.
وحيث إن إيضاحَ الأمر المتقدم يتطلبُ بدايةً تحديدَ الطبيعة القانونية للقرار الذي يصدر عن مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد العليا بترشيح طلاب الثانوية العامة المصرية للالتحاق بكليات الجامعات المصرية الحكومية، على وفق أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 ولائحته التنفيذية، وبيانَ ما إذا كان مكتب التنسيق يتمتعُ بسلطةٍ تقديرية في مسألةِ تنسيقِ الطلاب للالتحاق بمختلف كليات الجامعات وتحديدِ أعدادهم من عدمه.
وفي هذا الشأن فقد نصت المادة (14) من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه، المعدَّلة بالقانون رقم 142 لسنة 1994، على أن: “تتولى المجالس والقيادات المبينة في هذا القانون كلٌّ في دائرة اختصاصه مسئوليةَ تسيير العمل الجامعي وانطلاقه بما يحقق أهداف الجامعة في حدود القوانين واللوائح والنظم المقررة. وتعتبر القرارات الصادرة من كلِّ مجلسٍ من المجالس المنصوص عليها في هذا القانون في حدود اختصاصها مُلزِمةً للمجالس الأدنى منه… وتُبين اللائحةُ التنفيذية لهذا القانون نظامَ العمل في تلك المجالس…”.
ونصت المادة (18) من القانون نفسه، المعدَّلة بالقانون رقم 142 لسنة 1994، على أن: “يُشكَّل المجلسُ الأعلى للجامعات برئاسة الوزير المختص بالتعليم العالي، وعضوية:…”.
ونصت المادة (19) منه على أن: “يختصُّ المجلسُ الأعلى للجامعات بالمسائل الآتية:… (6) تنظيم قبول الطلاب في الجامعات، وتحديد أعدادهم…”.
ونصت المادة (196) من القانون المشار إليه على أن: “تصدر اللائحة التنفيذية لهذا القانون بقرارٍ من رئيس الجمهورية، بناءً على عرض من وزير التعليم العالي… وتنظم هذه اللائحة، علاوةً على المسائل المحدَّدة في القانون، المسائل الآتية بصفةٍ خاصة:… (4) شروط قبول الطلاب، وقيدهم، ورسوم الخدمات التي تُؤدَّى إليهم…”.
وحيث إنه تنفيذًا للقانون المشار إليه، صدرت اللائحة التنفيذية بمقتضي قرار رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1975، ونصت المادة (74) منها على أن: “يُحَدِّدُ المجلسُ الأعلى للجامعات، في نهاية كلِّ عامٍ جامعي، بناءً على اقتراح مجالس الجامعات، عددَ الطلاب من أبناء جمهورية مصر العربية الذين يُقْبَلُون في كلِّ كليةٍ أو معهدٍ في العام الجامعي التالي، من بين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو على الشهادة المعادلة…”.
ونصت المادة (75) من اللائحة المذكورة سالفًا على أن: “يُشترَطُ في قيدِ الطالبِ للحصول على درجة الليسانس أو البكالوريوس: (1) أن يكون حاصلا على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها، ويكون القبولُ بترتيبِ درجات النجاح، مع مراعاة التوزيع الجغرافي، وفقًا لِما يُقرره المجلسُ الأعلى للجامعات، وبعد أخذ رأي مجالس الجامعات ومجالس الكليات…”.
وحيث إن مؤدى النصوص المتقدمة أن تنظيمَ قبولِ الطلابِ في الجامعات الخاضعة لأحكام قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه، وتحديدَ أعدادِهم منوطٌ بالمجلس الأعلى للجامعات الذي يُحَدِّدُ في نهايةِ كلِّ عامٍ جامعي -بناءً على اقتراحِ مجالس الجامعات، وبعد أخذ رأي مجالس الكليات المختلفة- عددَ الطلابِ من أبناء جمهورية مصر العربية الذين يُقْبَلُون في كلِّ كليةٍ أو معهدٍ فى العام الجامعي التالي، من بين الحاصلين على شهادة الثانوية العامة المصرية أو ما يُعادِلها.
ولما كان قانون تنظيم الجامعات المذكور سالفًا (الذي اختص المجلس الأعلى للجامعات بمسألة تنظيم قبول الطلاب في الجامعات وتحديد أعدادهم على نحو ما سلف بيانه) قد أوكل إلى اللائحة التنفيذية مهمةَ تنظيمِ شروط قبول هؤلاء الطلاب، وقيدهم على وفق ترتيب درجات النجاح والتوزيع الجغرافي، فمن ثم يكون المختص قانونًا في هذا الخصوص (تحديد الأعداد المقبولة) هو المجلس الأعلى للجامعات، ويكون دور مكتب التنسيق هو تنفيذ إرادة هذا المجلس لِما رسمه المشرِّعُ في هذا القانون، ومن ثم فإن مشروعيةَ القرار الصادر عن مكتب التنسيق بقبول الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية أو ما يعادلها بكليات ومعاهد الجامعات المصرية، مرهونةٌ بأن يجري هذا التنسيق طبقًا للضوابط والإجراءات التي رسمها قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، ولائحته التنفيذية، والقرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للجامعات في هذا الصدد، والتي من أهمها تحديد الأعداد المقبولة بكلِّ كليةٍ أو معهدٍ تابع للجامعات المصرية الحكومية، بأن يلتزم بقبول هذه الأعداد، مع مراعاة التوفيق بين رغبات الطلاب، والأماكن المتاحة، ومجموع الدرجات الحاصلين عليها، بحيث يكون القبولُ بترتيب درجات النجاح، بمراعاة التوزيع الجغرافي؛ بحسبان أن ذلك معيارٌ موضوعيٌ عادلٌ، يكفلُ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الطلاب، ويحقق الشفافية ويزكي المنافسة المشروعة بينهم.
ولما كان مكتبُ التنسيق لا يتمتعُ بأيةِ سلطةٍ تقديرية في شأن تحديد أعداد الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية المقرَّر قبولها بالجامعات المصرية، بل سلطتَه مقيدةٌ في هذا الخصوص بما قرره المجلس الأعلى للجامعات المختص بتحديد هذه الأعداد، ثم يتولى إبلاغها لمكتب التنسيق لتنفيذها طبقًا للقواعد والضوابط المقررة قانونًا، ويكون قرارُه مُلزِمًا لمكتبِ التنسيق ولمجالسِ الكليات والجامعات عملا بصريح نص المادة (14) من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه، فمن ثم يكون القرار الذي يصدرُ عن مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد العليا بترشيح الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية للقبول بكليات الجامعات المصرية لا يعدو عن كونه قرارًا تنفيذيا لا يتقيد الطعن عليه بالإلغاء بميعاد الستين يومًا المنصوص عليها بالمادة (24) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
وبالبناءِ على ما تقدم، ولما كان الطاعن (بصفته) ينازعُ -بموجب دعواه محل الحكم الطعين- في عدد الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية عام 2012، الذين أعلنَ مكتبُ تنسيقِ القبول بالجامعات والمعاهد العليا عن ترشيحهم للقبول بكلية الطب البشري جامعة عين شمس للعام الجامعي 2012/2013، على سندٍ من أن نجله (أحمد) كان يحقُّ له الالتحاقُ بهذه الكلية إذا ما التزمَ مكتبُ التنسيق بإعمالِ صحيح أحكام القانون وقبول العدد الذي قرره المجلس الأعلى للجامعات، فمن ثم فإن حقيقةَ طلباته -على هذا النحو- تكون قبول دعواه شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار جهة الإدارة المطعون ضدها السلبي بالامتناع عن ترشيح العدد الذي قرر المجلس الأعلى للجامعات قبوله بكلية الطب البشري بجامعة عين شمس في العام الجامعي 2012/2013، من الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية عام 2012، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها قبول نجله المذكور بهذه الكلية في العام الجامعي المشار إليه، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
ولما كان من المقرر قانونًا أن الطعنَ على القرارات السلبية لا يتقيدُ بميعادِ الستين يومًا المقرَّرة لقبول دعوى الإلغاء، إذْ يظلُّ الميعادُ مفتوحًا مادامت استمرت حالة السلبية من قبل جهة الإدارة، فمن ثم تكون دعواه قد أقيمت خلال الميعاد المقرر قانونًا، وإذ استوفت جميع أوضاعها الشكلية الأخرى المقررة لقبولها، فيتعين قبولها شكلا.
وحيث إن حكمَ محكمة أول درجة قد خالفَ هذا النظر، وكيَّفَ طلباتِ الطاعن (بصفته) على نحوٍ مغاير، فإنه قد تنكب جادةَ صحيح حكم القانون، ويكون متعينًا إلغاؤه، والقضاء مجددًا بقبول الدعوى شكلا.
– وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه على المحكمة الإدارية العليا إذا ما تبينت بطلان الحكم المطعون فيه، وانتهت إلى إلغائه، أن تفصل في موضوع الدعوى متى كان صالحًا للفصل فيه؛ وأساس ذلك مبدأ الاقتصاد في الإجراءات الذي يعد من الأصول الجوهرية في قانون المرافعات، ولا يتعارض إعمالُه مع طبيعة المنازعة الإدارية؛ إذ هو في حقيقته من أصول القانون الإداري، الذي يقوم في جوهره لتحقيق فاعليته على سرعة الحسم، سواء في اتخاذ القرار الإداري، أو في الفصل في المنازعة الإدارية، ولا وجه للحجاج بمبدأ تعدد درجات التقاضي؛ لأنه متى كان موضوع الدعوى صالحًا للفصل فيه، فلا مبرر لإطالة أمد النزاع، والعودة بالإجراءات مرة أخرى إلى محكمة الموضوع التي أصدرت الحكم المطعون فيه، مع احتمال تعرضه للنقض مرة ثانية.
ولما كان الشق العاجل من الدعوى محل الحكم الطعين مُهيأً للفصل فيه، فإن المحكمة تتصدى له.
وحيث إنه من المقرر على وفق نص المادة (49) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، أنه يُشترَطُ لوقف تنفيذ القرار الإداري توفرُ ركنين: (الأول) ركن الجدية بأن يقوم طلبُ وقف التنفيذ على أسبابٍ يُرَجَّحُ معها إلغاءُ القرار المطعون فيه، و(الثاني) ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائجُ يتعذر تداركُها.
وحيث إنه في مقام استظهار ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فإنه متى ثَبُتَ على نحوِ ما تقدم من استعراض نصوص مواد قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972، ولائحته التنفيذية المشار إليها، أن هذا القانون ولائحته التنفيذية قد اختصا المجلس الأعلى للجامعات بمسألة تنظيم قبول الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية وما يعادلها في الجامعات المصرية، وتحديد أعدادهم، وعلى أن يتم ذلك على وفق ترتيب درجات النجاح، والتوزيع الجغرافي، فإن لازم ذلك ومقتضاه وجوبُ التزامِ مكتبِ تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد العليا بترشيح ذات عدد الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية الذين يقرر المجلسُ قبولَهم بكلِّ كليةٍ دون انتقاصٍ منه لهذا العدد، والقول بغير ذلك ينطوي على افتئات على الاختصاصات التي أناط بها المشرِّعُ المجلسَ الأعلى للجامعات، ويمثلُ مخالفةً صارخة لأحكام قانون تنظيم الجامعات المشار إليه.
ونزولا على هدي ما تقدم، ولما كان البادي من ظاهر الأوراق -وبالقدر اللازم للفصل في الشق العاجل من النزاع الماثل- أن المجلسَ الأعلى للجامعات قد قرر بجلسته رقم (574) بتاريخ 19/7/2012 قبولَ عدد (1061) طالبًا من الحاصلين على الثانوية العامة المصرية عام 2012 للقبول بكلية الطب جامعة عين شمس في العام الجامعي 2012/2013، وأبلغ مكتب تنسيق القبول للجامعات والمعاهد العليا بهذا القرار، وأنه لم تصدر عن المجلس أيُّ قراراتٍ لاحقة تُعَدِّلُ هذا القرار، إلا أن مكتب تنسيق القبول المذكور سالفًا اكتفى بترشيح عدد (629) طالبًا تقريبًا من هؤلاء الطلاب للالتحاق بهذه الكلية للعام الجامعي المشار إليه، وبحدٍّ أدنى (406,5) درجة، وذلك كله طبقًا للثابت بالمستندات المقدمة من الطاعن (بصفته) أمام هذه المحكمة، والتي لم تجحدها الجهةُ الإدارية المطعون ضدها، أو تنازعُ فيها، أو تقدمُ ما يخالفها.
وحيث إن عدمَ التزام مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد العليا بترشيح عدد الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية عام 2012 الذي قرر المجلس الأعلى للجامعات قبوله بكلية الطب البشري بجامعة عين شمس للعام الجامعي2012/2013، يمثلُ قرارًا سلبيًّا بالامتناع، يخالفُ -بحكم البادي من ظاهر الأوراق- أحكامَ قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 ولائحته التنفيذية، الذي أوجب على مكتب التنسيق ترشيحَ العددِ الذي يُقررُ المجلس الأعلى للجامعات قبولَه بكلِّ كليةٍ بالجامعات المصرية الحكومية، فمن ثم يتوفر بشأنه ركن الجدية المتطلب لوقف تنفيذه.
وحيث إن الاستمرار في تنفيذ القرار المطعون فيه من شأنه تحقق أضرار يتعذر تداركها، مما يتوفر معه ركن الاستعجال، ويكتمل معه ركنا الجدية والاستعجال في شأن الطلب الماثل، مما يتعين معه القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها التزام مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد العليا بترشيح ذات عدد الطلاب الحاصلين على الثانوية العامة المصرية عام 2012 الذين قرر المجلس الأعلى للجامعات قبولهم بكلية الطب البشري بجامعة عين شمس للعام الجامعي 2012/2013، على أن يدخل في المزاحمة والمنافسة للترشيح لهذه الكلية نجلُ الطاعن -شأن أقرانه- وذلك طبقًا لترتيب درجات نجاحه في الثانوية العامة المصرية في هذا العام، والذي حصل فيه على (404,5 ) درجة، وبمراعاة جميع الضوابط والمعايير المقررة للترشيح والواردة بقانون تنظيم الجامعات الصادر بالقرار بقانون رقم 49 لسنة 1972 ولائحته التنفيذية، مع تنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان، عملا بحكم المادة (186) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وألزمت جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب، عملا بحكم المادة (184) مرافعات، مع إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإداري؛ لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار -على النحو المبين بالأسباب- وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته بغير إعلان، وألزمت جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإداري بالقاهرة؛ لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.
([1]) يراجع ما قررته دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 6/6/2015 في دعوى البطلان المقيدة برقـم 25533 لسنة 60 القضائية (عليا)، حيث قررت أن التكييف هــــــو وصف الوقــــائع وإبـــــرازها كعنصر أو شــــــرط أو قيد للقاعدة القانونية واجبة التطبيق، وأن التكييف مهمة تقتضي جهدا في بحث طيات وقائع الدعوى، كما يقتضي فهم القانون والشروط اللازمة لإعمال نصوصه المختلفة، وقد أوجب المشرع أن تشتمل عريضة الدعوى التي تقدم إلى قلم كتاب المحكمة على موضوع الطلب وأسانيده، ورتب على إغفال هذا الإجراء بطلان العريضة، والحكمة التي تغياها المشرع من ذلك هي تمكين المحكمة من الإلمام بمضمون الدعوى ومرماها، وإتاحة الفرصة للمدعى عليه لأن يُكوِّن فكرة وافية عن المطلوب منه. وأكدت أن العبرة في تحديد طلبات المدعي هي بما يطلب الحكم به، فهو الذي يحدد نطاق دعواه وطلباته أمام القضاء، والمحكمة ملزمة في قضائها بهذه الطلبات وما ارتكزت عليه من سبب قانوني، مادام لم يطرأ عليها تغيير أو تعديل أثناء سير الخصومة، وأنه ولئن كان من حق المحكمة أن تعطي طلبات المدعي التكييف القانوني الصحيح على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابســـاته، إلا أنه ينبغي عليها ألا تصل في هذا التكييف إلى حد تعديل طلباته، سواء بإضافة ما لم يطلب الحكم به صراحة، أو بتحوير تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصده ونيته الحقيقية من وراء إبدائها، فإذا رأت المحكمة أن الوقائع التي يستند إليها المدعي لا تستجيب للحكم له بطلبه، فإنها تقضي برفضه، وأنه إذا كيفت المحكمة الدعـــــــوى على خلاف ما أقيمت به فإنها تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم، وورَدَ حكمها على غير محل، ووقع باطلا بطلانا مطلقا.
([2]) يراجع ما قررته دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 14 من مايو سنة 1988 في الطعن رقم 1352 لسنة 33 القضائية عليا (منشور بمجموعة المبادئ التي قررتها في ثلاثين عاما، مكتب فني، المبدأ رقم 12) من أن تطبيق مبدأ الاقتصاد في الإجراءات لا يتعارض إعماله في الصورة التي قررتها المادة (269/4) مرافعات مع طبيعة المنازعة الإدارية، بل أخذت به المحكمة الإدارية العليا على وتيرة متصلة منذ إنشائها، وقبل أن يعرفه تقنين المرافعات بهذا الوضوح، فهو أوجب الإعمال في نطاق القضاء الإداري، وأنه إذا انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى إلغاء حكم مطعون فيه أمامها لغير مخالفة قواعد الاختصاص فعليها إذا كان موضوعه صالحا للفصل فيه أن تفصل فيه مباشرة، ولا تعيده إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، وبينت أن صلاحية الدعوى للفصل فيها تتحدد بتهيئة الفرصة لتوفر دفاع الأطراف كاملا، وأكدت أنه لا يختلف إلغاء الحكم لبطلانه عن إلغائه لغير ذلك من الأسباب، فالبطلان من أوجه مخالفة القانون، وفصْل المحكمة الإدارية العليا في النزاع بعد إلغاء الحكم لغير البطلان لا يختلف عن فصلها فيه بعد إلغائه للبطلان.
وقارن بما قررته دائرة توحيد المبادئ في حكمها الصادر بجلسة 21 من إبريل سنة 1991 في الطعن رقم 2170 لسنة 31 القضائية عليا (المرجع السابق، المبدأ رقم 18/ج)، من أنه إذا انتهت المحكمة إلى أنه إذا شاب الحكم المطعون فيه بطلان جوهري ينحدر به إلى درجة الانعدام بسبب عدم صلاحية أحد أعضاء الهيئة التي أصدرته لنظر الدعوى، يلغى الحكم ويعاد الطعن إلى محكمة أول درجة لنظره من جديد، ولا تتصدى المحكمة الإدارية العليا في هذه الحالة لموضوع الدعوى؛ لأن الحكم يكون قد شابه بطلان ينحدر به إلى درجة الانعدام؛ لمخالفته للنظام العام القضائي.