جلسة 24 من أغسطس سنة 2013
الطعن رقم 36955 لسنة 56 القضائية (عليا)
(الدائرة الرابعة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حسن عبد الحميد البرعى
نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ طارق محمد لطيف عبد العزيز وعبد الفتاح أمين عوض الله الجزار وسعيد عبد الستار محمد سليمان وهشام السيد سليمان عزب.
نواب رئيس مجلس الدولة
تأديب- الدعوى التأديبية- الجهة المختصة بطلب إحالة الموظف إلى المحاكمة التأديبية- لا يُشترَط أن يكون طلبُ الإحالة إلى المحاكمة التأديبية مُقدَّمًا من السلطة المختصة بالمعنى المحدَّد في قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (الوزير- المحافظ- رئيس مجلس إدارة الهيئة)، بل يكفي أن يكون الطلبُ مُقدَّمًا من الجهة الإدارية- للنيابة العامة بصدد التصرف فيما تجريه من تحقيقات، وبصفتها أمينةً على الدعوى العمومية، أن تحدِّد المسار الذي تسير فيه الإحالة، فلها أن تكتفي بإرسال الأوراق إلى النيابة الإدارية بطلب محاكمته تأديبيا، ويكون هذا الطلب صادرًا عن جهةٍ مختصة قانونًا، ومن ثم تكون إحالتُه إلى المحاكمة التأديبية صحيحةً.
– المادتان (3) و(12) من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، المعدَّل بموجب القرار بقانون رقم 171 لسنة 1981، والقانون رقم 12 لسنة 1989.
– المادتان (82) و(87) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، المعدَّل بالقانون رقم 113 لسنة 1982، (والملغى لاحقًا بموجب القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية).
في يوم 25/7/2010 أودعت هيئة النيابة الإدارية قلمَ كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرَ طعنٍ قُيِّدَ بجدولها برقم 36955 لسنة 56ق. عليا في الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية للرئاسة بجلسة 29/5/2010 في الدعوى رقم 52 لسنة 52ق، القاضي بعدم قبول الدعوى التأديبية على النحو المبين بالأسباب.
وطلبت النيابة الإدارية -للأسباب المبينة بتقرير الطعن- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبمعاقبة المطعون ضدهما بالعقوبة المناسبة. وبعد الإعلان قانونًا، أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي، ارتأت فيه قبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا.
وجرى نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 24/4/2013 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الرابعة (عليا- موضوع) لنظره بجلسة 1/6/2013، وفيها نظر الطعن وبما تلاه من جلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 1/7/2013 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 24/8/2013، وفيها أعيد الطعن للمرافعة لتغيير التشكيل وقررت المحكمة إصدار الحكم آخر الجلسة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانونًا.
وحيث إن الطعن قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية.
وحيث إن عناصر المنازعة تتحصل -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 29/12/2009 أقامت النيابة الإدارية أمام المحكمة التأديبية للرئاسة الدعوى رقم 52 لسنة 52 ق مُتضمِّنةَ ملفَ قضيتها رقم 412 لسنة 2009 تقريرَ اتهامٍ ضد كل من: 1- … 2- … الموظفَين بوحدة تراخيص مرور فيصل التابعة لإدارة مرور الجيزة سابقًا، لِما نسب إليهما عام 2008:
(الأول) قام باستخراج تراخيص للسيارة رقم 582010 باسم/… للسيارة ماركة ميتسوبيشي، وأثبت بها بيانات مخالفة للحقيقة، بإثبات عبارة زجاج فاميه (فابريكه)، كما قام باستخراج تراخيص للسيارة ماركة بي إم دبليو باسم/… دون وجه حق، حال عدم وجود ملف للسيارة، وعدم سداد الرسوم الجمركية المستحَقة عليها، وذلك نظير مبلغ مالي.
(الثاني) قام بإثبات بيان مخالف للحقيقة بالرخصة الخاصة بالسيارة رقم 582010 ملاكي جيزة، من زميله المطعون ضده الأول، الخاص ببيان زجاج فاميه فابريكه، نظير مبلغ مالي، كما قام بتقديم بيانات مخالفة للحقيقة خاصة بالسيارة بي إم دبليو ملك المواطن/… للموظف/ المطعون ضده الأول، واستخراج ترخيص للسيارة بناء على ذلك، رغم عدم سداد مالكها الرسوم الجمركية المستحقة عليها، وعدم وجود ملف خاص بها بإدارة المرور، وذلك نظير مبلغ مالي من مالكها.
……………………………………………………………..
وبجلسة 29/5/2010 قضت المحكمة المتقدمة بعدم قبول الدعوى التأديبية، مُشَيِّدةً قضاءها على أن القانون قد قصر حق طلب تقديم العامل إلى المحاكمة التأديبية على السلطة المختصة في الجهة الإدارية التي يعمل بها، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، والثابت أن نيابة بولاق الدكرور باشرت التحقيق في القضية رقم 41792 لسنة 2008 ج بولاق الدكرور، المقيَّدة برقم 1727 لسنة 2008 حصر تحقيق، بشأن الوقائع التي أُحِيلَ بشأنها المحالان إلى المحاكمة التأديبية، وخلصت النيابة المذكورة إلى إرسال الأوراق إلى نيابة أمن الدولة العليا، التي خلصت إلى إرسال الأوراق إلى الجهة الإدارية التابع لها المتهمان، لاتخاذ إجراءات محاكمتهما تأديبيا، وعقب ذلك قام المحامي العام الأول لنيابة جنوب الجيزة الكلية بإحالة الأوراق إلى النيابة الإدارية مباشرة، طالبًا إحالتهما إلى المحاكمة التأديبية، وأن النيابة العامة ليست من بين الجهات التي تملك قانونًا الحق في طلب إحالة الموظف العام إلى المحاكمة التأديبية.
……………………………………………………………..
وحيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفًا للقانون، وأخطأ في تفسيره وتأويله، ذلك أن التكييف القانوني لطلب النيابة العامة هو إبلاغ النيابة الإدارية بالمخالفات التأديبية، دون إلزامٍ بالتصرف فيها على نحوٍ معين.
……………………………………………………………..
وحيث إن الثابت من الأوراق، فيما تضمنه بلاغ رئيس وحدة تراخيص الهرم فيصل- إلى نيابة جنوب الجيزة الكلية، بشأن ما استبان له أثناء استخراج الرخص التي طُبِعَت بالحاسب الآلي، من وجود رخصتين، الأولى للسيارة رقم 582010 باسم/… ماركة ميتسوبيشي، والثانية للسيارة رقم 608822 باسم/… ماركة بي إم دبليو، تم طباعتها بدون وجود ملفات ترخيص أوراق التجديد، وقُيِّدَ البلاغُ لديها بالقضية رقم 41792 لسنة 2008 بولاق الدكرور، المقيَّدة برقم 1727 لسنة 2008 حصر تحقيق، حيث أجرت النيابة تحقيقًا انتهت فيه إلى مسئولية كل من الموظف/… القائم بأعمال الطباعة والموظف/… (الطاعنين) لقاء مبلغ مالي مُتفَق عليه، مما يُشكِّل في حقهما الجناية المؤثمة بالمواد (103) و(107 مكررًا) و(211) و(212) و(213) من قانون العقوبات، وانتهت إلى إحالة الأوراق إلى نيابة أمن الدولة العليا للاختصاص، وبإحالتها قُيِّدَت لديها بالقضية رقم 41792 لسنة 2008 بولاق الدكرور، المقيدة برقم 167 لسنة 2009 حصر أمن دولة عليا، وأجرت تحقيقًا انتهت فيه إلى ثبوت ارتكاب المتهمين- الطاعنين- الجريمتين المؤثمتين بالمواد (40/ثانيا) و(41) و(103) و(104) و (211) و (212) و (213) من قانون العقوبات، وأنه في ضوء ظروف وملابسات الواقعة والاعتبارات المخولة للنيابة العامة، فلها أن تحيل المتهمين إلى الجهة الإدارية التابعين لها لمحاكمتهما، وعليه قام المحامي العام الأول لنيابة جنوب الجيزة الكلية بإحالة أوراق القضية إلى النيابة الإدارية، بموجب خطابه المؤرخ في 27/6/2009، بشأن طلب اتخاذ إجراءات محاكمة المتهمين تأديبيا.
وحيث إن المادة (3) من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، مُعدَّلا بالقانون رقم 12 لسنة 1989، تنص على أن: “… تختصُّ النيابةُ الإدارية… بما يأتي:… (2) فحص الشكاوى التي تُحَالُ إليها من الرؤساء المختصين أو من أيِّ جهةٍ رسمية عن مخالفة القانون أو الإهمال في أداء واجبات الوظيفة.
(3) إجراء التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية… وفيما يُحَالُ إليها من الجهات الإدارية المختصة وفيما تتلقاه من شكاوى الأفراد والهيئات التي يُثْبِتُ الفحصُ جديتَها…”.
وتنص المادة (12) من هذا القانون([1]) على أن: “إذا رأت النيابةُ الإدارية حفظَ الأوراق أو أن المخالفةَ لا تستوجِب توقيعَ جزاءٍ أشد من الجزاءات التي تملك الجهةُ الإدارية توقيعَها أحالت الأوراق إليها. ومع ذلك فللنيابة الإدارية أن تحيل الأوراق إلى المحكمة التأديبية المختصة إذا رأت مبرِّرًا لذلك…”.
وتنص المادة (82) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، المعدَّل بالقانون 113 لسنة 1983 على أن: “يكون الاختصاصُ في التصرف في التحقيق كما يلي: 1- لشاغلي الوظائف العليا كلٍّ في حدود اختصاصه حفظُ التحقيق أو توقيع جزاء… وللرؤساء المباشرين الذين يصدر بتحديدهم قرارٌ من السلطة المختصة كلٍّ في حدود اختصاصه… وللسلطة المختصة حفظُ التحقيق أو إلغاءُ القرار الصادر بتوقيع الجزاء أو تعديلُه ولها أيضًا إذا ألغت الجزاء أن تُحِيل العامل إلى المحاكمة التأديبية…”.
وتنص المادة (87) من القانون نفسه على أن: “… ويعتبر العاملُ مُحَالا للمحاكمة التأديبية من تاريخ طلب الجهة الإدارية أو الجهاز المركزي للمحاسبات من النيابة الإدارية إقامةَ الدعوى التأديبية”.
وحيث إن مفاد ذلك أن ما ورد بالمادة (82) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه، بشأن ما تملكه السلطة المختصة من إحالة العامل إلى المحاكمة التأديبية، لا يعني أن هذه السلطة وحدها هي التي تختص بالإحالة إلى المحاكمة التأديبية، فلا يُقبَل القولُ بأن النص المذكور يحصر سلطة الإحالة للمحاكمة التأديبية في السلطة المختصة (الوزير- المحافظ- رئيس مجلس إدارة الهيئة)، ولعل ما يُؤَكِّد هذا النظر أن المادة (87) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليها، قد نصت في فقرتها الأخيرة على أن يعد العامل مُحَالا للمحاكمة التأديبية من تاريخ طلب الجهة الإدارية، أو الجهاز المركزي للمحاسبات، من النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية، فهذا النص لم يَشترِط أن يكون طلب الإحالة للمحاكمة التأديبية من السلطة المختصة بالمعنى المحدَّد في القانون المشار إليه، بل اكتفى بأن يكون الطلب من الجهة الإدارية، ولما كانت النيابة العامة هي الأمينة على الدعوى، ويجوز لها بعد أن تأكدت من إسناد الاتهام إلى المتهمين أن تحدِّد المسار الذي تسير فيه هذه الإحالة، ومن ثم فإن الإحالة من النيابة العامة إلى النيابة الإدارية تكون صادرةً عن جهةٍ مختصة قانونًا، لاسيما أنها إحدى الجهات الرسمية -طبقًا للمادة (الثالثة/ فقرة ثانية) من القانون 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم هيئة النيابة الإدارية المشار إليها- المنوط بها ذلك.
ولما كان الثابت أن نيابة أمن الدولة العليا قد ثبت لها اقتراف الطاعنين الواقعة المنسوبة إليهما، مما يُشكِّل في حقهما الجنايتين المؤثمتين بالمواد (40/ ثانيا وثالثًا) و(41) و(103) و(104) و(211) و(212) و(213) من قانون العقوبات، وأنه في ضوء ظروف وملابسات الواقعة، وبما لها من سلطة الاكتفاء بإحالة المتهمين إلى الجهة الإدارية التابعين لها لمحاكمتهما تأديبيا، وبناء على ذلك أحال المستشارُ المحامي العام الأول لنيابة جنوب الجيزة الكلية الأوراقَ إلى النيابة الإدارية لاتخاذ شئونها في هذا الشأن، حيث اتخذت النيابة الإدارية شئونها بإحالة الطاعنين إلى المحاكمة التأديبية، فإنه والحال كذلك تكون الإحالة صادرة عن الجهة المختصة قانونًا، وهي سليمة من هذه الوجهة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى بغير ما تقدم، فإنه يكون قد أخطأ فيما قضى به، حقيقًا بالإلغاء، والقضاء بقبول الدعوى 52 لسنة 52ق، وبإعادة أوراق الدعوى المذكورة إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها من هيئة مغايرة.
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبقبول الدعوى 52لسنة 52ق، وأمرت بإعادة أوراق الدعوى المذكورة إلى المحكمة التأديبية للرئاسة للفصل في موضوعها من هيئة مغايرة.
[1])) مُعدَّلا بموجب القرار بقانون رقم 171 لسنة 1981.